الخميس ٧ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٧
جميل السلحوت على

ناصية المواجهة في ثقافة الهبل

نزهة الرملاوي

نظرة ثاقبة لما يدور حولها، نظرة تخترق ما هو عادي ومألوف، لتكشف بعضا من الحقائق والتّزييفات التي علقت بمجتمعاتنا الاسلاميّة والعربيّة، تحت مسميّات أو أغطية دينيّة، أو ثقافيّة غير مدروسة، مبيّنة استعلاء تلك الشّعوب التي تتظاهر بالهبل والاستهبال، وتقدّس الجهل دون معرفة أو وعي أو غضّ بصر، لافتة أنظارنا إلى السّلبيّات التي نتجت عن تلك التّرهات -إن صحّ التّعبير- وما خلّفته من أمراض مجتمعيّة واضحة، ما زالت ماثلة أمامنا.

هذا ما عبّر عنه الكاتب والأديب الفلسطينيّ في كتابه "ثقافة الهبل وتقديس الجهل" الصّادر عن مكتبة كل شيء في حيفا، والمقدم في 184 صفحة من الحجم المتوسط.

يصنف الكتاب ككتاب ثقافيّ بامتياز، فقد تحدّث الكاتب فيه عن الثّقافة ومفهومها اللغوي، منقّبا عن معان كثيرة أفاد بها القرّاء، وعرفنا بمصطلحات ثقافيّة اجتماعيّة أثار حولها أسئلة عميقة كمصطلح الهبل والجهل، اللذين روّج لهما عنوان الكتاب فشدّ لهما القارئ بقوة.

ولو تدبّرنا معنى الثّقافة كما أشار إليها الكاتب من مصادرها، لتبيّن لنا أنها لا توافق مضمون النّصوص حول الثّقافة، والتي استخرجت بمعنى حاذق فهم /وسرعة التعلم/ والظفر بالشيء/ ولو أبدل الكاتب الكلمة ب (مشكلة) لكان المعنى أقرب إلى الصحيح، مثلا (مشكلة الهبل) بدل (ثقافة الهبل) (مشكلة تدمير الذّات) بدل (ثقافة تدمير الذّات) (مشكلة الإشاعة) بدل (ثقافة الإشاعة)، ومصطلح الثّقافة، وخاصّة ثقافة الأمّة يكون عاما، أمّا ما أشار إليه الكاتب، فربّما ينطبق على نصف المجتمع أو معظمه، ولكن لا يعمّم، رغم تفشّيه.

نادى الكاتب العامّة من الناس، بأن يكونوا أكثر دراية وتحسّبا ممّن يختفون وراء الشّعارات والخطابات الرّنانة، فقد تكون هدّامة وليست على علاقة بما تعلن عنه للملأ، كالذين يتظاهرون بالدّين وإدراج شعائر دينيّة لاستمالة الناس، ولكن مصالحهم الشّخصيّة أو الدّوليّة تتّجه نحو مسارات أخرى أبعد من ذلك، والسّبب في تقمّص جلباب الدّين هو معرفتهم المسبقة بالمردود الرّوحي للنّزعة الدّينيّة وأثرها على الحراك السّياسيّ في العالم العربيّ والاسلاميّ، بعد الاحتضار الشّيوعيّ الشّرقيّ، وإنهاء الاحتلال الغربيّ العسكريّ المباشر، والابقاء على بسط نفوذه الثّقافيّ لطمس الثّقافة العربيّة وحضارتها الاسلاميّة، باحتلال غير مباشر للشّرق، عن طريق إبقاء الكيان الصّهيونيّ والسّيطرة الرّأسماليّة والمصالح الدولية المتمثّلة بأمريكا، التي هيمنت على الدّول الاسلاميّة، ممّا أوجد النّزاعات والصّراعات والأحزاب السّياسيّة والدّينيّة، التي كان لها أثر واضح في الانقلابات المتمثّلة بالرّبيع العربيّ، وما تمخّض عنه من ملايين المشرّدين والقتلى، ودمار مدن وقرى بأكملها، وظهور داعش والجهل الذي هو أساس المصائب، ومن المؤكّد أنّ من صنع داعش وموّلها الغرب وأمريكا، وقاموا بسبي الأطفال والنّساء واستباحوا الأعراض، ودمّروا المتاحف والكنائس.

لقد اعتنى الكاتب بترتيب كتابه، فصل العناوين وأكثر من المصطلحات، واستخدم المعاجم كما ورد فيها، فكانت اللغة سهلة ومفهومة ومتداولة.

أمّا أسلوب الكاتب فقد كان راق في المعالجة والطّرح.

عرض الكاتب بعض المفاهيم وأقرنها بكلمة الثّقافة، وقسّمها إلى عدّة أقسام، حيث عالج كلّ مفهوم بطريقته الخاصّة، وأشار أنّ تلك الثّقافات بحاجة إلى إعادة تثقيف جدّيّة من قبل وسائل الاعلام والمثقفين ورجال الدين، كثقافة القتل مثلا التي تفتقد الدّليل الدّيني لجرائمها، وتقتل باسم الدّين. والثقافة الطّائفيّة بين طوائف المسلمين والمسيحيين، التي أدّت إلى قتل اللاجئين الفلسطينيين بوحشية في مخيّمات صبرا وشاتيلا، على أيدي الكتائب المتنصرين لمسيحيتهم في لبنان.

الكتاب حاور فئة المثقّفين والسّياسيّين، بلغة تقريريّة اعلامية، في الحين نفسه كان عنوان الكتاب موجّه للعامّة، حيث دعاهم إلى عدم الانجرار وراء الادّعاءات الملتوية، والتي تظللها الشّعارات الطائفية والمذهبيّة، وأن يكونوا أكثر وعيا وتفكيرا بما يجري حولهم من دسائس ومكائد وطمس وتهميش للعرب، وما يتبعها من حروب وتدمير، ووجّههم للبحث عمّا وراء الحدث ومسبّباته، وأن لا يكونوا هبُلا، يستهبلهم الآخرين، فيقدسون آراءهم ومعتقداتهم، ويحملون سيف الحامي فيزدادون جهلا وتخلفا.

لقد تميّز الكتاب بالتّوجيهات وتنوير المجتمع للوصول إلى الرّقيّ ومواكبة التّطورات في جميع المجالات الاجتماعيّة والفنّيّة

أورد الكاتب في كتابه الكثير من الأحداث السّياسيّة التي جرت على السّاحة العربيّة، وما نتج عنها من حروب وتغييرات وتبعاتها القاسية على الأمّتين العربيّة والاسلاميّة.

يعتبر الكتاب كتابا ثقافيّا مميّزا، زاخرا بالمصطلحات والمفاهيم التي أرجعها الكاتب إلى جذورها وأصولها، وهذا الأسلوب ليس جديدا على الكاتب السلحوت، وقد أضاف للقارئ معلومات مهمة حول الشخصيات والأحداث الواردة في النّصوص أو ما وراءها ليثري الموضوع.

أورد الكاتب الكثير من المعلومات التّاريخيّة والأدبيّة والسّياسيّة المعروفة، فوضعت في مكانها المناسب ولا ضير للتّذكير بها، وجاءت كإثباتات أو دعائم للنّصوص والأحداث التي تطرّق اليها الكاتب، فأسهمت بشكل أو بآخر بمعالجتها أو التّحدّث عنها وذكرها، لا سيّما أن الكتاب تناول الكثير من تلك الأحداث، وأثرها على أمّتنا العربيّة بالآونة الاخيرة.

من اللافت أيضا، أنّ في الكتاب كمّا لا بأس به من العناوين، الأسماء، الشّخصيّات، التّواريخ، الآيات القرآنيّة والقصص التّاريخية، وقد أثرى الكاتب كتابه بالشّواهد التي ساهمت في تحليل الموضوع، فشكلت إجابات حول الجدليات الثقافية التي أوردها، وكان يضع حلولا جيدة لها، كالإرشادات حول خلع الكسل لتطوير الحياة الإقتصاديّة، وتطرّق إلى ثقافة القتل والثّأر في فلسطين، والجرائم على خلفيّة الشّرف، أو القتل العمد، وطالب بالتّحقيق ووضع قوانين رادعة للقتل .

ووجّه الشّعب العربي ليرتقى بجميع الفنون الابداعية، وعدم الانصياع وراء من يحرّمون الابداع لجهلهم بالدين نفسه.

تطرّق الكاتب إلى المفسدين في المؤسّسات الثقافية، وخيانة الضّمير فيهم، ولفت الانتباه إلى الثّقافة الشّعبيّة وثقافة القبيلة الصّحراويّة، الرّافضة للفهم المتجدّد للدّين، والتي تغوص في الاستهبال والجهل، ممّا يؤخرها عن التّطور ومواكبة العلم والتّجديد، مما يؤخذ على الكاتب أنّه عالج الموضوع من وجهة نظره هو، ولم يكن حياديّا في طرح القضايا السّياسيّة.

بدا الكاتب منفعلا في كتابه حول الثّقافات المتعدّدة القديمة المتجدّدة، والتي طرحها الكاتب بذكاء وحنكة، ليلتفت إليها مجتمعنا ، والمجتمعات العربية الأخرى، مطالبا إيّاهم بالتّراجع عنها والعمل على إبادتها من حياتهم الاجتماعيّة.

من اللافت أن الكتاب اتّسم بعرض الثقافات، والتي تتمثّل لنا (كمشكلات) مجتمعيّة مغروسة بالفكر العربيّ، ومحاولة وضع حلول لها، أو إثارة أسئلة فكرية حولها، تحث القارئ على تدبرها، وتحفزه على ايجاد طرائق أو بدائل لحلها.

أرجع الكاتب كلّ الحوادث والحروب والتّغييرات والتّقسيمات وظهور التّنظيمات والأحزاب إلى ثقافة الهبل عند العرب، واستهبالهم واستخفافهم بمجريات الأمور، وتقديسهم للجهل ورفضهم الفهم المتجدّد للدّين لأنّ تهمة الكفر ستكون جاهزة لالصاقها بهم.

يعتبر الكتاب حالة متجدّدة تعبر بقوة عن المشكلات التي تواجه الشعب الفلسطينيّ والأمّة العربيّة.

نزهة الرملاوي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى