الجمعة ١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٦
بقلم موسى حوامده

في وداع الأرجوان

بنينا دارةً من كلام، حفرنا أساسَها في صمت اللغة، كانت جدرانها من طوب الجنوح، لكن نوافذها ظلت مشرعة لريح المقبرة التي تهب منها نسائم الأبوين والجدات الراحلات. كانت الدارة محاطة بسور النثر، وكرميدها تحت شمس التأمل يزدهي بلونه المائل للتفاح الأحمر، تفاح أحمر؟ إنه تشبيه مفعم بلعاب الشهوة، لكنه طازج مثل رغيف شعري، وتفاحة حمراء تقضمها أسنان طفلة صغيرة مليئة بالحماسة ليومها الاول في الروضة.

تلك التفاحة التي تدحرجت من يد الحكاية، ولم يلحظها سوى ناظم حكمت فشبه بها قلبه الذي منحه لوطنه تركيا، لمن منحنا قلوبنا يا صديقي الأرجواني؟؟ لمن نبضت هذه التفاحات الحمراء، لم يكن بامكاننا أن ننحاز لغير ذلك الفقيد المكسور الذي ولدنا فيه، فحملنا خسارته صليبا فوق اكتافنا، وحين تعتق همنا، وذهبنا لنبني شرفة للقيلولة وقراءة لوركا، وجدنا كل عظم فينا يشكل مقطعا من صليب آخر ومختلف.

لنواصل البناء والتفاؤل، فما من زيتونة صعدت أعنان السماء متعافية من حنين لترابها النائم في جوف جذرها العتيق، ومن من قطرة زيت إلا ركضت نحو منبعها الأول، في دفتر الطين، أما حبات العنب فلا تسأل عن سريانها في عروق الذاكرة مثل نار مقدسة.

وما رحل منا كثير، لكن ما ظل ليس سوى وهم نعمره بالتعب، ونمد أحلامنا بقدرة جديدة على التمثيل ونجزم للكائنات أننا على قدر العزيمة ونردد حكمة المتنبي على قدر أهل العزم وما عزمنا سوى خيط واهن من شعلة حب قديمة كان تنوس في كهف الطفولة السحيق.

حدقْ معي هنا، أعني هناك، هل ترى تلك الأسراب العائدة إلى تفاحها الاحمر وبيوتها الخضراء؟ انظر هناك الى تلك الزرافات الغافية على سرو السراب، وحولها وعول تموز الطالعة من بخار الفكرة لا أكثر ، كل شئ يترجرج وهو ينتصر، لكأننا أدمنا الخسارة وصار تفاحنا أصفر من برتقال يافا المسروق.

تألم نيابة عن السماء، ألمي ما زال يكتب تاريخه الشخصي، ويخط حروف الكارثة فوق ورق الزور الأبيض، وما بين ألم الجبال وأنين الصخور بنينا حديقة النهار، هل ترى فيها تلك الدارة التي بنيناها؟؟ لا تقل لي انك لا تؤمن بالأوهام.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى