الأربعاء ٢٢ آذار (مارس) ٢٠٠٦
بقلم حازم الشلختي

ممحاة الفواكه

في بداية سبعينات القرن الماضي لم تكن عمان "تكتظ" بالـ"هوامير" ولم تكن مناطق "راقية" كعبدون ودير غبار والرابية وغيرها قد وجدت على الخريطة بعد وإنما كانت مناطق "خلاء" تعربد فيها "الكلاب الضالة" وتسرح وتمرح فيها "الضباع" ولا يجرؤ "عنتر زمانه" الاقتراب منها أو الوصول إلى "حدودها" ، فقد كان أبناء "الشميساني" و"المدينة الرياضية" من أبناء مدرستنا العتيقة التي كانت على مشارف مخيم الحسين هم أبناء "الرفاهية" وأصحاب "الشنطات" الراقية ، والدفاتر الملونة ، والأقلام والمساطر "والمحايات" المزركشة التي لا نجدها في "أحياء" عمان الشعبية.

حيث نجد الطالب "الفقير" الذي لا يجد ما يحفظ كتبه - التي أكل عليها الدهر وشرب واستعملها جميع إخوته وأعمامه وأخواله وقد يصل الاستعمال إلى "أبناء الحارة" الكبار - لا يجد سوى "كيس بلاستيك" لحفظها – إن وجد – وقلم الرصاص الذي لا يتجاوز حجمه "عقلة الإصبع" الذي كان يستعمل للكتابة "والمسح" في آن واحد حيث يتم "استهلاك" الممحاة التي في رأس القلم ، وعندما "تنتهي" يتم "قضم" الحديد المحيط فيها حتى يتم الوصول إلى "جذورها" وبالتالي الاستفادة القصوى من القلم الذي كان سـ"يشتكي" لو وجد "أذنا صاغية" من كثافة استخدامه وسوء استهلاكه.

كان زميلنا "شادي" نجل رجل الأعمال المعروف وصاحب توكيل السيارات المشهورة يعتبر "البرجوازي" الوحيد في صفنا (ولا اعلم حتى اليوم ما سبب عدم ذهابه إلى "مدرسة خاصة" وتفضيله مدرستنا "المتواضعة" لتكون مدرسته) ذلك التلميذ البدين الذي كان يحضر معه ثلاث سندويشات وعصير وشوكلاته بالإضافة إلى المصروف "المهول" والذي كان يومها عبارة عن "شلن" أبيض، في حين أن أكثرنا "قروشا" من كان يأخذ "قرطة" مصروفا يوميا له!!!

شادي كان "يبهرنا" في "مشترياته" و حاجياته التي كان يحضرها معه ، وأكثر ما زال مطبوعا في ذاكرتي تلك الممحاة التي أحضرها يوما ولها رائحة "الفاكهة"!!! لا زلت أتذكر ذلك الإقبال على "استعارة" الممحاة "أم ريحة" من جميع الطلاب ولا زلت أذكر عودتها وهي ليست بشكلها "المعروف" بعدما يكون أحد الطلاب ومن شدة إغراء رائحتها قد نالتها أسنانه بقضمة أو قضمتين فتعود لشادي "مقضومة" فينظر بكل عجب من ذلك الطالب "المفجوع" ولا يملك سوى إحضار واحدة جديدة في اليوم التالي ويحرم ذلك "المفجوع" من استعارة الممحاة "أم ريحة" مرة أخرى!! ولا زلت أذكر إصرار بعض الطلاب على "توطيد" أواصر الصداقة مع شادي لعل وعسى يحظون باستعارة "الممحاة" في كل وقت والمحظوظ من يستعيرها ليوم أو يومين حتى "يتشبع" بجمال رائحتها المغرية.

كانت حياة بسيطة تخيم على عمان وأهل عمان ، وتلامذة عمان ، تجعلنا في هذا الوقت أن نترحم على تلك الأيام التي ذهبت ولن تعود مرة أخرى.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى