الخميس ٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٧
الحزن في رواية
بقلم خليل محمود الصمادي

نردين أبو نبعة «قد شغفها حبا»

بالرغم من قلة الدراسات عن الحزن في الرواية العربية إلا أننا نجدها سمة ظاهرة في أغلب الأعمال الروائية فإذا استرجعنا تاريخ روايتنا منذ نشأتها الفنية لوجدنا روادها يتفننون في تقديم صورة الألم والحزن فأول رواية فنية عربية، مملوءة بالحزن وهي رواية زينب لمحمد حسين هيكل والتي تصور واقع الريف المصري فی تقاليده القاسية وطبيعته الحزينة، وأما رواية طه حسين الأيام فتصور البؤس والشقاء الذي عاشه طه حسين في طفولته وهكذا كانت أكثر الروايات منذ نشأتها.

وحتى رواد القصة القصيرة لم يتخلصوا من الحزن واللم حتى في عناوين أعمالهم كالرافعي في النظرات والعبرات و جبران خليل جبران في دمعة وابتسامة والأجنحة المتكسرة والأجنحة المتمردة،.. لقد تحول لديه الحزن إلى إحساس بالخراب عوضاً عن الإحساس بالفوضى.

وأما الحزن في الرواية الفلسطينية فحدث ولا حرج فالمأساة الفلسطينية يليق بها بالحزن والألم ؛ فرجال غسان كنفاني التي قضوا في الشمس أو قل داخل الصهريج لم يجرؤا أن يدقوا جدران الصهريج وأما روايات أميل حبيبي فليست بأقل حزنا من غسان وإذا ما تركنا الحزن عند غسان وأميل وسميرة عزام ونجاتي صدقي وإبراهيم نصر الله وغيرهم من رواد الرواية الفلسطينية وبحثنا عن الحزن عند الروائية النابلسية نردين أبو نبعة في روايتها"قد شغفها حبا لوجدناه يختلف نوعا ما عن حزن من سبقها وذلك بسبب تأريخها في هذه الرواية لآلة القمع الصهيونية في حروبها على غزة وما ولدته هذه الآلة من حزن وألم داخل المجتمع الفلسطيني والذي يختلف عن حزن عالم غسان كنفاني الذي اكتفى بتصوير أحزان اللاجئين ومعاناتهم في البحث عن لقمة العيش.

"قد شغفها حبا"وهي رواية إنسانية حزينة جدا جمعت بين زوجتين وداد وهيام لمقاومين فلسطينيين من رموز المقاومة أحدهما الشهيد يحيى عياش الذي دوخ العدو الصهيوني في بداية الانتفاضة الأولى. وتأتي الرواية في ذكريات خطتها زوجتا شهيدين صورتا فيهما همجية المحتل الذي أذاق الناس البأس والهوان خلال الانتفاضة الأولى وفي الوقت نفسه مقارعة هذا المحتل عن طريق أبطال المقاومة. وقد حفلت الرواية بعدد من صور الحزن والمأساة تعرض فيها شعبنا الفلسطيني من قبل الاحتلال الصهيوني وينقسم الحزن عندها إلى قسمين
حزن خاص بأبطال الرواية وحزن عام وهو ما حل بكثير من الناس ولا سيما من جراء الآلة العسكرية الصهيونية في قصفها للتجمعات المدنية

أما الحزن الخاص هو ما تعانق مع البطلتين من حيث المطاردة مع زوجيهما من مكان لآخر وما لاقتاه من ظلم وعنت في الضفة الغربية وغزة ومسيرة البحث عن الأزواج الأبطال وكثيرا ما يتداخل الحزن الخاص مع العام فالحزن الذي يصيب أي فرد من القرية يتوزع بالرضا بين الجميع الذي يهب للدفاع عن البطل المطارد.

"جاء الحب وزهق الحزن إن الحزن كان زهوقا"عبارة رددتها وداد بعد أن التقت بحبيبها ولا شك أن القاري يدرك تماما أنها استطاعت أن تلتقط بعض ساعات الفرح من عالم الحزن، الحزن الذي نشره المحتل في كل البلاد وأما الحب فهو يوسف الذي صار زوجها والذي يمثل رمز المقاومة وهو تشبيه موفق إذ شبه المحتل بالحزن والمقاومة بالفرح وأي فرح هذا الذي يكون يوسف رأس حربته؟ ومن خلال معاناة وداد وحزنها في تنقلها من بلدة لأخرى نجد أن الجميع يشاركها في الحزن وهذه المشاركة لتخفيف وطأته عليها.

وتتابع نردين روايتها وتصف حرب 2008 على غزة وتصور العدوان الوحشي هناك وتصف حالة الذعر والخوف الذي انتاب الأطفال والنساء والشيوخ تقول على لسان وداد"أرى الناس سكارى وما هم بسكارى، هذا المشهد ليس غريبا علي.. قرأت عنه قبل ذلك، إنه يوم القيامة"أي حزن اكبر من هذا لقد امتزج حزن وداد مع حزن الناس كلهم، قتلى في الشوارع، ترى وجوها لا ملامح لها، الطائرات أفرغت حمولتها للتو فوق رؤوسنا، الحرائق تشتعل هنا وهناك، تلتهم الجمال والعشاق والثوار والأبطال والأوراق والأقلام.

ولعل الكاتبة وفقت في إسقاط حزن يعقوب عليه السلام على ابنه يوسف ففي فصل القمصان الستة وهو تصوير العدوان الصهيوني الثاني على غزة تصف امرأة غزاوية فقدت صغارها الستة بقذيفة لئيمة"تطاير أطفالها أمام عينيها.. رأت أحدهم والصاروخ يقسم جسده إلى قسمين ليصبح فتاتا كحبات القمح على أرض تحترق! فأي اعتذار يليق بامرأة ابيضت عيناها من الحزن ؟"وتتابع سيرة الأم المكلومة والتي أصيبت بحالة نفسية فصارت كل يوم تنشر قمصان أولادها الستة على حبل قبالة البحر فتقول عنها"كيف استطاعت أن تنزع القمصان من جب يوسف وتنشرهم على الملأ ؟ كانت أما.. ولم تصدق رواية الذئب!! بل صدقت إحساس امومتها بأنهم أحياء عند ربهم.."

وفي تصويرها للحزن الجماعي تقول في فصل"العائدون إلى بيوتهم": اشد أيام الحرب وجعا هي الأيام التي تلي الحرب!! الأيام التي بدأ فيها الناس بحساب الخسارات ولملمة الأوجاع ورتق القلوب التي أصبحت كخرقة ممزقة من فرط الألم!

ولعل أشد المواقف حزنا هي اللحظات التي تختطف بسرعة من الفرح ففي فصل العرس تصور عرس أحد الأبطال خلال نصف ساعة، فالبطل رزق العريس مطارد مع 22 بطلا بين الجبال والمغر وأصر أن يتزوج ابنة عمه ولم يجادله أحد فحجته قوية: وهل المطارد لا يتجوز ؟ وفعلا أمنوا له المكان ودخل العريس البلد الساعة الثانية ظهرا، كانت العروس جاهزة أمنوا دخوله حوطوا البلد من كل الجهات وبدأت

النسوة حوله ينشدن بصوت هامس: واحنا مشينا من بلد لبلد

واحنا خطبنا بنت شيخ البلد......

ثم يتبعها بزغرودة خافتة من أم العريس وأخواته.

ففي مثل هذا الجو الذي يكون فيه الفرح في مراسم حزن، نعم حزن لأن العريس مطارد، والعروس تتجلى بسرعة والمعازيم على عدد أصابع اليد حتى يكونوا شهودا على الفرح المفاجئ وهكذا يتم العرس وما أن يصل جنود الاحتلال حتى تنهال نساء القرية رجما بالحجارة على جيباته العسكرية ويحاولن أشغاله ريثما تأكدن من هروب العريس.

وتتجلى صورة الحزن في امرأة هاربة من أتون الحرب على غزة فبعد أن صار أكثر أهلها أشلاء ممزقة ركضت نحو القارب الذي يشبه حذاء باليا قديما، قارب لا يستسع لأكثر من ستة أشخاص تتكدس فيه أجساد ثلاثين وأكثر وهناك وقبل الوقوع في شرك خفر السواحل الإيطالية يأتيها المخاض وتنزوي في ركن قصي من القارب، تتجمهر النساء حولها، يشددن من أزرها... فيما خفر السواحل يواصلون وضع الأغلال وصرخات وليدها تشق عتم الليل تختلط بهدير الأمواج"

وهكذا تعددت صور الحزن والألم عند نردين ابو نبعة وما هي إلا قيض من فيض مما يعانيه الفلسطيني في فلسطين أو خارجها وأي حزن أكبر من محتل يجبر الناس على الهجرة ويصادر بيوتهم وأراضيهم ويعتقل شبابهم ورجالهم ويقوم بقصفهم بالطائرات والصواريخ وهو غير مبال.

خليل محمود الصمادي / الرياض الكاتبة في سطور

وُلدت نردين عبّاس أبو نبعة 1971 في عمّان، أنهت الثانوية في الرياض/ السعودية سنة 1988، وحصلت على شهادة البكالوريوس في الشريعة من الجامعة الأردنية سنة 1992.

شغلت عضوية لجان التحكيم في عدد من مسابقات الأطفال، وشاركت في ورشات لتدريب الأطفال على كتابة القصص، إلى جانب ورشات لتدريب المعلمين في إمارة دُبَيّ بالإمارات لتفعيل حصة التعبير وتعليم كتابة القصة والمقالة عبر اللعب.

نالت جائزة تقديرية في مسابقة العودة التي نظمتها مؤسسة"بديل"برام الله سنة 2011 عن قصتها"سر الدراجة". صدر لها"قد شغفها حبا"و"رب إني وضعتها أنثى"،
وهي عضوة في رابطة الكتّاب الأردنيين، ورابطة الأدب الإسلامي العالمية/ مكتب الأردن.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى