الثلاثاء ٤ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٧
بقلم نوزاد جعدان جعدان

السينما الهندية سينما الجماهير

سألني أحد القراء قائلاً: ما هو الداعي للكتابة عن السينما الهندية وكيف نستفيد منها؟ فأجيبه وأجيب أعزاءنا القراء أليس علينا التعرف على تجارب الشعوب الأخرى ونقف عندها مستفيدين من هفواتها ومحتذين بنجاحاتها؟!!

نحن الآن في عصر الإعلام والمعلومات وحدود الثقافة غير محدودة بأي نوع من الحدود الطبيعية أو السياسية فالعالم تحول إلى قرية صغيرة ويشكل الإعلام ركيزة أساسية في هذا المضمار وخاصة السينما وربما لا تصدق أن فيلم (سانجام) ذرف من دموع الناس ما لم تستطع فعله الحروب الطاحنة, فالحاجة لهذا النوع من المقالات ليس هو التسلية كما يفكر البعض إنما نحاول تكوين نسق فكري معرفي لدى القارئ اتجاه هذه السينما سينما شبيهة بتراثنا وثقافاتنا فهي التوأم الروحي للسينما المصرية.

فمن منا لم يسمع بِ ((جنكلي)) ومن لم يشاهد (دهرام فير( ومن لم يتعجب برؤية طابور طويل من الناس يتزاحمون في سبيل الحصول على بطاقة دخول إلى إحدى دور العرض, ومن لم يطرب بسماعه أغانيها العذبة كعذوبة نهر جانجا. إنها سينما امتزجت بتراث فلسفة نهر الغانج لتصطبغ وتلون بأشعار طاغور وتتخذ من نهرو وغاندي أمثلة يحتذى بهم.

وعلى الرغم من أن الأفلام الهندية أغرقت جمهورها العاطفي بالأحلام الوردية والمصادفة الساذجة إلا أنها أخرجته في هذه الساعات من وحدته وحزنه إلى عالم ليس بأقل من عالم أليس في بلاد العجائب ليتمتع وينبهر بساعات سحرية وأميرات دون كيشوتية وينسى هم عمله ومصاعب حياته باحثاً عن متعه لحظية.

البعض أطلق تسمية بوليود كنموذج بدائي فج وخشن لهوليوود والبعض قال: لا تأمن لفيلم أمريكي ولا تصدق فيلماً هندياً وتناسوا أن هذه السينما على الرغم من بعض أفلامها الهابطة إلا أنها سينما دائمة المخاض تلد نجوماً يضاهون نجوم السينما العالمية ولهذا السبب أو أسباب أخرى الرقابة الأمريكية ترفض الكثير من الأفلام الهندية لأنها تستحوذ على شباك التذاكر وتيارها الواقعي يصطاد الجوائز في المهرجانات العالمية كساتيا جيت راي ومرينال سن.

فهذه السينما انتشرت انتشاراً واسعاً وجمهورها يفوق جمهور هوليود كما قال المخرج الهندي بلوندي سنج: ((الجميع بدءاً من غرب تركيا يشاهدون أفلام هوليود ولكن الجميع بدءاً من شرق تركيا يشاهدون أفلام بوليود وفيما يتعلق بالكم فإن عدداً أكبر من سكان العالم يشاهدون أفلامنا))

مشكلة اللغات:

إن عدد صالات العرض في الهند حوالي 11 ألف صالة ويومياً يرتادها حوالي 12 مليون مشاهد إلا أن في فترة ما قبل الاستقلال كانت السينما تعاني من مشكلة فالأفلام كانت تنطق 18 لغة رسمية أهمها ((هندي - تلغو – تاميل – بنغالي – ماليام - بنجابي...))

لكن بعد حصول الهند على استقلالها عام 1947 وانقسام باكستان عنها ,شهدت هذه الفترة اضطرابات وحروباً أهلية فاتخذت مساراً جديداً ورأى نهرو الذي تولى حكم البلاد إن السينما وسيلة لنقل رسالة وطنية إلى شعبه ووسيلة لوحدة الأمة الهندية وجعلها اللغة المشتركة للأمة الهندية التي تنطق بثماني عشر لغة أساسية كما ذكرنا آنفاً.

فيلم العائلة:

السينما الهندية طاولة مفتوحة فيها أشهى المأكولات من أغاني ورقص وتراجيديا وعنف فهو كوكتيل بما يحتويه، فمشاهد القبل التي وجدت مؤخراً ليست بصيغة الوقاحة الأمريكية أو الجنس المبتذل في السينما العربية فهم ما زالوا محافظين على تراثهم ليبقى فيلم العائلة المفضل وصديق الرحلة في السفر بيد أنها اتجهت نحو تصوير القبل التي كانت ممنوعة سابقاً حيث كانت الإيحاءات سابقاً تبدو من وراء الأشجار أو مشهد طائرين يتعانقان يقول أركوزدوزا: (نحن نصنع الأفلام التي يمكن مشاهدتها مع العائلة وعندما يظهر على الشاشة عناق فإن الأب يبدأ بالتلوي في مقعده والأم تنظر إلى الناحية الأخرى أما الأولاد فإنهم يقهقهون والمناديل تخفي وجوههم). ولكن مشاهد القبل أليست أفضل من مشاهد العنف والدمار التي يستقبلها الجمهور بدون رقابة يقول المخرج منصور خان: ((في بلادنا القبلة الوديعة مرفوضة بينما مشاهد العنف المقززة والسوقية إلى أبعد حد تمر وبسهولة ودون أي رقيب)) ولكن شئنا أم أبينا فمشاهد القبل تعرض في قنوات عديدة بسبب الانفتاح التكنولوجي الحاصل فعلى المشاهد تقبل مشاهد القبلة والبعض يسميها فن القبلة.

نظام الرقابة في2005 كان فعالاً في الهند عندما منعوا السيجار أو التدخين في الأفلام الهندية فهذه الوسيلة تبدو نافعة أكثر.

كيف تكتب فيلماً هندياً؟

أركز في كتابتي هذه على السينما التجارية لأنها هي المعروفة أكثر جماهيرياً إلا أن للسينما الهندية تياراً واقعياً أيضاً وسنتحدث عنه لاحقاً.

هناك سبعة قواعد يقدسها المنتجون والمخرجون الهنود:
 
1- العالم ضيق جداً: البطل قد يغرق في السيل وتحمله أميالاً بعيدة عن داره ولكن من ينقذه دائماً شخص على صلة قربى معه ((الدنيا صغيرة))!!!
أو حكاية الابن الضائع موضوع مستعمل بكثرة حيث يصيب الافتراق أخوان يعيشان في قرية ومنذ الطفولة يفترقا بسبب ((كارثة طبيعية أو إثر حادث غالباً قطار)) ويكبران في نفس المدينة أحدهما يصبح شرطياً ذو أخلاق عالية والآخر شقي لكن قلبه طيب لكن حينما تتشابك الأحداث وتجبر الظروف والواجب على إطلاق النار تتوضح القرابة ((شامة - صورة مفقودة - قلادة)) ويجتمع شمل الاثنان.
2- الأشرار يولدون شياطين سادية مجسدة ولدت بنفس درجة الشر والسيجار في الفم مع رفع الحاجب الأيسر وفي الغالب يكون للشرير ابنة جميلة طاهرة فمن أين جاءت؟؟؟!!! الله أعلم...!!
3- كل الناس أقرباؤك: أنت لا تدري عدد من هم أقاربك ويحيطون بك طيلة الفيلم في نهاية الفيلم يلتقي نحو عشرين شخصاً ((أب – أخت – الأم - الابن....))
4- التحولات واردة فالناس أحياناً يكرهون بعضهم لدرجة القتل ثم فجأة-دون سبب-يحبون بعضها لدرجة البكاء.
5- التوابل شهية دائماً: ثلاث ساعات من الحب والمطاردات والبكاء والعصابات الغناء الرقص.
6- المبالغة في التمثيل هي القاعدة.
7- ست أو سبع أغاني عدد معقول جداً في الفيلم.

هذه القواعد بقيت مسيطرة على الأفلام الهندية حقبة من الزمن إلا أن الكثير من السينمائيين تحرروا منها وتعلموا كيف يقولوا الحقيقة، يقول مرنال سن: ((سأصرخ من فوق سطح بيتي وأقول أن السينمائيين الهنود الجدد تعلموا أن يقولوا الحقيقة وهذا مدهش..!))

حدث في الهند:

* في عام 1896 ظهرت السينما في الهند لأول مرة في السابع من يوليو على يد بعثته من العاملين لدى شركة الأخويين لوميير ولاقت إقبالاً جماهيرياً واسعاً وتحت تأثير العرض قام المصور الفوتوغرافي الذي كان يملك استديو خاص باستيراد كاميرا سينمائية من لندن كلفته 21 جنيه إسترليني وقام بتصوير مجموعة من الأفلام.

* في عام 1926-1927 الهند تنتج ثلاثة أضعاف ما تنتجه بريطانيا العظمى التي كانت تستعمرها.

* في عام 1930 أنتج أول فيلم هندي ناطق ((ألام آرا)) وكان الرقص والموسيقى يشغلان الحيز الأكبر من إخراج: اردشير إيراني

* في عام 1935 أنتجت الهند 233 فيلم ناطق مقابل سبع أفلام صامتة.

* في عام 1947 حصلت الهند على استقلالها

* في عام 1956 حصل فيلم المخرج الهندي ساتيا جيت راي محل جائزة تقديرية مهرجان كان ووصف أن أفضل أفلام المهرجان كما حصل على عدة جوائز أخرى في مهرجانات عالمية.

* في عام 1957 يرشح فيلم ساتيا جيت راي ((أبار جيتو)) على جائزة الأسد الذهبي من مهرجان فينسيا.

* في عام 1988 حصلت المخرجة ميراناير على جائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان كان عن أول أفلاهما((سلام بومباي))

الواقعية في السينما الهندية:

تبدأ جذور الواقعية في السينما الهندية في الأربعينيات من القرن المنصرم.

فالواقعية كما يراها النقاد تنحصر في الحديث عن الحياة الفعلية للناس فحياة الناس في الهند محاصرة بالمجاعات والاستغلال والاستلاب المادي.

فالفروق الطبقية هائلة إذ يعيش في المدن نسبة 3% مستوى رجال الأعمال في الغرب وتعيش الفئة الأخرى في زهد وفقر يصلان إلى حد الموت جوعاً.

من أوائل السينما الواقعيين كان عباس خواجة أحمد الذي بدأ نشاطه عام 1946 فيلماً هاماً ((الحلم والمدينة)) ومع عباس ظهر جيل قوي في الواقعية أمثال شانتا رام وبيجال روي وميرا ناير.

إن الواقعية الهندية تنبع من مناطق الشمال والشمال الشرقي من الهند ولكن الواقعية الهندية تعمل في ظروف صعبة فالشركات التجارية تغرق الأسواق والجمهور بالأفلام الملونة ومع ذلك يبقى لها سحر وبريقها الخاص.

ولعل رائد الواقعية هو ساتيا جيت راي الذي قلب الطاولة على السينمائيين الهنود وهنا تكمن ريادته إذ لم يكن هناك سوابق قوية فعلية عن هذا الاتجاه فجاء راي بسينما تخلع الوجه الزائف لما هو سائد أفلام راي هي عمق اقترابه من موضوعه وأحد المظاهر الهامة في أفلامه مقدرته على تحويل المشاعر والأحاسيس كأن يحول الغضب إلى سخرية.

في أفلامه الأخيرة كان لديه ميل للتشاؤم وأصبح أكثر انتقاداً للسلطة ومراكز القوى يقول عنه شيام بينغال: إن أفلام راي أشبه بأفلام شارلي شابلن حيث كان يكتبها بنفسه ويخرجها بنفسه كما أنه صور بعضها أيضاً بنفسه ويؤلف الموسيقى والمونتاج بمعنى أنه كان سينمائياً شاملاً وذو تأثير بلا حدود.

قال عن فلمه ((باترو بانشالي)) صلاح دهني:

((إنه مثل سيمفونية رائعة عن الفقر في الهند).

أتمنى أن أكون قد سلطت الضوء على بعض النقاط والجوانب من مسيرة السينما الهندية كما آمل أن أكون أبرزت بعض الوجوه لهذه السينما التي ظلمها الكثير من النقاد وقال أحدهم إنها ماتت أو اندثرت ولكن ما دامت طبلة أناند ميلاند تدق وتعلن عن تميزها وكاميرا دهرميش درشان التي لا تتوقف عن التصوير إلا عند إطلاق عبارة "ستوب" والانتقال لمشهد آخر وأشعار سامير التي لها صدى وصوت قوي كالجرس ستستمر هذه السينما التي مازالت تناضل في وجه السينما الأمريكية وتبقى أمامها عقبة صعبة النزوح.

مراجع وهوامش البحث:
 
1- الهند خمسون عاماً من الحرية استطلاع: أنور ياسين العدد 467 عام 1997 مجلة العربي.
2- ندوة حول أفلام ساتيا جيت راي - مجلة الحياة السينمائية العدد 42 عام 1994
3- السينما الهندية: رقص وألوان ودموع وتعتيم على الحياة. السينما الساحرة - تأليف بندر عبد الحميد
4- بين التقاليد والأقمار الصناعية. ترجمة: محمود عثمان - مجلة الحياة السينمائية – العدد 43-1994.
5- توابل عاطفية جديدة في السينما الهندية ترجمة: وفاء ميفري مجلة الحياة السينمائية العدد 43-1994.
6- أفلامنا أفلام تأليف ساتيا جيت راي ترجمة: عبد الكريم ناصيف.
7 - مجلة الفن السابع المصرية - ملف السينما الهندية تأليف: عصام زكريا
8- السينما الهندية تأليف: ديفيا باتيل ترجمة: عمار حامد.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى