الثلاثاء ٣١ تموز (يوليو) ٢٠١٨
دَوْرُ اللُّغَةِ فِي فَهُمِ النَّصُّ الدِّينِيُّ

فِي فِكْرِ السَّيِّدِ كَمَالِ الْحَيْدَرِيِّ

سلمان عبد الأعلى

المُقَدَّمَةُ

أثارت الأفكار التي طرحها السيد كمال الحيدري –حفظه الله- ضمن دروسه عن فقه المرأة، والتي تطرق فيها لنقد قواعد اللغة العربية لبعض ردود الأفعال المستنكرة والمستهجنة، مما جعل بعض النقاد المهتمين بهذا الأمر للتصدي للرد بهدف بيان عدم صحة ما قدمه في هذا الشأن.

والملاحظ أنّ بعض هذه الردود لم تكن موفقة في مجملها، وذلك لأمرين:

أولاً: أنّها قامت بشخصنة الموضوع من خلال كيل العديد من الاتهامات والإساءات الشخصية له، حيث يظهر ذلك جلياً لمن يطلع عليها، مما يدل على أنّ أصحابها انطلقوا في نقدهم من خلفيات سابقة، والتي هي في الأعم الأغلب لا علاقة لها بأطروحاته الخاصة باللغة.

ثانياً: أنّها اشتملت على مناقشة بعض أطروحاته، ولكنها لم تُلامس جوهر ما طرحه، وذلك لسبيين وهما:

 الأول: أنّ هذه المناقشة شملت أموراً خارجة عن مورد النزاع كما يُقال، وكمثال على ذلك نجد أنّ السيد الحيدري قد بين وبشكل واضح وصريح في أكثر من مورد أنّ كلامه معني بقواعد اللغة الأساسية، وليس بما قدمه اللغويون من توجيه وتأويل وتبرير لعدم اتباع هذه القواعد في بعض الحالات، فإذا ببعض النقاد يركز نقده على ما قُدم من توجيهات وتأويلات، ويُصور الأمر وكأنّ السيد الحيدري كان جاهلاً بها.

 الثاني: أنّها اشتملت على دعاوى غير مبرهنة، وكنموذج لذلك هو قول بعض النقاد أنّ السيد الحيدري أخذ كلامه حول هذه المسألة من الدكتور محمد شحرور، وأنّه أقدم على نقد اللغة نتيجة ضعفه بها وجهله بقواعدها وأصولها، وغيرها من الأمور التي اشتملت عليها بعض المناقشات؛ دون أنْ يقدم أصحابها أية شواهد محكمة لإثباتها.

لذلك سأسلط الضوء في هذا البحث على أهم ما طرحه السيد كمال الحيدري بهذا الصدد، وذلك بهدف توضيح أطروحاته وتقديمها كما هي في حقيقتها، علماً بأني لا أهدف من خلال ذلك لتصويب الرؤية التي طرحها أو لتخطئتها، وإنما كل ما أهدف إليه هو طرحها في سياقها وبالكيفية التي أرادها، وذلك حتى يتمكن النقاد –إنْ أرادوا نقده- أنْ ينقدوه ضمن هذا الإطار، بدلاً من أنْ ينقدوه ضمن الأُطر التي تصوروها في أذهانهم.

دُورُ اللُّغَةِ فِي فَهْمِ النَّصِّ الدِّينِيِّ فِي فِكْرِ السَّيِّدِ كَمَالُ الحيدري

عندما نريد أنْ نتحدث عن دور اللغة في فهم النص الديني في فكر السيد كمال الحيدري، فلابد لنا من بيان مراده من اللغة أولاً، ومن النص الديني ثانياً، وذلك قبل أنْ نتعرف على الدور الذي يمكن أنْ تقوم به هذه اللغة في فهم النص الديني بحسب الرؤية التي يتبناها.

أولاً: المراد من اللغة عند السيد الحيدري

يقصد السيد الحيدري باللغة "القواعد التي أسسها اللغويون والأدباء بشكل عام -في النحو، في الصرف، في البلاغة، في البديع... إلخ". أي أنّه يقصد جميع العلوم المتعلقة باللغة، وهذه العلوم ليست فرعاً واحداً كما هو معروف، وإنما فروع متعددة[1]. والسؤال الذي على أساسه دخل السيد الحيدري في هذا البحث هو: هل القواعد التي أسس لها علماء اللغة لها حجية في فهم النص الديني أم لا؟[2].

ثانياً: المراد بالنص الديني عند السيد الحيدري

يعني السيد الحيدري بالنص الديني القرآن والحديث، وبالأخص القرآن الكريم، وذلك باعتبار أنّ نص القرآن ألفاظ وحيانية كما يعتقد –باستثناء مسألة تعدد القراءات- بخلاف الأمر فيما يتعلق بألفاظ الحديث، فإنّ ألفاظ الأحاديث في الأعم الأغلب هي من الراوي، وليست نصاً وارداً ممن أوتي جوامع الكلم[3].

ثالثاً: علاقة اللغة بالنص الديني عند السيد الحيدري

يرى السيد الحيدري أنّ الكلام عن المنظومة اللغوية وقواعدها يدخل في صميم عملية فهم الدين[4]، لأنّ الكثير من الأبحاث الأصولية هي أبحاث لغوية كالمسائل التي تتعلق بالظواهر، والأوامر، والنواهي، وما يتعلق بالصحيح والأعم ... إلخ، فإنّ هذه الأبحاث محورها اللغة، وبالخصوص اللغة العربية، لأنّها هي اللغة التي نزل بها القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾[5]، وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾[6]، علماً بأنّ السيد الحيدري يُلفت النظر إلى تساؤل مهم، وهو: هل المراد بكون القرآن الكريم عربياً هو اتباعه القواعد ذاتها التي أسس لها علماء النحو أم لا؟![7].

يعتقد السيد الحيدري أنّ القول بأنّ القرآن الكريم نزل بلسان عربي لا يعني أنّه اتبع قواعد اللغة العربية التي أسس لها اللغويون بعد نزوله، نظراً لكون المدارس اللغوية متعددة ويوجد العديد من الاختلافات بين اللغويين أنفسهم[8]، فحتى لو سلمنا بأنّ القرآن الكريم جرى وفقاً للغة العرب، فسيكون عربياً بمعنى أنّه استعمل المفردات العربية لا القواعد التي أسس لها النحاة بعد ذلك، لأنّ هذه القواعد لم تكن موجودة قبل نزول القرآن، وإنما أتى بها علماء اللغة بعد فترة من نزوله[9].

أهمية ودور اللغة العربية

تكمن أهمية قواعد اللغة العربية بالمعنى العام (النحوية والصرفية والبلاغية وغيرها) في كونها تؤطر الذهن وتجعله في قوالب معينة، بحيث إنّه من خلالها يرى الأشياء، ومن خلالها يتم فهم النص الديني[10].

ولهذا، فإن هذه اللغة –بحسب السيد الحيدري- إنْ لم تكن أخطر من قواعد الحديث، فإنّها ليست بأقل خطورة منها، لأنّنا عندما نريد أنْ نتحرك لفهم النص القرآني، فإنّنا سوف نتحرك وفق أصولها وقواعدها، فهي التي تشكل عقليتنا اللغوية، بحيث تجعل أذهاننا في قوالب معينة لا نستطيع أنْ نفهم النص الديني إلا من خلالها، ورغم أهمية هذه المسألة إلا أنّها لا يُلتفت إليها عادةً من قبل العلماء، وذلك لأنّهم يفترضونها مسلّمات مفروغ عنها[11].

وبعبارة أخرى، فإنّ اللغة تابعة لثقافة الأمة (عقائدها، علاقاتها، سلوكها، أخلاقها، ...إلخ) من جهة، ومن جهة أخرى، فإنّ هذه القواعد التي نشأت من هذه الخلفيات الثقافية للأمة يصعب الخروج عليها من قبل المنتمين لثقافة الأمة نفسها، نظراً لكونها تم تأسيسها على يد القدماء، وهؤلاء عادةً يكتسبون قدسية خاصة، كما هو حال اللغة العربية مع سيبويه مثلاً[12].

ومن هنا يُطالب السيد الحيدري بالنظر في قواعد اللغة العربية، لأنّها ليست إلا مجموعة اجتهادات لا أكثر، ولكنها صارت هي المرجعية الأولى في فهم النص الديني لدى علماء المسلمين[13]، رغم أنّها ليست نصوصاً مقدسة، وينبغي أنْ يُتعامل معها بكونها مجرد وسيلة لا غاية، أي وسيلة للتعقل (لعلكم تعقلون)، فالتعقل هو الهدف، والوصول إلى التعقل يتم عبر وسيلة وهي اللغة[14]، ولا إشكال في ضرورة مراجعة وتقويم هذه الوسيلة التي من خلالها يتم السعي لتحقيق هذا الهدف إذا تطلب الأمر.

خصائص اللغة العربية

أشار السيد الحيدري ضمن حديثه عن (فقه المرأة) لما أسماه بأهم المفاتيح أو القواعد التي نحتاجها للتحقيق في مباحث (فقه المرأة)، وما يهمنا هنا هو التركيز على الأمور التي ذكرها لبيان بعض الخصائص المهمة للغة العربية، علماً بأنّ بعض الخصائص التي ذكرها خاصة باللغة العربية، وبعضها الآخر عامة لكل لغات العالم، وسوف نستعرض هذه الخصائص فيما يلي[15]:

أولاً: أنّ اللغة العربية قائمة على (التذكير والتأنيث)

يتضح هذا الأمر على مستوى الضمائر (هم وهنّ، هو وهي، أنت وأنتِ)، وعلى مستوى الجمع (جمع المذكر السالم، وجمع المؤنث السالم).

وهذه المسألة –في تصور السيد الحيدري- هي واحدة من أهم مسائل تعقيدات اللغة العربية، التي يعرفها كل من درس فقه اللغة وفلسفة اللغة، لأنّ كثيراً من أصحاب اللغات في العالم لا يميزون في التعبير بين الذكر والأنثى، فهم في هذا الأمر كما هو الحال في اللغة العربية مع مسألة التثنية (أنتما)، إذ يمكن التعبير عنها للذكور والإناث على حد سواء، ولذا فإنّ هذه المسألة من جهة تُعد ثراءً وغناءً للغة، ومن جهة أخرى تشكل تعقيدات سنشير إليها فيما بعد [16].

وهذا البحث يرى السيد الحيدري بأنّه مهم جداً، وله علاقة مباشرة بعملية الاستنباط، لأننا عندما نأتي للنص الديني ونلاحظ أنّه تم التعبير مثلاً بمفردة (الذين)، فهي تشير بحسب قواعد اللغة إلى الرجال، فيفهم أنّ المقصود بها هم الرجال دون غيرهم، وأما إذا جاء في النص الديني مفردة (اللواتي)، فيُفهم أنّ المقصود بها النساء، لذا فعندما يقول القرآن الكريم: (يا أيها الذين آمنوا)، فإنّ مقتضى الخطاب في الآية في الأصل يتكلم عن الرجال. نعم، قد يدل دليل آخر على عدم خصوصية الرجال، ولكن بمقتضى الأصل الأولي لقواعد اللغة العربية، فإنّ المقصود بهذا الخطاب في الأصل هم الرجال.

ومن هنا يُشير السيد الحيدري إلى أنّ القواعد الأخرى التي يتم استخدامها لجعل الخطاب في بعض النصوص الدينية لا يختص بالرجال وحدهم كالإجماع أو قاعدة الاشتراك أو التغليب أو ... إلخ، ما هي في حقيقتها إلا توجيهات وتأويلات وتبريرات (تمت ما بعد الوقوع)، وذلك لأنّ مقتضى الأصل الأولي في اللغة كون المقصود بالخطاب هم الرجال[17].

ثانياً: أنّ اللغة مرآة صافية ودقيقة لثقافة المجتمع

هذه قاعدة عامة في فقه اللغة، وليست مرتبطة بلغة العرب خاصة، وإنما بكل اللغات في العالم. ومن أهم المصادر التي تطرقت لهذا المجال كتاب (اللغة والمجتمع)[18]للدكتور علي عبد الواحد وافي، حيث يقول في مقدمة هذا الكتاب: "تتأثر اللغة أيما تأثر بحضارة الأمة، ونظمها، وتقاليدها، وعقائدها، واتجاهاتها العقلية، ودرجة ثقافتها، ونظرها إلى الحياة، وشئونها الاجتماعية العامة.. وما إلى ذلك"[19].

ويقول أيضاً: "واللغة مرآة ينعكس فيها كذلك ما يسير عليه الناطقون بها في شؤونهم الاجتماعية العامة. فعقائد الأمة وتقاليدها، وما تخضع له من مبادئ في نواحي السياسة والتشريع والقضاء والأخلاق والتربية وحياة الأسرة. وميلها إلى الحرب أو جنوحها إلى السلم، وما تعتنقه من نظم بصدد الموسيقى والنحت والرسم والتصوير والعمارة وسائر أنواع الفنون الجميلة... كل ذلك وما إليه يصبغ اللغة بصبغة خاصة في جميع مظاهرها: في الأصوات والمفردات والدلالة والقواعد والأساليب... وهلم جرا"[20].

لذلك؛ ينوه السيد الحيدري على الأمور التالية[21]:

§ أنّ الرجوع إلى قواميس اللغة لأمة من الأمم يفيد في التعرف على ثقافة هذه الأمة (عقائدها، أخلاقها، علاقاتها الاجتماعية وغيرها من الأمور المرتبطة بهذه المسائل).

§ يُلاحظ أنّ قواميس اللغة لهذه الأمة تكثر فيها المفردات التي تعكس الأمور المرتبطة بثقافتها، كما هو الحال في اللغة العربية التي تكثر فيها المفردات المتعلقة بالبعير (الإبل)[22] لما لها من ارتباط وثيق بحياة الإنسان العربي، وكذلك الأمر بالنسبة للمفردات المتعلقة بالحرب التي هي الأخرى لها تأثير كبير في حياته، ولهذا نراه يتفاخر بالحرب وليس بالسلم، ومن الطبيعي أنْ يكون لهذا الأمر انعكاساته الواضحة على ثقافته ولغته التي يتحدث بها. ومن هنا نفهم أيضاً أنّ مركزية الذكر في الثقافة العربية كان لها انعكاساتها أيضاً على قواعدها، ومن هنا نجد القول بأنّ أصل مفردات اللغة هي للمذكر، وأما المفردات الموضوعة للمؤنث فهي متفرعة عليها وليست أصلاً، وهذا مبني

–بحسب السيد الحيدري- على أساس خلفيات ثقافية سابقة كان يعتقدها العربي وأثرت في جعله يضع قواعد لغوية متأثرة بها، ومن هذه الأمور هي اعتقاده بأنّ المرأة خلقت من ضلع الرجل، فهو الأصل وهي فرع متفرع منه، بل إنّ هذه الخلفية الثقافية ألقت بضلالها على تفسير بعض الآيات القرآنية أيضاً كقوله تعالى: (وخلق منها زوجها) كما لدى بعض المفسرين، حيث فسروها بما يتناسب مع هذه الثقافة، وهي أنّ حواء خلقت من ضلع آدم.

ثالثاً: أنّ اللغة ظاهرة اجتماعية حية متغيرة

وهذه من أهم خصائص اللغات جميعاً، ومنها اللغة العربية، بل هذه واحدة من أهم أبحاث فقه اللغة، لأنّه إذا كانت اللغة ثابتة فيمكننا أنْ نعتمد في البحث عن المفردات على المعاجم اللغوية، وأما إذا قبلنا أنّ اللغة ظاهرة اجتماعية لها حياة ولها ممات، أي تتغيّر وتتطور، فلا يمكن أنْ نفهمها على أساس المعجم اللغوي، حيث ستكون اللغة التي نتكلم عنها في زماننا المعاصر غير تلك اللغة التي كانت في أزمنة سابقة، وأنْ كانت من حيث الألفاظ والكلمات والحروف واحدة، ولكنها من حيث المفاهيم والمعاني متغيرة، فضلاً عن المصاديق التي هي متغيرة بطبيعة الحال[23].

وعلى الرغم من أهمية هذه المسألة –والكلام للسيد الحيدري- إلا أنّ علم الأصول عندنا وللأسف لم يلتفت إليها جيداً، ففي ثقافتنا الأصولية نجد الأصوليون يقولون: الأمر دال على الوجوب، والسؤال هنا: أي أمر هذا الدال على الوجوب؟!! هل الأمر الصادر في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم دال على الوجوب بحسب الثقافة التي كانت قائمة آنذاك أم الأمر بحسب ما نفهمه في عصرنا الحاضر؟!!

وللإجابة عن هذا السؤال يُبين السيد الحيدري بأنّه لابد أنْ نعرف هل ما نفهمه الآن من النصوص هو نفسه ما كان في اللغة آنذاك ولم يتغير أم لا؟! لأنّه إذا ثبت لنا أنّ اللغة ثابتة ولم تتغير فالقضية منتهية إذا كنا نعتقد بأنّ الحجية لعصر الصدور، وأما إذا ثبت لدينا أنّها متغيرة وليست باقية على حالها فالأمر يختلف تماماً.

كما ينبغي البحث أيضاً عن جواب لهذا السؤال، وهو: هل يوجد فرق بين قواعد اللغة العربية والقرآن الكريم أم لا؟! فمثلاً لو وجدنا في قواعد اللغة بأنّ هناك تمييزاً بين المذكر والمؤنث من الناحية اللغوية في بعض الألفاظ، فلابد لنا أنْ نبحث هل أنّ القرآن الكريم قد استعمل هذا التمييز وفقاً لقواعد اللغة العربية التي نعرفها اليوم أم لا؟ وهل عندما قال القرآن الكريم: (إنا أنزلناه قرآناً عربياً) قصد نفس القواعد التي وضعها سيبويه أم قصد قواعد أخرى تختلف ولها خصوصياتها؟![24].

إنّ الإجابة عن هذه الأسئلة –والكلام للسيد الحيدري- مهمة للغاية، لأنّنا إذا قلنا بأنّ القرآن الكريم قصد نفس القواعد العربية المعروفة، فسنفسر القرآن الكريم وفقاً لهذه القواعد، وما يعنيه السيد الحيدري هنا هي القواعد الأساسية بمقتضى (الأصل الأولي) لا القواعد الأخرى التوجيهية (التأويلية) التي تم إيجادها بعد ذلك كما يؤكد.

ومن هنا يُبين السيد الحيدري بأنّ القرآن الكريم –وفقاً لما يراه- لا يعتني بالقواعد النحوية الأساسية بمقتضى (الأصل الأولي)، إذ يلحظ ذلك في العديد من آياته، ولهذا كثيراً ما يتم الاعتماد في ذلك على القواعد التوجيهية البديلة لتوجيه وتبرير وتأويل بعض الإشكالات الواردة على بعض الآيات، فنجد القول: (هذا ليس قياسي- هذا شاذ- هذا مؤنث مجازي- هذا من باب التغليب –هذا مشترك لفظي-هذا مجازي... إلخ)، وما يجعلنا نضطر للقيام بذلك، (أي اعتماد قواعد أخرى للتوجيه والتبرير والتأويل) هو أنّنا جعلنا الملاك الأساسي لهذه القواعد الأساسية، ومن ثم قمنا بتوجيه ما يخالفها بدلاً من القيام بمراجعة أصل هذه القواعد وتقويمها[25].

المتخصصون ومسألة تغير اللغة

ينقل السيد الحيدري عن كتاب (اللغة والمجتمع) للدكتور علي عبد الواحد وافي النص التالي[26]:

"أن اللغات وما يتفرع عنها من اللهجات كانت ومازالت ولن تزال في تطور مستمر، وأنّ هذا التطور قانون ثابت يجري مجراه ويأخذ حكمه حتماً كلما توافرت دواعيه وعوامله، وأنّ هذه الدواعي حاصلة لا محالة وأنْ أبطأ ظهورها حيناً طويلاً أو قصيراً، وأنّ هذا القانون –الذي حصلت بيانكم إياه بالعبارة السابقة –هو قانون عام ما شذت ولا تشذ عنه أية لغة من لغات العالم قديمها وحديثها..."[27].

وهذه المسألة –بحسب السيد الحيدري- من أهم وأوضح خصائص اللغة، ولكن لعل الإنسان لا يلحظ هذا التطور، فيكون عنده تصور خادع وخاطئ، وهو أنّ اللغة ثابتة وغير متغيرة، لأنّه قد يعيش مثلاً جيلاً أو جيلين أو ثلاثة أو أكثر فلا يلحظ وقوع التغير، فيتوهم أنّ اللغة ثابتة، ولكن في واقع الأمر هذا مجانب للصواب، لأنّ عمر اللغة (عمر المفردات والتركيبات اللغوية) ليست كأعمارنا، وهي عادةً تحتاج لفترات طويلة لكي يتم رصد تغيرها، كما أنّ مقدار هذا التغير يعتمد على التطورات التي تحدث في ثقافة الأمة التي تتبع هذه اللغة.

وبعبارة أوضح وأدق وأعمق؛ لما قلنا أنّ اللغة تابعة لثقافة الأمة وأنّها عاكسة ومرآة لواقع هذه الأمة في فكرها، ثقافتها، حضارتها، علاقاتها، فإذا افترضنا أنّ هذه العلاقات والثقافة ثابتة ومستقرة، وأنّ الأمة مثلاً عاشت خمسة قرون في حالة من الثبات والاستقرار، فإنّ اللغة ستظل ثابتة لا تتغير، وأما إذا حصل فيها تطورات كما حصل في القرون الثلاثة أو الأربعة أو الخمسة الأولى في صدر الإسلام، فإنّ هذا سيحدث تطوراً في اللغة أيضاً بحسب هذا التغير الحاصل، حيث سنجد أنّ اللغة ستتغير ولن تظل ثابتة، بل سنجدها ستتغير وستثرى وستتوسع مفرداتها[28].

اللغة والفوارق الاجتماعية

ينقل السيد الحيدري أيضاً المثال الذي ذكره الدكتور علي عبد الواحد وافي في كتابه (اللغة والمجتمع) الدال على (أثر الفوارق الاجتماعية على اللغة ومفرداتها)، والذي يقول فيه: "فإن ما تسير عليه نظمها الاجتماعية بهذا الصدد يؤثر في مختلف نواحي لغتها حتى في ناحية القواعد. فمخاطبة المفرد بضمير الجمع تعظيما له: (أرجو أن تتفضلوا...)؛ وإجراء الخطاب في صيغة الإخبار عن الغائب: (يتفضل سيدي...)، كل ذلك وما إليه من أساليب التبجيل لا يبدو في اللغة إلا حيث ينحرف الناس عن مبادئ المساواة وتكثر الفوارق بين الطبقات. ولذلك يعد تطور هذه الضمائر في أمة ما أصدق سجل تطور اتجاهاتها في هذه الشؤون"[29].

رابعاً: أنّ اللغة تؤثر وتتأثر بالواقع الاجتماعي

تتأثر اللغة بالواقع وتؤثر فيه، ولهذا فهي وليدة لهذا الواقع الاجتماعي والثقافي والسلوكي والأخلاقي من جهة، ومن جهة أخرى هي مؤثرة فيه أيضاً، وذلك لكونها تفرض على ذهن الإنسان نمط تفكيره، أي بعد أنْ تكون اللغة معلولاً (متأثرة) تصبح علةً (مؤثرة)، لأنّ الإنسان لا يستطيع أنْ يفكر بلا ألفاظ، وهذه الألفاظ بما تحمل من واقع سوف تضغط على الإنسان وتحدد مساره الفكري.

لذا، فإن هذه اللغة إذا كانت هي لغة البداوة لا لغة المدنية (بمعنى لغة الجهالة لا لغة الحضارة)، وأريد من خلالها أنْ يُفهم القرآن الكريم، فإنّه سوف يُفكر وفقاً لما شكلته له هذه اللغة البدوية (الجاهلة)، لأنّ هذه اللغة شكلت قيداً على الفكر وأصبحت تحدد الشكل الذي من خلاله يتم التفكير، فمثلاً قوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾[30]سوف يتأثر بما يحمله الإنسان من فكر حول مفردة (الرجال) و(النساء) و(القوامة)[31].

وهكذا أيضاً سنجد أنّ الآيات التي يُفهم منها أنّها تخاطب الرجال بحسب اللغة قد تفرض فهماً معيناً خاصاً بالرجال فقط، مما يثير عدة أسئلة عن سبب عدم شمولها للنساء أيضاً، فمثلاً قوله تعالى: ﴿أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾[32]من الطبيعي أنْ تؤثر في فهمنا لهذه الآية خلفياتنا اللغوية، فضمير (لامستم) مذكر وليس مؤنث، فيكون خطاب الآية -بحسب اللغة- ليس شاملاً للنساء كما يظهر. وكذلك الأمر في قوله تعالى: ﴿لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾[33]، وقوله تعالى: ﴿كَذَٰلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ﴾[34]، حيث يُفهم من أمثال هذه الآيات بحسب قواعد اللغة العربية أنّ الخطاب فيها خاص للرجال، وهذا ما يُثير العديد من التساؤلات حول مصير النساء في الآخرة، فمثل هذه الآيات يُفهم منها أنّها تخاطب الرجال دون النساء بحسب منطق اللغة العربية في قواعدها الأساسية، وهذا ما يؤكد لنا بأنّ فهم القرآن الكريم يتأثر بهذه اللغة.

والخطورة في هذا الأمر هي أنْ يتم الاعتماد في النظر للقرآن الكريم وفهمه على نظارة لغة العرب وقواعدها، لأنّ هذه اللغة هي انعكاس لثقافة وعقيدة وأخلاق وسلوك وقيم العرب آنذاك، والقرآن الكريم يرفض هذه الثقافة ويُعبر عنها بالجاهلية الأولى.

ومن هنا دخل المستشرقون على الخط وقالوا: إنّ القرآن لا يصلح لكل زمان، لأنّه نزل بلغة عرب الجاهلية (ثقافتهم، عقيدتهم... إلخ)، وأما المجتمعات الآن فهي تختلف نظراً للتغيرات الحاصلة فيها، ولهذا فلقد انتهى دوره الآن، وهذه هي من أهم إشكالات المستشرقين والحداثيين التي جاءت في كلمات أحمد لطفي السيد، ومحمد عابد الجابري وغيرهم من الكتاب والمفكرين، الذين يرون أنّ اللغة العربية هي لغة البداوة وليست لغة المدنية، بمعنى أنّها تحمل ثقافة أمة جاهلة وليست عالمة، حيث يرون أنّ القرآن الكريم نزل بمقتضى لغتهم، واللغة هي مرآة لمجتمعهم وثقافته كما بينا سابقاً، وهكذا دخلوا من باب علم الألسنيات لإقصاء القرآن وإنهاء دوره في حياة الناس في الواقع المعاصر[35].

الأبحاث اللغوية وانعكاساتها على الأبحاث الأصولية[36]

نلاحظ أنّ لهذه المسألة أيضاً انعكاساتها التي ألقت بظلالها على علم الأصول، لأنّنا لو بنينا على أنّ اللغة ثابتة، فالأمر يختلف عما لو بنينا بأنها متغيرة، فعندما نريد أنْ نفهم المفردة أو التركيب أو الجملة أو الآية القرآنية أو النص الروائي الثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فنبغي لنا أنْ نحدد في البداية: هل نفهمه ضمن ما فهمه الصحابة وأصحاب الأئمة (ع) أو كما نفهمه نحن الآن؟ أي ظهور هو الحجة؟ هل الظهور في عصر الصدور أم الظهور في عصر الوصول؟ وهل أنّ الشارع كان يتحدث مع الناس وهو قاصد إفهام من كان في زمان النص أو كان يقصد إفهام الناس في جميع الأزمنة؟

يُشير السيد الحيدري إلى أنّ الأصل الأولي ثبوتاً –لا إثباتاً- في علم الأصول هو أنّ الحجية هي لظهور عصر الصدور لا لظهور عصر الوصول، ولذلك إذا تبادر في ذهننا من آية مباركة معنىً، فإنّ هذا التبادر ليس حجة علينا، إلا إذا استطعنا أنْ نثبت أنّ ما تبادر إلى ذهننا في عصر الوصول هو الذي كان في عصر الصدور. ومن هنا يرى السيد الحيدري أنّ قول كثير من الأعلام "والعرف ببابك" مبني على أساس خاطئ جداً، لأنّ هذا الظهور لا يعتني بعرف زماننا حتى يصح منهم هذا القول وفقاً لمبانيهم.

وهذه المسألة المهمة –بحسب السيد الحيدري- تُعد من أعقد مسائل علم الأصول، لأنّ كل أصولنا وفقهنا قائم عليها، وهذا ما صرّح به أعلامنا الأصوليين من القديم إلى يومنا هذا حتى المجددين[37] أو لنقل من كان أفقهم مفتوحاً كالسيد الشهيد محمد باقر الصدر، وهو أنّ المدار عندهم هو على فهم من كانوا في زمان النص.

يقول السيد الشهيد محمد باقر الصدر كما في تقريرات السيد الهاشمي، بحوث في علم الأصول: "ثمّ انَّ هنا سؤالاً آخر وهو: انَّ الظهور الموضوعي الحجة هل هو المعاصر لزمن صدور الكلام أو لزمان وصوله إِلينا فيما إذا فرض اختلاف الزمانين؟ كما في النصوص الشرعية بالنسبة إِلينا، فانَّ الأوضاع اللغوية بل وحتى الظهورات السياقية التركيبية قد تتغير وتتطوّر بمرور الزمان وإِنْ كان ذلك بطيئاً جدّاً لأنَّ اللغة وما يرتبط بها ظاهرة اجتماعية فتكون متأثرة بطرائق الحياة الاجتماعية المتغيّرة لا محالة.

والصحيح: انَّ الحجية موضوعها الظهور الموضوعي في زمن صدور الكلام والنصّ لا وصوله، والنكتة في ذلك وفقاً لمنهجنا العام في فهم هذه البحوث انَّ أصالة الظهور ليست تعبدية بل أصل عقلائي مبني على تحكيم ظاهر حال المتكلّم في الكشف عن مرامه، ومن الواضح انَّ ظاهر حاله الجري وفق أساليب العرف واللغة المعاصرة لزمانه لا التي سوف تنشأ في المستقبل وعليه سوف يقع السؤال عن كيفية إمكان إحراز الظهور الموضوعي حال صدور النصّ مع انَّ غاية ما نستطيع إثباته فعلاً عن طريق الظهور والفهم الذاتي لنا تشخيص الظهور الموضوعي في أزمنتنا لا أكثر وليس موضوعاً للحجيّة. والمحقّقون قد عالجوا هذه النقطة بأصل عبّروا عنه بأصالة عدم النقل وقد يسمّونه بالاستصحاب القهقرائي لأنَّه يشبه الاستصحاب ولكن مع تقدّم المشكوك على المتيقّن زماناً، إِلاّ أنّه من الواضح عدم إمكان استفادة حجيّته من دليل الاستصحاب وانَّما هو مفاد السيرة العقلائية وقد اصطلحنا عليه بأصالة الثبات في الظهورات لأنَّ هذا كما أشرنا لا يقتصر فيه على الأوضاع اللغوية بل تشمل الظهورات السياقية التركيبية غير الوضعيّة أيضا"[38].

ولهذا يصر السيد الشهيد الصدر –والكلام للسيد الحيدري- أنّ المدار هو أنْ نكتشف فهم السابقين واستنباطهم. والسؤال هنا: هل خطاب القرآن الكريم كان موجهاً إلينا أو لا؟ يعني عندما تقول الآية المباركة: (يا أيها الناس) أو (يا أيها الذين آمنوا)، فهل نحن مشمولون بها بالأصالة لا بالتبع أو لا؟ وهل القرآن الكريم للعالمين أو هو لمن جاء في وقت نزوله فقط؟ وهل هو معجزة لنا الآن أو لا؟! وغيرها من الأسئلة المهمة التي تُثار حول هذه المسألة، وتتطلب تحديد الموقف منها.

والعجيب –والكلام للسيد الحيدري- أنّ السيد الشهيد الصدر قدس الله نفسه في (الحلقة الثالثة) في بحث الظواهر[39]يقول: "ويبقى علينا ان نثبت ان الظهور الموضوعي في عصر السماع مطابق للظهور الموضوعي في عصر الكلام الذى هو موضوع الحجية، وهذا ما نثبته بأصل عقلائي يطلق عليه اصالة عدم النقل، وقد نسميه بأصالة الثبات في اللغة، وهذا الاصل العقلائي يقوم على أساس ما يخيل لأبناء العرف نتيجة التجارب الشخصية من استقرار اللغة وثباتها[40]، فان الثبات النسبي والتطور البطيء للغة، يوحي للافراد الاعتياديين بفكرة عدم تغيرها وتطابق ظواهرها على مر الزمن، وهذا الايحاء وان كان خادعاً، ولكنه على أي حال ايحاء عام استقر بموجبه البناء العقلائي على الغاء احتمال التغيير في الظهور باعتباره حالة استثنائية نادرة تنفى بالأصل، وبإمضاء الشارع للبناء المذكور نثبت شرعية اصالة عدم النقل، أو اصالة الثبات، ولا يعنى الامضاء تصويب الشارع للإيحاء المذكور، وانما يعنى من الناحية التشريعية جعله احتمال التطابق حجة ما لم يقم دليل على خلافه"[41].

ومعنى هذا الكلام –كما يؤكد السيد الحيدري- أنّنا إذا سمعنا شيئاً في عصرنا لابد أنْ نثبّت أنّ هذا هو الذي فهمه السلف الصالح لكي يكون حجة علينا، وهذا معناه أنّ فكرنا الشيعي سلفي في الفكر ولا فرق بينه وبين السلفية من هذه الجهة إلا في المصداق فقط، لأنّ السلفية السنية تقول لابد من فهم الصحابة، وأما نحن فنقول لابد من فهم أصحاب الأئمة[42].

لذلك؛ يُبين السيد الحيدري أنّه لا يقبل بهذا الفهم، لأنّه يرى أنّ القرآن الكريم يخاطب المعاصرين أيضاً، والدليل على ذلك هو أنّ القرآن يخاطب النبي صلى الله عليه وآله بقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾[43]، أي يخاطب الجميع، فعندما يقول: (يا أيها الناس) فإنّ المعاصرين مخاطبون أيضاً بهذه الآيات، ومن هنا يتبين أيضاً عدم قبول السيد الحيدري بالإجماع، وذلك لأنّه يعتقد أنّ الأساس المعرفي لفهم النص ليس مرتبطاً بزمن النص.

ولذا يرى أيضاً بأنّنا لسنا مجبرين على فهم الآيات القرآنية كقوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ﴾[44] كما فهمها السلف الصالح، بل يعتقد بأنّه لا يصح الاعتماد على إجماعهم وإعراضهم ومسلماتهم، لأنّ الحجة علينا هو فهمنا المعاصر الآن.

من هنا يرى السيد الحيدري ضرورة تحديد الموقف من هذه المسألة قبل البدء في البحث، وهي: أنّنا عندما نريد فهم النص الديني فبأي نظارة ندخل إليه؟ هل بنظّارة فهم الصحابة والأصحاب (أصحاب الأئمة) وعلماء اللغة في القرن الثاني والثالث والرابع أو بنظّارتنا الفعلية المعاصرة أي منهما؟![45].

تَأْثِيرُ قَوَاعِدِ اللُّغَةِ عَلَى الاِسْتِنْبَاطِ الفقهِيِّ: (التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ نَمُوذَجًا)

استعرض السيد الحيدري بعض النصوص الفقهية لبعض الفقهاء، والتي يظهر منها تأثير مسألة التذكير والتأنيث في اللغة على عملية الاستنباط الفقهي، وسوف نورد ما ذكره من نصوص لبعض الفقهاء فيما يلي[46]:

المورد الأول: ابن إدريس الحلي في (السرائر)، حول قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[47]، حيث يقول: "... والذي يقتضيه أصول مذهبنا ان لا يقتلن الا بدليل قاطع، فأما تمسكه (يقصد الشيخ الطوسي) بالآية فضعيف، لأنّها خطاب للذكران دون الإناث، ومن قال تدخل النساء في خطاب الرجال على طريق التبع، فذلك مجاز، والكلام في الحقائق، والمواضع التي دخلن في خطاب الرّجال فبالإجماع دون غيره، فليلحظ ذلك"[48].

يُبين السيد الحيدري هنا أنّ ابن إدريس يرى أنّ ظاهر الخطاب في الآية خاص بالرجال دون النساء، لأنّ الآية احتوت في خطابها على جمع مذكر سالم (يحاربون) وليس مؤنث، حيث أنّه أعتمد على هذا الأمر للقول بعدم شمولها لغير الرجال، وإنْ كان قد التزم بشمولها للنساء بعد ذلك من جهة الإجماع، وليس من جهة دلالتها اللغوية[49].

المورد الثاني: المقدس الأردبيلي في كتابه (مجمع الفائدة والبرهان في)

سلمان عبد الأعلى

مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى