الخميس ٣ شباط (فبراير) ٢٠١١
بقلم محمد محمد علي جنيدي

نهارك سعيد!!

كان الليل قد أرخى سدوله، وكان القمر قبل ميلاده غائبا في طيات الأفق، وكانت القرية قد خرجت عن باكرة أبيها لتقديم واجب العزاء لسلطان ابن العمدة في وفاة أبيه، غير أن صابر لم يخرج والتزم داره، فلما لاحظ سلطان غيابه استدعاه في ذات الليلة ليعاتبه، ويعلم ما به، فلما مثل بين يديه تماما قال له معاتبا: أفي مثل هذا اليوم يكون إهمالك وعدم تقديرك يا صابر، فقال صابر ليس الأمر كذلك، فقال سلطان: إذن لماذا لم تأت كسائر إخوانك بالقرية، فرد عليه: لأن أباك أوصى لك بزعامة القرية من بعده، فقال له ساخراً: ألا تراني أهلا لهذا المنصب يا صابر!!،..

فصمت صابر قليلا غير أنه أجابه في شجاعة غير محسوبة العواقب: لا أنت ولا من رفعك علينا تصلحان.. لقد حكمنا أبوك أعواما وأعواما يبيع ويشتري فينا حتى امتلك أراضي القرية عن آخرها، فصرنا خدما لديكم، وأصبح غاية ما يمكن أن نصل إليه أن نستأجر منكم ما كنا له ملاكاً ذات يوم!،.. لكم كان أبوك هذا ظالما يحكم بهواه، ويا لعظمة الأقدار التي أوقفت مسيرة حياته المعتمة وهو يخطب في قريته ولم يعمل لهذه الساعة حساب، فلاقاه الموت الذي ظل يفر منه فرار الجبناء.

ويا ليته وقف على عتبة توبة أو قصد باب مغفرة ولكنه من سوء عمله استمر على استخفافه بنا فاختتم حياته فينا بآخر قرارات ظلمه واستبداده، ليصادر بها الرمق الأخير من حريتنا الأسيرة - لتكون - أنت قابعا من جديد على أنفاسنا وقلوبنا لسنوات أخرى لا يعلم بمجرياتها إلا الله تعالى.. لهذا كله لن أترحم عليه أبدا ولن أبارك لك مقعدك الثقيل.. وها أنا بين يديك لتفعل بي ما تشاء، فو الذي ابتلانا بكم للموت أصبح أحب إلى نفسي من أن أراك مجددا تصدِّر اليأس إلى قلبي في كل ساعة حياة،..

فاشتط سلطان من جراءته وقال غير آسفا عليه: اقطعوا لسان هذا الأحمق الحاقد المجترئ على أسياده ثم اقتلوه أمامي، غير أن كبير مستشاري أبيه همس في أذنه قائلا ليكن في الصباح ما تريد سيدي لنحيك له تهمة الإعدام في ليلنا هذا، كن مطمئن، فسوف نحدد له أيضا إقامته في هذه الساعات الباقية من عمره التعس، ذلك - ليعلم أهل القرية أننا كعهدنا دائما بهم حريصون في إرساء قيم الديموقراطية وأننا كعاداتنا نمضي قدما نحو ترسيخ مفهوم احترام الحريات والامتثال لمبدأ سيادة القانون!!

ثم ضحك وضحك سلطان ساخراً معه ضحكة طويلة، غير أنه أخيرا وقبل أن يمتطي نعليه ويغرب عن وجه صابر تماما إذا به يمسك ضحكاته ويصمت قليلا ويلتف نحوه قائلا في سخريته المعهودة: نهارك سعيد.. سعيد جدا.. يا سيد صابر.. ثم عاود الانخراط في ضحكاته القبيحة!!!....


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى