الثلاثاء ٣ نيسان (أبريل) ٢٠٠٧
بقلم أشرف بيدس

كريستيان وساندى

هناك بعيداً عن المكان والزمان، وفى عمق الأيام الماضية، حيث كانت الأحلام شحيحة، والأيام بخيلة.. منذ أكثر من قرن.. مائة عام أو أكثر قليلا.. وتحديدا فى "مولان روج" مسرح الحياة الكبير، حيث الوجوه الوحشة والطيبة، وإشراق الشمس كل صباح يصاحبه الأرواح الشريرة، هناك.. كانت الألوان الفاقعة والأقنعة المطاطية تخبئ وراءها وجوها بائسة وتعسة.. تختزن كل واحدة منها حكاية مريرة تنوء عن حملها..

فى "مولان روج" كان هناك «كريستيان» ذلك الشاب اليافع الطموح، ذو القلب الأخضر والتجارب البيضاء، وكانت أيضا "ساندى".. المرأة التى طبعت على ملامحها تجاعيد الزمن، وتصفحت الأيام فى عقلها، فخبرت مأسيها مبكرا، وقصة الحب الممزوجة بالكبرياء والرغبة.

غادة كاميليا أخرى تدفع حياتها ثمنا بخسا لعشقها.. تتضفر الخطايا بالأمنيات، ويتبدل المستقبل ويصير مشحونا بالعذابات والليالى الطويلة، حتى تغدو التضحية قدرا وطريقا لا مفر من السير فيه، ولأن الرغبة غالبا ما تكون مخدراً للحالمين بالنسيان.. الهاربين من واقعهم وقسوته، فإن "مولان روج" تلك البقعة المضيئة التى تطفو فوق بحر من الدموع والمآسى تكون المحطة الأخيرة، لكنها تضع هذا الشرط القاسى والمتعسف، والتى تحذر فيه القادمين إليها من ترك قلوبهم عند بوابات الدخول، حيث فوضى المتعة تحد من خفقانها وانتظامها.. ولأن الصخب المجنون فى أرجائها لا يقبل بالأحاسيس ويرفض تمريرها.

ومهما حدث فلابد أن يستمر العرض.. ربما يكون التوقيت هو الشىء الوحيد الذى يخضع للنظام.. أما عدا ذلك فكل شىء مباح ومحتمل حدوثه.. ولأن البشر أداة ديكور لا تختلف عن قطعة أثاث أو جدار، كان العشق يمثل انتحارا واحتضارا فى زمن لا تكتب فيه الأشعار أو تتداول فيها عبارات الغزل..

ولأن "كريستيان وساندى" لم يتبعا تلك القواعد الصارمة ضاعت صرخاتهما فى الطرقات والأروقة حيث الموسيقى الصاخبة التى تحجب كل شئ إلا الهذيان، ولأن القانون لا يحمى المحبين ظن الناس أن تلك الصرخات وهذا الانتحاب نوع من الفرح والرغبة اعتادوا سماعه فى صالة الرقص الكبرى..

لابد أن يستمر العرض حتى نهايته مهما حدث، إنها لعبة مقدسة من قديم الأزل، جرى العرف على استكمالها لآخر حركة، وقبل إسدال ستائر المسرح يصطف الجميع لتحية الجماهير..وعندها تعود الحياة مرة أخرى بعد أن يسترد الناس قلوبهم عند الخروج..

أحيانا.. تختلط الأدوار الحقيقية بالرواية التمثيلية عند البعض، فنرى كثيرين وتحديدا "كريستيان وساندى" يؤديان أدوارهما فى الحياة.. يتقمصان الشخصيات ويتعايشان معها حتى يصلا لذروة الاندماج وهما لا يدريان أنهما يلعبان، وأن تلك الشخصيات هزلية لا تمت بالواقع، لكنهما يتشرنقان داخلها ويرفضون حتى بعد انتهاء العرض انتزاع الأقنعة.

تسقط "ساندى" قبل أن ينتهى العرض.. يلتف حولها الممثلون.. لكن عيناها المستسلمة للاحتضار تبحث فى دأب عن "كريستيان" الذى يجلس بجوارها دون أن تلحظه، تتحشرج أنفاسها التى كانت ملتهبة فى بداية العرض لتخرج بصعوبة.. باردة.. سقيمة.. عليلة.. تتابع الجماهير ما يحدث مشدوهة ومشدودة.. ظنا منهم أنه أحد فصول الرواية.. بينما الممثلون كانوا يعون جيدا خطورة ما يحدث.. العرض لابد أن يستمر، حتى لو كانت "ساندى" تلفظ أنفاسها الأخيرة.. أو أن "كريستيان" حالت دموعه دون تكملة الحوار.. فلابد للعرض أن يستمر..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى