الثلاثاء ٢٧ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٨
بقلم خليل محمود الصمادي

همسة للآباء وأخرى للأبناء

لا اعتقد أن هناك أحدًا أحرص من الوالدين على أبنائهم، وأن هناك من يحبهم أكثر منهما،هي محبة حقيقة نابعة من القلب فلا تكتسب بالوعظ لأنها من الغرائز التي فطر الله الناس عليها عندما خلق الإنس والجن، لذا لا تجد أي أثر من كتاب أو سنة أو شعر يحث على حسن الإحسان لهم وأمَّا العكس فصحيح.

يحرص الوالدان على أبنائهما حرصا شديدا، ومن شدة حرصهما قد يحدث اضطراب أو تشويش خلال فترة التربية ولا سيما خلال فترة المراهقة.

كثير من الأولاد والبنات يتذمرون من والديهم أحدهما أو كلاهما، ويصدرون آهاتٍ وشكاوًى متعددة: مالهما ومالي؟ أنا حرٌّ، أنا أعرف مصلحتي، دقة قديمة، جيلنا غير جيلهم، وكم تكون ساعات السعد عندهم حينما يسافر الأب فيشعر المراهق بنوع من الراحة.

وأما ما يطلقه الآباء نحو أبنائهم من ألفاظ مجملها: ولد عاق، بنت لا تعرف مصلحتها، يمضي أغلب أوقاته على الجوالات والأمور التافهة، أخشى عليه من رفقاء السوء، لا يعرف مصلحته....، وقد يصاحب تلك الصيحات قسوة شديدة تجعل الأبناء غير قادرين على الاستمرار في التعايش في المنزل ومن أخطر المراحل هي عصيان الأبناء هروبهما من المنزل لفترات قصيرة غالبًا أو طويلة نادرًا.

إنَّ نظرة الأولاد تختلف عن نظرة الآباء للحياة ولكثير من الأشياء، ولعل الأمر يختلف من أسرة لأخرى ولكن السمة العامة هي التصادم بين الجيلين وإذا بحثنا عن سبب هذا التشويش يكون أهمها هو حرص الوالدين الشديد على الأولاد ومراقبة كل تصرفاتهم ومتابعتهم حتى يكونوا أفضل الناس مستقبلا ولا شك أن هذه المتابعة والحرص قد لا تعجب الكثيرين من الأولاد والبنات الذين اعتادوا على نمط معين من الحياة يخالف ما يفكر به الوالدان، فلا شك أن عملية الدراسة وكتابة الواجبات المدرسية والتدخل في اختيار الأصدقاء والنوم المبكر والصحو المبكر قد يزعج الأبناء، ويتمنون أن يعيشوا الحياة كما يحلو لهم دون تعب أو بذل جهد.

ولا بد من الإشارة هنا أن أغلب المعلمين والمعلمات قد يحاكون دور الوالدين خلال معاملة طلابهم فهم أيضا حريصون على تلاميذهم أن يكونوا من أنجح الناس لذا يمارس الكثير منهم الضغط والشدة على الطلاب فيحدث الشرخ والاضطراب بين الجيلين ولا ينفع وقتها المقولة المشهورة " أشد عليك من أجل مصلحتك"

جاء في الأمثال العربية " من بكاك بكى عليك ومن أضحكك ضحك عليك " وهذا المثل بالرغم من صحته نوعا ما إلا أنه قاس جدا، فليست مهمة الآباء والأمهات أن يدعوا أولادهم يبكون حتى ينجحوا في حياتهم.

همسة للآباء: لاشك أن الدلع الزائد للأطفال سيكون وبالا على الوالدين خلال مرحلة المراهقة فالطفل الذي تلبى حاجاته ورغباته كلها دون اعتراض سيعتبر ذلك حقا من حقوقه وإذا وصل لسن المراهقة فهيهات هيهات أن يلتم، فكما أننا حريصون على الطب الوقائي والأمن الوقائي فعلينا أن نحرص أيضا على التربية الوقائية أي أن يكون الوالدان متوازنين في دلال الأبناء في صغرهما وأن تكون هناك ضوابط يعتاد عليها الصغير حتى يتكيف عليها عندما يكبر، فأغلب حالات الشرخ تكون في الأسر التي دلعت أبناءها أكثر من اللازم.

كما يجب أن يقرَّ الوالدان أن المراهقة من أصعب مراحل النمو وأن التسلط مكروه وأنَّ بعض متطلبات المراهق حق من حقوقه فيجب تلبيتها أو مناقشته فيها. ويجب أن تكون العلاقة بينهما على قدر من المسؤولية والتفاهم وأن يصبروا قياسا على قوله تعالى وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا فالصبر وتحمل بعض التصرفات ثم التفاهم كفيل بأن يذلل الصعوبات بينهما، وكذلك يجب أن تكون المراقبة عن بعد وأن يكون العتاب في المكان والزمان المناسبين فلا شك أن عتاب أحد الأبناء أمام إخوته أو زملائه بشكل غير لائق يزيد المراهق من تمرده.
الأب الناجح هو الذي يشارك أبناءه المراهقين مشكلاتهم ويتحين الفرص للجلوس معهم وتوجيههم ومما نقل عن الخليفة عبد الملك بن مروان:" داعِب ولدك سبعًا، وأدِّبه سبعًا، وعلِّمه سبعًا، ثم اترك حبله على غاربه" وكذلك يتطلب الأمر أن يتعرف الوالدان على أصدقاء أولادهم دون فرض وجودهما الطويل معهم، وكما جاء في المثل "إذا كبر ابنك خاويه" أي اجعله أخا لك، ولا شك أن الأخ يكون محبًا وحريصًا وقبل كل شيء متفاهما مع أخيه.

وهمسة لأبنائنا المراهقين: يجب أن تعترف أن سلطة الوالدين ضرورية لحمايتك وأنها تساعدك على ضبط نفسك، أشرك أهلك في مشكلاتك، اطلب النصح منهما، ابتسم لهما، تحملهما حتى لو كانا قاسيين وضع في بالك أنهما لا يريدان إلا مصلحتك.

ويجب أن تكون هناك تفاهمات مبتكرة للتدخل من أجل ذوبان الجليد بين الطرفين، فمثلا من الأفضل أن يكتب الابن الذي يشعر أنه مظلوم من والديه رسالة محبة وعتاب يشرح فيها ما يعانيه من ضغط وقلق جراء النقد اللاذع أو التصرفات التي لا يحبها، وكذلك يمكن للآباء أن يتواصلوا مع أبنائهم بشتى الوسائل فكم هو جميل أن يتحسس المراهق قبلة على جبينة من قبل الأب أو الأم وهو في وسن النوم، أو قبل أن يصحو، أو يكون التواصل من خلال الرسائل الورقية والإلكترونية يوضحون من خلالها حرصهم وحبهم للأبناء وأنهم من أجل مصلحتهم قد كان عتابهم قاسيا، وما أجل أن يفتح المراهق جواله ليقرأ رسالة ملخصها: ولدي العزيز أو ابنتي الحلوة كم آلمني أمس قبل نومك وأنا أقسو عليك فما غايتي في هذه الدنيا إلا أن أراكَ أو أراكِ أحسن مني... والدك المحب، ولا شك أن بعد هذا العتاب سيكون التفاهم فالكلمة الطيبة صدقة، وإن من البيان لسحرا.

وكما قال جبران خليل حبران: من الغريب أن يكون أحب الناس إلينا أقدرهم على تشويش حياتنا، يجب ألا نتعاتب يجب أن نتفاهم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى