الأحد ٢٩ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٦
شيرين كريدية المتخصصة بنشر أدب الأطفال ودراسته:

لم يتعود الطفل ولا الأهل الذهاب إلى المكتبة وشراء الكتب لأن مجتمعنا أصلاً مجتمع لا يقرأً

حاورها: يقظان التقي
شيرين كريدية، ناشرة غير تقليدية في دار "أصالة" المتخصصة في "أدب الأطفال"، سافرت إلى انكلترا وأنجزت أبحاثها حول القراءة والمطالعة ومشاكل مادة النشر والحلول المقترحة لها، وهي توظف أبحاثها ودراساتها وعلاقاتها مع أسماء كبيرة في الكتابة والرسم من إصدارات نوعية سجلت حضورها المميز.

كريدية تحدثت إلى "المستقبل" عن إصدارات الدار وخلاصات الدراسة، وعالم الطفولة والكتاب والقراءة وصناعة الفكرة والرسالة بالألوان.

***

كيف بدأت شيرين كريدية مشوار النشر في حدائق الأطفال؟

ـ النشر أساساً هو شغل العائلة في "دار أصالة"، وأنا تخصصت في تربية الأطفال في الجامعة الأميركية وفي دراستي انكببت مع زملاء وزميلات على شغل الأطفال. كانت البدايات أبحاث تجريبية وعمدت دراسيا إلى نشرها في أربعة كتب لزملاء في الجامعة، لكني شعرت أن مهنة النشر، ليست هذه المهنة التقليدية، ليست صناعة عادية للكتاب، وإنما يلزمها اختصاص، فدرست على دبلوم تعليمي للمرحلة ما قبل الابتدائية في الجامعة اللبنانية ـ الأميركية. ثم أحسست بعدها أن الأمر يحتاج إلى جهد معرفي أكبر وبحث علمي ففتشت ووجدت غايتي في ماجستير في أدب الأطفال في انكلترا، سافرت إلى لندن وأنجزت الماجستير.

ماذا تكوّن لديك من خلال الدراسة؟

ـ هناك شيء اسمه (SYSTEM) ، هناك تقرأ وتقرأ وتقرأ وأنت تجري الأبحاث في المادة التي تدرسها وخلال رسالتي في الماجستير عن "أدب الأطفال مشاكل وحلول" قمت بدراسة 3363 كتاباً من الكتب الموجودة في السوق حتى العام 2000 وقسمتها إلى فئات لأعرف ما هي النواقص. وعملت بحثاً عن الأطفال والأهل، وفتشت عما ينقص السوق والمكتبات، وما هي الأفكار الجديدة التي يمكن العمل عليها وهكذا كان..

وماذا كانت الخلاصة أو الخلاصات؟

ـ أهم المشاكل التي عانيتها هي الترجمة، فوق الأربعين بالمائة من الكتب مترجمة من اللغات الأجنبية لأن الناشرين عندنا يستسهلون الأمر، والأمور بالنسبة إليهم سهلة جدا "وأهون" على صعيد النصوص والرسوم، ومطابقتها في الإصدارات.

ثانياً: الناشرون يرغبون بإصدارات سريعة ويحبوا أن يطبعوا بأعداد كبيرة وبوقت قصير جداً والترجمة وسيلة في المتناول ومتوفرة.

ثالثاً: لدينا الكثير من كتب المعلومات والمعاجم والقواميس لان السوق تركز على المدارس وكتب المعلومات تجري بسرعة في السوق، وشعبنا يحب لأطفاله أن تتعلم والتركيز يجري على كتب المعلومات.

رابعاً: رأيت أن غالبية الكتب التي تنتهي إلى أسئلة في كل قصة هناك أسئلة، وهذا يتوافق أيضا مع سوق المدارس، وهذه طرائق لا تشجع على المطالعة، والكتاب فيها لزوم وواجب في العطلة الصيفية أو في الوقت الضائع وهذا ليس موقع الكتاب وعلاقته بالفضاءات الحرة.

وجدت أن ما ينقصنا قصص تحبب بالمطالعة، ليس بالضرورة كتب المواعظ والبلاغة أو الأسئلة والمعلومات على أهميتها، أو كتب اللغة الصعبة، وجربت أن اطلع إلى أفكار جديدة تحبب الطالب باللغة العربية.

وجدت مشكلة أخرى أن الأهل عندنا وبسب نظامنا التربوي القائم على تعلم اللغة الانكليزية والفرنسية أيضا غالبا ما يشترون الكتب باللغة الأجنبية الثانية، وعلى أساس أن الكتب باللغة العربية ما فيها شي، صار الطالب يركز على القراءة باللغة الثانية، ويتبع الأهل ذلك بالقول "ما في كتب بالعربية".

وكيف اشتغلت على الموضوع؟

ـ عرفت جيداً ما يحدث في الداخل، وسافرت إلى الخارج وزرت المكتبات والتقيت الموزعين والناشرين في نوع من توسيع الرؤية والتصور الشامل للميدان، والأهم معرفة الاتجاهات الحديثة في كتب الأطفال أو ما يعرف في الخارج "موضة الكتاب"، لان الكتاب أيضا يتغير سنويا، وهذا ما سعيت إلى تصنيعه في لبنان.

تتحدثين عن الكتاب كقطعة من الملابس أو العطورات، أو قصة الشعر على الموضة؟

ـ دائما حين تزور معرضا ما، تجد فيه شيئاً محورياً أو شخصية بارزة، هذا ما نسميه الموضة، البنات مثلا يلبسن اللون الزهري، فتخرج إلى السوق كتباً بغلافات زهرية. أو يطلع من الكتاب درج صغير حين تفتحه، وبعد هاري بوتر يطلع لك من الكتاب ساحرات، أيضا الشخصية التلفزيونية موجودة في الكتاب.
الفضاءات

هذا يعكس علاقة الكتاب بكل الفضاءات المحيطة؟

ـ ما هو جزء من ميديا كاملة وثورة معلوماتية وثورة اتصالات ومرئيات وميديا فنية. أفلام الكرتون صارت تطلع على أساس القصص.

أنا اشتريت شخصية "تشارلي اند لولا" لان الكاتبة اسم جديد، ومهم في عالم النشر، ولهذا السبب قمت بترجمتها إلى العربية، والآن أخذت هذه الشخصية على التلفزيون. هذا يظهر عمق الترابط العام في الوسائط والفنون والفضاءات كافة.

بماذا تختلف "دار أصالة" عن دور النشر الأخرى التي تعنى بكتب الأطفال؟

ـ لكل كتاب عندي شخصية. هذا عنصر الاختلاف الرئيسي. احترم كل كتاب كشخصية مستقلة البعض يعتمد على نفس الكتاب في النشر، وعلى الإخراج ذاته، وعلى الرسام نفسه.

الموضوع عندي ليس إصدار سلسلة من 20 كتابا و"يا لله" أنا لكل كتاب عندي حيثية وشخصية يهمني أن تخرج شخصية "الزرافة" حلوة وطويلة في إصدار متميز بالشكل، صحيح تكون التكلفة عالية لكن الأمر مهم. لا تستطيع أن تعرض لوحات في الكتاب لا يأخذ حجمه الكبير ليظهر الرسم تعبيرياً، لهذا نحن نشتغل على كل كتاب بمفرده، وهذا ما يميزنا عن غيرنا.

ماذا عن الأسماء التي تتعاملون معها؟

ـ لدينا أسماء كبيرة زكريا تامر وعدلي رزق الله، هي فعلاً أسماء كبيرة، وزكريا تامر هو الذي عرفني على الرسام عدلي والاثنان من أصدقائنا بالقرب من معهد العالم العربي في باريس، أيضا شلبية إبراهيم رسامة محترمة، ولدينا أسماء ناشئة صارت مشهورة جداً.

نحن نتكلم عن ناشر غير تقليدي؟

ـ نحن نتكلم عن ناشر متخصص، يعرف لماذا اختار هذا العنوان، وهذه الكلمة، والرسوم، ويعرف كيف يطبق في ورشة كاملة النص مع الرسم أو الكلام مع اللون. النشر أكثر منه صناعة هو صناعة وفن.

ما هي ابرز الموضوعات التي تنشرونها؟

ـ كثيرة، البارز منها مجموعة كتب عن الأولاد، ذوي الاحتياجات الخاصة، أطفال وعلاقتهم مع النظارات أو مع آلات استماع، وماهية تلك العلاقة والولد في الكتابة المصورة يفهم القضايا أكثر.

لدينا كتّاب مثلا "في مدينتي حرب"، عادة كتب الحرب تنتهي بفاجعة ما، مأسوية، وتشجع على الانتقام والعنف "حاربوني و حاربكم"، في هذا الكتاب نعرف القارئ كيف يحس الولد بالحرب.

والخلاصة..

ـ الطفل العربي يعاني الحرب في أكثر من مدينة عربية وبأكثر من شكل ولكن ما يبقى مشتركا هو التجربة الصعبة وأثرها على حياة الأطفال. الكتاب يعرض بعض مظاهر الحرب بشكل مبسط جدا، لكن واقعي، والهدف منه إتاحة الفرصة للطفل للتعبير عن مشاعره تجاه الحرب سواء تلك التي كان يعيشها هو، أو كان يشاهدها عبر وسائل الإعلام أطفالا آخرين يعيشونها، أما الخلاصة كان تقول: "في مدينتي حرب، تخيفني الحرب، ولكنني حين اكبر سوف أصبح قويا، سوف احمي أمي وأبي وأخي وجدتي، ويقف العالم، سوف اصرخ بالجنود الغرباء، اخرجوا! هذه مدينتي، هذه مدينتنا ونحن نحبها كثيراً".

لاحظت أن المواضيع تعالج في كتبكم بالحد الأدنى من الكلام وبنصوص سهلة وبسيطة؟

ـ ليس هناك في مجموعاتنا نصوص صعبة، ملولة.

ماذا عن كتاب "كاكا"؟
ـ ترجمت كتاب يحمل عنوان "كاكا" أي الوسخ ترجمته من الألمانية، وهو يحكي حكاية ولد صغير على رأسه وسخ يسأل كل الحيوانات، ومن خلاله يتعرف الطفل على كل أوساخ الحيوانات. اعتقدت أن السوق صعبة ولن تستقبل هذا النوع من الكتب كسرنا "التابو"، واكتشفت أن الأطفال أحبوا الكتاب ويجب دائما زرع فكرة التطور والتغير والخروج عن السائد. طيب دائما الكتاب الغربي جديد و"مهضوم"، لماذا مع الكتاب العربي يحدث العكس.

بعد 5 سنوات صار لديك تقويم عام للتجربة؟

ـ صار لنا اسمنا في السوق، ونتلقى طلبات عديدة من المدارس، لتعرف كل جديدنا، ولدينا علاقات جيدة مع المكتبات، ونشهد الإقبال على جناحنا في معرض الكتاب، الحمد لله، كل الأساس لدينا هو تمتين علاقة مستقلة مع الطفل الذي عليه أن يزورنا ويشتري كتبنا إما من المكتبات العامة أو مكتبات المدرسة؟

ماذا عن نسبة أدب الأطفال في سوق الكتاب؟

ـ اقل من 50%، ليس عندنا إحصاءات دقيقة عن السوق، لكن لا تقل عن 20%. هناك دُور نشر كثيرة، ينقصها أقسام متخصصة على غرار دور النشر الغربية.

كانت التجربة صعبة في البداية، وصعوبة السوق تأتي أننا نصدر 3000 نسخة سنويا لنحو 300 مليون عربي. أي اقل ما تصدره وتنشره فنلندا، البلد الصغير وحدها. تشعر بأن الكتاب يجب أن يكون في العالم العربي في مكانة لائقة أكثر. هناك سلوكيات لا تفهمها أن يصرف الولد أضعاف سعر الكتاب في "القهوة" أو "مفرقعات العيد" ما زال الكتاب عندنا في ادنى الاهتمامات ثم التقليد الحقيقي أن يذهب الأولاد إلى المكتبات لشراء الكتب ويشاهد المعارض، هذا لم يحدث عندنا بعد، ونحن نسعى بأي طريقة بالندوات في المدارس، بأقسام حلقات التوعية، للقاءات مع الرسامين والكتاب مع الأطفال، بأسبوع المطالعة أن ننشط هذا التوجه والإقبال على لوائح المطالعة. الأمور جيدة إلى الآن.

ماذا عن السوق العربية؟

ـ السوق اللبنانية أكبر وأقوى. الأهم أننا صرنا نبيع الحقوق إلى الخارج على غرار كتابي: "في مدينتي حرب" و"تامر وقصة الشعر الجديدة" بعنا حقوق النشر إلى أربع لغات. عادة يشتري اللبناني أو العربي حقوق النشر من الخارج، نحن كسرنا "الآية"، صرنا نبيع حقوق النشر إلى الخارج.

ماذا يعوز التجربة أكثر؟

ـ اذا أردت شغلاً مهنياً عالياً وبمواصفات عالمية يجب أن تنصف أسماءك في الكتاب والرسم، أي أن تكون منصفا وتعطيهم حقوقهم كاملة. نحن نعمل مع أسماء كبيرة ومع متخصصين، مع مصمم، ومع منتج، ومصحح لغة عربية، ولديك اسمك التسويقي، والمكاتب في الداخل والخارج.

هذا كله مكلف ويبرز في سوق عربية كبيرة، ثم السوق المصرية والسورية تنزل كتباً أرخص من كتبك، ومع ذلك يجب أن تبقى وتحافظ على أسعارك، وهكذا تتكبد معه الخسائر، ثم المشهد الآخر هو أن كتب الأطفال ما تزال تتقرر لعطلة الصيف أو عطلة الميلاد أو المعرض، بعدها المكتبة خارج الإطار، وبيعنا للمكتبات ضعيف جدا.

لم يتعود الطفل عندنا والأهل على النزول إلى المكتبة لشراء شيء، وحين تقول الأم لطفلها وهي تريد تعذيبه "ما إلك تلفزيون، فوت إقرأ كتاب"، شو الرسالة التي تريد أن نعطيها لأطفالنا، المسألة أكثر تعقيدا. المجتمع عندنا هو مجتمع غير قارئ، نحن شعب منحكي ومنحكي مع بعضنا البعض، منحب الحكي ولا تترك بيننا مسافات للقراءة، نحن ما عندنا طرح اسمه القراءة، عندنا طرح انو نحكي مع يللي قاعد حدنا في السيارة أو الحديقة أو الساحة، ولا توجد مسافات ترام أو مترو مثلا لنقطعها في قراءة كتاب، ولا حدائق عامة كبيرة، ويقتصر خروجنا على المطعم أو المقهى ونادراً ما ترى إلى أحد يقرأ غير الجريدة في المقاهي. في التراث ما حدا بيحكى معك، تلجأ إلى الكتاب جانبك كم تصير الأمور عادة عندك، وهكذا دواليك، ثم هناك أولويات في مجتمعاتنا غير المستقرة الجائع! أو الذي لا يستطيع النوم، أو الخائف، ما فيك تطلب أكثر من القراءة والمطالعة.

وماذا الذي يبقى؟

ـ أن نكمل مشوارنا، ويخف التوتر السياسي في البلد وتنتهي أعمال التفجير والاعتقالات، نحن لدينا إرادة الحياة، والاستمرار، يجب أن نعمل دائماً وتساعدنا وزارة الثقافة والجمعيات المهم أن تبقى على إرادتنا القوية، أنا أول يوم بعد الحرب فتحت المكتب لأحضر الأشياء الجديدة التي هي العارض عنا، نحن الأساس.

يقال أن ليس هناك كتب جديدة؟

ـ هناك الكثير من الكتب الجديدة، لكن تحتاج إلى من يفتش عنها، إلى من يذهب إليها، واذا كانت هناك أغلاط، لا يجب أن نلقي دائما اللوم على الكتاب والمعرض والسوق، وان الأمور جميعا "مش منيحة" الأمور ليست سلبية دائما. نحن نعمل على صناعة الكتاب، وبأفكار جديدة، وتقوم بأنشطة على كيفية صنع الكتاب عبر الهيئة اللبنانية لتوزيع الكتب (مجانا) أو عبر "همزة وصل"، نجرب أن نعمل جمهورا ونشجعه على المطالعة.

صعب التوقف والاستسلام والصغير هو أول خطوة مع أهمية الشغل أيضا مع أسماء ناشئة إلى جانب الكتاب والرسامين الكبار. فاطمة شرف الدين ناشئة اشتغلت معنا، وصارت الآن تترجم عالميا وقد حصدنا جوائز "أفضل إنتاج" في 2005 و 2001، في معرض الكتاب العربي، وترشح كتابنا إلى جائزة (ESPACE D’ENFANT)، وكتابان لدينا نزلوا على لائحة الشرف العالمية. الأمور كما ترى جيدة.

هذا يشجع كثيراً، ووزير الثقافة وزير مثقف (طارق متري) يريد أن يساعد، والفرنسيون دخلوا على الخط ووضعوا أسسا علمية للمساعدة وبإشراف مباشر منهم وعلى أسس مضبوطة، وهم دائما يساعدون لبنان دائما هناك جهود. ما أريد أن أقوله أن الطفل اللبناني يستاهل الحياة، وهو كما اللغة العربية يستأهلان أن يعاملان باحترام.

كتاب الأطفال هو الأساس، وحين تشتغل على طفل ليصير يحب المطالعة والقراءة ويحب لغته، كأنك تشتغل على المستقبل، وأطفالنا حلم المستقبل، أما حين يكون الكتاب هو العنف لنفسه في المجتمع سيصير أكثر عنفا، قطعنا مرحلة صعبة ومهمة، وهي أساس مستقبلنا وعالمنا الجديد.

نقلا عن: المستقبل - الجمعة 27 تشرين الأول 2006 - العدد 2427 - ثقافة و فنون - صفحة 20


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى