الخميس ٢٧ نيسان (أبريل) ٢٠٠٦
بقلم محمد دلة

قراءة في قصيدة (ضاحية الجريان) للشاعر المغترب فينا سليمان نزال

لقد كنت احاول ان اقدم قراءة في مجموعة من نصوص شاعرتا الذاكرة سليمان نزال ولكن نص ضاحية الجريان اوقفني ببابه وقال لي لا تبرح انا سيد النصوص فان مرت جميعا فلا تمسكها وتجلّ في ملكوتي فاني احب التجلى والشرفات

واول ما نطالع في القصيدة عنوانها الثر الذي بحملنا لفضاءات من الحركة تتوالد في بوجها في ضاحية الجيران،فهل ضاحية الجريان هي فلسطين الني لا يتوقف فيها جريان الدم بحثا عن لؤلؤ الرؤية وعن معنى مس تضاريس الكون بالنزف والنشيد، ام ضاحية الجريان هي ذاكرة الشاعر التي تتزاحم فيها الاشياء بحثا عن الخلاص ،عنوان مفعم بالشاعرية يدخلنا حالة الشعر دون سابق استئذان

وتصعد القصيدة عبر (جادت سواقي رؤيتي) بتناص مع الموشح المحفور في الذاكرة

جادك الغيث اذا الغيث همى

يا زمان الوصل بالاتدلس

ولكن جريان السواقي ليس لنذكر زمان الوصل وانما بما اختزن وعي الشاعر من رؤى تنهض نجما هاديا عبر سواد الواقع الذي آلى الشاعر على نفسه ان يطلق عليه جمار الرؤية،وماذا يرى الشاعر عبرحلكة الواقع نهارات نهر تشي بالعشق فيذوب عشقا لانه راى كل جماليات الخلاص وجماليات الانحياز لحركة النور الى الامام المتوالدة من جدلية العشق والرؤية،والعشق لم يك مسرحا للحزن والاهات وانما ثّبت الوريد واحتوى الشاعر بانكساراته والامه وطوقه بفكرته الجميلة وسيجه باضلاعه اذ خان كل شيء فلم يبق للشاعر الا ان يتدثر بنفسه ورؤاه في مواجهة زمن ومجتمع تعرى من كل انتماء،فانتمى لذاكرته وجرحه واضلاعه حيث قدمه قربانا على مذبح رؤيته

جادتْ سواقي رؤيتي

بما قد رأيتُ

نهارات نهر

احتواني.. عشقتُ

و ثبّتَ وريدي

كجرح حارس ٍ

طوّقني بفكرتي

سيجني بأضلعي..

بوثبة ٍ..فانتميتُ

ولم يتوقف الشاعر عند انتمائه للحبيب ،او عند معاناته من فقده ،ولكن حين نظره في داخله يسير بشريانه سار اليه ونثر حكمة الماء وفطنة الماء وخلق الماء كرسيا للقياه وتناثر كيوم الرذاذ في لقاه فلا مآل عند لقاء الحبيب سوى التوحد والتشتت والتفتت كحبة الطيف لنخرج من وعورة المادي الى رذاذ الروحي الاول والباقي

وحين تناثر رذاذا لم يكن صامتا بل مدنا وسفنا تشطر اللقاء ما بين عاشق ومعشوق في بذرة الواحد يفتش عن دليل في شرود رؤيا لا تنتمي الى الحواس وانما الى شرود النبوءة وما من دليل سوى جريان الشرايين وجريان الصرخة ترسم صورة تتنزل ما بين الكف والرمل،هذا الرمل ورغم شقوق اليباس في يديه يمدنا بزمزم وكل الرؤى والرقمية التي تحتضن تواصلنا في وجع النفي

و كم أخذتُ فؤادي ليوم الرذاذ

حمَّلني سفناً

قسّمني مدناً

على ظلالي

لتشطرَ ميعادي

و كأنني قد نسيتُ..

و ما نسيتُ النازفين

في برِّ الغمام..

و ما إصطفيتُ سوى صرختي

لي إمام!

و أنا أتقدمُ في شرودي

بين كفي

و صورتي في الرمل

تتنزه الأيامُ..

وهذه الضاحية الني ترى كل شيء لا مجال فيها للحروف والكلمات ولا رفيق سوى الصمت فجلال اللقاء يستهلك الحروف والاسماء والحواس واي شيء غير الجرح والحبق المفرود على الشباك سيحترق قبل بساط اللقاء،وبحمل الشاعر حبه وخطاه في النبض لتعترف سيدة الينابيع به وتدخله الى النهر الذي استعادته رؤاه ودخل الى مخدع النهر وترك لنا النص مفتوحا على تاويلات الدخول

دخلتُ بجرحي هناك

بصهيلي على الورد دخلتُ

غرستُ حبقاً على الشباك

لم أنظر بقافيةِ الخفاء

حين اعترفوا بدمي و صليتُ..

لكنني انتبهتُ إلى نبضي

و ما كنتُ أخفي حبي

بلادي في دمعةٍ

و أنا أبصرُ روافدَ الحلم

و ألتحقُ بالنهر الذي استعدتُ.

القصيدة تتبرج كدائرة مؤلفة مؤتلفة في موسيقي باطنة سيجها
الشاعر بمجموعة مؤتلقة من الكلمات المتحدة فب المعنى والدلالات الحركية(ضاحية الجريان،سواقي رؤيتي،نهارات نهر،ثبت وريدي،كجرح حارس، طوّقني بفكرتي، سيجني بأضلعي..،بوثبة ٍ..فانتميتُ،بر الغمام،قسمني سفنا،روافد الحلم ، التحقت بالنهر،غرست ...)

وهذه الكلمات تنتمى الى دلالات الماء(وجعلنا من الماء كل شيء حي) وتنتمي ايضا الى كسر رتابة الاشياء والانطلاق كرؤيا حلمية تقفز بالجب وتغيّب الفاني لصالح الحركة الخالدة الباقية

وعبر القصيدة كاملة نرى الشاعر يحاور رؤاه وموروثة مابين موشح جادك الغيث الى موشح الحصري (خداك قد اعترفا بدمي فعلام عيونك تجحده)،الى نصوص التراث الصوفي نصا وفكرا ومشاعر مجترحة ترتقي بالنصوص والرؤى وتؤؤلها ضمن رؤية معاصرة تعمق البوح وتفتحه على افاق لا يدخلها الا العارفون والمبدعون
ومن الناحية الشكلانية فان القصيدة تنتمي الى قصيدة النثر وتفيح بالصور الشعرية المتالقة المبتكرة والتي تؤلف بمجموعها صورة واحدة لتعمق دائرة المعنى وكانها منازل القمر
ورغم انتماء معظم افعالها الى الفعل الماضي الى ان اقتران افعالها بتاء الفاعل منحنها دلالة من الصيرورة وانتشال دوال الماضي لتعميق الاحساس بالحاضر واستشراف المستقبل
والمزواجة بين حالات الفعل مابين الاثبات والنقض اعطت العبارات دلالات مغيبة يشي بها اكتمال النص ويوترها ليوضح الفكرة العاصية كما نرى في

(جادتْ سواقي رؤيتي

بما قد رأيتُ

نَظَرْته كان يسير

بشرياني إليه فسرتُ)

وفي الخاتمة لا بد من الاشارة الى ان الشاعر سليمان نزال يمتلك طاقة من البوح وائتلاف النشيد المعمق والنهوض بدلالات الكلمات واجتراح صور شعرية مبتكرة غنية ومؤثرة وموحية وواشية بالتاويل وفضاءات من النور والحزن لا نجدها الا عند كبار المبدعين يتجاوزها احيانا بانشغاله باليومي والمباشر،ربما لانه يرى ان على الشاعر ان لا ينسى وان يذكر كي لا تحترق ققمنا بعواصف النكران واملاح النسيان
فنامل منه ان ينحاز دائما لصالح المعمق واختزان الاشياء حتى انفجارها سواقي وينابيع ورؤيا كي لا يبخل علينا بنصوصه النورية الكثيرة كنص(ضاحية الجريان)


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى