الأحد ١٠ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٦
بقلم حسين أبو سعود

من الحمار، الطحان أم الحمار؟

بالرغم من التقدم العلمي الهائل الذي حققه الإنسان إلا انه ما زال يشكك في غباء الحمار ويعتبره مخلوقا في غاية الذكاء والكياسة ويعرف كل فنون السياسة، وكسله يشبه تجاهل العارفين لما رأو الجهل فاشيا في العالمين، حتى لا توكل اليه المهمات ولا تطلب منه رأيا في الشدائد والملمات.

ولم استغرب عندما علمت بان الحمار هو شعار الحزب الديمقراطي الأمريكي، دليلا على النباهة والعقل الراجح وقوة التحمل.

وقد قيل مؤخرا ان حزبا جديدا ظهر في العراق باسم حزب الحمير، وهو ادعاء غير دقيق لان حزب الحمير كان موجودا قبل اكثر من نصف قرن، وأتذكر باني كنت اعمل لدى خياط ( عسكري – ملكي) في شارع الاوقاف بكركوك، وضعني والدي عنده لتعلم صنعة، وقبله كنت اعمل لدى خياط آخر في نفس الشارع كان يطلب مني ان اهفه بالمهفة في ظهاري صيف كركوك اللاهبة، وكان يضربني بالمسطرة كلما غفوت او سهوت أثناء الهف وعندما شكوت امري الى والدي نقلني الى الخياط الآخر، الذي تعلمت منه اشياء كثيرة منها وجود حزب للحمير اعضاءه اناس محترمون، ينهقون فيما بينهم بصوت خفيض كنوع من التحية ، وعندهم أفكار عقلانية جدا في الاحداث التي كانت سائدة آنذاك.و لا اخفي باني وجدت عند هذا الخياط خيرا وفيرا ولاسيما عندما كان صاحب البدلة يأتي لاستلام بدلته فيعطيني بخشيشا محترما لا تقل عن المئة فلس وكانت تكفي لأكل نفر كباب و قنينة سينالكو مع قطعة داطلي بالشيرة .

كما علمت من استادي الخياط ان هناك فرعا آخر لهذا الحزب وقد يكون هو الاصل في جمهورية مصر، وان رئيسه هو حامل الحذوة الحديدية، وللحزب مجلة خاصة ناطقة باسم الحمير الجدد.

وللحمار أسماء معروفة أخرى منها المطي والزمال والخر والاشك والدونكي والبعض ترقى فصار بغلا ومنهم من آثر البقاء في الغابات مؤثرا اسم الحمار الوحشي على الحمار المدني ومفضلا لبس البيجاما المقلمة والتعرض للاسود الجائعة على حياة الدعة والسكون في المدينة.

يمارس الحمار في المدينة جميع حقوقه فهو ينهق اذا جاع ويرفس من لا يعجبه و يمشي متى يحلو له المشي غير آبه بلسعات القمجي ، وله موقف نضالية معروفة وله حصانة من الجراثيم والحر والبرد، إذن فنعته بالغباء غباء كما يتبين من قصة الطحان والحمار، فالغبي هو الانسان الذي لا يعرف ماذا يريد بالضبط ويقضي عمره بالجدل البيزنطي وعدم الرضا حتى ربط الحمار بعصا غليظة وحمله الانسان وكان الانسان ظلوما جهولا، وأما الحمار فانه قوي وجلد ونشيط ولكنه شوه سمعته بنفسه فهو أذكى غبي واغبى ذكي، ويعرف طريقه جيدا اذا هو سار فيها مرة او مرتين، وكان احد العارفين يردد مقولة : يا ليتني كنت حمارا من حمير اليمن أصعد الجبال وانزل فلا يؤاخذني احد في عقل او رأي او دين او سياسة، وعندما سئل لماذا اليمن ؟ فقال : امعانا
في العزلة عن الناس.

وكان في محلتنا صبيا اسمه برمي ظهرت عليه فجأة علامات الحمرنة والقوة الفائقة ، وكان يحمل اثقل الاحمال بلا تأوه ولا تعب، وعند مواجهته اعترف بانه يتناول كل الحليب الطازج الموجود في ثدي الحمارة التي يوقفها صاحبها في الزقاق كل صباح ويذهب إلى السوق لشراء الحاجيات اليومية الضرورية، وانه يفعل ذلك منذ أكثر من عام، فمنعه أبوه بعد ذلك اليوم من رضاعة الحمير الا ان اثار القوة ظلت عنده الى يومنا هذا.

وللحمير أحجام أذكاها الحمار الصغير ذو الذيل القصير ويتواجد في الهند وهو نحيف رشيق ويتميز بالسرعة الفائقة في الجري لاسيما بعد وضع قليلا من الفلفل الاحمر في مؤخرته اثناء سباق الحمير الذي يعقد أسبوعيا من قبل الأهالي.

والحمار في أوروبا هو من العجائب الغرائب التي نادرا ما ترى بالعين المجردة وكان احد الظرفاء قد رأى حمارا يستخدم للترفيه عن الأطفال في مدينة ساحلية ، فالتقط لنفسه صورة مع الحمار لشدة اعتزازه به وارسلها الى اهله كاتبا خلفها : على فكرة انا اللي على اليمين ، حتى يميزه أهله.

ولعلي في هذا المقال اريد ان ادلل على صحة نظرية داروين في الارتقاء والانكفاء بقول ان القرد الذي صار إنسانا اخذ يخجل من فعاله ويريد أن يكون حمارا هذه المرة اذ لا فرق بين الدونكي والمونكي الا بالزعيق والنهيق.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى