الاثنين ٥ شباط (فبراير) ٢٠١٨

ملهمات الشاعر محمد علوش

سمير الأسعد

محمد علوش الشاعر والأديب الفلسطيني المتجدد، شاعر اليوميات.. ابن محافظة طولكرم، نشأ في قرية نزلة عيسى ومنها انطلق في شعره عاليا في سماء البوح وصنع مزاجه الشعري عالي النغم والوتيرة.

أطلق عليه لقب الشاعر الصعلوك، لأنه كان من أوائل من تمرد على القصيدة التقليدية وحبذ التغيير إلى القصيدة الحرة التي سخرها طوعا وكرها، كي تكون مطواعة للسانه الذي يقطر غلا على عالم أغلق على الخير طريقه وساند كل سبل الشر، وأنكر على الحق حقه في فرد أجنحته ونشر ظله.

انتقل في شعره من حكم القافية وحدود الصدر والعجز إلى رحابة الصورة الشعرية والكلمة الحرة بعد أن أبدع في القصيدة التقليدية وارتوى من سيولها المتدفقة.

شعره بسيط بعيد عن الحشو والرمزيات، نجح في تسخير الحروف والكلمات لتنشد وتغني مواويل العشق الأبدي لفلسطين مع كل الفقراء والمحتاجين أمام لهيب الخيام وجحيم الغيوم السوداء وغبار الخوف والجوع ولظى الخبز المر، يناجيهم ويبشرهم بعيد قادم خاص بهم يعينهم ويقهر نجاسة المال وسطوة البنوك ورياء الأدعياء ومؤسسات النفاق.

محمد علوش شاعر المرحلة.. لا يكاد يمر يوم دون أن تجد له عملا جديدا صاخبا من واقع الألم والحرمان إلى قمة المجد وحدود النصر.

يحفر قصائده من ارض وطن رحب تتلاطمه أمواج الربيع العربي المسمم، واحتلال بغيض يجثم على أنفاسه، ويزرع فيه جذوة متوقدة من التحدي والإصرار على درب شهداء الخلود وإرث أبطال الحرية. تجد فيها الحب والهيام بكل المعاني، إذا كان للمرأة فهي تمثل الأرض والوطن، وإذا كان للأرض فهي شاملة ارض الإنسان المظلوم الفاقد لحريته المعلق على شرفات نص الحرية والكرامة. يبحث عن وطن داخل وطنه غاب ظله تحت ركام فرح مسروق من عيون الفقراء والمحرومين.

من خلال عناوين مجموعاته الشعرية نرى الحركة في بوحه تكشف الأسرار وتجلي مكنونات قلبه من شوائب الذل وصمت الهوان، فهو يتطلع للآتي صاعدا في خطاه جبل الثورة، يعترش سماء الحرية والضياء ليطل على عالم تظلله غيوم سوداء مشبوهة، محلقاً في شعره حول العالم يدور في أفلاك ومجرات هموم وذكريات ماض عريق مذبوح على شواطئ انهار دم ضحايا التخلف والتبعية، ويتلمس هموم كل العوالم المشدودة إلى جور وظلم صناع القرار.

يتصدر فضاء عربيا وعالميا وصل به إلى العراق ومصر والشام والجزائر والمغرب وليبيا واليمن وأمريكا والبرتغال وجنوب إفريقيا والصين شاعراً وكاتباً ممثلاً لمعاناة وطموحات شعبه، وناقلاً أمينا لدواخلها ولكل ما يعتريها من دقائق أمورها اليومية التي لا تقربها مناظير الإعلام الباهت المشغول دائما بما لا يناسب ثقلها وتقدمها على كل القضايا الأخرى.

يكتب لفلسطين ولا ينسى منها شيئا في قدمها وحاضرها ويستشرف مستقبلها بعيون يجافيها النوم، فهو يراهن على الغيم الماطر بالحق متحالفا مع الصوت القوي والسواعد العنيدة ليعيد الحق إلى نصابه ويقف في وجه الضلال والغواية.

يناجي القدس الثكلى ويعدها بفرسانها من الأطفال القادمين من كل فلسطين، تشدهم أحلام أقوى من المستحيل ومن الليل الدخيل، ويلعن الصامتين على الدوام ويصف صمتهم بالعهر كالدمى النازفة بسيف قاطع طريق.

لا يسقط قضية اللاجئين من حساباته لتعود حمامة بيت عتيق إلى حيفا وعكا سيدة البحر وحكاية الزمان التي هزمت نابليون وظلت أسوارها منيعة عصية السقوط، ستلفظ عنها الغرباء وتعود عربية موحدة الغيم.

يفجر قنابل اللغة ليحصد رقاب الكفرة والمارقين على مصالح شعوبهم، ويجمع حصاد الزمن الغابر ليفضح عهر السياسيين ووحل المرحلة بلغته ولوحاته وضمير تنام على مقلتيه الدموع.

يثير قضايا العمال والكادحين ليسمع العالم أصوات كبريائهم وصبرهم على معاناتهم على مذبح الجشع والاستغلال.

لا يعرف الصمت والخنوع والكتمان، بعيد كل البعد عن اليأس والاسترخاء، فهو يلغي كل الأشياء وجدول أعماله ليجدد عهده للأرض ويفجر ينبوع وفائه لجبالها الشماء.

لا يستريح وحيدا في العراء وهو يرى مدينته والحزن في فؤادها وقد تاهت في دروب سباتها ولم تشرق شمس الصباح عليها، ينعى شهدائها ويتنسم العافية والحرية لجرحاها وأسراها وينبش الأرض كي يروي جذور أشجارها التي تخونها الظلال بماء الغيم الماطر، بنور قادم على صهوات خيول الفرح، ويحصد مخازن ذخيرة الأرض الحبلى بالسواعد والقلوب العابقة بالحلم والجنون تحت ظلال شمس حالمة.

شاعر فلسطيني أصيل ملهم تجده في كل مكان عازفا على أوتار العشق السرمدي لدنيا بلا احتلال ولراحة أبدية لأرواح شعب معمد بنهر القداسة والطهارة صارت بلاده مرتعا للعابرين..

يبسط جناحيه فوق خيول تأبى الانكسار تسرج صهيل عنادها لنشيد الرمل نحو انتصار لفجر الجبل يعيش كي يكتب ويعتمر كوفية الثورة والنضال الأبدي لمحاربة خرافات الزمان الأخرق وسراب اللحظة التعيسة، شامخا فوق حقول الزهور العابقة بروائح النصر مجددا عهده للأرض وقداسة عينيها.

يدمن الحلم والشعر وينثر عناقيد الدفء في الأفئدة العاشقة لروابي فلسطين الخضراء، ويحرس بيادرها في مواسم الحصاد من عبث الأوباش وسطوة آفاقي الطرقات وغيلان حطام الأيام.

يطل على سهولها المسلوبة وجبالها العالية تحت سماء سوداء، يكيل بمكيال فرسان لن يبرحوا المكان رغم جنون الغياب وإثم الزمان.

تطور الشعر في حكاية محمد علوش يتناغم مع مسارات كل قضايا الهاجس الإنساني، يبقى شعره مشاكسا لا يهدأ.

يتقن فن اللعب بألفاظ لغة النار، ويسجل حضوره الدائم في أذهان من يعشقون الشهادة ويمرغون أنوف العابثين بتاريخ ينفض عصر الرق ويسوق أمامه رعاع العابرين الهائمين بأساطير التيه والأوهام.

إذا كان الشعر ملاذ كل عاشق وقبلة الملهوفين لينابيع الفن والإبداع ، وإذا كان الشعراء أمراء الكلام فان الشاعر محمد علوش وبعيداً عن المديح والتملق، إمبراطور حاذق يحجز تذكرة على طائرات القصف الشعري محارباً متسلحاً بالفصاحة والأدب، مستعيناً بمفردات اللغة الجميلة، متسامياً بالخلق لاهيا عن مبتذلات أحاديث الافك والرياء، يتصدر موقعا مرموقا في طبقات شعراء العصر الذين تهتدي بهم المراكب التائهة في محيط ثائر يموج بالقهر والعدوان.

سمير الأسعد

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى