السبت ١٧ حزيران (يونيو) ٢٠٠٦

كيف حلل بول فندلي كيفيات تكوين الصورة النمطية في نظر الأميركيين للإسلام

محمد أبو زيد

يحكى بول فندلي انه عندما أبلغ جاره أنه بصدد تأليف كتاب عن المسلمين رد مذهولا: ماذا تفعل؟ وكان هذا حال جميع من عرفوا بالامر ثم انصرفوا عنه باعتبار أن هذا غير متصل بحياتهم.

حكاية أخرى عن المعلمة ـ يصفها بأنها متطوعة عطوفة عملت باخلاص سنوات طويلة ـ التي كانت تتحدث عما تسميه «شعب أمي وبدائي وميال الى العنف في مناطق صحراوية في الأراضي المقدسة» وتواظب على تكرار «انهم ليسوا مثلنا».

يطرح بول فندلي في كتابه الأخير «لا سكوت بعد اليوم ـ مواجهة الصور المزيفة عن الاسلام في الغرب» والذي صدرت ترجمته العربية عن دار العبيكان علاقة الاميركيين بالاسلام ومدى معرفتهم وفهمهم له، والصور المزيفة التي يحملها الاطفال منذ الصغر في ذهنهم عنه، والتي تستمر معهم طوال حياتهم من دون أن يواجه أحد هذا الكم الهائل من الصور النمطية المضللة عن الاسلام والمسلمين والتي تدفقت عاما بعد آخر في صفوف مدارس الأحد في أنحاء اميركا، ودون أن يواجه أحد الطعن مع ان الملايين القابلين للتأثير تقبلوا هذه التضليلات كحقيقة مسلم بها ونقلوها كما هي بلا تثبت أو بحث الى ملايين أخرى مستعدين لحمل نفس الكذبة.

يقول فندلي ان المرونة الموجودة في القرآن ينبغي أن تشجع غير المسلمين على رفض الصور النمطية الواسعة الانتشار التي تعرض الاسلام دينا متصفا باللوغماتية والتصلب والانتقامية والقسوة، مع أن التسامح هو من المبادئ الأولى في المسيحية والاسلام غير انه يفتقد في بعض الأزمنة والأماكن ويصبح ادراك صلة القربى بين الديانتين غير ممكن، منوها الى ان المسلمين أكثر اعترافا من المسيحيين بصلة القربى بين الأديان.

يواجه المسلمون كما يشير فندلي مصاعب يومية، في مجتمع اميركا المسيحي في غالبيته، ومع أن عدد المسلمين أكبر من عدد اليهود في اميركا، الا أن اليهود يجيدوا الدعاية لأنفسهم، فيما يزال المسلمون غافلين عن التعريف بأنفسهم، وتنشأ أغلب تصورات الاميركيين عن الاسلام من الصور السلبية المزيفة التي تظهرها التقارير الاخبارية والافلام والمسلسلات التليفزيونية ويعتقدون ان الاسلام يقتصر على الدول العربية، مؤلف الكتاب نفسه يعترف بأنه لم يكن يعرف أن تركيا دولة اسلامية بحجة انها غير عربية.
السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي يدفع أحد المسيحيين لتأليف كتاب عن المسلمين؟ هذا السؤال واجهه بول فندلي ويجيب عنه بأن السبب عملية تراكمية، لأنه أقتنع بمرور السنوات أن تصحيح هذه الافكار الخاطئة خطوة مهمة نحو سلام عادل في الشرق الأوسط، بل خطوة جوهرية، «ولم يكن من الصعب أن أفهم لماذا لا نسعى كلنا لهذا».
وتقول التقديرات التي يذكرها الكتاب ان عدد المسلمين في اميركا سبعة ملايين حسب احصائية لعام 1999، احصائية أخرى تقول انهم ثمانية ملايين، بينما تذهب ثالثة الى اعتبارهم عشرة ملايين للعام نفسه، مع اعتبار ان جماعة المسلمين في اميركا الأكثر نموا، كما ان حالات الدخول في الاسلام كثيرة ومتعددة.

ولا يمكن ضبط الرقم الاجمالي لعدة اسباب أهمها انه لا يسمح لمكتب احصاء السكان الاميركي أن يطلب من المواطنين تحديد انتمائهم الديني، ويتركز العدد الأكبر من المسلمين في مدينة نيويورك، ثم لوس أنجليس، تليها شيكاغو وسان فرانسيسكو.
وعن دخول المسملين الى اميركا، يرى المؤلف ان معظمهم دخلوا مكبلين بالسلاسل كانوا سودا بيعوا كأرقاء منذ عام 1530 في غرب افريقيا الى تجار بيض، وشحنوا عبر المحيط الى البرازيل، ثم الى منطقة الكاريبي، بعدئذ الى المستعمرات البريطانية التي أصبحت فيما بعد الولايات المتحدة، ويقدر أنه استرق في اميركا ما يقرب من عشرة ملايين انسان، وذلك على مر السنوات كان منهم زهاء 25% من المسلمين، وقد أرغموا علي التخلي عن دينهم، هناك جزء آخر من المسلمين قدموا الي اميركا طواعية ربما من عام 1178، أي قبل رحلة كولومبس الأولى بنحو ثلاثة قرون، وكان بعضهم من الصين والبعض الآخر من غرب افريقيا، وفي عام 1312 كان مسلمون في منطقة مالي هم أول من استكشفوا المناطق الداخلية، والتي كونت فيما بعد اميركا، مستخدمين نهر المسيسبي، أيضا في عام 1492 كان عدة بحارة مسليمن بين بحارة كولومبس وهناك وثيقة للرحالة المسلم الادريسي، استخدمها كولومبس واستدل بها، تشير الى أن ثمانية مستكشفين مسلمين قد اكتشفوا قار جديدة.

ويضيف فندلي ان هناك أيضا بين المهاجرين مسلمين من أسبانيا وشمال افريقيا والصين وبحلول عام 1995 أصبح بالامكان تقسيم المسلمين الاميركيين بالتساوي بين مهاجرين ومولودين ممثلين في خمسين مجموعة اثنية مختلفة، أشهر المسلمين الاحياء في اميركا هو محمد علي كلاي بطل الملاكمة السابق والذي قال لمجلة «بلاي بوي» سنة 1975: لو لم أعتنق الاسلام لما أصبحت ما أنا عليه اليوم، وأضاف انه يود لو يتذكره الناس بوصفه رجلا حاول ان يوحد شعبه عن طريق عقيدة الاسلام.

أيضا اسطورة كرة السلة كريم عبد الجبار، وهو مسلم اميركي افريقي يعد أحد أعظم لاعبي كرة السلة في التاريخ قاد فريقه الى الفوز 95 مرة مقابل 6 هزائم فقط، أيضا حقق المسلمون منجزات بارزة في التعليم العالي ومعدل البطالة بين المسلمين هناك لايزيد عن 2% أى نصف المعدل القومي الاميركي ونسبة الجرائم متدنية كذلك، ويبرز المسلمون الاميركيون في الهندسة وادارة الاعمال والطب والتمويل والشؤون المالية والمحاسبة والهندسة الإلكترونية والعلوم والتعليم والسياسة.
يذكر فندلي د. أحمد زويل الذي نال جائزة نوبل في الكيمياء 1999 والاستاذ في معهد كاليفورنيا للتقنية في لوس أنجليس، وقد يبرز أيضا المسلمون في القوات المسلحة الاميركية بعد فترة قصيرة من حرب الخليج عام 1991 وتشير مؤشرات الاحصاء الديني ان زهاء ألفي مسلم كانوا يخدمون في القوات المسلحة الاميركية عام 1992، بلغ عددهم عام 1999 سبعة آلاف مسلم، وقد افتتح أول مسجد في قاعدة بحرية في نورفولك بولاية فرجيينيا عام 2000 .

ويحرز المسلمون الاميركيون ـ كما يؤكد بول فندلي ـ تدريجيا مكانة بارزة في الحكم بعد أن ظلوا لسنوات طوال في موقع المتفرج وباتوا ينتخبون من الآن لأعلى المناصب الرسمية ويساعدون المرشحين الأخرين على الفوز في الانتخابات ويمارسون دورا قياديا في أنشطة الاحزاب السياسية والأنشطة السياسية الحكومية ويؤسسون حضورا في السلطة القضائية للدولة.

فمثلا لاري شو وهو اميركي افريقي من الحزب الديمقراطي، تولى ادارة المطاعم في خمسين قاعدة عسكرية، وكان المسلم الأول الذي ينتخب عضوا في المجلس التشريعي لاحدى الولايات عام 1994، وفي اليوم نفسه انتخبت عائشة عبدالله أودياس لولاية ثانية كعضو في مجلس نواب ولاية رودايلاند.

أيضا في اليوم نفسه فاز صغير طاهر وهو رئيس الاتحاد الاسلامي الاميركي بمقعد في مجلس نواب ولاية نيوهامبشاير، وفي عام 1998 أصبح قاضي وسكونسن حامدي عز العرب أول مسلم ينتخب عضوا في هيئة احدى المحاكم في الولايات المتحدة.

كما أن للمسلمين دورا هاما في الانتخابات الرئيسية، وقد اثروا في انجاح جورج بوش وسقوط آل جور لدوره في محاولة نقل السفارة الاميركية من تل أبيب الى القدس، ولتأكيده أيضا عندما سئل: ماذا سيفعل كرئيس اذا أعلن الاسرائيليون دولتهم من خارج عملية السلام، فأجاب: سأتشاور مع اسرائيل لأرى ما هو الحل الأكثر افادة لها، وفي خلال الحملة الانتخابية الرئاسية تجاوب المسلمون تجاوبا كبيرا وذلك لأن رالف نادر رئيس حزب الخضر باميركا كان من بين الطامحين للرئاسة فقد أعجبوا بما قدمه من خدمات بناءة كمدافع عن المستهلك ولوعيه بالقضايا العامة لقد شعر المسلمون المنحدرون من أصل عربي بأواصر القربى تشدهم الى نادر، وهو أول اميركي من هذه الأصول يرشح نفسه لأعلى منصب في البلاد وبالذات لمهاجمته باستنكار العنف الاسرائيلي ومطالباته بتعليق المساعدات الاميركية لاسرائيل.

ويبين بول فندلي ان الصور المزيفة عن الاسلام في المجتمع الاسلامي تحض على التعصب الأعمى وصولا الى العنف المدمر، كانت المساجد هدفا لمشعلي النيران في بدباسيتي وكاليفورنيا وايلينوي ومينابوليس وفي يونيو (حزيران) 2000 أطلق مسلح النار على مسجد في ممفيس في تينيسي فجرح مسلما وأحدث فجوات في أبواب المسجد، وقد تعود المصلون هناك هذا التخريب المتعمد.

ويتعدى الأمر الناس العاديين الى مبنى الكابيتول ذاته، كما يقول فندلي حيث تنمو فيه ايضا الافكار النمطية عن الاسلام، وفي عام 1992 عثر رالف برايباتي وهو عالم وكاتب بارز في الشؤون الاسلامية على بحث يتضمن معالجة الاسلام بوصفه العدو الكامن للولايات المتحدة وهو الاشمل من نوعه والأكثر اثارة للخطورة.

ويؤكد بول فندلي على ان الدعاية الاميركية ستقود بعض الاميركيين حتما الى التصديق بأن ثمة خطرا اسلاميا واقعا في اميركا كتحذير الاستاذ الجامعي الاميركي عاموس بيرلماتز في عام 1984 من «حرب اسلامية شاملة تشن ضد الغرب والمسيحية والرأسمالية المعاصرة والصهيونية والشيوعية في وقت واحد»، أيضا الاعلامي التليفزيوني بات روبرتسون الذي يرى أميركا أمة مسيحية، ويعتبر المسلمين خطرا يتهدد هذا المفهوم وبناء على ما سبق فإنه قبل اعتقال ثيموتي ماكفاي الرجل الذي أدين بارتكاب تفجير أوكلاهوما سيتي في 20 ابريل 1999، فقد قاسى العديد من الأشخاص ذوي الملامح الشرق أوسطية الازعاج والحرج والاذلال على أيدي رجال الشرطة المسؤولين عن تنفيذ القانون، بل أطلقت النيران في أوكلاهوماسيتي على مسجد وتسببت الغوغاء بموت طفل، فبعد ساعات من مقابلة اجرتها محطة CBS التليفزيونية مع ستيفن مرسون زعم فيها ان المسلمين متورطون، أغار غوغاء غاضبون على منزل عائلة مسلمة لاجئة من العراق فحطموا زجاجه مطلقين شعارات معادية للاسلام، وكان هذا الاحتجاج مرعبا الى درجة ان امرأة حاملا وضعت طفلها قبل الآوان لسخرية القدر سمي المولود «سلام» لكنه سرعان ما قضى نحبه.

هذه الحكاية وحكايات أخرى كثيرة مشابهة يسوقها الكتاب تبين مدى تأثير الاعلام الاميركي على توجه الاميركيين وتشويه صورة المسلمين واظهارهم كسفاحين قتلة، الأدهى من ذلك ان الاعلام أكد للاميركيين ان اسامة بن لادن بما تحمله هذه الشخصية من تدمير واعطاء صورة غير حقيقية لسماحة الاسلام، وهو ما يولد قلقا بين مسلمي الولايات المتحدة خاصة هؤلاء الذين يخدمون في قواتها المسلحة.

ويقول بول فندلي كل يوم أجد تقريبا دليلا على تنميط المسلمين ودليلا على ذلك تقرير وزارة الخارجية الاميركية عن الارهاب العالمي لسنة 1999، الذي يظهر ان التهديد الارهابي الأول الذي يستهدف الولايات المتحدة انما يأتي من آسيا، والشرق الأوسط حيث الأغلبية من المسلمين مع أن الاحصائية نفسها تورد وتسرد احصائيات ووقائع تشكل استنتاجا معاكسا مفاده ان اميركا اللاتينية تشكل مركزا للارهاب المعادي للولايات المتحدة وهو الأكثر نشاطا من الشرق الأوسط أو آسيا، ويعد التقرير ستة وتسعين حادثا معاديا في اميركا اللاتينية، وثلاثين في أوروبا الغربية وستة عشر في افريقيا، أما في آسيا فقد بلغت حوادث العداء لاميركا ستة، واحدى عشرة في الشرق الأوسط على أن عدة حوادث منها ارتدت طابقا دفاعيا، ولذلك كان تصنيفها في خانة الاعمال الارهابية تصنيفا غير صحيح، منوها الى أنه يتم الربط بين كلمة الاسلام والعنف المعادي لاسرائيل في الشرق الأوسط مما يساعد على ابقاء الصور المزيفة حية، والآن أصبحت لفظة الاسلامي تعني الارهابي، من دون الاشارة الى أي ارهاب تمارسه اسرائيل.

يسعى بول فندلي بكتابه الى ردم الهوة الموجودة بين الاديان، فهو لا يتوسل ـ كما يقول ـ الدفاع عن الاسلام، بل يتوسل فهم المسيحيين واليهود لأن يتعرفوا على الاسلام، وينظروا الى المسلمين باعتبارهم بشرا لا كما يتصورون وفق تنميطات قبيحة ومزيفة وذلك لمصلحة اميركا، وذلك حتى لا تتوجه سياسة الدولة الاميركية في الاتجاه الخاطئ والذي يجر عليها وابلا من الحروب التي لا طائل من ورائها.

محمد أبو زيد

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى