الاثنين ٦ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٧

كتاب ثقافة الهبل يدعو لتحرير العقول

مهند الصباح

تخلوا عن الجهل والخرافات هذا هو النداء الذي يطلقه كتاب "ثقافة الهبل وتقديس الجهل" للأديب جميل السلحوت الصادر عن مكتبة كل شيء في صيف هذا العام 2017. نعم هو الجهل الذي يستشري في مجتمعاتنا العربيّة منذ عقود طويلة، حتى أصبح ثقافة لها محدداتها ومعالمها، لتخدم مصالح من أراد السيطرة على المجتمع وتغييب العقول والذين أضحوا مدافعين عن تلك الثقافة المُغلفة بالدين والعواطف، محاولين عزلنا عن سيرورة الثقافات العالمية من حولنا بنعتها بالثقافات الكافرة، التي تسود دار الكفر، وقد جهلوا المعنى الحقيقي لدار الكفر ودار الإسلام. دار الكفر هذه قد استقطبت عقول أبنائنا واستثمرت بهم لمستقبلها، وبتنا أمام هجرة للعقول واستنزاف لطاقاتنا البشرية والابداعية، وهذا ما ذكرته آخر الاحصاءات لهجرة العقول في تونس، وحده شهد هذا البلد الصغير 93 الف حالة هجرة ابداعية على مدار العقود القليلة السابقة، ليصبح ثاني بلد عربي في هروب المبدعين بعد السودان.

هي بانوراما يحاول الأديب عرضها علينا علّنا نتعظ، أو نُشير بالبنان على مكمن الضعف والتخلف الحاصل في مجتمعنا، والحائل بيننا وبين الرقي إلى مصاف الشعوب المنتجة للحضارة، علّنا نلفظ عباءة الاستهلاك للثقافات "الكافرة" من على أكتافنا.

هي دعوة لا يمكن عزلها عن السياق العام الداعي بضرورة المراجعة والمحاسبة من أجل النهوض بأمّة تمتلك من المقدرات الشيء العظيم، دعوة قد سبقتها دعوات من أمثال الأفغاني ومحمد عبدة ومشيل عفلق- على سبيل المثال وليس للحصر- ، والجدير ذكره بأنّ كاتبنا استجلب هذه الثقافات من الواقع المعاش، وأخضعها ضمن السياق التطوري التتابعي المتشعب وبدون فلسفة للأمور، وكأن الكاتب أراد بذلك أن يقول "نحن جميعا كأفراد وكجماعات وأصحاب قرار مسئولون عن هذا التخلف" مطالبا إيّانا بضرورة عمل مراجعة شاملة لكافة مناحي حياتنا الاقتصادية منها والاجتماعية على غرار كافة الشعوب التي قررت الخروج من تصنيف الدّول المتدنية المستهلكة صعودا نحو الانتاج العالمي، ولنا في دول "النمور الآسيوية" خير دليل، وتحضرني في هذا المقام "سينغافورة" التي أرسلت بعثات في ستينيات القرن الماضي إلى مصر كي تدرس تجربة التطور المصري أثناء عهد الزعيم جمال عبد الناصر، واستفادت منها وأضحت متقدمة ذات هيبة تحترم عالميا. ناهيك عن الثورة الثقافية الصينية في عهد "ماو تسي تونغ". وغيرها الكثير من التجارب الانسانية في عالمنا سريع التطور والحداثة.

قد يتبادر للقارئ بأنّ الكاتب قد شنّ هجوما عنيفا على الدين، ومن شَعَرَ بذلك فقد أصابه ما أصاب المجتمع كافّة من التعاطي بعاطفية مفرطة مع ظاهر الأمور. لذا لا بد من التجرّد عند قراءة الكتاب، والتجول بين نصوصه بعقلانية وموضوعية، كي نصل إلى من يرنو إليه الكاتب. وما انتقاده لسطوة رجال الدين إلا لما مارسوه من نفي للعلوم الدنيوية الأخُرى، وحصرها بالعلوم الدينية – والتي يراها الكاتب عقيدة وليست علما خاضعا للتجربة والقياس، وهذا ما أشار إليه الشيخ عبد الفتاح مورو أحد مؤسسي حزب النهضة التونسي حين دعا إلى تبني العلوم الإنسانية وعدم اقتصار البحث على العلوم الدينية.

أهمية الكتاب

أولا: الكتاب في توقيته. بعد ما يسمى بالربيع العربي تساءل الكثيرين من العامة عن سبب فشله وعودتنا إلى المربع الأول. والإجابة على هذا التساؤل تتضح في ثنايا الكتاب، وبأنّ التغيير لا بد من حدوثه بشكل هرمي تصاعدي، أي ابتداء من القاعدة ووصولا إلى أعلى الهرم. إذ من المستحيل الحفاظ على التغيير والبناء على تطوره أفقيا وعاموديا إن لم تكن هناك قاعدة متينة يرتكز عليها، وحاضنة مجتمعية قادرة على حماية مشروع النهضة والحداثة.

ثانيا: طريقة الطرح- جمع الكاتب مواد ثقافة الهبل وتقديس الجهل من الحياة العملاتية، مما يسهّل على المتلقي إدراك الهدف من كتابته، فلو كان كتابا فلسفيا أو يستند لعلم الاجتماع بشكل خالص؛ لظلّ الكتاب جالسا في برج عاجي لا يلامس عامة القرّاء وهذه تُحسب للكاتب.

ثالثا: وبناء على النقطة السابقة فإن الكاتب يوجه دعوة غيورة إلينا كأفراد أن ابدأ بنفسك وبأسرتك أولا، واجعل من ذاتك المتغيرة نقطة إرتكاز نحو التغيير الاجتماعي الأشمل والأعم. فلا بد من تعديل السلوك كي تستقيم النتيجة.

رابعا: كسرٌ لشمّاعة المؤامرة الكونية الغربية على العرب. الغرب يسعى للحفاظ على مصالحه نعم، وقد تضر بمصالحنا أيضا نعم. ولكن نحن ارتضينا التذيّل لدول الغرب التسويقية، عندما ارتضينا بالاستهلاكية العمياء دون أدنى تقييم أو تفكير بمستقبلنا، وارتضينا البكاء على الاطلال بالتغني بالدولة العباسية وابن خلدون والفارابي – الذين هم ليسوا عربا اصلا وجذرا- والخوض في توافه الأمور وغيرها من الشوائب، التي تطرق إليها الكاتب كإرضاع الكبير وسياقة المرأة للسيارة. فلا أحد يستطيع إمتطاء ظهورنا إلا إذا انحنينا نحن له.

قد يقول البعض بأنّ الكاتب عرض علينا المشكلة ولم يقدم الحل، وبرأيي المتواضع أنّ الكاتب قدم الحل، وهو أن تخلوا عما ذُكر في الكتاب وحرّموا ثقافة الهبل عندها ستصبحون على النقيض تماما من هذه الثقافات.

آلمني ما قرأت ووعيت، وما يعزيني هو أنّ الألم يسبق الشفاء، والترياق مدفون في داخلنا.

مهند الصباح

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى