الثلاثاء ١٢ كانون الثاني (يناير) ٢٠٢١
بقلم محمد زكريا توفيق

فيلم أضواء المدينة لتشارلي شابلن

بعد بداية دخول الصوت إلى عالم السينما، أنتج تشارلي شابلن فيلمه الصامت والناجح "السيرك" عام 1928. أول فيلم ناطق في تاريخ السينما ظهر عام 1927 بعنوان "مطرب الجاز".

توقع الكثيرون أن هذه هي نهاية الأفلام الصامتة. إلا أن تشارلي شابلن استمر في إنتاج فيلمه الصامت متحديا هذه الموجة، وقدم لنا تحفته "أضواء المدينة". وهو فيلم يعتبر مثال جوهري لسحر وقوة تعبير الفيلم الصامت، وقدرته الطاغية والتي لا تقل عن قدرة الفيلم الناطق، على نقل المشاعر والأحاسيس المرهفة للمشاهد.

استغرق إنتاج فيلم "أضواء المدينة" ثلاث سنوات وكان عرضه الأول عام 1931. قُضيت بين كتابة السيناريو والتصوير والمونتاج. وهي أطول مدة إنتاج لأي فيلم لشابلن.

الفيلم يحكي قصة متشرد تعس، لكنه إنسان رقيق المشاعر قادر على العطاء بدون حدود بالرغم من كونه لا يملك شروي نقير. وقع في حب فتاة عمياء تبيع الزهور في شوارع المدينة.

الفتاة هي الأخرى فقيرة دقة إلى جانب كونها عمياء. تكافح من أجل البقاء على قيد الحياة. ويمر صديقنا تشارلي المتشرد بسلسلة من المواقف، بما في ذلك صداقة غريبة غير متكافئة هزلية مع مليونير من الطبقة العليا في حالة سكر شديدة. يكره الحياة ويحاول الانتحار عدة مرات.

أخيرا، يتم لم شمل تشارلي المتشرد مع حبيبته فتاة الزهور، ثم ينتهي الفيلم بصورة رائعة لمتشرد محب ولهان، يبتسم بإخلاص لحبيبته الجميلة الحلوة البريئة. في مشهد نادر لا ينسى، ليس له مثيل في أي فيلم ظهر في عالم السينما حتى الآن.

عند عرض الفيلم أول مرة، عام 1931، قوبل بتعليقات إيجابية كثيرة من النقاد. في عام 1991، تم إدراجه في السجل الوطني للأفلام السينمائية في الولايات المتحدة، بسبب أهميته الثقافية والتاريخية والفنية.

في عام 2007، صنفه معهد الفيلم الأمريكي ووضعه في المرتبة الحادية عشر ضمن أفضل الأفلام الأمريكية التي ظهرت حتى الآن. فيلم "أضواء المدينة" لتشارلي شابلن، سيُذكر على الدوام كتحفة سينمائية حقيقية بكل المقاييس والمعايير.

يبدأ الفيلم بكشف الغطاء عن نصب تذكاري صمم حديثا لتمجيد قيمتي السلام والازدهار. فيجد جمهور الحاضرين تحته الصعلوك تشارلي شابلن مستغرقا في النوم على التمثال. يحاول النزول وسط صراخ الجمهور وصيحات البوليس، فيشتبك سرواله الممزق بسيف التمثال. لكنه ينجح في الهرب من المشهد إلى الشارع.

يمر بطفلين يبيعان جرائد الصباح على الناصية. ملابسه الرثة وعصاه وقبعته ومشيته الغريبة تغري الأطفال بالسخرية منه ومشاكسته. يتركهما ثم يقف معجبا ومتأملا أمام تمثال برونزي عاري في نافذة متجر. كونه متشردا وصعلوكا لا يمنعانه من أن يكون ذواقا ومقدرا للأعمال الفنية.

على ناصية نهاية الشارع، يرى فتاة جميلة جدا، لكنها عمياء، تبيع الزهور بجوار سور حديدي لمبني فاخر. يقع في حبها من أول نظرة عندما تحسست صدره وهي لا تراه لتضع في عروة سترته الممزقة وردة بيضاء.

يعطيها تشارلي العملة الوحيدة التي يمتلكها، ويتركها قبل الحصول على الباقي وهو في حالة هيام. أثناء ابتعاده عنها، تسمع الفتاة صوت باب سيارة ليموزين لرجل غني يوصد. فتظن خطأ أن الصعلوك هو الرجل الغني مالك السيارة.

في مساء نفس اليوم، يذهب الصعلوك إلى شاطئ النهر لكي ينام، فيجد مليونيرا مخمورا للغاية يحاول الانتحار غرقا. لكن الصعلوك ينجح في منعه من القيام بذلك. حينئذ يعلن المليونير أنه مدين بحياته للأبد للصعلوك. وأن صداقته له ستكون مدى الحياة.

يأخذ المليونير الصعلوك إلى قصره، ثم يعيره ملابس سهرة أكبر من مقاسه، ويخرجان معا إلى صالة رقص فاخرة لتناول العشاء. في صباح اليوم التالي يعودان إلى قصر المليونير.

يرى الصعلوك فتاة الزهور في الشارع، فيحصل على بعض المال من المليونير ويشتري كل الزهور منها بمبلغ عشر دولارات. المليونير يعطي أيضا الصعلوك سيارته فيقود الفتاة إلى بيتها، وهي لا تزال تعتقد أنه الثري.

في الصباح عندما يذهب الصعلوك إلى قصر المليونير، يجده قد استيقظ، لكنه لا يتذكر شيئا مما حدث في الليلة السابقة، ولا يذكر أنه قد التقى أبدا بالصعلوك من قبل. فيقوم كبير الخدم، جيمس، بأمر المليونير، بطرد الصعلوك إلى خارج المنزل.

في وقت لاحق من ذلك اليوم، وبعد أن يكون المليونير قد عاد مرة أخرى إلى سكره، يقابل الصعلوك في الشارع، فيتعرف عليه ويستقبله بالأحضان. يأخذه معه إلى القصر ويقيم حفلة خاصة تكريما له. لكن في صباح اليوم التالي، ينسى المليونير كعادته أنه قد قابل الصعلوك من قبل. وينسى أيضا كل شيء بخصوص حفلة الليلة السابقة. فيقوم رئيس الخدم بإلقاء الصعلوك مرة أخرى إلى الشارع.

في هذه الأثناء، تمرض فتاة الزهور بالأنفلونزا، ولم تعد قادرة على سداد إيجار شقتها التي تعيش فيها مع جدتها. عندما علم تشارلي بذلك، وعندما قرأ في الصحف عن طبيب يستطيع علاج حبيبته وتبرئتها من العمى، قرر المساعدة.

لكي يحصل على المال، قبل مؤقتا وظيفة عامل نظافة في البلدية. لكنه تأخر عن استلام العمل في أول يوم فيطرد من الوظيفة قبل أن يستلمها.

يحاول الصعلوك كسب بعض المال السهل في مباراة ملاكمة متفق على نتيجتها. المكافأة قدرها 50 دولارا يقتسمها مع خصمه مناصفة. لكن الخصم الذي كان مطاردا من البوليس، يلوذ بالفرار في اللحظة الحرجة، ويترك الصعلوك تشارلي لمصيره المجهول في الحلبة مع ملاكم محترف آخر. يخسر الصعلوك المباراة ويخرج منها مهزوما بدون نقود.

لا يزال الصعلوك تشارلي مصمما على كسب المال. يقابل المليونير في الشارع مرة أخرى وهو في حالة سكر طينة. يتعرف عليه المليونير كالعادة ويأخذه معه إلى قصره. فيخبره الصعلوك بحاجته إلى المال لعلاج الفتاة، يعطيه المليونير مبلغ ألف دولار بدون تردد.

في هذه الأثناء، يأتي لصان لسرقة المليونير. لكن يقاومهما الصعلوك ويطلب النجدة من البوليس بالتليفون. عندما تأتي الشرطة، تجد المليونير فاقدا للوعي بعد أن هرب اللصان.

لم تجد الشرطة سوى الصعلوك ومعه الألف دولار. تعتقد أنه هو اللص فتقوم بالقبض عليه. لكنه يهرب في الوقت المناسب ومعه الأف دولار. يذهب على الفور للفتاة ويعطيها المبلغ بالكامل ويخبرها أنه سيذهب بعيدا ويغيب لفترة من الوقت. في اليوم التالي يقبض عليه ويلقى في السجن.

بعد بضعة أشهر، يتم إطلاق سراح الصعلوك، لكنه في حالة يرثى لها، وأكثر بؤسا من أي وقت مضى. أثناء وجود الصعلوك في السجن، سددت الفتاة إيجار شقتها المتأخر وذهبت للطبيب لعمل عملية أعادت لها حاسة البصر. ثم استأجرت بما تبقى لها من نقود متجرا لبيع الزهور خاصا بها.

في المشهد الأخير، يتجول الصعلوك في شوارع المدينة. ينحني لالتقاط زهرة سحقتها الأقدام على الأرض. تراقبه فتاة الزهور من وراء زجاج نافذة متجرها وهي تبتسم بمودة لمظهره الفوضوي البائس، لكنها لا تعرف من هو.

يبتسم لها وهي تعطيه قطعة من النقود وزهرة جديدة سليمة بدلا من الزهرة الذابلة التي معه. وعندما تلمس بيديها يده، تعرفه على الفور، وتدرك أنه الرجل الذي ساعدها وكان السبب في إعادة البصر لها، والذي أحبته قبل أن تراه. ترثي لحاله ويبتسم لها، وينتهي الفيلم بمشهد لا ينسى ولم يتكرر في أي فيلم حتى الآن

مشهد النهاية:

https://www.youtube.com/watch?v=ZJKfmsuvGHg

ملاحظات وخواطر على الفيلم:

الصعلوك، تشارلي شابلن، بطل الفيلم، هو مهرج أبله، أخرق. غالبا ما يجد نفسه في مواقف صعبة محرجة. عادة بسبب ضآلة جسمه وتمرده وعدم قبوله للواقع. بالرغم من ملابسه الرثة، وعصاه وقبعته. وسلوكه الغريب، إلا أنه يحمل قلبا كبيرا.

طوال الفيلم، يتصرف ببسالة تجاه الغرباء. يمنع المليونير الانتحاري من قتل نفسه عدة مرات. ويعمل بلا كلل للحصول على المال لفتاة الزهور لتسديد الإيجار المتأخر عليها ولعلاج عينيها. إنه رجل أخلاقي بمعنى الكلمة. بطل في عالم قاس عز فيه الأبطال.

فتاة الزهور هي شابة تبيع الزهور في الشارع من أجل لقمة العيش لها ولجدتها. إنها جميلة رقيقة طيبة القلب، كانت رهينة الفقر وفقدان البصر. تعاطفت بسرعة مع الصعلوك بسبب لطفه ومساعدته لها وهي تعتقد أنه رجل ثري. استخدمت المال الذي تركه الصعلوك لها للذهاب إلى الطبيب لعمل عملية جراحية أعادت لها البصر. ثم افتتحت متجرا لبيع الزهور.

المليونير، شخصية هزلية مأساوية في نفس الوقت. عندما نلتقي به لأول مرة، كان يربط صخرة كبيرة حول عنقه لإغراق نفسه في النهر. عندما ينقذه الصعلوك، يصبح مبتهجاً ويشعر بأن شخصاً ما يهتم به. يبدو أنه يعاني من مشاكل عاطفية مع زوجته التي لم تظهر أبدا في الفيلم..

عندما يكون المليونير مخمورا، يتأرجح بين نوبات من الهوس والاكتئاب. في أحد النوبات، يمسك بمسدس ويحاول إطلاق النار على رأسه. في اليوم التالي يخرج للسهر والرقص طوال الليل.

الغريب في سلوك المليونير هو أنه عندما يكون في حالة سكر، يعرف من هو الصعلوك، ويعامله كأخ وصديق عزيز على قلبه. لكن عندما يفيق ويكون في حالة طبيعية، لا يعترف بالصعلوك وينكر معرفته له ويزعم أنه لم يره من قبل.

جيمس، كبير خدم المليونير. هو الشخصية الوحيدة التي تعلم صلة المليونير بالصعلوك، ومع ذلك لم يفعل شيئا لتذكير المليونير. ولم يتدخل لإنقاذ الصعلوك من الحبس بتهمة سرقة الألف دولار ظلما.

طوال الفيلم نرى مع الصعلوك زهرة بيضاء تلقاها من فتاة الزهور في الشارع. الزهرة هنا ترمز إلى الجمال والنقاء وحب الصعلوك الطاهر للفتاة. وفي نهاية الفيلم تعطيه الفتاة زهرة بيضاء وهي لا تعرفه. هي أيضا تبادله الحب النقي الطاهر من حيث لا تدري.

أما فتاة الزهور نفسها، فهي تمثل الجمال والبراءة، في هذا العالم الظالم. إنها تبيع الزهور، رمز الجمال والحياة والحب. وهو كل موضوع الفيلم.

في نهاية الفيلم، فتاة الزهور ليس لديها فكرة أن الصعلوك هو الرجل الذي ساعدها كل هذه الأشهر. لأنها تعتقد أن المتبرع لها كان رجلا ثريا، الصعلوك المحشور في سرواله الممزق، هو آخر رجل تتصور أنه حبها الحقيقي. عندما تلمس يده بيديها، تعرفه على الفور. لكنها تصدم بعد أن وجدت أن رجل أحلامها هو مجرد صعلوك ومتشرد.

تبتسم له، ويرى المشاهد بالرغم من هذه المفارقات الحادة، أن هناك حنانا عميق الشعور مشتركا بين الاثنين. باختصار، رسالة الفيلم في هذا المشهد الأخير. وهي أن السمعة والمظاهر أقل أهمية من المحبة الخالصة ودفء اللمسة الإنسانية.

فيلم أضواء المدينة:

إنتاج وإخراج تشارلي شابلن

تمثيل:

تشارلي شابلن في دور الصعلوك

فيرجينيا شيريل في دور فتاة الزهور

Virginia Cherrill - Google Search

هاري ماير في دور المليونير

الامست جارسيا في دور رئيس الخدم


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى