الخميس ٣٠ آب (أغسطس) ٢٠٠٧
بقلم عائشة الخواجا الرازم

لماذا تسمي تركيا شارعاً باسم عائشة الرازم ؟

لم يكن من المتوقع أن اشهد في حياتي تسمية شارع باسمي، وخاصة وأنا على قيد الحياة وقيد العطاء والشعر والحركة، ولم يكن من المتخيل وأقولها بصراحة وصدق بأنني بكيت وانهمرت دموعي لجميع الأسباب الغريبة المريبة التي تسقط على أي أديب أو ...... ! وخاصة حين يشك بنفسه ويتلعثم بالظن ، ويتحسس وجهه ويحاول التأكد من أنه لم يفارق الحياة حتى تتم تسمية الشارع أو المنطقة باسمه ، وأن لا خطا باسمه حين انحفر في الصخر والحديد على رؤوس الأشهاد ؟؟ وحين يرفرف عالياً بسيرته الذاتية المقروءة للملأ والجيران الساكنين وعناوين البريد واتجاهات المشاة والمركبات وعناوين البلدية والقائمقامية ويصبح اسمه على ورق الجغرافيا شاعراً للناس ، وتتكون مكتبة تضم مؤلفاته في شارعه وتقوم الأمسيات تحت اسمه كما خططت لجان المهرجان ولجان البلدية التي تدير بحكمها الإداري مدينة من أجمل مدن الدنيا العابقة بالسحر والبحر والسياحة والنسيم العليل الذي يجذب المصطافين لمدينة دتشا الرائعة !!

كيف لشاعر ومبدع من بلد عربي رفرف علمه الأردني وعلمه الفلسطيني في الاحتفاء أن لا يقشعر بدموع الدهشة والمفاجأة ؟؟
وخاصة امرأة عربية وهي فلسطينية أردنية ونازفة بكل المقاييس وفي عصر يدلهم بالظلم والنكران لشعب الجبابرة الصبور !!
ولم يكن في عالم التوقع أن يرفرف اسمي فوق تلة عابقة بالورود والأشجار في شارع جميل وعلى شاطئ البحر ؟ ويأتي التكريم من بلد ينوف أهله عن السبعين مليون ، وتكون المفاجأة خلال مهرجان الشعر العالمي المتوج بعنوان ( الشعر السلام ) في أجمل مدينة في تركيا مدينة ( دتشا ) وهي أقرب إلى ددم ومرمريس وبودروم وتأتي في حلقة القلب وسط البحر مثل جزيرة الفردوس كما يسميها الشعب التركي وكما كتب بها ناظم حكمت وكتب بها الشاعر الكبير التركي جان يولجان وغيرهم حتى أتاتورك كتب بها شعره الجميل ، ولم يكن يعرف أحد أن أتاتورك يكتب الشعر إلا حين قرأ عميد المسرح التركي مشفق نبيل أشعار أتاتورك على مسرح المدينة ليلة تكريم شعراء العالم الذين تم اختيارهم وتسمية الشوارع بأسمائهم من خمسة عشر دولة ، تم اختيار أربعة بلدان عربية متجاورة هي الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان !! ! وبحضور أمين عام إتحاد الكتاب والأدباء العرب الدكتور علي عرسان وأمناء اتحادات الأدباء والكتاب من العالم والشعراء المكرسين والكبار المشاركين في المهرجان !

أقولها بكل فرح ممزوج بالدهشة واللهفة والاستغراب ، وأقولها كيف لشاعر ملتزم ناصع الالتزام دون مناورة يرى نفسه وهو يمشي ويقرأ أشعار دمائه القانية وسط كتاب قضية الأرض والدم والإنسان والظلم والعسف ، ويسهر العمر بين الدم والكلمة والإيقاع واللون ، وأن يمضي خمسة وعشرين كتاباً وستة عشر ديوان شعر وألفي لوحة فنية ، وألف إسكتش أسود أبيض وأكثر، ودون تهاون أو كلمة تصافح المحتل والشيطان القاتل والمحتل ، أن ينال المفاجأة دون تنازل ودون حتى مساومته أو إعلامه بالتكريم ؟؟؟ ويقرأ أشعاره على الجماهير بالتزام بعد أن رأى اسمه بين شعراء العالم جاهزاً لا لف فيه ولا دوران ولا حتى استنباط موقف قادم أو متغير إلا موقفه الثابت في بطون إنتاجه الذي تمت ترجمته إلى اللغة التركية وأصبح في متناول الشعب التركي ومثقفيه بين شعراء العالم ؟؟

لقد كان الشعراء الذين حملتهم المدينة الحديثة على شاطئ البحر في شوارعها الخمسة عشر كباراً ويشكلون تاريخ الأدب والعطاء المؤثر في الإبداع، نعم ؟؟؟؟ وإنا منهم بحمد الله ، فكان ناظم حكمت ماياكوفسكي ونزار قباني ولوركا ولويس أراغون ومحمود درويش وصامد فورغون وبابلو نيرودا وخليل جبران وشكسبير ويانس ريتسوس وعزت سرياليك ومحمد إقبال وعائشة الرازم وبيرتولد بريخت فللشاعر الحي في تلك المدينة المعلقة سيرته وصورته واسمه ووطنه بحجم واضح أن يجفل في غفلة من غرقه الأزلي ، ليجد نفسه حياً على أعلى تلة وأعلى عمود وأجمل شارع في أجمل مدن الدنيا ؟؟؟؟ وكيف لشاعر مثلي أن ينتفض من تربته الحمراء وينفض رأسه من تحت الأغطية الرطبة ، ويعثر على متسع ليفتح عينيه ويخاطب الجموع بأنه معهم ، يمشي معهم ويصافحهم ويقرأ عليهم قصائده ، ويرسم أمامهم لوحاته الحاملة لقصائده اللزجة بدم الإنسان المقهور ؟؟ ليسمعه الناس مرة تلو مرة من جديد بعد الفراق ؟؟

كانت تلك تساؤلاتي عن تسمية وتكريم الشعراء المؤثرين بعد الوداع الأخير !! وكنت دوماً أتساءل ماذا يتبقى للشاعر بعد موته سوى تخليد اسمه ؟؟؟ ولكنني وبحمد الله ولأول مرة أشهد أن شاعراً يخلد اسمه وتترجم مؤلفاته بين الناس قبل موته واين ؟؟؟ في بلاد أقرب إليه من حبل الوريد في حياته ومماته في تركيا الجميلة الحبيبة العظيمة !!!

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى