الخميس ١٧ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٢٠
بقلم جميلة شحادة

كيم

فتحت له باب الدار، بعد أن فتحت له باب قلبها على مصراعيْه. كان عائدا ليلتها من حفل توقيع الرواية الأولى لصديقه علي، وكعادتها، استقبلته بابتسامتها المشرقة التي أضاءت عتم منتصف الليل، فأخذها بين ذراعيه وراح يمسِّد شعرها الأملس شديد السواد قائلا لها:

 كم أنا سعيدٌ بوجودكِ في حياتي يا كيم!

رفعت كيم بصرها اليه، تلاقت نظراتها مع نظراته فكشفت عن حبها الذي اجتهدت في الماضي أن تخفيه عنه. ظنت كيم أن فتحي قد فهم مشاعرها دون ان تنبس ببنت شفّة، إذ أيقنت في داخلها أن البهجة التي لمعت في عينيها وهو يعبّر لها عن سعادته بوجودها بقربه، كافية لتُفصح له عن مدى حبها له. نعم، نعم، "للعيون لغة لا يفهمها الا المحبين. عندما يخيّم الصمت على العاشقين، وتبدأ عيونهم بالكلام، تُفضَح أسرار قلوبهم". أليس هذا كلامه؟! أليس هذا ما قرأته في روايته الاخيرة، التي اهداها لي قبل سنة؟ سألت كيم نفسها وهي ما زالت في أحضانه.

لقد أحبته كيم بكل جوارحها حتى غدت لا تطيق العيش بدونه، فإذا ابتعد عنها لسبب ما، وغالبا ما يكون هذا السبب للسفر الى خارج البلاد لحضور مؤتمر ما، او لزيارة اخته الوحيدة التي تعيش في المانيا، تروح كيم تعدُّ الدقائق والثواني لحين عودته. تتلهف لرؤيته، وتشتاق لسماع نبرات صوته، وتتلظى بنار بُعده عنها.

لم يخطر ببال كيم أنه سيأتي يوم تترك فيه فتحي؛ فمنذ أن عرفته قبل خمسة اعوام في بيت جدته، وهي تشعر بأنه توأم روحها، وقد تعمق هذا الشعور لديها وزاد تعلقها به أكثر، بعد أن لمست اهتمامه بها اثناء مرض امها، ثم بعد وفاتها. أما هو؛ الذي فقد حنان الأم والأب مبكرا إثر موتهما في حادثة طرق قاتلة، لم يكن بأقل منها تعلقا؛ لم يتصور فتحي يوما ان يفتح باب بيته يوما ولاسيما بعد عودته من أمسياته، دون أن يجد كيم في انتظاره فاتحة له قلبها قبل ذراعيها؛ لم يتصور يوما أن يستقبل نور الصباح دون أن يجدها بجانبه. كان فتحي حنونا، كريما، يغدق العطايا والهدايا على كيم، ويمتدح جمالها ورقتها وحسن خُلقها باستمرار، ويحسن معاملتها. غير أنه لم يعبّر لها يوما عن حبه لها أو تعلقه بها.

هذه الليلة، هي المرة الأولى التي سمعته فيها كيم يعبر لها عن سعادته بوجودها في حياته.

ما الذي حدث؟ هل كان سعيدا جدا في سهرته هذه الليلة حتى ساقته سعادته ليسعِد بها مَن حوله أيضا؟ أم أنها حانت لحظة اعترافه بحبه لها بعد زمن طويل. قالت كيم في سرها.

تشجعت كيم، وقررت أن توسع دائرة الحديث معه فسألته:

 أتحبني؟
 أكثر من عمق البحر. قال لها
 هل يمكنك الاستغناء عني يوما ما. عادت كيم تسأله.
 عندما تغيب الشمس غيابا لا تعود منه أبدا. أجابها
 إذن؛ ستتزوجني؟ سألت كيم دون تعلم أن تلك الليلة، لم تكن بليلة حظٍ مطلق لها، كما ظنت. لقد استشاط فتحي غضبا وهاج كمَن أصيب بجنون البقر عندما سمع سؤال كيم الأخير، دفع بها بعيدا عنه، وصرخ بها:

 هل تريدينني أن أتزوج من خادمة؟ قال محتدا.

لم تجب كيم على تساؤل حبيبها فتحي، ظلت محتفظة بابتسامتها على ثغرها، وبجرحها وخيبة أملها في قلبها. صباحا؛ أطلُّت الشمسُ من نافذة غرفة فتحي تداعب جفونه وتشاكسه بخيوطها الذهبية، غير أنها لم تَطبعُ قُبلَها الشهيةُ على جبينه هذا الصباح، جن جنونه، لم يصدّق، لا بدّ أنّه يحلم.. لا هذا كابوس، وأخذ يستدير ويستدير باحثًا عن فتاته رائعة الجمال، لطيفة المعشر، فلم يجدها، وإنما وجد بجانبه أغلى هداياه لها، قلادة ذهبية محفور عليها اسم بلدها، تايلاند.

* من المجموعة القصصية: "لا تحالف مع الشيطان" 2018


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى