الثلاثاء ٢ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٧
كتاب الدكتور محمد مصطفى القباج
بقلم علي القاسمي

مقاربات في الحوار والمواطنة ومجتمع المعرفة

أسباب فشل الحوار بين الثقافات والأديان.

  المواطنة انتماء فكري وقانوني إلى الدولة، وليس عرقياً أو دينياً أو مذهبياً.
  العالم العربي لم يدخل مرحلة الحداثة بعد لانتفاء شروطها ومتطلباتها.
  النهضة العربية الجديدة تنطلق، نظرياً وعملياً، من المغرب الأقصى.

مضمون الكتاب:

صدر، عن (دار ما بعد الحداثة) في فاس، كتاب جديد للمفكِّر المغربي الدكتور مصطفى القبّاج، عنوانه " مقاربات في الحوار والمواطنة ومجتمع المعرفة". يتألَّف الكتاب من ست دراسات قدّمها المؤلِّف في مؤتمرات فكريّة، وطنيّة ودوليّة. عناوين هذه الدراسات كالآتي: التفاعُل الإيجابيّ بين الحضارات، كيف نؤسِّس أخلاقاً للحوار، من الواجهات السلبيّة للحوار العربي الأوربي، التربية على المواطنة والحوار وقبول الآخر، مدارات المواطنة المعاصرة، مجتمع المعرفة والتغيّر الثقافي.

على الرغم من أنّ ثلاثة من هذه العناوين تتناول الحوار، فإنّ للمؤلِّف تحفُّظات على الحوار بين الثقافات والأديان لسببين رئيسين:
 الأوّل، إنّ أطراف الحوارات التي تجري في الوقت الحاضر غير متكافئة.
 الثاني، إنّ الحوارات التي جرت، منذ ما يقرب من القرن من الزمن، لم تنفع في حلّ المشكلات التي تواجهها منطقتنا، وفي مقدِّمتها القضية الفلسطينيّة.

ومن ناحية أخرى، فإنّ للمؤلِّف تحفّظات على الحداثة التي يُراد تسريبها جاهزة إلى البلاد العربيّة، لأنّ الحداثة، بوصفها نسقاً كليّاً وصيرورة تاريخيّة، اكتملت بل تمّ تجاوزها من قبل الغرب. ولكن العالم العربيّ غير مستعدّ لتقبّل وتمثّل الحداثة التي تتمخّض عنها دولة المؤسسات وحقوق الإنسان؛ وذلك لأنّ الحداثة، عندنا، لم تستوفِ شروطها ولم تستكمل مراحلها المنطقيّة. فنحن لم ندخل بعد عصر التنوير الذي يُعدّ شرطاً من شروط الحداثة. فما زال العربيّ ينظر إلى المواطنة، مثلاً، بمنظار الانتماء العرقيّ أو الدينيّ أو المذهبيّ أو العشائريّ، على حين أن الحداثة تنظر إلى المواطنة بوصفها انتماءً فكرياً وقانونياً للدولة، وأنّ الدولة الحداثيّة العصريّة ترى في المواطنين أعضاءَ متساوين يتمتعون جميعاً بحقوق الإنسان بما في ذلك الحقوق الطبيعية والمدنية والسياسية والاقتصادية؛ وتضمنها لهم الدولة.

يرى الدكتور القبّاج أنّ دخول العالم العربيّ عصر الحداثة رهين بنشر (الثقافة العلميّة) من خلال ( النظام التعليميّ ) الذي ينبغي أن يزود جميع التلاميذ بالأدوات اللازمة للتحليل والتقييم والإبداع، ويدرّبهم على الحوار والانفتاح وقبول الآخر والرأي الآخر. فهذه الثقافة العلميّة هي التي تُسهم في تطوير المجتمع سياسياً واقتصادياً، وفي تغيير العقليّة العربيّة التقليديّة، وإيجاد (مجتمع المعرفة) الذي يستطيع تحقيق التنمية البشرية الشاملة، وتقليص الفجوة الرقميّة السحيقة القائمة بين الغرب التكنولوجيّ والشرق التقليديّ.

وإذا كنا نتفق مع الدكتور القباج حول أهمية الدور الذي يضطلع به النظام التعليمي في نشر ثقافة حقوق الإنسان والثقافة العلميّة وإيجاد مجتمع المعرفة، فإنّنا نحسب أنّ النظام التعليمي وحده لا يكفي لتحقيق ذلك، بل لا بُدّ من مشاركة جميع الأنظمة المجتمعية طبقاً لاستراتيجية تضعها الدولة وتلتزم بها لتفعيل هذه الأنظمة، كالنظام السياسي، والنظام الاقتصادي، والنظام القضائي، والنظام الإعلامي، إلخ. فإذا أخذنا النظام السمعي البصري، مثلاً، في بلادنا العربية، نجده يعمل بجدّ ونشاط على تغييب الثقافة العلمية عن طريق فضائيات متخصّصة في الأغاني الجسدية والموسيقى الهابطة والألعاب الرياضية الشعبية، ما يُلهي الشباب ويُبعدهم عن الفكر والثقافة العلمية، حتى في برامج الفضائيات والإذاعات التي تملكها الدولة. وكان من نتيجة ذلك أن الثقافة العلمية لا سوق لها, وأن دور النشر العربية لا تُقبِل على نشر الكتب العلمية، بل تقتصر في جل منشوراتها على كتب الثقافة التقليدية، ناهيك بالحواجز العديدة في وجه انتقال الكتاب العربي وانتشاره.

عوامل قيام الحضارات:

وإذا كانت معظم دراسات هذا الكتاب الجديد قد تطرّق إليها المؤلِّف، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، في مؤلَّفاته السابقة مثل كتابه " مقاربات فكرية وسياسية في الشأن العربي الراهن" (1999)، وكتابه " التربية والثقافة في زمن العولمة" (2002)، وكتابه " حوار الثقافات وحقوق الإنسان في زمن العولمة" (2005)، فإنّ كتابه الأخير يضمّ مقاربة جديدة حول القوانين التي تتحكّم في نشوء الحضارة ونضجها وانهيارها. وهذه المقاربة تقع ضمن مبحث ( تاريخ الحضارات المقارن) وهو فرع من فروع فلسفة التاريخ.

يستعرض المؤلِّف، أوّلاً، نماذج من النظريّات المتعلِّقة بالموضوع، مثل النموذج الإفلاطوني كما هو مشروح في كتاب " الجمهورية" الذي ينصّ على أنّ قيام دولة متطوّرة سياسياً يعتمد على تولّي الفلاسفة شؤون تدبيرها. أما النموذج الثاني فهو النموذج الخلدوني المطروح في " المقدمة " التي فسّر فيها ابن خلدون آليات وسيرورات الانتقال من البداوة إلى الحضارة، وكيف أنّ أهل الدول، في طور الحضارة، يقلّدون الدول السابقة لهم ويأخذون عنهم، ويتفنّنون في إحكام الصنائع المستعملة، من أجل تحقيق الرفاهية وترقية الحياة. ولمثل هذا ينحى النموذج الثالث الذي بسطه باروخ دي سبينوزا (من فلاسفة القرن السابع عشر في أوربا) في " كتاب السياسة" القائل إنّ المجتمع المتحضِّر يتأسّس على العقل الذي يساعد الإنسان على الانتقال من طور الطبيعة إلى طور التمدُّن بدافع من رغباته الطبيعية الضرورية. أما نموذج فيلسوف التاريخ الإنجليزي أرنولد توينبي، في القرن العشرين، فيرى أنّ نشوء الحضارة على أنقاض حضارة سابقة يتحكّم فيه قانون التحدي والجواب، إذ تأتي الحضارة الجديدة بإجابات ذات طبيعة عقلانية إبداعية تمتاز بقوة التخيّل.

يخلُص المؤلِّف من ذلك كلّه إلى أنّ الحضارة فضاء وشكل؛ فضاء لأنّها تتجاوز حدود الوطن فهي مشتركة بين عدّة مجتمعات وشعوب؛ وهي شكل لأنّ معالمها الأساسيّة تتجلّى في التعقّد واللاتجانس، وفي درجة عالية من التطوّر التقني، والضبط السياسي، والإبداع في الآداب والفنون والعلوم. والحضارات متعاقبة غير متعاصرة. ويتحكّم في سيرورة الانتقال من حضارة إلى أخرى جهد عقلي مبدع يولد بالاختلاط وتفاعل العقول وتلاقُحها، ويتحقّق مؤسّسياً بقرار تتخذه وتنفّذه النُّخب السياسية بهدف البناء والتشييد، وفقاً لمفهوم ( تفاعل الحضارات) الذي يتمّ عبر قنوات القراءة والبحث والترجمة، ويتطلّب التركيز على الفعل البنّاء وتجاوز نقاط التباعد والتنافر، كما يتطلّب حواراً بين الحضارات وتعاوناً سليماً مشتركاً، ويفترض إقصاء منطق العنف والمواجهة المسلّحة.

الحضارة العربية الإسلامية مثالاً :

ويضرب المؤلِّف مثالاً لمقاربته في الحضارة العربية الإسلامية التي ازدهرت في عصر التدوين حين تبنّت الدولة الإسلامية الاستفادة العملية من الحضارات السابقة لها، فنقلت علوم الهند، وفلسفة الإغريق، وآداب الفرس إلى اللغة العربية؛ وشجّعت الإنتاج الفكري، وأجهزت على المذهب الجبري، وآثرت العقل والتعقّل على النقل والنصّ، وعمّقت روح التسامح والتحرّر، من أجل تطوير نظرة الفرد إلى الإنسان والطبيعة والكون.

خاتمة:

يُعدّ هذا الكتاب للدكتور مصطفى القباج إضافة جيّدة إلى المقاربات النهضوية القيمة التي اضطلع بها عدد من المفكرين المغاربة مثل علال الفاسي، وعبد الهادي بوطالب، وعزيز الحبابي، ومحمد عابد الجابري، وعبد الله العروي، وعبد الكبير الخطيبي ، وطه عبد الرحمن، ومحمد سبيلا، وعبد العالي؛ وهدفها وضع الأسس الفكرية لنهضة سياسية واجتماعية جديدة في بلادنا العربية تؤدّي إلى تنمية شاملة. وتذكّرنا هذه الجهود بما نادى به المفكرون العرب في المشرق خلال القرن التاسع عشر. وفي تقديري أنّ النهضة العربية الجديدة ستنطلق هذه المرّة، نظرياً وعملياً، من المغرب الأقصى.

أسباب فشل الحوار بين الثقافات والأديان.

مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى