السبت ٢٤ شباط (فبراير) ٢٠١٨

قصّة «طلال بن أديبة» في اليوم السابع

ديمة جمعة السمان

ناقشت ندوة اليوم السابع الثّقافيّة في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس كتاب " طلال بن أديبة" للكاتبة أريج عمر يونس، المتخصّصة في كتابه قصص الأطفال، صدرت القصة عن مؤسسة طلال أبو غزالة للترجمة والتوزيع والنشر / عمان ، بطبعتها الثانية.

بدأت النقاش مديرة الندوة ديمة جمعة السمان فقالت:

سيرة ذاتيّة موجّهة للأطفال، تزخر بالقيم والمبادىء والسلوكيات الحسنة التي نسعى لغرسها في نفوس أطفالنا، فبين الألم والأمل طلّت علينا الكاتبة يونس بالعديد من الأحداث والتفاصيل التي جعلتنا نشعر بالفخر بهذا الرجل الفلسطيني العصاميّ، الذي كان عنوانا للجد والنشاط والذكاء وحمل العديد من المبادىءودافع عنها، وأثبت أنه قادر على تحقيق حلمه الذي كبر معه يوما بعد يوم، فحقق الحلم بإرادته ومثابرته وجده وتعبه، إذ آمن بقول الله تعالى: (إنّ الله لا يضيع أجر من أحسن عملا ) صدق الله العظيم.

جاء (طلول) -كما كانت تدعوه والدته- من عائلة فلسطينية ميسورة، عاشت في يافا قبل عام 1948 ، تمتلك كغيرها من العائلات اليافاوية بيارات مليئة بأشجار البرتقال. كان (طلول) الذي ولد عام 1938 يعيش حياة سعيدة هنيئة مع أسرته، يحمل بيده الصغيرة سند ملكيته لقطعة أرض كتبها والده باسمه وهو لا زال طفلا. وقد أطلق طلول على الوثيقة اسم " خريطة الكنز"، فقد اعتبر الأرض كنزا، فلا يوجد أغلى من أرض الوطن. إلى أن جاء عام النكبة وتم تهجير الفلسطينيين من قبل العصابات الصهيونية، فغادرت عائلة أبو غزالة يافا قسرا ولجأت إلى جنوب لبنان، على أمل العودة، فلا زالت الأم أديبة تحتفظ بمفتاح باب منزل العائلة.. فعذاب الحنين إلى أرض البرتقال يدمي القلوب.

القيم الواردة في السيرة الذاتية جاءت بصورة جميلة دون إقحام، لم تثقل على القاريء. بل أتت في سياق مقنع غير دخيل، أذكر بعضها:

 اعتبر طلال أنه حصل على كنزين: الكنز الأول تمثل في وثيقة سند ملكيته لقطعة أرض في يافا كتبها والده له وهو ابن اربع سنوات، فلا يوجد أغلى من أرض الوطن. أما الكنز الثاني فهو حصوله على شهادته الجامعية التي فتحت له الآفاق ليدخل سوق العمل .

 علينا تكريس طاقاتنا لتحقيق أحلامنا بجدنا وتعبنا وإصرارنا وإرادتنا وليس فقط بالامنيات والأحلام. بالتحدي نتخطّى العقبات، ونغزل من قسوة الحياة مستقبلا زاهرا.

 دعوة إلى النشاط والصحوة المبكرة، حيث جاء القول على لسان الأب: ( الله يوزع الأرزاق على العباد في كل صباح).

 عندما تم تهجير العائلة من يافا، لفت نظري وصف الكاتبة للأسلوب الذي تعامل به الوالدان مع الطفل طلال ابن العشر سنوات، فرغم الخوف والتوتر والقلق الا أنهم تعاملا بذكاء وهدوء كي لا يدبان الرعب في نفس ابنهما.

 زرع الوالدان في طلال حب العلم فهو السلاح الأمثل الذي به يسترد عزته وكرامته.

 دعوة إلى تحمّل المسؤوليّة، فقد عمل وهو طالب في المدرسة ببيع المثلجات، وبعدها محاسبا في سوق الخضار.

 دعوة إلى الاعتداد بالنفس وعدم الخجل من الفقر وقلة ما باليد، فقد سخر منه أبناء صفه عندما جاء مبلولا من المطر، فلم يمتلك نقودا لكي يركب سيارة توصله إلى المدرسة كغيره من زملائه، فوصل مبلول الملابس، خاصة وأن أمه أخاطت له معطف صوف من بطانيات، لا يرضى أن يلبسه أي طالب لا يثق بنفسه وبأسرته.

 دعوة إلى الجرأة والمبادرة للوصول للهدف، فقد كان طلال يحلم بأن يلتحق بمدرسة المقاصد الإسلامية الثانوية بعد أن تخرجه من مدرسته الابتدائية، ولكنه لم يمتلك المال، فلبس هنداما مرتبا. إذ أن الانطباع الأول دائما مهم لأي لقاء. وذهب إلى مدير المدرسة يطلب منه أن يسجله في المدرسة مقابل أن يحصل على الترتيب الأول بصفه، وإن لم يلتزم بوعده سيسدد له القسط. فوافق المدير.

هذا الموقف يعلم الطفل الجرأة، الارادة، التحدي، المفاوضات والالتزام، وعلى رأس كل هذا يعلمه المبادرة، فلم يطلب من أحد أن يقوم بهذا الدور، اعتمد على نفسه، وعمل بالمثل القائل: لا يحك جلدك إلا ظفرك.

 حصل طلال على منحة دراسية في الجامعة الاميركية في بيروت بسبب تفوقه وحصوله على المرتبة الأولى في امتحان الثانوية العامة في لبنان، نتيجة تعب وجد وتخطيط وإرادة، كلها رسائل للقارىء، فلم تأته المنحة بالصدفة ولا بالواسطة، إنما كان استحقاقا، مما زاد ثقته بنفسه أكثر وأكثر، فواصل بجده ومثابرته وحصل على الجوائز المختلفة التي تشهد له بأنه يستحق التكريم.

 الرأفة والكرم كانتا صفتين في طلال ظهرتا من خلال اعطاء خالد حبة من البوظة دون مقابل عندما كان طلال يبيع المثلجات، فلم يمتلك خالد ثمن حبة البوظة، ولم يهن على طلال أن يرى جميع الاطفال يأكلون البوظة وخالد ينظر إليهم من بعيد. كبرت معه هذه الروح، فقد كان مؤمنا بأنه كلما أعطيت أكثر رعتك يد الله أكثر، فأحبه كل من عرفه، وعندما ترك عمله في الشركة التي عمل فيها بالكويت، غامر بعض العمال باستقالتهم من الشركة، إذ وثقوا به، ووضعوا أيديهم في يده، وغامروا بالعمل معه في مشروع ما كان قد رأى النور بعد. وبحمده تعالى، وفقه الله وتوسعت مشاريعه وشركاته التي انتشرت في بلدان العالم تحمل اسمه.

 الخيرة فيما اختاره لنا الله، مقولة آمن بها طلال، فقد فضل أن يدرس اللغة الانجليزية في الجامعة، إلا أن باب التسجيل لهذا التخصص كان قد أغلق، فاضطر أن يدخل كلية التجارة، فلم يغضب طلال ، بل آمن بأن لا تكرهوا شيئا وهو خير لكم ، فتوكل على الله وكان كل الخير في التخصص الذي درسه.

 دعوات الوالدين كانت جليّة واضحة في السيرة الذاتية في كل مراحل عمره، وهي تعزيز للوالدين ورضاهم على الأبناء.فالتوفيق يأتي برضا الوالدين.

 عنوان السيرة " طلال بن أديبة" جاء داعما لدور الأم في حياة الطفل، وتكريما للمرأة ، الذي يشعر البعض بالحرج من لفظ اسمها، فيدعوها بأم كذا، أو يكتفي بأنها كريمة فلان، أو زوجة فلان. وهي ثقة لطلال بن أديبة بالنفس، فهو يعتز بأمه وبدورها في حياته الذي دفعه نحو النجاح والتفوق والتميز.

لي ملاحظة وحيدة على السيرة الذاتية، فلم أتعرف على إخوة طلال، إذ ظننت في البداية أنه وحيد والديه، ولكن في إحدى الصفحات تم ذكر ( شقيقتنا الكبرى)، و(شقيقتي الصغرى). ترى كيف كانت طبيعة العلاقة مع إخوته، وهل هو الطفل الذّكر الوحيد في الأسرة؟ فلا بد أن يكون للأشقاء دور في حياة الطفل. تم تغييبهم كليا في السيرة.

وفي الختام، أعتبر أن سيرة طلال بن أديبة موسوعة من القيم التي على كل طفل أن يقرأها، ليتعرف على الحياة، ويدخلها بخطى ثابتة، بعد أن يكون قد تعرف على أهم مفاتيحها التي توصله إلى أبواب تحقيق أحلامه.

وتحدث سامي قرّة فقال:

لا شك أن إعلان وزير التربية والتعليم العالي الدكتور صبري صيدم عن البدء بتوزيع قصة "طلال بن أديبة" في كافة مدارس الوطن يستحق التقدير؛ لأن القصة تحتوي على الكثير من الفضائل والصفات الشخصية الحميدة، التي تطمح كل معلمة أن تغرسها في تلاميذها وتلميذاتها وكل أم في أن تُكسبها لأبنائها وبناتها.

وقبل الخوض في الحديث عن الدروس التي نتعلمها من الطفل طلال الذي حقق نجاحات باهرة رغم الصعوبات والمتاعب التي واجهها، لا بد من الحديث ولو باختصار عن خط الأحداث الذي تتبعه القصة وعن أثرها على الشخصية الرئيسية أي طلال. تقدّم "طلال بن أديبة" مثالا جيدًا عن القصة التكوينية والنضج الشخصي للفرد من الناحية العقلية والنفسية، وبالتالي تحقيق هويته الذاتية. تقول الأستاذة أريج يونس في مقدمة كتابها أنها تقدّم للقراء أنموذجا في النجاح، "إنها قصة لطفل ... لم يعد طفلا بل صار أسطورة" ... رجل "غدا بين الناس قامة عربية يُشار إليها بالبنان". في مستهل القصة نقابل عائلة أبو غزالة وهي تعيش بطمأنينة وهدوء بال، ونرى العلاقة الوطيدة والمليئة بالمحبة بين الأب والأم وابنهما طلال. تعيش العائلة في مدينة يافا الجميلة بهناء وسعادة. لكن فجأة تظهر قوة تزعزع الاستقرار وتقضي على الطمأنينة والهدوء تضطر على أثرها عائلة أبو غزالة إلى النزوح عن يافا، وتؤدي بهم إلى فقدان ممتلكاتهم، واللجوء إلى لبنان حيث تعيش في فقر وتواجه تحديات جمّة. لكن بغض النظر عن تلك التحديات يتمكن طلال في نهاية القصة وبدعم من والديه وأصدقائه وبعد الالتحاق بالجامعة من تحقيق نجاح تلو آخر، ومن استعادة المكانة الاقتصادية والاجتماعية التي تمتعت بها عائلته قبل النزوح، لكن في بلد آخر هي الكويت وبعدها الأردن. نرى بوضوح كيف أن البيئة التي عاشها طلال والتجارب التي خاضها شكلت حافزا له لتحدي الواقع وكيف أنها أثرت على تصرفاته وسلوكه وتكوين شخصيته. وهذا ما يُعرف في الأدب باسم المذهب الطبيعي أو الواقعية الاجتماعية. لا تجري الأحداث في فراغ والعلاقة بينها سببية، كما أن كل حدث يؤثر على جانب معيّن من شخصية طلال ويًكسبه صفات معينة. على سبيل المثال، عندما يعطي الأب توفيق ابنه صك ملكية الأرض ينمو لدى طلال الابن الحس بالمسؤولية وحب الوطن، وعندما تصبح عائلته فقيرة ينمو لديه الشعور بأهمية العمل والعلم، وعندما ينجح في عمله تنمو فيه روح التصميم لتحقيق المزيد، وهكذا.

في تقديمها للكتاب تخاطب الأستاذة أريج يونس الأطفال، فالقصة تستهدف الأطفال ومن خصائص أدب الأطفال أنه أدب تعليمي يهدف إلى إكساب الأطفال المعرفة العقلية والصفات الشخصية الحسنة. وبالفعل هناك الكثير مما يمكن أن يتعلمه أطفالنا من تجربة طلال الحياتية.

أولا: يقدّم طلال مثالا فريدا لطموح الفرد ومحاولته تحقيق ما يصعب تحقيقه. وفي الحقيقة تبدأ القصة بفكرة الطموح والصعود إلى الأعلى. يقف طلال فوق أعلى جذع على شجرة البرتقال. يسأله أبوه: "ماذا تفعل على الشجرة؟" ويجيب طلال: "أريد أن اقطف تلك البرتقالة". يضيف طلال: "أشرت بيدي إلى حبة برتقال صعبة المنال، كانت تواجه الشمس وتتوهج بلونها الشهي" (ص 1). فالبرتقالة هنا ترمز إلى طموح طلال. ويظهر طموح طلال بوضوح بعد فوزه بمسابقة كتابة القصة القصيرة وتسلمه الجائزة إذ يقول: "كان شعوري لا يوصف، وقد رأيت سلّما مرتفعا، تمكنت بحمد الله من اعتلاء أولى درجاته" (ص 18). وهو مثل أبيه "دوما يتطلع للعلياء" ص 4.

ثانيا: يتمكن طلال من تحقيق هدفه بالحياة لأنه كان يحلم. كان قبل أن يغفو في فراشه يقطف "نجمة الحلم وأخبؤها في قلبي" (ص 5). وكان يؤمن طلال ويحلم أن الأمة العربية ستنهض من جديد؛ لتقود العالم لكن "هذا الحلم لن يتحقق إلا بالعلم" (28) وبالنسبة له تصبح جميع الأحلام حقيقة إذا تملكتنا الشجاعة للحاق بها. فدعوا الأطفال يحلمون لأنه يوما ما ستصبح أحلامهم حقيقة. يخاطب الأستاذ طلال أبو غزالة الأطفال في رسالته ويوصيهم بأن يرسموا أحلامهم وطموحاتهم وأن يتمسكوا بها كما تمسك هو بأحلامه.

ثالثا: يتطلب تحقيق الأحلام الكثير من العزيمة وقوة الإرادة والتصميم والمثابرة، وهذه صفات يتحلى طلال بها جميعا. بعد الوصول إلى الغازية واللجوء يشعر طلال بالمحنة التي تمر بها عائلته التي تسببت في تغيير ظروف حياتهم، وتبدد "نظرات السعادة وابتسامات الرضا التي لم تكن تفارق وجهي أمي وأبي"، ولهذا السبب عقد "العزم أن يعيد لهما بصيص الأمل وفرحة النجاح" (ص 8). وعندما قوبلت بالرفض جميع الطلبات التي قدّمها للحصول على وظيفة لم ينزعج "بقدر ما كانت تعطيني الدافع والأمل للتقدم" (ص 29). كان طلال يحدّث أمه عن حلمه الالتحاق بمدرسة المقاصد الإسلامية الثانوية، وكان دائما بحاجة إلى أمه التي تمده "بعزيمة أكبر ويبقي جذوة الحلم مشتعلة في نفسي" (ص 15). وفي الصباح خرج قاصدا المدرسة وأبوه يشد على يده مما منحه عزيمة أكبر. طلال لا يعرف الاستسلام وقلبه مليء بالتصميم والتحدي والمثابرة والصبر. فبعد أن وافق مدير المدرسة على قبول طلال طالبا فيها اغتبط طلال كثيرا واعتبر قبوله "خطوة كبرى في سلم التحدي للوصول إلى النجاح، ولن أوفر جهدًا لصعودها" (ص 17). وعندما قال لأصدقائه بعد تخرجه من الجامعة بأنه سيبدأ البحث عن عمل ردّد اصدقاؤه بمرح: "هذا هو طلال، المثابرة عنوانه" (27). وعند وصوله إلى الغازية بدأ شعور يكبر في داخله "أننا ندخل مرحلة جديدة تحتاج إلى الكثير من الصبر" (ص 8). وفي نهاية القصة يتذكر طلال أباه الذي علمّه أنه على الإنسان أن لا "يستسلم مهما بلغت الصعاب من أجل أن ينال العلا" (ص 28). يقول طلال بنبرة حزينة ممزوجة بشعور من الرضا والاكتفاء الذاتي أن جميع الأزمات التي مرّ بها من فقدان وطنه واستقراره وراحته "لم تحبطني أو تقلل من عزيمتي، بل زادتني قوة ويقظة وإصرار على النجاح" ص 32.

رابعا: للعلم شأن كبير في حياة طلال، ومنذ صغره أحب العلم كثيرا كونه المفتاح الذي يفتح أبواب النجاح والكرامة الإنسانية. فبالإضافة إلى تعلمه حب الأرض والوطن، عرف طلال منذ صغره أهمية العلم والتعلم. يسأل أمه: "ماذا أفعل لك أنت وأبي؟ كيف أتمكن من استعادة حقي وأرضي، ووطني؟ كيف أواجه عدّوي؟ كيف أعيد لكما البسمة وفرحة النجاح"؟ تجيبه أمّه: "العلم، نعم العلم يا بني خير طريق تسلكه لتبني نفسك وتنهض بأمتك". ويضيف طلال: "سأكرس حياتي لطلب العلم والعمل به" (ص 9-10). ومنذ تلك اللحظة يكرّس حياته لمذاكرة دروسه، ثم يدخل المدرسة ويتخرج منها وبعدها يلتحق بالجامعة. ومن شدة حبه للتعليم كان يُعطي دروسا خصوصية في مادة اللغة الإنجليزية للطلبة. لكن لم يقتصر التعليم الذي تلقاه طلال على اللغة والأدب الانجليزي أو حتى على التجارة وإدارة الأعمال، بل شمل أيضا التعلم الديني الصحيح وتعلم الفن مثل الموسيقى إذ تمتع بحس موسيقى مرهف أدخله إلى عالم الموسيقى الكلاسيكية. كان طلال يعلم جيدا أن أحلامه لن تتحقق "إلا بالعلم" ص (28). لكن من الضروري هنا الإشارة إلى أن النجاح الذي حققه طلال في حياته لم يكن بسبب العلم وحده، بل كان أيضا مزيجا من المكافحة الذاتية والاعتماد على الله. فهو يعرف ويؤمن بتدخل الله في حياة الإنسان ولذلك نسمعه يقول: "لكننا نشاء شيئا ونطلبه، فيختار لنا الله شيئا آخر" (ص 24). كما يؤمن طلال بأن "الخيرة فيما اختاره الله" (ص 24). وقد اكتسب طلال إيمانه من أمه الذي كانت دائما تدعو له بالخير والتوفيق. أمّا المكافحة الذاتية فقد اكتسبها طلال من أبيه الذي كان يؤمن "بأن الله يوزع الأرزاق على العباد في كل صباح" (ص 6) أي العباد الذين يستيقظون باكرا للعمل والاجتهاد. فلنتذكر معا النصيحة التي يقدّمها الأستاذ طلال أبو غزالة للأطفال في رسالته في نهاية الكتاب: "تذكروا أن باستطاعتكم دائما تحقيق كل صعب بالإرادة القوية والتوكل على الله".

خامسا: يتمتع طلال بحس كبير من المسؤولية واتخاذ زمام المبادرة. في المدرسة الأمريكية للبروتستانت نراه مثلا يجتهد في دروسه ويشعر مع عائلته التي فقدت كل ما تملك، فلا يتذمر ولا يشكو ولا يشعر عائلته بأنها مقصرة. ومنذ صغره وهو في العاشرة من عمره يُحّمله أبوه مسؤولية العودة إلى أرضه ومدينته يافا، ويسلمه صك ملكية المنزل والأرض الذي يحافظ عليه حفاظه على حياته، وهو دائم التفكير بالتخفيف عن والده ووالدته. وهو يتحمل مسؤولية توفير الطعام لوالده ووالدته ولذلك كان يجمع حبات الفاكهة كل أسبوع كي يشارك عائلته الصغيرة في أكلها في نهاية كل أسبوع. وهو أيضا يتحمل مسؤولية تعليمه ودراسته ويذهب بنفسه إلى مدير مدرسة المقاصد الإسلامية الثانوية؛ كي يلتحق بالمدرسة، وكانت هذة المبادرة الخطوة الأولى الذي اتخذها طلال على طريق النجاح. وما يساعده في النجاح ثقته بنفسه وثقة الآخرين به، فمنذ نعومة أظفاره كان واعيا "لأهمية محبة أهلي واحترامهم لي وثقة كل من حولي، وكنت واثقًا من نفسي" ص 11.

سادسا: يتمتع الطفل طلال بالفضول والرغبة في المعرفة وهذه خاصية هامة في تعلم الأطفال. فهو دائما يتحدث مع أبيه ويسأله الكثير من الأسئلة. نقرأ: "كان [أبي] يمسك بيده ورقة مطوية بحرص، سألته وقد استبد بي الفضول: "ما هذه الورقة يا أبي؟" ويجيب الأب: "لأنني أحب فضول المعرفة فيك سأريك الورقة" (ص 1). نلاحظ أن الأب لا ينفك عن مدح ابنه وتشجيعه مما يحفّز طلال على بذل جهد أكبر من أجل تحقيق أحلامه. يقول أبو طلال لابنه: "طلال، أرى المستقبل في عينيك، ستكون رجلا قياديا حكيما، وسيكون لك شأن كبير في الحياة" (ص 12). تصوري الأثر الذي يتركه مثل هذا القول على نفسية الطفل.

سابعا: نتعلم من طلال حب العمل وأهميته. يوظّف طلال جميع قدراته وطاقاته في سبيل تحقيق أهدافه ويبذل قصارى جهده في الحصول على عمل. فبعد حصوله على مقعد في المدرسة الثانوية كان إلى جانب دراسته يعمل كي يساعد أهله في توفير لقمة العيش. فنراه وهو طفل يعمل في بيع المثلجات، وبعد تخرجه من الجامعة في إحدى الشركات في الكويت، وبعد ذلك أنشأ شركاته الخاصة. وأثناء عمله كان طلال حريصا على أن يُتقن عمله وأن يكون خير ممثل لبلده في كل مكان، وأن يتحمل العناء ومشقة العمل، لأنه من وجهة نظره "النجاح لا يُقدّم على طبق من ذهب، بل يحتاج إلى جهد وعمل" (ص 36). وعن طريق العمل كان طلال ينتقل من نجاح إلى آخر؛ لأنه من ناحية راى نتيجة جهوده على الواقع الملموس ووضع لنفسه رؤية ومخططا واضحا لمستقبله من ناحية أخرى. ومن المهم هنا أيضا الإشارة إلى أن طلال عندما عمل في الكويت كان مثالا وقدوة للآخرين من الموظفين حتى أنهم قرروا مغادرة الشركة التي كان يعملون فيها للعمل معه؛ لأنهم آمنوا "بقدراتك وبأفكارك ونعرف أنك ستنجح" (ص 30).

أخيرا، من الدروس الجميلة الأخرى التي نتعلمها من طلال التسامح وعدم الأنانية والشعور مع الآخرين ومشاركتهم ومساعدتهم إضافة إلى تكوين صداقات معهم. ما أجمل تلك العلاقة بين طلال واباه وأمه، هي علاقة تتميز بالمحبة والدعم والاحترام والتقدير. فطلال دائم الاعتزاز بأبيه والأب دائم الفخر بابنه، والأم لا تبخل في الدعاء لابنها. ولا ينسى طلال أبويه بعد موتهما وبعد أن حقق النجاح بقي شاكرا لهما. كان طلال يشعر مع والديه ومع الآخرين أيضا. ففي يوم حار يقدّم قطعة من المثلجات إلى طفل فقير؛ لأنه يؤمن بأن مساعدة الآخرين من واجبه. ويصبح ذلك الطفل صديقا له مثل صديقه محمد الذي يدافع عنه أمام طلاب صفه والذي يعلمه أن "الحياة لا تحلو إلا بمشاركة الطعام واللعب والصداقة" (ص 13). فضلا عن ذلك يؤمن طلال بأن الكل سواية، فهو مثال للتسامح؛ لأنه يقبل الآخرين ويحبهم بغض النظر على الفرق في الديانة لأن الدين "في أصله محبة" (ص 13).

"طلال ابن أديبة" قصة جميلة وهي تستهدف الأطفال بشكل خاص. من ناحية المضمون، فهي قصة تستحق القراءة من كل طفل وطفلة وأب وأم. ومن ناحية الشكل فهي تحتوي على العديد من عناصر قصص الأطفال وأدب الأطفال مثل العنصر التعليمي والتكرار لمفاهيم أساسية مثل "العلم" و"العمل" و"الحلم" و"النجاح"، وغيرها، كما أن الراوي هو طلال نفسه أي أننا نرى ما يحدث من وجهة نظر الطفل طلال الذي هو أيضا الشخصية الرئيسية في القصة. إضافة إلى ذلك تدعو القصة إلى التفاؤل، وأن جهود الإنسان لا تذهب سدى وأنه في نهاية المطاف سيحقق النجاح مهما كثرت التحديات والمصاعب.

وقال جميل السلحوت:

طلال بن أديبة شيء من السّيرة الذّاتيّة لرجل الاقتصاد المعروف طلال توفيق أبو غزالة. وطلال أبو غزالة كما جاء في موسوعة ويكيبيديا:"هو المؤسس والرئيس لمجموعة طلال أبو غزالة الدولية، وهي مجموعة شركات عالمية تقدم الخدمات المهنية في مجالات المحاسبة والاستشارات الإدارية ونقل التكنولوجيا والتّدريب والتّعليم، والملكيّة الفكريّة والخدمات القانونيّة وتقنيّة المعلومات والتّوظيف والتّرجمة والنّشر والتّوزيع. وبالإضافة إلى منحه لقب قائد المحاسبة العربيّة، تم أيضا الاعتراف بفضله في التّرويج لأهميّة الملكيّة الفكريّة في المنطقة العربيّة."

عندما قرأت سيرة الطفولة المختصرة هذه، والموجّهة للأطفال، الصّادرة طبعتها الثّانية في العام 2018، وتقع في 41 صفحة من الحجم المتوسّط، والمطبوعة طباعة أنيقة على ورق مصقول، تزيّنها رسومات مفروزة الألوان، تولّد لديّ انطباع، بأنّ صاحب السّيرة هو من كتبها، لأنّه يتحدّث فيها عن طفولته بلغة "الأنا"، علما أنّ الصّفحة الأولى المعنونة "إلى أحبّتي" بقلم الكاتبة أريج يونس، والذي رسّخ هذا الانطباع لديّ هو وجود رسم للعاهل الأردنيّ عبدالله بن الحسين، وهو يقلّد وسام الاستقلال من الدّرجة الأولى لصاحب السيرة، وتحتها فقرة موقّعة باسم صاحب السّيرة "طلال أبو غزالة.

لكنّني فوجئت على الصّفحة الأخيرة بوجود مختصر للسّيرة الذّاتيّة للكاتبة أريج عمر يونس، ممّا ولّد لديّ انطباع آخر بأنّ هذه الكاتبة هي من كتبت هذا الموجز من السّيرة على لسان صاحبها، علما أنّه لا يوجد اسم للكاتبة على الغلاف الأوّل كما جرت العادة.

وما يهمّنا هنا هو مختصر سيرة طفولة رجل الاقتصاد المعروف طلال توفيق أبو غزالة، المولود في أسرة ميسورة في يافا عام 1938، والذي أجبر وعائلته على الهجرة إلى لبنان في نكبة الشّعب الفلسطيني في العام 1948، ليعيشوا حياة اللجوء، ومرارة الحياة، بعد أن تركوا بيتهم الفاخر وبيّاراتهم وممتلكاتهم خلفهم على أمل العودة إليها.

وروعة سيرة الطفولة هذه أنّها تحمل في ثناياها رسالة أمل للأجيال الجديدة، فصاحب السّيرة قدوة تقتدى، وقد عانى الأمرّين في طفولته في أرض اللجوء، لكنّه بقي يحتفظ بالأوراق الثّبوتيّة لملكيّة الأراضي التي ورثها عن أبيه في يافا، واظب بجدّ واجتهاد، وتفوّق في دراسته، سعى نحو الأفضل دائما، إلى أن حصل على منحة دراسيّة في الجامعة الأمريكيّة في بيروت، وتخرّج منها بتفوّق، وسافر إلى الكويت للعمل هناك، وبعد دخول القوّات العراقيّة للكويت عام 1990 غادر الكويت مكرها ليعود إلى الأردنّ، وهناك مارس أعماله الحرّة، وأسس شركات لها فروع في عدّة دول، ونجح نجاحا لافتا، أقام في الأردنّ وحظي بتكريم كبير من قمّة هرم السلطة، لكنّ عينيه بقيتا علي مدينته ومسقط رأسه يافا، ووطنه الأمّ فلسطين.

الفخر بالوالدة: واضح أن طلال توفيق أبو غزالة شديد الفخر بوالدته، وأجزم أن اختيار عنوان مختصر سيرته في الطفولة" طلال بن أديبة" هو اختيار من صاحب السّيرة، الذي يفخر بوالديه، ويرى أن ينادى باسم كابن لأمّه دلالة فخر بها.

ملاحظة: حبّذا لو أنّ الكاتبة حذفت ألف الوصل من كلمة ابن، فعندما تقع كلمة ابن بين علمين تحذف الألف.

وكتب عبدالله دعيس:

"طلال بن أديبة" قصة مصورة للأطفال، تحكي سيرة حياة رجل الأعمال الريادي الفلسطيني طلال أبو غزالة، ورحلته من اللجوء والعَوز إلى بناء امبراطورية أعمال ضخمة، تحمل بين طيّاتها دروسا تربوية عديدة، وبأسلوب شيّق، ولغة أدبية موحية ومناسبة للأطفال، ورسومات ملوّنة معبّرة ومناسبة للأحداث.

تختار الكاتبة - وربما صاحب السّيرة - عنوان (طلال بن أديبة) لكتابها، فتنسب السيّد طلال إلى والدته وليس إلى والده أو عائلته كما هو معهود؛ لتبرز دور الأم وفضلها في تنشئة الطفل، ووضعه في طريق النّجاح. أمّا صورة الغلاف فهي للأب وهو يقود الطفل مسرعا نحو فجر مشرق، يحمل وثيقة ملكيته للأرض، ويحيطه برتقال يافا من كلّ جانب. فالعنوان والغلاف يجمعان الأب والأم والطفل والوطن، في اختيار موفّق ذي دلالة ورؤية، فهذه القصة تبدأ بتوجيه القارئ الناشئ وتعليمه الدروس التّربوية، وتنير دربه نحو مستقبل زاهر، قبل أن يقلب صفحتها الأولى.

وتقسّم الكاتبة السيرة إلى فصول تحمل عناوين مختارة بعناية تدلّ على مضمونها، وتبدأ كل فصل بقول مأثور يثير الفضول للقراءة ويحلّق بالقارئ في خيال جامح، مترقّبا أحداث الفصل بشوق. وفي هذه الفصول، تضيء الكاتبة ومضات من حياة طلال أبو غزالة، كافية لتعزيز التوجّه الإيجابي لدى الطفل للاستفادة من سيرة هذا الرجل والاقتداء به.

تبدأ القصة بالطفل وهو يصعد أعلى شجرة برتقال في يافا؛ ويصرّ على الوصول إلى برتقالة كبيرة أعلى الشجرة، أصابتها الشمس فأعطتها رونقا ورائحة وحجما، ولا يكتفي بحبات البرتقال التي تتكاثر على أغصان الشجرة المتدلّية على الأرض، في دلالة رمزية لشخصية طلال أبو غزالة وسعيه نحو العلا طوال سنوات حياته رغم الصعاب، ثمّ لا يستأثر بالبرتقالة بل يقدمها لوالدته، لتكون هذه الحكاية عنوانا لحياة ملؤها الطموح وتذلليل الصعاب حتى الوصول إلى الهدف، وعدم الاستئثار بالفائدة بل ليعم الخير على الجميع، وهو توجه إيجابي ودرس للناشئة. ثمّ تعرّج على أحداث حياته عندما يخرج لاجئا إلى لبنان ويعيش حياة عنوانها الفقر والحرمان، لكنّه يجتهد ويجدّ ويكابد الصعاب بإيجابيّة منقطعة النظير، حتى يصل إلى النّجاح في كلّ مرحلة من مراحل حياته. وفي ثنايا هذه الأحداث تبثّ الكثير من الدروس والعبر للقارئ الصغير دون تلقين ولا توجيه، وإنّما عن طريق الأمثلة الحيّة المقنعة.

ومن الدروس والعبر التي يمكن أن يستشفّها القارئ من خلال أحداث السيرة المشوٌّقة ما يلي:

• دور الوالدين الإيجابي في تنشئة الطفل وتوجيهه نحو العلم والإبداع.

• ربط الوالدين لولدهما بالأرض والوطن وإشعاره بأهميتها.

• العلاقة الحميميّة بين الأب والأمّ وتأثيرها الإيجابي على الطفل.

• الأب والأم القدوة لأولادهما.

• إطراء الوالدين للطفل والتعزيز الإيجابيّ لهما أكبر الأثر في نجاحه.

• قيام الطفل ببعض الأعمال المناسبة لسنّه تقوّي شخصيته وتعطيه فرص أكبر للنجاح من مجرّد الانصراف للدراسة.

• أهمية الانتباه للطبيعة التي تحيط بالطفل وتدبّرها والتفكر بها، وخاصة السماء والنجوم، من أجل نمو سليم.

• أهمية الاستيقاظ المبكر للعائلة.

• التوجه نحو العلم واعتباره جهادا ووسيلة من أجل استعادة الوطن، تضاهي حمل السلاح للقاء العدو.

• الإيجابية في التعامل مع المشكلات، وخلق النجاح من رحم المحنة وقلب المأساة.

• عدم التركيز على السلبيات والمشكلات التي تواجه الشخص، والتطلع الدائم نحو النجاح؛ فالكاتبة لا تسترسل في وصف ما حلّ في الشعب الفلسطيني عند النكبة، ولا معاناة اللجوء، بقدر نجاح طلال في تجاوز هذه المحن.

• كسب المحبة والاحترام وثقة الجميع كوسيلة للنجاح، والتسامح مع من يسيء إليك.

• أهمية التعاون والعمل الجماعي والعمل كفريق متكاتف.

• الإرادة القوية والإصرار والتصميم على النجاح وعدم النكوص والخوف من الفشل.

• وضع هدف عالٍ كبير والإصرار على تحقيقه.

• الثقة بالنفس والثقة بالنجاح.

• أن يكون الإيمان بالله والثقة به دائما قرينا للعمل والجد.

• من مزايا الناجحين الاهتمام بالآخرين والإيثار ومساعدة الآخرين ليسلكوا درب النجاح.

• عدم الإصابة بالإحباط حتّى مع تفاقم المشكلات، والإيجابية والابتعاد عن اليأس.

ديمة جمعة السمان

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى