الثلاثاء ٢٥ تموز (يوليو) ٢٠٠٦
بقلم هند فايز أبوالعينين

لماذا يجد المثقف نفسه مزويا في مجتمعنا؟

عندما تجمع المجالس الإجتماعية ذوي الثقافة بغيرهم تجدهم القلة القليلة فيهم. وتجد أنك - إن كنت مثقفا – تحجم عن التوغل في مناقشة الآخرين في ما قد يؤذي سمعك وعقلانيتك من حديثهم، إذ يغلب علينا في هذا العصر إعتناق مبدأ أن " خطأ ً شائعا خير من صوابٍ ضائع". فتجد نفسك تمرن تلك الفقرات القطنية الحساسة في أسفل رقبتك على الهز إلى الأعلى و الأسفل دون إنصات، ودون خيارٍ أيضا.

ولمشكلة المثقف العربي من هذا المنظور صورة ٌ أخرى، وهي إحساسه بالإقصاء من قبل المجتمع. فالمجتمعات العربية لم تعد كما كانت في الستينات وما قبلها، أي لم يعد الناس متعطشين لمن يكشف لهم بواطن الأمور وألباب الفكر. وأصبحت "الفلسفة" بمفهومها الهجين هي دمغة على جبين كل من يحاول الوصول إلى حقيقة أعمق بقليل مما تراه العين. وهي دمغة خلقها الآخر ليوفر على نفسه مشقة محاولة فهم هذا المتفلسف. إبتعدوا عنه لأنه "بتفلسف كتير" . وكأن هناك إتفاقا ضمنيا بأن لا داع للغوص في الأمور ما دام هناك فهم جماعي لماهياتها الظاهرة. ففي المجالس تجد المثقف أقل من يوجه الحديث إليه، خيفة أن يطيل ويتعمق في الإجابة.

قد يكون الإحساس بعدم التساوي الفكري هو مسبب النفور بين المثقف وغيره. فالمثقف لا يستطيع أن يعزل ما يدور داخل رأسه عن حديثه، كما أنه يتوق إلى الحوار واستكشاف فكر الآخر، في حين أن غير المثقف لا يحب أن تبدو عليه علامات البله عندما يبدأ بتمرين فقراته القطنية هو الآخر دون أي فهم.

إن خوض المثقف لمغامرة إشهار فكره في مجتمعاتنا العربية لهو قرار يحتاج إلى الكثير من الصبر. كما أن عليه أن يعلم مسبقا أنه لن يصل بلقب "مثقف" أو "كاتب" إلى مراتب عليّة القوم، هذا ما لم يكن أصلا شهيرا من السياسيين أو سليل عائلة مالكة. وعليه أن يعلم أن المجلات الثقافية المطبوعة هي الأقل مبيعا وتصل إلى المطابع بدعم من ذوي اليسر فقط ، كما أن عقد الندوات والمحاضرات الثقافية للجمهور سيعني لقاءات دورية بمجموعة معينة من المهتمين ممن سيوجه هو لهم دعوات مباشرة للحضور. هي ليست صورة محبطة فقط، بل هي الصورة الحقيقية للأسف.

يقول الدكتور إدوارد دي بونو، المتخصص في علم تطوير التفكير، أن العقل البشري كالعضلة في الجسم تماما، يسري عليه قانون الإستعمال والإهمال. فإن مرنتَ العضلة تقويها، وإن أهملتها تضعُف وتتضائلُ قدراتها، وكذلك العقل. ويقول أنه إن كان الغذاء الجيد والتمرين الرياضي هما محفزات نمو العضلة، فإن غذاء العقل هو من صنفين؛ توسيع المعرفة بالقراءة، والحوار مع الأذكياء والمثقفين. إلا أن المثقف العربي يجد صعوبة في ممارسة تلك الرياضة الذهنية الرائعة: الحوار مع المثيل والمتفوق. فإن لم تكن عضواً نشطاً في منتدً ثقافي، أو كنت تكتب في مجلة ثقافية تسمح بالحوار بين القارىء وكاتب النص، فإن قدراتك العقلية ستصبح مع الزمن كعناقيد العنب على كرومها في تشرين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى