الاثنين ١٥ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٨
بقلم راندا رأفت

ما زال رمضان مصر مميز

منذ دخل الإسلام إلى مصر، بداية بالفانوس الذي وكان يستخدم في الإضاءة ليلاً للذهاب إلى المساجد وزيارة الأصدقاء والأقارب، وعرفنا فانوس رمضان فى الخامس من شهر رمضان عام 358 هـ حيث وافق هذا اليوم دخول (المعز لدين الله الفاطمى) القاهرة ليلاً فاستقبله أهلها بالمشاعل والفوانيس، ومن وقتها تحول الفانوس من وظيفته الأصلية فى الإضاءة ليلاً إلى وظيفة أخرى ترفيهية، حيث راح الأطفال يطوفون الشوارع والأزقة حاملين الفوانيس ويطالبون بالهدايا من أنواع الحلوى التى ابتدعها أيضا الفاطميون، كما صاحب هؤلاء الأطفال بفوانيسهم المسحراتى ليلاً لتسحير الناس.

ويستخدم المسحراتى فى ذلك طبلة تعرف بـ "البازة" ، إذ يُمسكها بيده اليسرى، وبيده اليمنى سيراً من الجلد، أو خشبة يُطبل بها فى رمضان وقت السحور. والبازة عبارة عن طبلة من جنس النقارات ذات وجه واحد من الجلد مثبت بمسامير، وظهرها من النحاس أجوف وبه مكان يمكن أن تعلق منه. وقد يسمونها طبلة المسحر، والكبير من هذا الصنف يسمونها طبلة جمال.

وكان الأطفال يرددون وراء المسحراتي أغانيهم الرمضانية الجميلة مثل (وحوي ياوحوي)، (وحالو ياحلو)، من كلمات هذه الأغاني الشعبية :

وحوى وحوى إياح
وكمان وحوى إياحا
بنت السلطان إياحا
لابسة قفطان إياحا
بالأخضرى إياحا
بالأصفرى إياحا
يا لمونى إياحا
يادوا عيونى إياحا
يارب خليلى سى عثمان
خاللى نينته سى عثمان
لولا سى عثمان لولا جينا يالا الغفار
ولا تعبنا رجلينا يالا الغفار
يحل كيسه ويدينا يالا الغفار
ويدينا ياما يدينا يالا الغفار
يدينا ميتين ريال يالا الغفار
نروح بيهم على بر الشام يالا الغفار.

الإ أن هذه الأغاني لم يعد يغنيها الأطفال في الشارع، فصارت تذاع في الراديو أو التلفاز، كذلك لم يعد الأطفال يسيرون خلف المسحراتي بفوانيسهم بفضل دخول الكهرباء، فأكتفي الناس بتعليق الفوانيس الكبيرة في البلكونات والشوارع مع قصاقيص الورق الملونة.

حتى وظيفة المسحراتي لم يعد لها قيمة تذكر لأن الناس صارت تجيد السهر حتى الفجر، ورغم ذلك مازال المسحراتي يجوب الشوارع ليلا ليحصل على عيديته في العيد.

وحيث أننا شعب يحتفل بالأكل في أي مناسبة سواء دينية أو غير دينية، فما بالك بشهر الصيام، فكان لأنواع من الطعام قداسة خاصة، وخاصة الحلويات، فظهرت الكنافة والقطايف.

كانت الكنافة والقطايف ولا تزال من عناصر فولكلور الطعام فى مائدة شهر رمضان، وقد بدأت الكنافة طعاماً للخلفاء، إذ تُشير الروايات إلى أن أول من قُدم له الكنافة هو معاوية بن أبى سفيان زمن ولايته للشام، كطعام للسحور، وأصبحت بعد ذلك من العادات المرتبطة بالطعام فى شهر رمضان فى العصور الأيوبى والمملوكى والتركى والحديث. باعتبارها طعاماً لكل غنى وفقير مما أكسبها طابعها الشعبى.

وطرأت على الكنافة بعض التطورات فى العقود القليلة الماضية، لعل من أبرزها استخدام الماكينة الآلية فى صنع الكنافة بدلاً من الكوز المخرم، كما كان من المستحدثات المهمة نظام بيع الكنافة والقطايف "جاهزة" أى مطهية حيث تكون الكنافة على شكل صوان أو قطع لدى محلات الحلوى، وكانت من قبل يقومون بصنعها في المنازل.

ومن المظاهر الآخرى لشهر رمضان المدفع، الذي ينبه الناس لوقت الإفطار ووقت الإمساك، وجاء ظهور المدفع عن طريق الصدفة، فلم تكن هناك نية مبيتة لاستخدامه لهذ الغرض على الإطلاق، حيث كان بعض الجنود فى عهد الخديوى اسماعيل يقومون بتنظيف أحد المدافع، فانطلقت منه قذيفة دوت فى سماء المحروسة، وتصادف أن كان ذلك وقت أذان المغرب فى أحد أيام رمضان فظن الناس أن الحكومة اتبعت تقليداً جديداً للإعلان عن موعد الإفطار، وساروا يتحدثون بذلك، وقد علمت الحاجة فاطمة ابنة الخديوى اسماعيل بما حدث، فأعجبتها الفكرة، وأصدرت فرماناً يفيد باستخدام هذا المدفع عند الإفطار والإمساك وفى الأعياد الرسمية، وبالفعل بدأت الحكومة فى تنفيذ هذا الأمر وصار تقليداً متبعاً حتى الآن. ومنذ ذلك الحين ارتبط المدفع باسم الحاجة فاطمة.

كل هذا من مظاهر الإحتفال برمضان، مجرد مظاهر شكلية، تثير جدل البعض حول أهميتها الدينية، لكنها مظاهر كفيلة أنها تجعلك تشعر بشهر رمضان مميز عن بقية شهور السنة، ومميز عن بقية دول العالم.

أما عن الطقوس الدينة الجديدة في شهر رمضان، والتي انتشرت كثيرا في الفترة الأخيرة

صلاة التروايح بعد صلاة العشاء. عدد ركعات صلاة الوتر ثماني ركعات وتصلى ركعتين ركعتين. وتصلى عادة جماعة، وقد شهدت صلاة التراويح إقبالا حافلاً من كل فئات الشعب المصري، حيث تحرص العديد من العائلات رجالا ونساءا على أداء صلاة التراويح التى تعطي صورة مضيئة لليالي شهر رمضان المبارك بمصر باعتباره شهر القرآن، وتحرص معظم المساجد على ختم القرآن في صلاة التراويح خلال الشهر.

وتضاف في العشر الأواخر من رمضان صلاة التهجد التي تقام قبل الفجر وتصلى أيضا في جماعة وصارت تمتليء المساجد عن آخرها في هذه الصلاة أيضا، وتقوم المساجد الكبرى بختم القرآن في هذه العشر الأخيرة.

وظهرت أيضا موائد الرحمن وقد شهدت إقبال الناس عليها خاصة من غير المقتدرين وعابري السبيل، حيث يقوم بعض المقتدرين ماديا (وأحيانا بعض المشاهير) بشراء المواد التموينية وتوفير مخزن الطعام، ثم يؤجرعمالة للعمل داخل موائد الرحمن ليقومون بطهي وإعداد المائدة وتوزيع وجبات الإفطار على الناس، وبعض العاملين يعملون تطوعا.

هذا بالإضافة إلى الشنط الرمضانية التي تحتوي على الحاجات الأساسية من المأكولات وتوزع على الفقراء والمحتاجين.
وقد انتشرت الخيمة الرمضانية التى أصبحت من السمات المميزة لشهر رمضان الكريم، وهى تعد ملتقى العائلات التى تسهر فى الجو الرمضانى، وهناك كمن يهتم بأن يتضمن برنامج الخيمة التواشيح الدينية، وقد اهتمت الأندية الكبرى فى القاهرة خاصة بإنشاء الخيم الرمضانية التى تمتد سهراتها حتى السحور، كما كان لمقاهى القاهرة دوراً بارزاً فى عمل الخيم الرمضانية ذات الطابع الشعبى.

ومن المظاهر السلبية الجديثة لشهر رمضان هو وجود التلفزيون والفضائيات، وتعدد المسلسلات التافهة وذات القصص المكررة والمسابقات السافهة، لدرجة أن المشاهدين أصبحوا ينصرفوا عن التلفزيون نهائيا، بعد أن كانت تجمعهم فوازير نيللي أو شريهان، أو مسلسل جيد الصنع والفكرة.

ومن المظاهر السلبية الحديثة أيضا في شهر رمضان ازدحام السيارات الشديد سواء قبل أو بعد الإفطار وما أدراك به ساعة الإفطار، لكن الجميل في الأمر أن بعض المتطوعين يقفون في الطرق ليوزعون طعام على راكبي السيارات والمشاة ليفطروا (مستندين إلى حديث من أفطر صائم فله مثل أجره).

هذا بالإضافة إلى اللعب المستحدثة للأطفال بعد أن استغنوا عن الفانوس والمسحراتي، وهي الصواريخ والبمب.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى