الأحد ١٧ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٧
«ثقافة الهبل وتقديس الجهل»

كتاب يفتح أبوابا يصعب إغلاقها

ديمة جمعة السّمان

لا زال الجهل يأخذ (دورالبطولة السّلبيّة) في كتابات جميل السّلحوت ويتصدّر عناوين مقالاته وكتبه المتنوعة.. ولا زال قلمه يتفنّن في اظهار بشاعة الجهل على شتّى المستويات وعلى رأسها المستوى الانسانيّ.

في إصداره الجديد (ثقافة الهبل وتقديس الجهل)، لم يخصّ الكاتب الجهل بالبطولة وحده، بل شارك الهبل فيها أيضا. يقع الكتاب في 180 صفحة من الحجم المتوسط، صدر عن دار كل شيء للنشر في حيفا، لوحة الغلاف للفنان الفلسطيني جمال بدوان. ضم الكتاب بين غلافيه حوالي 60 عنوانا فرعيا يتناول الجهل مغموسا بالهبل في شتى مناحي الحياة، على المستوى السياسي والثقافي والاجتماعي الإنساني، موضحا أساليب استهبال الشعوب العربية نتيجة الجهل والمعتقدات البالية التي زرعت في عقولهم وورثوها أبا عن جد، دون بذل أيّ مجهود في التّفكير في معقوليّتها وتحليلها، بل قبولها كما هي والبناء عليها، مما زاد الطّين بلّة.. وهنا تمّ استغلال هذه الظاهرة من قبل أطراف أخرى لهم مصلحة في تفشّي الجهل وانتشاره لغايات في نفس يعقوب.

وبما أنّ جزءا لا بأس به من الناس يعمل "متعهدا" لنشر الجهل، ويأخذ دور الطابور الخامس في هذه الشعوب، ويالتّالي يتبنّى أيّ مقولة تنشر هنا أو هناك، فيعيد نشرها، دون التّأكد من صحّتها ودون البحث عن مصدرها، تفاقمت الأوضاع سوءا، وترسّخ الهبل، الذي أدّى إلى تقديس الجهل.. فأساء للشّعوب حيث تمّ وصفها بالجهل والتّخلف.

لقد تناول الكاتب مواضيع في منتهى الأهميّة بجرأة الواثق المؤمن بأهمية دوره كمثقّف، عليه إلقاء الضّوء على ظاهرةٍ تُدمّر الشّعوب، وتمحوها عن خارطة انتاج الثّقافة والابداع، يتجنّب الخوض فيها العديد من الكتّاب لحساسيّتها، حيث تفتح عليهم أبوابا من الصّعب إغلاقها، هم في غنى عنها، فقد يتمّ اتّهامهم بالالحاد على سبيل المثال، خاصّة وأنّ الدّين هو المفتاح والمدخل الذي تتمّ من خلاله عملية غسل العقول. وبما أنّ الأمر يظهر وكأنّه يمسّ العقيدة، ويسيء إليها ويشكّك بها- مع أنّ الهدف من الكتابة هو الدّفاع عن العقيدة، والدّعوة الى احترام الدّيانات السّماوية وتطبيقها كما جاءت دون تغيير أو تحريف، والتّقيد بها وبتفاصيلها- فتجد العديد ممن يرفض حتى التّفكير في الأمر، ويتمّ تكفير كلّ من تسوّل له نفسه فتح باب النّقاش في هذا الأمر.

ابتدأ الكاتب بتعريف المصطلحات التي وردت في عنوان الكتاب، وهي: الثقافة والهبل والتّقديس والجهل، وقد فسّر كلّ مصطلح في بداية الكتاب على حدة، وفرد له مساحة لا بأس بها، وذلك ليتجنّب أيّ لبس في فهم المعنى.. ومن ثم غاص في تفاصيل ممارسات انتهجتها الشّعوب العربيّة والاسلاميّة أساءت بها إلى نفسها وإلى غيرها من الشّعوب عن قصد أو دون قصد.

تطرّق إلى الدّولة القوميّة والاسلاميّة وصعوبة بناء امبراطوريّة اسلاميّة تجمع الشّعوب الاسلاميّة كافّة، لأنّ الدّولة الدّينية لا تعترف بالقوميّات، على الرّغم من أنّ الفكر القومي لا يتناقض مع الدّين، فإحدى شعارات القوميّة العربيّة: "أمّة عربية واحدة ذات رسالة خالدة" والمقصود هنا الدّين الاسلامي، فهناك مجال لاستيعاب الاقليّات لو توفّرت النّيّة: فالدّين لله والوطن للجميع. ولكن من يؤمن بهذه المقولة؟

وتحدّث عن "تخصّص" العرب بتحويل الهزائم إلى انتصارات كما حصل في حرب حزيران 1967، حيث تمّ اعتبار الهزيمة انتصارا؛ لأنّ إسرائيل لم تستطع اسقاط النّظامين التّقدميّين في مصر وسوريّا، ولم تستطع هدم الكيان الأردني!

وتطرّق السلحوت إلى المرأة وسلبها لحقوقها، والتّعامل معها على أنّها كائن لا يستحقّ الحياة، واستشهد بالعديد من الأمثال الشّعبيّة التي ترسّخ هذه المعتقدات، على سبيل المثال: (اللي بتموت وليته من حسن نيته) و (دلّل ابنك بيغنيك، ودلّل بنتك بتخزيك) ...إلخ من أمثال تؤكد نظرة الرّجل الدّونية للمرأة، مع أنّ الدّين الإسلاميّ أوصى بالمرأة خيرا، وفرض على المرء الاحسان للأمّ.. لكن المرأة لا تلقى الاحسان والمعروف من زوجها! مع أنّ الرّسول قال: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي. وعرّج على القتل دفاعا عن الشّرف، وأكّد على أنّ البعض نسي أن مفهوم الشّرف لا يقتصر على المرأة، بل على الرّجل أيضا وعلى سلوكيّاته التي يتمّ تبريرها دوما مهما كانت تخلّ بمفهوم الشّرف.

وتحدّث عن زرع الفتن الطائفيّة والدّينيّة بين المسلمين والمسيحيّين، والتي تسببت بالحروب الأهليّة التي أودت بأرواح ملايين من الأبرياء في العالم العربيّ على أيدي أبناء جلدتهم.

أمّا الدّعاء في الخطابات الدّينيّة فلها حديث آخر، حيث يتفنّن الأئمة بأدعيتهم على كلّ من لا يعتنق الدّين الإسلاميّ. بطريقة تنمّ عن جهل وحقد وقصر نظر وبعد عن الدّين، ممّا يترك أثرا سيّئا في نفوس أصحاب الدّيانات الأخرى.

وتطرّق الكاتب أيضا لما تبثّه بعض الفضائيّات العربيّة والتي أسماها فضائيّات الهبل والجهل.. حيث تنشرللمتأسلمين فتاوي غريبة عجيبة، الدّين منها براء.

كما أكّد الكاتب أنّ موقع فيسبوك أصبح أيضا مرتعا خصبا لصنوف من الهبل.

وقد أشار الكاتب إلى ثقافة تنمية الجهل وتسويقه، وتعطيل العقل، وإلى الاستغلال الجنسي باسم الدّين.

أمّا الثقافة فقد أسهب فيها الكاتب في مجالاتها المختلفة من ثقافة المطالعة، إلى ثقافة والعفاريت وعبادة العجول وتحريم الحلال، وإلى ثقافة القبيلة والتّعصّب القبليّ، إلى ثقافة المفرقعات والطّوشة، والانبهار بالأجنبيّ من جهة، والتّكفير والتّخوين من جهة أخرى, وثقافة تدمير الذات وثقافة الشّطار التي أشار من خلالها الكاتب إلى المعنى الحقيقيّ لكلمة شطّار، وهي كلمة تحمل معنى سلبيّا، ليس كما يفهمه البعض، حيث يتمّ استعمال الكلمة للاشادة بالمرء.

كتاب غنيّ.. لخّص أسباب تراجع الأمّتين العربيّة والاسلامية عن ركب الحضارة.. ولكن.. لقد أسمعت لو ناديت حيّا.. ولكن لا حياة لمن تنادي.

ديمة جمعة السّمان

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى