الأربعاء ٤ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٧
عرض كتاب:

مشروع الكتابة العربية التقنية للأستاذ نور الدين طيري

محمد الصالح الضاوي

تحتل مشاغل اللغة العربية الاهتمام الكبير لدى الخبراء بها ولدى غير المختصين أيضا، باعتبار قيمتها الحضارية، وبعدها الثقافي لدى الشعوب الناطقين بها... لذلك، كانت دراسات تطوير كتابة اللغة العربية، تنجز من قبل اللغويين والأمنيين والحقوقيين والمختصين بالإعلام الآلي والاتصال وغيرهم من المختصين في فنون عديدة. ولا غرابة إذن، أن تجد محاميا شابا جزائريا، من جبال الأوراس الشامخة ببسكرة، بالجزائر الحبيبة، يشغل وقته وجهده لمدة عشر سنين، مستعينا بعلوم عدّة، في تطوير كتابة جديدة للغة العربية، تستجيب للحاجيات التقنية العصرية في مجالات الصناعة والتجارة والإشهار والاتصال...

اختراع شبابي جزائري

ثمرة هذا الجهد الإبداعي، اختراع جزائري تم تسجيله بتاريخ: 29/09/2003، تحت اسم: الخط العربي الأوراسي، والذي أصبح بعد المراجعات والتطوير، أحد خطوط الكتابة العربية التقنية الجديدة. وقد لخص المبدع نور الدين طيري مجهوداته في كتيّب من الحجم المتوسط، (80 صفحة) صادر عن دار علي بن زيد للطباعة والنشر ببسكرة، الجزائر، حيث قدّم في البداية: الكتابة العربية التقنية، وأنواع الخطوط المخترعة إلى حد اليوم، وهي التقني الأوراسي والتقني الجزائري والتقني الأندلسي والتقني الزياني.

واختراعه يتمثل في تجريد الحرف العربي من شكله التراثي الموروث، منذ القرن الثاني للهجرة، ليتم اعتماد شكل هندسي بسيط، يجعل الحرف يكتب في كل الأحوال منفصلا، كما في الأبجديات اللاتينية. وهذا الاختراع، يقلص من عدد الحروف المستعملة في لغتنا العربية، بشكلها الحالي، من 120 شكلا، إلى أربعين فقط، في الكتابة التقنية الجديدة، مع العلم، وأن الكاتب أضاف حروفا جديدة، تماثل ما هو منطوق في اللغات الأجنبية...

مميزات الكتابة التقنية

ثمّ عمد الكاتب إلى بيان مميّزات الكتابة التقنية العربية، والتي أجملها في نقاط، وهي:

أولا: الكتابة من اليمين إلى اليسار، خلافا لأغلب اللغات العالمية.

ثانيا: تساوي جميع الحروف في الأحجام والأبعاد، باستثناء حرف الألف الذي له نفس العلوّ فقط.

ثالثا: الجمالية الانفصالية، حيث حافظت الكتابة التقنية الجديدة على جمالية الحرف العربي، رغم نقشه منفصلا.

رابعا: المرونة، على المستوى التقني الإعلامي وعلى مستوى الرسم، في استعمالات تجارية وصناعية عديدة.

خامسا: البساطة والتجريد، حيث تحرر الحرف العربي التقني من تعقيد الكتابة الكلاسيكية، حسب معتقد الكاتب.

سادسا: تجنب تعدد الأشكال للحرف الواحد، وهي ميزة يستفيد منها مهندسو البرمجيات العربية لتفادي إشكالية تعدد شكل الحرف الواحد حسب موقعه من الكلمة.

سابعا: تناسب الحروف العربية التقنية مع الأشكال والأرقام والرموز العلمية.

ثامنا: كتابة جميع الحروف على نفس مستوى السطر، وهي ميزة جديدة على الرسم العربي القديم للحرف.

استعمالات الكتابة التقنية

في القسم الثالث، من الكتاب، يفصل المبدع نور الدين طيري الحلول التي تقدمها الكتابة العربية التقنية، والتي يجملها في نقاط، وهي:

1-تسهيل البرمجة باللغة العربية. 2-الترميز العلمي.3-اختصار الجمل.4-إضافة حروف عربية تقابل الحروف (P.V.G). 5-إمكانية الكتابة العمودية للحرف العربي. 6-إمكانية كتابة عدّة كلمات عربية متقاطعة. 7-تسهيل الكتابة العربية في وسائل الاتصال الحديثة. 8-تطوير القدرة التنافسية للحرف العربي في صناعة الإشهار. 9-تطوير وإحياء اللغات التي تكتب بالحرف العربي. 10-تطوير القدرة التنافسية للحرف العربي في التطبيقات الصناعية. 11-تسهيل تصميم العلامات التجارية للشركات والمؤسسات الحرف العربي.

مقدّمات تأويلية ونتائج خيالية:

يبدو أن الكاتب حمله الهاجس الإبداعي على الاعتماد على مقدّمات نظرية تأويلية، لم يثبت صحّتها علميّا، مثل ربطه بين الكتابة المنفصلة للغات اللاتينية وبين سيطرتها على مساحات أوسع من العلوم والمعرفة في العالم اليوم، [في الوقت الذي مازالت فيه اللغة العربية في تراجع مستمرّ إلى درجة أصبحت في ظلّ العولمة، مهددة بإرسالها إلى متحف التاريخ، لانحصار استعمالها في الفنّ التشكيلي وكتابة أشعار الغزل والقصص الغرامية (تهكم الكاتب على اللغة العربية) حتى أن اليونسكو رشحت اللغة العربية، للموت، مع حوالي 300 لغة أخرى في القرن القادم، وتعود أسباب ترشيح اللغة العربية للموت، حسب اليونسكو، إلى ضعف اللغة العربية، وتراجعها في مجال العلوم المتطورة، بالإضافة إلى تعامل العرب بلغات أجنبية، وترك لغتهم]. والأكيد، أن سبب تراجع اللغة العربية في ميدان العلوم والتكنولوجيا ليس راجعا إلى حروفها المتصلة، كما يدعي الكاتب، وإنما، إلى عوامل حضارية وثقافية وسياسية، جعلت العرب في مؤخرة الركب العالمي الحضاري، وإلا كيف نفسّر تقدّم دول مثل اليابان والصين بلغات غاية في التعقيد وكثرة الحروف وتعدد اللهجات؟؟.

ويبدو للقارئ، أن الكاتب، انجرف في فضاء الخيال والطموح، واعتبر أن الكتابة المنفصلة للغة العربية، هي: مستقبل الكتابة العربية، كما ورد في عنوان الكتاب، والحال أن هذا النوع من النقش والرسم، المبتدع من قبل الأستاذ طيري، لا يعدو أن يكون فنا هندسيا ورسما تقنيا لحروف اللغة العربية، لاستعمالها في اسم تجاري أو في لوحة إشهارية،لا تزيد عن كلمة أو كلمتين... حيث لا يمكن أبدا كتابة نصّ بمثل هذه التقنية، لصعوبة قراءته... فما يسميه الكاتب: مشروع كتابة عربية تقنية، ليس بديلا عن الكتابة الكلاسيكية في جل الميادين، بما فيها الترميز في الميدان العلمي، الذي لا يتطلب إلا الاتفاق على رمز وكتابته، دون اعتبار اللغة أو ميزة الانفصال والاتصال.

كما نلاحظ، أنه يصعب كتابة الأحرف التقنية المنفصلة، بالقلم، حيث لم تتعوّد اليد أن تكتب حروفا هندسية الشكل بسرعة مطلوبة... مما يجعل الاستعمال المنتشر لهذه الكتابة، ضعيفا جدّا، بل معدوم الحظ... زيادة على أن بعض حروف هذه الكتابة الرقمية تتشابه إلى حدّ التماهي مع الأرقام، مما يجعل الوقوع في الخطإ أمرا واردا بكثرة...(تشابه الهاء والصفر، الطاء و6، الواو و9، الحاء و2).

الحرف عربي والروح وثنية

لقد عمل الأستاذ طيري على ربط اختراعه بمجهودات من سبقه، في مجال تطوير كتابة اللغة العربية، سواء في التاريخ العربي القديم: تعديلات أبو الأسود الدؤلي (69 هـ) وإضافات الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 170هـ)، وما بينهما كل من نصر بن عاصم الليثي )ت 96 هـ) ويحيى بن يعمر العدواني )ت26 هـ) أو الأبحاث والمقالات في الغرض التي ابتدأت مع مطلع القرن العشرين، ولم تتوقف إلى اليوم، في مختلف مجالات تطوير اللغة العربية، وأراد، من منطلق روح الطموح والحسّ الثقافي، أن يقدّم حلاّ، عجزت مئات الأبحاث عن إبرازه، باعترافه شخصيا... لكنه سقط في التضخيم. بل يمكننا التأكيد، أن اختراعه لم يحلّ معضلات اللغة العربية المطروحة اليوم على بساط البحث، مثل حروف الأصوات والحركات والتنوين، وغيرها من الإشكاليات التي تطرح في إطار مقارنات ذات نفس استشراقي.

ولعلّ عدم تخصص مبدعنا، حال دون تشبعه بالروح العربية والإسلامية للخط العربي الكلاسيكي، الذي يتجاوز رسم الحرف ورقمه، إلى محمول معرفي ومضمون عرفاني، لا تجد له مثيلا، إلا في حضارات الشرق الأدنى...فالحرف العربي، شكل وروح ومعنى ورقم وعرفان، أبدع الشيخ الأكبر في إبرازه، حرفا حرفا في فتوحاته المكيّة.

لذلك، كانت الضرورة التقنية التي حملت المبدع نور الدين طيري إلى ابتكار رسم هندسي مبسط للأحرف، سببا في ضياع الروح الأصيلة، وتحويلها إلى روح وثنية غربية، لا طعم لها ولا ذوق... مقارنة بفنون الخط الجميل وثمراته المعروفة في العالم...

ويبقى الكتاب، جديرا بالقراءة والاطلاع عليه، باعتباره مشروعا إبداعيا جزئيا،يمكن استثماره في ميادين الإشهار والعلامات الصناعية والتجارية بشكل محدود، بعيدا عن التضخيم والتهويل الذي أبداه المبدع، مع التوصية له بمراجعة مادة الكتاب التي جاءت مليئة بالأخطاء، اللغوية والتقنية، مثل تكرار المقدمة في الخاتمة بشكل شبه كلي، واعتماد تعريف فنّ الخط العربي عوض تعريف الحرف العربي، وغياب التهميش أو كتابته بشكل غير علمي، والتكرارات، وأخطاء الطباعة... وهذه كلها شوّهت النصّ الذي يتحدّث عن اللغة العربية وعن كتابتها...

محمد الصالح الضاوي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى