الأربعاء ١٠ حزيران (يونيو) ٢٠١٥
فريدريك نيتشة
بقلم محمد زكريا توفيق

هكذا تكلم زرادشت

الحاجة للعيش في مجتمعات، تحتم علينا الالتزام بما يسمى أخلاق. وإلا تصبح العملية معجنة وغابة يأكل فيها القوي الضعيف. لكن الأخلاق هي قيود تحد من حرية الفرد.

ما ينطبق على الأخلاق، ينطبق أيضا على القانون والسياسة والديموقراطية. إذن، وجب علينا الشك في موضوع الديموقراطية السياسية.

مجتمع، يعني قيم خلقية. الديموقراطية السياسية، تعني دولة. قانون الدولة يظهر كقيم خلقية للمجتمع، يجب الالتزام به. ليس السؤال هنا، ماذا تريده أنت من الدولة؟ إنما السؤال، ماذا تريده الدولة منك؟

إذا كانت رغبتي تتفق مع رغبة المجتمع، فهذا من حسن الطالع. لكن الأمور لا تسير دوما هكذا. مما يجعل الديموقراطية شيئا محيرا. الديموقراطية تجعلني ملتزما بشيئين: رأي الأغلبية، ورأيي أنا كفرد. ولا يوجد سبب يجعل هذين الشيئين يتطابقان على الدوام.

رأي الفرد يصادر بقرارات الحكومة. نوع من الدارونية السياسية. هنا ينتصر القطيع على الفرد مرة أخرى. هذه المرة تحت أعلام الدولة.

كلما كانت الدولة أو الحكومة قوية، كلما كان ذلك على حساب تقدم الفرد، وبالتالي البشرية. لذلك يجب أن تكون الحكومة أصغر ما يمكن.

ومع هذا، لازلنا نعتقد بأن الدولة هي أعلى صيغة متحضرة للمجتمع، ومن واجبنا خدمتها.

من يفكر بعمق، لا يصلح لكي يكون رجل حزب. لأن هذا التفكير، سيقوده سريعا إلى خارج الحزب. هل نيتشة يقول لنا أن الأحزاب ليس بها مفكر أو فيلسوف حقيقي؟ نعم، هذا ما يقوله نيتشة.

إنه يقول بأن أحزابنا السياسية وجماعة الإخوان وحزب النور، كلها ليس بينها مفكر عظيم وفيلسوف حقيقي. لماذا؟ لأن المفكر يكون في هذه الحالة ملتزما بأفكار الحزب أو الجماعة.

أي أنه يكون بالتزامه، قد وضع نفسه داخل صندوق الحزب ولا يستطيع الخروج عنه. وعدم التفكير خارج الصندوق، لا يخلق منه مفكرا أو فيلسوفا.

الرجل الذي يميل للتفلسف، ليس لديه الوقت لممارسة السياسة. سيبتعد من نفسه عن قراءة الجرائد أو النشاط الحزبي.

هذا هو ملخص رأي نيتشة في السياسة.

الليبرالية:
الليبرالية تعني تحويل الناس إلى قطيع. الليبرالي هو الشخص العادي. فماذا يعني نيتشة بذلك؟

أولا، يجب معرفة أن الليبرالية التي يعنيها نيتشة، ليست هي الليبرالية السياسية المعروفة اليوم. ما يعنيه نيتشة بالليبرالية، هو شئ منبثق من أفكار الثورة الفرنسية. شئ له علاقة بالعدل والحرية الفردية. شئ يعني المساواة والحرية.

نيتشة هنا يكره المساواة. فهو يعتقد بوجود فروق بين الناس تمنع تساويها. المساواة، كما يقول نيتشة، تمحو هذه الفروق ويصبح الكل أعضاء في قطيع واحد.

نيتشة يفضل الرجل المميز، يفضل حكم الأرستقراطية. بشاوات زمان أيام الحكم الملكي.

الاشتراكية:
الاشتراكية، يلزمها وجود أثرياء كثر حتى تعني شيئا، وحتى لا تتحول إلى نوبة مرضية. الاشتراكية، هي الأخ الأصغر للاستبداد. لا بد أن تكون مستبدا لفرض المساواة بالقوة على الناس.

المحافظون:
المحافظون كذابون. شعار حرية الإرادة، هو اختراع الطبقة الحاكمة.

الإعلام:
الإعلام ضرورة لتحكم رجال السياسة في كل عادات الناس وثقافاتهم. الحرامي، ورجل السلطة الذي يعد بحماية المجتمع من اللصوص، هما من نفس العجينة. الفرق فقط في الأسلوب.

نحن الآن مدعوون للنظر فيما خلف الدوافع والشعارات التي يرفعها السياسيون لتبرير استيلائهم على السلطة.

يقول نيتشة، أنا لا أمانع الرغبة في السلطة، هذا شئ طبيعي. لكن أعارض سوء استخدامها. وهو مرض مؤسساتنا السياسية المزمن.

السياسة مبتزلة، بكل أحزابها وصحافتها. سوف يأتي يوما، يكتشف فيه الناس انحطاطها. الوصف اللائق لها، هو "عهر ذكي".

نيقولا ميكافيللي (1469-1527م)، قام بنقد السياسة وحيلها. بسبب تكالب المنتفعين عليها للمنفعة الشخصية. يقومون بتمرير القوانين التي تحقق أخراضهم على أنها ضروريات للمجتمع. ميكافيللي سبق نيتشة في ملاحظاته على سلوك الحكام، وتفسير أفعالهم.

في كتابه "الخطابات"، كتب ميكافيللي عام 1513م عن كنيسة روما: "كلما اقترب الناس من كنيسة روما، وهي أم الكنائس، كلما كانوا أقل تدينا."

رأي ميكافيللي في السياسة والسلطة، أدى إلى التساؤل، كم من السلطة يحتاجها الحاكم؟ السلطة، وليس العدل أو الشرف. نجاح الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، يثبت أن النصر للقوة. الحق يدعيه الجميع. أما القوة فهي الغالب وهي التي تضع القوانين.

السياسة ليست في قول الصدق. المهم هو أن يكون ما تقوله يمكن تصديقه. لا توجد قوة أو طاقة في الصدق وحده. الصدق يجب أن يجذب القوة إلى جانبه، أو يقف إلى جانبها. الصدق الغير مدجج بالسلاح، لا قيمة له. الكمال في السياسة، يعني الميكافيللية.

في عام 1883م، وصلت فلسفة نيتشة إلى مستوى أعلى، عندما كتب في عشرة أيام الجزء الأول من أشهر أعماله، وقتما كان يقضي فصل الشتاء في إيطاليا، "هكذا تكلم زرادشت".

الوحدة القاتلة وعلاقته الفاشلة بالفتاة الروسية، لو أندرياس سالومي، كانت بادية في شخصية زراديشت. الكتاب يمثل تحول عن المألوف. كرب وآلام تتدفق، تختص بشؤون الانسان.

زرادشت، شخص وحيد فريد يطوف البلاد والفيافي والقفار. يتحدث إلى كل من لديه الوقت لكي يصغي إليه. له طباع مسيحية، إلا أنه يرفض من يتبعه كمريد أو تلميذ. في نهاية الجزء الرابع من الكتاب الذي اكتمل بعد سنتين، كان زرادشت يخاطب نفسه فقط.

عنوان الكتاب يشير إلى مخطوطة سانسكريت بعنوان "هكذا تكلم قداسة زراديشت". وهي ديانة الفرس قبل الإسلام، والتي لازالت قائمة بين سكان الهند من أصل فارسي.

أنا أرى العلاقة بين الخير والشر، كالعلاقة بين إلهين متحاربين. النصر للخير في النهاية. ضحايا هذه الحرب وقتلاها، سوف يبعثون من جديد لكي يخلقون الجنة على الأرض.

زراديشت، يجب أن يرفع عقيرته بالنداء، لا إلى السماء والغيبيات، ولكن إلى الأرض والرجل السوبرمان. يجب أن يتكلم بصوت كالرعد والبرق، لكي يلهب المشاعر ويدغدغ الحواس.

زرادشت هو مزج غير عادي من الكشف والتنبؤ الصوفي، مع الشعر والشوق والفطنة.

كل الحقائق فاسدة. الزمن نفسه يلف في دائرة. في الواقع، كتاب زرادشت، هو عمل شاعر أكثر منه فيلسوف. من هذا العمل، يمكن أن نستنبط ثلاث أفكار: الرجل السوبرمان، إرادة القوة، التناسخ الأبدي.

الانسان، هو كتلة صماء من المادة. حجر قبيح الشكل يحتاج إلى يد المثال. وظيفة زرادشت، هي الكشف على المريض وتبيان علله وأمراضه، وابداء النصح له لكي يحيا حياة أفضل.

بالرغم من أن تعاليم زرادشت هي روح الكتاب، إلا أن الكثير من أجزائه مكرسة للتشريح السيكولوجي للإنسان الحديث. وإلى فضح إيمانه الخاوي وقيمه الهشة.

وللحديث بقية، فإلى اللقاء.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى