الخميس ١٦ أيلول (سبتمبر) ٢٠٢١
بقلم علي بدوان

مقتطفات من سيرةٍ كُتِبَت

قيل، رواية الحياة، الحية، والحقة، ومشوارها الطويل، هي التي تَخرُجُ منها بغير الحالةِ التي دَخَلَتَ فيها. والأروع حين تُغيّرك نحو الأحسن من محطة الى محطة..

نكتب رواية الحياة من التجربة المعاشة، وليس من الذاكرة فقط، فالتاريخ ليس الذاكرة فقط، التي هي بطبيعتها، خصوصاً في مجتمعات قليلة الإجماعات، متعدّدة تعدّد الجماعات التي تحملها، وأحياناً الأفراد الذين يحملونها. الكلام عن ذاكرة واحدة ينضبط الجميع بها كلام قمعي ضمناً. فالذاكرة ذاتيّة أكثر من التاريخ. التاريخ موضوعي أكثر من الذاكرة. لهذا حين تحتدم حرب الذاكرات يُحتَكَم إلى التاريخ الصلب، الذي يعكسه الواقع والتجربة التي عشتها في مضمار عملي الوطني والعام.

وهكذا، وفي بواكير الوعي، وبدايات تشكُلهِ، استيقظت من مهدي الأول، وتفتحت مداركي الذهنية على قضية الوطن الفلسطيني المُغتصب، وانطَلَقتُ بعدها، أحلمُ بوطنٍ سماؤه مفتوحة على العرش، حدوده الإنسانية لامتناهية كي لاتخدشه حماقة، وكي لايقتله حاقدٍ، جاهلٍ بلغةٍ عمياء، فأحتلت فلسطين ساحة فكري وقلبي، واتخذت قراري منذ بداية تفتّح الوعي عندي، أن اكون صاحب قضية اخدمها ولا تخدمني، وعقدت العزم على التضحية ونكران الذات لأجلها.

إنها المسألة الوطنية، التي بدأت بالإنغراس في ذاتي منذ الطفولة حين بدأت أتلمس معنى الوطن ومعنى فلسطين، وترعرعت على ارهاصاتها المتتالية في الوعي اليومي، وهو الوعي الذي بدا يستعجل التطور في جانبه السياسي والفكري، وحتى التاريخي. وكل ذلك دفعني بقوة لتبني المقولة التالية: "إن لم تكن ثائراً من فتوتك الى عمر الخمسين، فلاقلب لديك". فتنامى في دواخلي وبسرعة فائقة، شلال من الأحلام الوطنية... والشخصية، أن أعطي لا أن آخذ، فمنذ أنهيت شهادة البكالوريا وأنا أعمل في المضمار الوطني، ومازلت...

بدأت أحلم بوطنٍ، يتّسع لكل البشر، ويمتد حتى الى مابعد مجرة درب التبانة، فقد سرقوا منّا الوطن، وظُلمنا، وقاتلنا الظالمون، ومن أجل ذلكطموحنا لايجاريه طموح، ونحلم بحُلمٍ لايحلمه الا الملائكة والانبياء، وعشاق الكواكب التي تًبعُد مداراتها عن مدارات اهل الظُلم.

نشأت، في حالةٍ من تَجَمّعِ الصخب الأيديولوجي القومي، واليساري، التعبوي والتحشيدي، فكنت وطنياً قومياً، وأممياً، فسرت على درب هذا الخط، منذ يفاعتي منتمياً لتنظيمٍ يساري، أعطيته كل جهدي، ووقتي، والتزاماتي، وعصيرة فتوتي وشبابي. فقد كانت مدرسة اليسار (موديل) تلك الأيام، جذابة، بطروحاتها السياسية، ومماحكاتها الفكرية، وتغذيتها الجامحة لطموح الشباب المنادين بالتغيير، والرغبة القوية باشتقاق دروبٍ ناجحة، دروبٍ تجمع العلم والمعرفة والنظرية بالتطبيق والعمل على الأرض، سبقنا اليها ثوار أمريكا اللاتينية وفيتنام وغيرها...أن تقرأ وتفكر، لتعرف معنى الثورة والتفكير بالثورة، فإذا بي أنتقل من يوميات غيفارا إلى ريجيس دوبريه إلى المقاومة الفلسطينية....

لم أعرف المراهقة في حياتي، ولم أعش فصولها كحال الفتيان والشبان في عمري في حينها، فالعمل السياسي والوطني، وحلم اليسار ونبل أهدافه، والعمل الوطني عامة، أخذني بعيداً عن كُلِ هذا، مُعتبراً أن كل شيء مؤجل في سياق الأهداف التي يُفترض بأننا نسير نحوها، فكانت السياسة وتفاصيلها اليومية، والعمل الوطني عامة، يُشكّلان الهاجس الذي كنت أنام وأصحو عليه، خاصة بعد التزامي في العمل الوطني بجوانبه المختلفة: التنظيمي والإعلامي وحتى العسكري، وتفرغي الكامل له في صفوف، ولم أكن في حينها أتعدى عتبة سن السابعة عشر من عمري... ولسان حالي يقول: جميل أن يكون لك قلب أنت صاحبه، والأجمل أن يكون لك وطناً أنت قلبه..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى