الأحد ٢٢ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٧
بقلم إبراهيم خليل إبراهيم

معركة أبو عطوة

نذكر للتاريخ أنه بعد يوم الاثنين 8 أكتوبر 1973 الموافق 12 رمضان 1393 هجريا قامت أمريكا بتزويد إسرائيل بأحدث الأسلحة وفي صباح يوم الخميس 18 أكتوبر 1973 الموافق 22 رمضان 1393 هجريا أي بعد 48 ساعة من ثغرة الدفرسوار كانت للقوات الإسرائيلية على الضفة الغربية لقناة السويس نحو 300 دبابة و 2000 جندي بالإضافة إلى وحدات المدفعية الخاصة وكانت التعليمات الصادرة لشارون وأدان أن هناك قرارا وشيكا يتم التحضير له في مجلس الأمن لوقف إطلاق النار وأن التحرك السريع لتطويق الجيش الثاني والثالث وحصارهم واحتلال مدينتي الإسماعيلية والسويس بات أمرا ملحا فانطلقت فرقة شارون شمالا تجاه مدينة الإسماعيلية بينما اتجهت فرقتي أدان وماجن جنوبا نحو مدينة السويس.

نتيجة لطبيعة الأرض في القطاع الشمالي الذي كانت تتقدم خلاله قوات شارون اضطرت هذه القوات إلى أن تتحرك في زحفها على محورين رئيسيين هما : الطريق الترابي شرق ترعة الإسماعيلية التي تعرف بالترعة الحلوة وطريق المعاهدة باعتبارهما أصلح الطرق لتقدم مدرعاتها ومركباتها وأقصرها من حيث المسافة إلى مدينة الإسماعيلية وعلى الرغم من أن الهجوم الرئيسي كان على محورين فإن شارون قام بدفع مفارز قوية على جميع الطرق على طول المواجهة ما بين قناة السويس شرقا والكوبري العلوي غربا.

أدرك البطل اللواء أركان حرب عبد المنعم خليل قائد الجيش الثاني الميداني أن القوات الإسرائيلية باتت على وشك الوصول إلى مشارف مدينة الإسماعيلية فقام بتنظيم القوات واتخذ عددا من الإجراءات السريعة لحماية مداخل المدينة ومنع القوات الإسرائيلية من عبور ترعة الإسماعيلية لتطويق المدينة تمهيدا لاقتحامها.

تحركت كتيبة مظلات بقيادة البطل المقدم عاطف منصف إلى نقطة جبل مريم للدفاع عن تلك النقطة وتم تدعيم الكتيبة بسرية مقذوفات مضادة للدروع وسرية هاون وتحركت مجموعة صاعقة بقيادة العقيد أسامة إبراهيم إلى مناطق نفيشة وأبو عطوة للدفاع عنهما وكانت تلك المجموعة قد شاركت في معارك يوم 19 أكتوبر واستشهد البطل إبراهيم الرفاعي أسطورة الصاعقة.. أيضا تواجدت كتيبة ميكانيكية في شمال ترعة الإسماعيلية مع مجموعة من مدفعية الجيش الثاني وتم حشد مجموعات مدفعية الفرقة 16 مشاة والفرقة 21 المدرعة بالتنسيق مع مجموعات مدفعية الجيش الثاني ليكون الإجمالي في حدود 16 كتيبة مدفعية مختلفة الأعيرة وقد أحسن البطل العميد أركان حرب محمد عبد الحليم أبو غزالة قائد مدفعية الجيش الثاني توقع محاور تقدم المدرعات الإسرائيلية وتسليط نيران المدفعية المصرية عليها خلال المعركة.

أيضا تم دفع لواء ميكانيكي إلى بعض النقاط للدفاع على الجسور شمال ترعه السويس لمنع استيلاء القوات الإسرائيلية على تلك الجسور وتم دفع عناصر من مهندسي الجيش الثاني لتلغيم جسور الترعة.. كانت الإجراءات والتكتيكات على أعلى مستوى وتصرف اللواء عبد المنعم خليل قائد الجيش الثاني الميداني بحنكة متميزة وكانت قراراته صائبة.

عبر لواء آمنون الإسرائيلي إلى الضفة الغربية للقناة يوم 19 أكتوبر 1973 وبذلك أصبحت مجموعة عمليات شارون غرب القناة تتكون من لواءين مدرعين وهما لواء آمنون ولواء حاييم ولواء مشاة مظلات بقيادة العقيد داني وبحلول يوم السبت 20 أكتوبر 1973 الموافق 24 رمضان 1393 هجريا بدأ الجنرال الإسرائيلي أرئيل شارون قائد مجموعة العمليات رقم 143 التي كانت تعمل على المحور الشمالي بعد العبور الإسرائيلي إلى غرب القناة في إدارة معركته الأخيرة في اتجاه الإسماعيلية بعد أن أبلغته القيادة الجنوبية بأن قرار وقف إطلاق النار على وشك الصدور وفي الصباح الباكر قامت الطائرات الحربية الإسرائيلية بشن هجمات عنيفة على مدن الإسماعيلية وبورسعيد وبور فؤاد وتركز القصف الجوي بصفة خاصة على مواقع الصواريخ أرض جو والأسلحة المضادة للطائرات بهدف تدميرها أو إسكاتها وعلى أماكن تجمع القوات والكباري المقامة وقامت الطائرات الإسرائيلية بإلقاء القنابل الزمنية وقنابل النابالم لإحداث الحرائق وبث الذعر في نفوس الأفراد وأصابت بعضها جسر الترعة في منطقة رأس العش على بعد 15 كيلومترا جنوب بورسعيد مما أدى إلى تدفق مياه الترعة إلى قناة السويس ولتدارك الموقف أصدر البطل اللواء عبد المنعم خليل قائد الجيش الثاني أمره إلى رئيس مهندسي الجيش بإغلاق مياه الترعة عند نقطة التحكم في القنطرة لإنزال مستوى مياه الترعة حتى يتم إصلاح الجسر عند رأس العش وإعادة فتح المياه ثانية إلى مدينة بورسعيد

كان أقصى تقدم لقوات شارون على المحور الشمالي هو وصوله إلى منطقة طوسون يوم 20 أكتوبر 1973 على بعد حوالي 12 كيلومترا جنوب الإسماعيلية وفي صباح يوم 21 أكتوبر 1973 قامت مفرزة من دباباته ومشاته الميكانيكية بمهاجمة تبة الشيخ حنيدق على بعد حوالي كيلومتر ونصف شمال طوسون.

كان شارون على يقين من أن سقوط الإسماعيلية سيحدث دويا سياسيا كبيرا على المستوى العالمي مما سوف يكسبه شهرة واسعة ومجدا عسكريا.

في ليل يوم 21 أكتوبر والساعات الأولى ليوم الاثنين 22 أكتوبر 1973 الموافق 26 رمضان 1393 هجريا أكتوبر 1973 قامت وحدات مدفعية الجيش المصري بقصفات إزعاج على المواقع الإسرائيلية طوال الليل وفي الصباح قامت الطائرات الحربية الإسرائيلية بهجمات جوية عنيفة على المواقع المصرية وركزت قصفها على معسكر الجلاء وجبل مريم وأبو عطوة ونفيشة وتمكنت من تدمير كوبري أبو جاموس.

حاولت الدبابات والمدرعات الإسرائيلية التقدم على طريق المعاهدة في اتجاه كوبري نفيشة وعلى الطريق الصحراوي في اتجاه الكوبري العلوي ولكن المقذوفات الصاروخية المصرية المضادة للدبابات اشتبكت معها وأجبرتها على الانسحاب وفي حوالي الساعة العاشرة صباح يوم 22 أكتوبر جدد شارون محاولته للتقدم في اتجاه ترعة الإسماعيلية وكان تحركه على محورين هما طريق ترعة السويس الحلوة وطريق المعاهدة وقامت المدفعية والهاونات والمدافع والدبابات والطائرات المصرية بالضرب الشديد على القوات المصرية بسبب عجز شارون عن الفتح والانتشار وفي الظهر اشتبكت مقدمة القوات الإسرائيلية مع أبطال استطلاع الصاعقة وتم أبطال مصر من تدمير دبابتين وعربة مجنزرة إسرائيلية وفي الساعة الواحدة ظهرا تقدمت قوة من المظلات الإسرائيلية في اتجاه أبو عطوة على محور ترعة السويس الحلوة ولكنها فوجئت بنيران الأسلحة المصرية تنهمر عليها من كل جانب وتم قتل مايزيد على 50 من الإسرائيليين وتدمير العديد من دباباته ومدرعاته ولذا توقف الهجوم الإسرائيلي واستمر في قصف منطقة أبو عطوة بالمدفعية والهاونات وفي نفس التوقيت وعلى محور نفيشة تقدمت سرية دبابات وسرية مشاة ميكانيكية إسرائيلية تحت ستر غطاء جوي من الطائرات الإسرائيلية التي قامت بقصف منطقة نفيشة على ترعة الإسماعيلية ولكن وتمكنت كتيبة الصاعقة المصرية في نفيشة رغم القصف الجوي من إيقاف تقدم الإسرائيليين وكان مجموع خسائر القوات الإسرائيلية على محور نفيشة 3 دبابات وعربتين مدرعتين وقتل عدد كبير من الأفراد.

عندما خيم الظلام وحل موعد سريان وقف إطلاق النار في الساعة السادسة و (52) دقيقة مساء يوم 22 أكتوبر 1973 ونظرا لوجود عدد ضخم من القتلى والجرحى الإسرائيليين على أرض المعركة الذين لم يتم سحبهم بعد طلب شارون إمداده بعدد كبير من الطائرات المروحية للمساعد في عمليات الإنقاذ ولكن الجنرال بارليف لم يوافق على مطلبه فقد كانت الليلة مظلمة وكان من الصعب على الطائرات الهبوط بالقرب من ميدان المعركة منعا لإصابتها فأمر شارون قواته بالاعتماد على أنفسهم واستمرت عمليات الإنقاذ أكثر من 4 ساعات.

في يوم 26 أكتوبر 1973 حاول شارون التقدم غربا لقطع طريق القاهرة.. الإسماعيلية الصحراوي وعزل مدينة الإسماعيلية لكن قوات الدفاع الشعبي والعسكري التي كانت مسئولة عن تأمين هذا الطريق الحيوي نجحت في وقف تقدم المدرعات الإسرائيلية وأجبرتها على الانسحاب كذلك نجح جنود المظلات المصريين في الاستيلاء على إحدى المصاطب غرب القناة ودفع قوات شارون إلى الجنوب بعد أن قامت بإغراق المنطقة بمياه الترعة الحلوة ولمنع الإسرائيليين من تجديد محاولات التوسع شمالا أو غربا أمر الفريق أول أحمد إسماعيل بدفع احتياطي الجيش الثاني لتشكيل خط دفاعي قوي بمحاذاة الترعة الحلوة.

لقد كانت معركة الإسماعيلية نقطة تحول حاسمة في مسار معارك أكتوبر 1973 فقد تفوق أبطال مصر من قوات المظلات والصاعقة على القوات والمدرعات الإسرائيلية ونجح أبطال مصر في ردع قوات شارون ومنعته من تهديد خطوط إمداد الجيش الثاني الميداني وحصاره وقد أطلق الإسرائيليون على مدينة الإسماعيلية (فيتنام مصر) نظرا لضراوة المعارك وتشابهها مع ما كان يقاسيه الأميريكيون خلال حرب فيتنام.

أقامت محافظة الإسماعيلية نصبا تذكاريا بعد المعارك تخليدا للشهداء ويقع شرق قناة السويس أمام المنطقة رقم 6 ويشتمل على مطعم وبانوراما وقاعة لكبار الزوار ومسرح كبير ويعد أجمل نصب تذكاري حديث في مصر نظرا إلى روعته ودقة تنفيذه وموقعه الفريد الذي يطل على قناة السويس كما تم إنشاء متحفا حربيا في قرية أبو عطوة على بعد 3 كيلو متر من الإسماعيلية تخليدا لذكرى المعركة وبطولة قواتنا المسلحة وشعب الإسماعيلية.

من أبطال أكتوبر ومعركة أبو عطوة عام 1973 البطل اللواء صادق عبد الواحد أستاذ الإستراتيجية بأكاديمية ناصر العسكرية وفي لقائي معه قال : من البطولات المصرية تلك التي سطرها الأبطال في معركة أبو عطوة وقد استشهد إبراهيم الدسوقي أثناء محاولته وضع قنبلة لتعطيل رتل دبابات العدو من التقدم نحو الإسماعيلية ونجح في تفجيرها واستشهد وتوليت أنا قيادة الكتيبة واعترضنا العدو وقمنا بعمل كمائن على طول طريق أبو عطوة بالتعاون مع النقيب حامد شعراوي والنقيب عزت وشاركت معنا المدفعية بقيادة العميد محمد عبد الحليم أبو غزالة قائد مدفعية الجيش الثاني وكبدنا شارون وقواته خسائر فادحة في الأرواح والمعدات ونجحنا في ردعه.

واصل البطل اللواء البطل صادق عبد الواحد حديثه بقوله : كان دور كتيبتى خلال معارك أكتوبر مهمًا للغاية وهدفها تعطيل قوات العدو على المحور الساحلي وهنا زملاء استشهدوا أمام عيني ولا أستطيع أن أنساهم ومنهم النقيب سراج الدين بالإضافة إلى جندي أصيب في برج تليفزيون بعد إطلاق صاروخ على أحد الجنود بالبرج وتعلق في الهواء مما دفع النقيب سراج إلى أن يصعد أعلى البرج لإنقاذه فأطلق العدو صاروخًا آخر عليهما فاستشهد هو والجندي وهذا يدل على الروح التي كانت عليها العناصر المقاتلة وقت الحرب كقلب رجل واحد لا أحد يخشى الموت وكان شعارنا النصر أو الشهادة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى