الأربعاء ١٤ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٧
بقلم أشرف بيدس

ابنة الصمت البكر

أدركت أن الأيام تلعب معي اللعبة الأخيرة.. أو إن شئت اللعبة الخاسرة، وما أزعجني أن تكوني أنت يا ابنة الصمت البكر خصمي، فحتي تلك الأسلحة التي كنت أتباهي بها يوما لن استطيع ممارساتها، أرهقني البحث في إيجاد مبرر للهروب، أو الاختفاء بعيدا عن شبح المواجهة، حاولت ترويض عواطفي التي كانت يوما ملك يميني، لكني عجزت، أصبحت قدراتي ضعيفة ورخوة، افترش الداء واستحكم وتحطم جهاز المناعة، وصارت أجهزتي تستقبل فقط، دون مقاومة أو حتي إرسال إشارات الاستغاثة.. وبدوت جثة هامدة تبدو للآخرين أنها تستعذب العذاب، ولكن الحقيقة أنها تصرخ وتئن من الآلام لكن صوتها الهامس لا يكاد يصل عبر الشفاه..

أرهقت نفسي بالأسئلة، بل أرهقتها بتحميل الذنب، وتلوت عليها قرار الاتهامات والجرائم التي ارتكبتها.. عنفتها لرغبتها الشديدة في أن تبحر في مياهك، وأن تغوص في أعماقك، وأن تستنشق الهواء الخارج منك.. وأن تظل أسيرة في رضاء ومتعة.

أحيانا أتساءل بصوت هامس حتي لا يسمعني أحد ويفضح أمري، أي قوة تلك التي نسفت حصوني واستباحت أبجديتي، مضي زمن علي آخر جولاتي، وها أنذا أقدم بملء إرادتي علي معركة أخري، أعلم جيدا أنني سوف اخسرها، وسوف تخلف عذابات كثيرة ما أحوجني إليها، لكنني مقدم لا محالة، رافعا راية الاستسلام راجيا الشفقة بمحارب قديم أنهكته التجارب، وزادت عليها السنوات المريرة بما تركته من قلة حيلة وهوان في المحطات الأخيرة من السفر الطويل..

ربما تكون مباراة غير متكافئة، ينقصها الكثير، لكن عشمي أن تأخذك الشفقة بي، ولا تغالي كثيرا في النيل مني، فأنا منافس فقد أسلحته عبر الزمن، ولا يترجي منك سوي الرحمة وقليل من الشفقة.

قد يكون الهروب هو أسلم الطرق للنجاة، وتجنب ويلات المرارة، لكن الوقت قد فات ولم يعد أمامي سوي الاستمرار في معركة خاسرة.

أدركت بعد فوات الأوان، أن حبك هو وصمتي الأخيرة، وللأسف اعتادت ضلوعي وأحشائي عليها، وأيقنت في النهاية أنه لا أمل لي إلا الخروج من جسدي بعد أن عصي رغبتي لأول مرة وآخر مرة..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى