نساء العراق
عَجِيبٌ أَيَا نَخْل الْعِرَاق فَلَمْ تَزَلْ
شموخا وَمَازِلْت الْأَشَمّ الباسقا
وَمَازَال أَهْلِك هُم أبَات لضيمها
وَسَيْفٌ عَلَى كُلِّ الْغُزَاة ممشقا
وَمَازَال صِبْيَان الْعِرَاق كَأَنَّهُم
اشبال لَيْثٌ لِلْأَسْوَد تَرَافَقَا
وَمَازَال نسوته إذَا الدَّهْر ضامها
تَشَتَّت ظلماه بِنُور الصواعقا
فَصَبَرُ بَنَات الرافدين كزينب ٍ
وايثارهن لَمَّا أَتَتْهُ مُطَابِقًا
فَتِلْك لقربان الْهُدَى قَدْ تَنَاوَلَت
يَدَاهَا لشبل الطُّهْر كَانَت نواتقا
وَبَنَات أَرْضِك ياعراق جَمِيعِهَا
بذِلَت فلائذها بِقَلْب مغدقا
فَوَاحِدَةٌ تَحْنُو تُقْبَل شبلها
وَتَقُول كُنْت بِمَا وَعَدْتَنِي صَادِقًا
وَأُخْرَى تَقَدَّمَ كُلَّ ابنائها فِدًا
لِيَكُون تربك مِن دماها مودقا
وَأُخْرَى تزغرد وَهِيَ نَارٌ بِقَلْبِهَا
وَرَوْح لَهَا صَبْرًا بحبك تزهقا
وَأُخْرَى تَفْدِي نَفْسِهَا مِثْل طَوْعَة
وَتَكُون مِصْدَاقًا وَفَعَل مُطَابِقًا
وَأُخْرَى تَقِف بَيْن السواتر مَوْقِفًا
وَكَفّ لَهَا بِالْمَوْت لِلْكُفْر راشقا
فهذي نِسَائِك كالثرية تزدهي
وَفَوْق رُؤوس الْمَجْد تَاجًا منمقا
تَجُود بِأَرْوَاح وَتَأْبَى مَذَلَّةٌ
وَتَأْبَى لِبَاس الذُّلّ ثَوْبًا ممزقا
نِسَاء إذَا وَلَدَتْ تَحَنُّك شبلها
تَرِب الْحُسَيْن وَخَيْط عَزّ تَرَفقا
وَكَأَنَّهَا مُنْذ الْوِلَادَة قُدِّمَت
قُرْبَانُهَا طِفْلًا وَلَمْ يَكُ نَاطِقًا
نِسَاء لَهَا مِنْ نُورٍ عِفَّة زَيْنَب
شُعَاع بِأَعْلَى الْكَوْن بادٍ وسامقا
يَتِيه بِهَا وَصْفِيّ وَأَصْبَح حَائِرًا
فَأَيّ مَقَالٌ فِي عَلاَهَا مُوَافِقًا
لَهَا مِنْ سِنًّا التَّارِيخ أَجْمَل صَفْحَة
ودوحاته بِالْفَخْر سَهْلًا مونقا
لَهُنّ كَمَا وَهْب الْكَرِيم لِمَرْيَم
حَتَّى غَدًا الْجِذْع الميبس مُورِقًا
ستورق مِنْ تِلْكَ الْبُطُونِ بَراعِم
يَضِج بِهَا التَّارِيخ مِمَّا يوثقا
فَهَذَا الْعِرَاق وَإِن عُدْتَه نَوَائِب
وَلَمْ يَكُ مِنْ إخْوَانِهِ بِه مُشْفِقًا
فستنجلي تِلْك الغَمائِم جَمَعَهَا
وَمَن معصرات الْغَيْم غَيْثًا دَافِقًا
وَتُسْقَى بِهِ أَرْضَ الْعِرَاقِ فترتوي
هضباته ماءا زُلَالًا مرقرقا
وَتَعُود عِشْتار الْجَمِيلَة تغترف
مِنْ مَاءٍ دجلته فيهتز مشبقا