الاثنين ١ حزيران (يونيو) ٢٠٠٩
بقلم أمينة شرادي

نضال

كلمات على ورق بدون هوية من امرأة مجنونة إلى من أحبته بصدق و عنف في غياب إذن السيد و العشيرة.سأحكي عما كان مدفونا في الغياهب .سأحكيه في لحظة سكر و ضيق و اختناق كأنها لحظة حب جارف أفقدتني كل اتزان.إذا انتظرت زمنا آخر، سأستيقظ و أضع الموانع المعتوهة.كم مرة اعترفت لك دون أن أقول شيئا..كم مرة أخذنا التيه و قلت لك لا تلتفت إلى الوراء،لأن في ذلك موتا لنا... .و هكذا تركت" نضال" أوراق الهوية المفقودة مع الأسئلة الكبيرة، تسقط خلفها كيوم خريف ابتلع كل أوراق الشجر المتبقية. و هي تسرع الخطى إلى اللاشيء، لم تعد ترغب في سماع أي جواب.كتبت كلماتها الأخيرة التي كانت تعلن عن بداية بداخلها و رحلت.اختفت "نضال" و بقيت الأوراق متناثرة هنا و هناك.أخذ أهل المدينة في جمعها كعادتهم،و اتجهوا نحو بيتها.رؤوس تتمايل يمنة و يسرة،أصوات تتشابك في الفضاء.كل من جهته يحاول الإمساك بخيط البداية حتى لا يظل يتخبط في الظلام .لكن "نضال" كانت هناك، في زمن آخر و مع زمن آخر.تصارع بابتسامتها البريئة و الصامدة، الرياح العاتية التي تحاصرها من كل صوب.كانت هناك تتفقد أثر خطوات الأمس المترددة و البالية.أمسكت بها يد حنونة.و مسحت على شعرها الغجري بكل لطف.و أعادتها إلى الأيام الخوالي عندما كانت تسكن في البراري،و تتحدى الأشواك ذات الرؤوس السامة.

نادت عليها والدتها و طلبت منها أن تخرج قبل فوات الأوان.قالت"ماذا يريدون’لقد تركت لهم أوراق هويتي كاملة.." كانت "نضال" على أرضهم لما أعلنت ثورتها و رغبتها في البوح. طردوها، لما استوطن الليل المدينة و طلبوا منها التكتم و الصمت.تركت أرضهم و تركت لهم أوراق حياتها المضطربة و المليئة بالغرائب و الممنوعات.لم يعجبهم التصرف .اعتبروه غير رشيد و سيجلب عليهم الويلات.اقتفوا أثرها عبر السنين.قال حارس من حراس المدينة"ممنوع البوح.."و تكلم آخر بصوت خشن""ممنوع الكلام.."لم تفهم "نضال"سبب كل هذا البلبلة و الضجيج المحاصرين لبيتها.اعتقدت، لما تركت ورائها خزائن أسرارها، سترتاح و تعيش في سلام. بإلحاح من والدتها.خرجت بعيون متسائلة. تجمهر الحراس بكل قوتهم الجسدية، منتظرين الجواب المفقود.قالت "نضال" بكل ثقة:"لم أفعل شيئا يقلق راحتكم.» اندفع صوت من الخلف بكل قوة و قال:"سمعنا أنك ترفضين الصمت و تستعدين للكلام الغير المباح؟»نضال، تعبت من الشرح الممل و الطويل عبر السنين.انطلقت تعاند الزمن لكي تعيش بعض اللحظات في غفلة عنهم و كما يحلو لها هي.لم تجب السائل.قالت :"لقد تركت لكم أوراق هويتي و رحلت. أنا الآن أعيش بدون هوية لكن أتنفس الحرية .اتركوني و شأني."أغلقت الباب بكل قوتها المتبقية و اختفت.

حاروا في أمرها و في الوقت نفسه خافوا من قدرتها على الحكي و الكلام .عادوا خائبين على أمل الرجوع في الغد الباكر.غد، توحد مع روح "نضال"و دفعها إلى الترحال من جديد،بحثا عن من أحبته ،حتى تبوح له بكل الكلام الغير المباح و تنتصر للسنين المشدودة للوراء.ودعت أمها و قالت لها، إذا عاد الحراس يسالون عني،قولي لهم بأنني سكنت إلى روح أخرى ،و استرجعت هويتي الضائعة.و بأنني سأهيم على وجهي في كل البلاد. و لا تنسي بأن تشرحي لهم، بأنهم مهما تعبوا في البحث عني، لن يعثروا علي.فأنا حاضرة، غائبة، حروفي و كلماتي التي هجرتني و هجرتها في الزمن الغابر. ستتكلم بالنيابة عني وستبوح بالنيابة عني.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى