الخميس ٥ نيسان (أبريل) ٢٠١٨

في ذكرى حضور جمال عبد الناصر

نبيل الجولاني

(يجب علينا أن لا نقف عند حدود النكسات ونحن لا نملك الا أن نتجاوزها ونرتفع فوقها )
يقول جان لاكوتور الكاتب الفرنسي:ان مصر تاريخياً تُعتبر أرضاً خصبة لتجسيد السلطة فتوزيع السكان جغرافياً يمنع قيام أية ثورة ويدعم السلطة هناك ، لكن عبد الناصر اخترق هذين المستحيلين ، اذ قام بالثورة في بلد قال عنها ابن خلدون ان من السهل تحويلها الى امبراطورية حيث لا نجد غير حاكم ورعايا مطيعين.

ان قوة شخصية ناصر حمته من الوقوع في عبادة الفرد،كما فعل سوكارنو ونكروما، واذا كان موسوليني أراد أن يشبهه الناس بقيصر،وستالين ببطرس الأكبر، فلا شيء كان يُغضب عبد الناصر أكثر من تالية الفرد ،بعكس السادات الذي أطلق على نفسه(بالرئيس المؤمن) .
ليس هناك شك في أن ما فعله جمال عبد الناصر لمصر كان عظيماً فقد استهل بالاصلاح الاجتماعي.
لقد عمل عبد الناصر بكل جهوده ودون هوادة من أجل منع اسرائيل والولايات المتحدة من التدخل في أحداث عام 1970 في الاردن.
أما مُبارك فلم يعمل أي شئ أو يُحرك ساكناُ عندما غزت اسرائيل لبنان عام 1982 وأخرجت المنظمات منها ، أو حينما تدخلت أمريكا بواسطة قوات المارينز وضربت القوى الوطنية اللبنانية .
رفض جمال عبد الناصر حلف بغداد عام 1958 ورفض أًطروحات أنثوني ايدن رئيس وزراء بريطانيا، أما السادات فقد عقد اتفاقية صلح منفرد مع اسرائيل في 1979/03/26 ولم يختلف لا مع كيستجر ولا مع بيرس.
حينما أَمم عبد الناصر قناة السويس في 1956/07/26 أقفلت أنابيب النفط في الدول العربية الامر الذي حرم الدول الغربية النفط.
أما في عهد السادات وأثناء عبور قناة السويس فقد تدفق النفط بشكل أوفر الى الدول الغربية وخفض سعره، وفتحت أبواب مصر على مصاريعها أمام رأس مال واحتكارات الدول الغربية.
فيما كان عرفات وحبش يذهبان الى مصر في عهد عبد الناصر ينشدان المعونة المادية والمعنوية ويطلبان السلاح من أجل أن ينال الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة غير منقوصة .
كانا يذهبان الى مصر ابان الازمات وعندما تتهدد القضية الفلسطينية المخاطر.
وبقيت مصر هي مصر وعبدالناصر هو عبد الناصر، وأصبح السادات ومبارك اّفات اعترضت تاريخ شعبنا الفلسطيني والمصري العربي لم تلبث أن زالت كما زال كل ما اعترض أُمتنا من عقبات .
أثناء نكسة حزيران 1967 قرر عبد الناصر الاستقالة من منصبه مُبدياً استعداده ليقدم الى المحاكمة لمسؤوليته عن النكسة وكان مُصراً على أن يُسلم نفسه لارادة الشعب،وفي ذلك الوقت قال عبد الناصر اذا ما أدانني الشعب وشنقني في ميدان التحرير فعندئذ سأكون مؤمناً بأن الشعب قد حصل على حقه، ولكن الشعب المصري رفض الاستقالة، وخرج يجوب شوارع مصر رافضاً قرار الاستقالة يومي 9 و10 يونيو 1967، وبقى جمال، وأعاد بناء الجيش وخاض حرب الاستنزاف، وأعاد الكرامة والارادة للشعوب والجيوش العربية التي رأينا نتائجها في حرب تشرين 1973.
أما السادات وبعد أن مرغ أنوف الجيش المصري في ثغرة الدفرسوار، وبعد محادثات الكيلو 101، وبعد أن بدء حجيج المكوك كيسنجر وبعد زيارته للكنيست الاسرائيلي في 1977/11/19 طالبه الشعب المصري بالاستقالة الا انه رفض، وقال عن انتفاضة الطلاب والفلاحين المصريين التي تأججت يومي 18 و 19/7/1977.
انها انتفاضة الحرامية، ولكنها ارادة الجماهير أيضاً أطاحت به يوم 1981/10/06 نفس التاريخ الذي بدء به المعارك التي كانت من أجل الاستسلام وفعلاً حصل الشعب على حقه.
لقد غير جمال عبد الناصر صورة العالم العربي بمساعدته لكل ثورات الشعب العربي، ومساعدته للامة العربية بنيل استقلالها كالشعب الجزائري والليبي واليمني على سبيل المثال .
كما غيرعبد الناصر ألوان الخرائط وأزال عنها اللون الاحمر الذي كان يرمز الى بريطانيا واللون الاخضر الذي كان يرمز الى فرنسا، وحظر الاقطاع في مصر والعالم العربي.
الا أن السادات ومن بعده مبارك قد ساعدا على ضرب الشعوب العربية وثوراتها كضرب الثوار السودانيين وحماية جعفر النميري والتحريض ضد انتفاضة الشعب التونسي والمغربي، والتدخل لصالح حكم التكارته في العراق، والوقوف موقف المتفرج ازاء الاوضاع في لبنان، وضرب ثوار ظفار من أجل القابوس،ومناهضة القوى الفلسطينية الثورية، وتشريع الحلول التسووية أمام القوى الاخرى
كما أنهما( أي السادات ومبارك ) غيرا الخارطة الجيو سياسية في الوطن العربي بتجزئتها عبر محاور واتحادات شكليه وطوائف ونزاعات اقليمية ضيقة.
وغيرا كذلك لون العلم المصري والنشيد الوطني المصري الوحدوي بعلم يحمل الطابع السلفي ونشيد اقليمي حتى أصبح عبد الوهاب لواءاً والغالي رخيصاً.
في عام 1948 جاء عبد الناصر الى فلسطين ليحارب الاستيطان اليهودي والبريطاني الذين كانوا يحتلون مصر أيضاً،حارب في الفالوجة وبيت جبرين وغزة ورفح، جاء الى فلسطين ليُحررها ويُحرر مصر .
أما السادات فقد جاء الى القدس بعد توقيعه لمعاهدة سلام مع اسرائيل ليُعزز الاستيطان اليهودي في فلسطين ، ويُنفذ سياسة البريطانيين من خلال القبول بقرار اللورد البريطاني كرادون 242، وليُنفذ سياسة كامب ديفد من خلال فرض الحكم الذاتي على شعبنا .
جاء الى فلسطين ليُغرقها ويُغرق المنطقة في سياسة الاستسلام بعد أن أغرق مصر.
لقد حقق جمال عبد الناصر الاستقرار لمصر، اذ تمكن من تنفيذ ما لم تستطيع تنفيذه الحكومات الضعيفة السابقة واللاحقة مثل مشروع سد اسوان العالي، وكهرباء البلاد بما فيها كهربة الريف، ومشروع الاصلاح الزراعي، وتصنيع البلاد، واشراك العامل في اقتصاد البلاد وتنمية القطاع العام.
أما الحكومات التي جاءت من بعده فقد بقيت عاجزة عن تنفيذ المشروعات التي من شأنها تطوير مصر بل أنها قضت على الاصلاح الزراعي وأعادت الاقطاع، وأحيت القطاع الخاص فبرزت القطط السمان،والحقت الصناعات المصرية بالرساميل الاجنبية ،اما نتيجة للديون المتراكمة التي نتجت عن سياسة الفساد الاداري والرشاوي، أو بواسطة فتح المجال أمام الشركات الاجنبية للاشراف على المنشآت وادارتها، وكذلك بفضل المنافسة الاجنبية للصناعة المصرية مما ساهم في تنمية القطاع الخاص وتَفشي البرجوازية الطٌفيلية المنتفعة، في ظل الفساد العام وفي ظل سياسة الانفتاح، والقوانين المجحفة، وهيمنة سياسة الحزب الحاكم، وقانون العيب.
لقد رفض عبد الناصر سياسة الاحلاف المعادية للشعوب مثل الحلف الاسلامي الذي اقترحه عليه جون فوستر دالاس والذي كان مُقرراً أن يضم بالاضافة للقاهرة أنقرة وكراتشي ، ونرى كيف يبادر مع الزعيمين تيتوونهروفي 1955/04/18 بمؤتمر باندونغ واقامة دول عدم الانحياز من أجل الحفاظ على السلام العالمي، مُتجاوزاً النظرة الضيقة التي تبثها الدول الاستعمارية في المنطقة .
بينما نرى أن السادات كيف وبعد أن تم نقل مقر جامعة الدول العربية من مصر نتيجة لخطوته الخيانية ،قد نادى بانشاء جامعة الدول الاسلامية ،وروج لفكرة أن مصر قد ضحت من أجل فلسطين والامة العربية ما لم تُضحي به باقي الدول العربية ولهذا فهو يُنشد السلام ويُجنح له حتى يعيش الشعب المصري برخاء .
هذا السلام الذي لا يعدو عن كونه استسلاماُ، حيث برز بعد ذلك وفي عهد مبارك محاولة تعميم كامب ديفيد على كامل المنطقة العربية ،وكذلك من خلال مشروع وحدة واد النيل مع السودان من أجل ضرب الثورة في جنوبه، أو من خلال تأييده لمجلس التعاون الخليجي الذي ما أُنشئ الا لحماية مصالح أمريكا في منطقة الخليج لتأمين وصول النفط لها ومساعدة العراق في حربه غير العادلة ضد ايران.
في تموز 1954 وقع عبد الناصر اتفاقية جلاء القوات البريطانية عن منطقة القناة بعد احتلال دام 70عاماً.وجلت كذلك عن كل القواعد المصرية.
أما السادات فقد نجح بأن تنسحب اسرائيل من سيناء ولكنه نجح كذلك في أن يُعطيها لأمريكا حتى تُقيم فيها محطات الانذار المبكر وسمح لها كذلك باستعمال القواعد المصرية، وأن يبقى الجيش المصري في سيناء مجرد شرطة مرور فقط، حينذاك في عهد عبد الناصر ،غضبت اسرائيل من هذه الاتفاقية وكانت فضيحة لافون .
أما اليوم فان لإسرائيل سفارة في مصر وللموساد مراكزاً في مصر، ولرجال الاعمال الإسرائيليين شركات في مصر، (وللسي اّي أية) عملاء في مصر .
وهناك فضائح عديدة للسادات ومبارك منها فضيحة المعلبات الفاسدة، والفئران التي تأكل المحصول في الريف ،وشبكات المجاري المختلطة بالمياه العذبة حتى لا تُصيب البلهارسيا مناطق معينة فقط وفضائح الشركات الوهمية ،واغراق السوق بالمخدرات التي تُباع بأسعار زهيدة، وخطف الفتيات لالهاء الشارع المصري بقضايا جانبية وذلك لشيء في نفس يعقوب، وأخيراً الغزو الفكري ومراكز للابحاث لكي تستطيع قوى الاعداء متعددة الجنسيات من خلالها ادارة مصر .
في عهد عبد الناصر وفي مؤتمر القمة في الخرطوم الذي انعقد في اّب/1967 أقر الحكام العرب بتأثير من جمال عبد الناصر اللاءات المشهورة .
واليوم يُقر الحكام العرب أيضاً وبتأثير من السادات ومن بعده مبارك بالغاء لاءات الخرطوم واستبدالها بععقد معاهدة مع اسرائيل وفتح سفارة لها في القاهرة والقول نعم لكل ما هو استسلامي وفي أحسن الاحوال لعم. فباتت حكومات الرجعيات العربية تطرح ما سُمي(بمبادرة السلام العربية)وتبنتها في قرارات مؤتمراتها وهي بالاساس صياغة سعودية/اسرائلية/ أمريكية طرحها الامير فهد عندما كان أميراً في مؤتمر فاس الفاشل الذي انعقد عام 1981 .
فعندما نشبت أزمة اليمن كان الطيارون يطيرون من مطار عمان وجدة فارين الى مصر بطائراتهم أما اليوم فان الطيارين يطيرون من مطار جدة يُغيرون قاصفين أبناء اليمن بلا رحمة ، وعندما كانت تنشب أزمة في أي بلد عربي كان يلتجئ السياسيين الى مصر طالبين حق اللجوء السياسي من بلد الامان والحرية.

بعد عهد عبد الناصر أصبح أبناء مصر يهربون منها طلباً للامان والحرية أيضاً بعد أن استعملت أجهزة النظام في مصر كل السُبل والوسائل لقمع كل ما هو وطني في مصر، فهاجر من هاجر الى بعض الدول العربية والاوروبية ،وزج بمن أصر على البقاء في غياهب السجون واختلط الحابل بالنابل من الماركسيين حتى رجال الدين المستنيرين ورجال الفكر والصحافة والكُتاب .
وأفسح المجال أمام الكُتاب والصحفيين العجزة لمهاجمة عهد عبد الناصر وكل ما هو وطني وقومي.

بعد رحيل عبد الناصر استلم السادات الحكم في مصر وبدء بما سمي في حينه (بتصحيح الثورة) التي كانت في 1971/05/15 وبدلاً من عملية التجذير للثورة، انقض عليها وعلى انجازاتها التي تمثلت بالحرية والاشتراكية والوحدة ، والقضاء على الاقطاع، وتحقيق العدالة الاجتماعية .
لقد كانت الوحدة هدف عبد الناصر وهاجسه الوحيد فقد دعا للوحدة مراراً رافضاً النزاعات الاقليمية وسياسة الاحلاف، فكانت وحدة مصر وسوريا في 1958/02/28.

أما السادات فأبى الا أن يكون انفصالياً ، بعقده لاتفاقية الصلح المنفرد مع اسرائيل وابتعد بمصر عن العروبة مُحدثاً انقساماً عميقاً في الساحة العربية الامر الذي عصفَ بمعظم مُقدرات هذه الامة،( والدليل على ذلك ما نحن به اليوم).
قال الشاعر:

ألم تَرَ أًنَ السيفَ ينقُص قدرُهُ اذا قِيل اِن السيف أمضى من العصا

( مع الاعتذار لجمال عبد الناصر)

نبيل الجولاني

نبيل الجولاني، صحفي من القدس المحتلة


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى