الأحد ٢٨ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٨
بقلم إدريس ولد القابلة

في النكتة السياسية

هل سمعت آخر نكتة؟

نعلم أنك ستجيب بـ "لا" ومن ثم تصعد إلى محياك ابتسامة مشوبة بالانتظار والتلهف للسماعها، حتى وإن كنت قد سمعت آخر نكتة قبل لحظات.. تلك حالة عفوية يخلفها فيك الشعور الداخلي الذي لا يستطيع أن يقاوم، رغبة الاستماع إلى نكتة جديدة.

هل سمعت أخر نكتة؟

سؤال يستفز كل خلاياك الحسية ويجعلك تتشوق لسماعها مستنفرا كل قدراتك للإحساس بلذة خفية عارمة وأنت تتهيأ لمفاجأة ظريفة..

إن انتشار النكتة بمجتمعنا تنطوي على أبعاد ومضامين اجتماعية وثقافية جديرة بالتأمل، فهناك مقولة مقتبسة من "هنري برجسون" تقول لا مضحك إلا ما هو إنساني، والنكتة هي محاولة قهر القهر.. وهتاف الصامتين.. إنها نزهة في المقهور والمكبوت والمسكوت عنه.

تمثل التعابير الرمزية في المخزون الثقافي المجتمعي، (ومنه النكتة) إحدى الركائز لفهم المجتمعات والجماعات الإنسانية، فمن جهة يمكن اعتبارها مرآة صادقة لما تحمله من قيم ومعتقدات وممارسات وتصرفات.. ومن جهة أخرى تكشف، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، عن الجوانب الخفية للمجتمع سواء كانت في شكل مواقف أو تطلعات أو رغبات مكبوتة.. وذلك لتوفير التلقائية والدلالية للتعابير والرموز الثقافية وخاصة لارتباطها بالواقع الاجتماعي والمعيش اليومي.

عشرات النكت تبتكر يوميا على الألسنة، تتناثر على المسامع بأشكالها المختلفة وتتناول الواقع المر بكامله، والأحداث والوقائع والأشخاص أيضا اسما ومسمى. لا يمكنك أن تكون في مكان دون أن يباغتك أحد معارفك بنكتة لم تسمعها من قبل، فلكل مقام مقال، والنكتة دائمة الحضور.
النكتة أيضا سلاح المهموم يحملها معه في حله وترحاله بين الطرق المزدوجة بالاكتئاب والمكتظة بالشعور، بالحرمان، والشعور بالمعاناة ناهيك عن قلق ضغوطات الحياة الناتج عن مختلف تجليات الواقع المر والزمن الرديء.

النكتة بالمغرب موقف وحالة ومزاج كما أنها فن وإبداع.. وكذلك متنفس، ولا يهم أن تمتاز النكتة ببريق جمالي لافت للنظر، بل قد يكون جمالها في سخافتها وقبحها.

إنها نتاج فكري طريف يطال كافة شرائح المجتمع.. فلا تدع النكتة رجال السياسية ولا رجال الدين ولا عموم الناس.. تطال الأغنياء والفقراء.. الأغبياء والأذكياء.. الصالحين والطالحين..

الطيبين والأشرار.. إنها تعبير خيالي طريف ومضحك يثير أحيانا السخرية وأحيانا أخرى الشفقة لما تسعى إليه من مبالغة وتهويل.. فينفس المتلقي وأحيانا تبسيط وتسطيح للأمور. وهناك أجيال خرجوا إلى الوجود وهم يضحكون ولا يدرون لماذا؟!... أجيال تضحك في السراء والضراء.. وقت الرخاء ووقت الأزمات.. يضحكون قبل الأكل وبعد الأكل... يضحكون حين البرد والحر.. وأحيانا كثيرة يضحكون في كل الأوقات إلا في وقت الضحك الحقيقي، فإنهم يجهشون بالبكاء..
كل مسؤول بالمغرب نال نصيبه من النكت وحقه من السخرية السوداء، وهناك شخصيات بعينها نالت من السخرية والتنكيت ما تعجز عن حمله الجبال، وهناك من الأطفال ببعض المدن العتيقة من فتحوا أعينهم على النكتة وتربوا عليها، فصاروا يبتكرونها ويتناقلونها بحرفية ومهنية يحسدون عليها.

قد تشكل النكتة سلاحا فتاكا، فهي قد تذبح بدون أن تجرح، وفي مختلف مراحل الصراع على السلطة بالمغرب، شكلت سلاحا مضادا، بحيث، وكان العديد من القادة السياسيين والمسؤولين الكبار يخشون النكتة، وقد أكد أكثر من مصدر أن الملك الراحل الحسن الثاني، كان شديد الاهتمام بالتعرف على النكتة السائدة، سيما ما يطلق عليه شخصيا.

جميل أن نضحك وأجمل منه أن نضحك من أنفسنا، ففي ذلك تنفيس وترويح عما نواجهه في الحياة من قلق وإحباط، ولا نعتقد أن هناك شعبا على وجه الأرض بصرف النظر عن مستواه الاقتصادي ونمطه الثقافي ونظامه السياسي ودرجة احترام حرية التعبير والرأي فيه، لا يضحك من نفسه أو أنه لا يحب الضحك وتعاطي النكتة، تأليفا ونقلا وأداء، للتنفيس عن مكبوتاته، ولربما للضحك من أجل الضحك فقط.

ما هي النكتة؟

النكتة، قصة قصيرة جدا مروية أو عبارة عن سلسلة من الكلمات المنتظمة داخل نسق خاص بغرض التأثير على المتلقي وجعله يضحك، على الأقل هكذا تبدو.

النكتة حادثة واقعية أو وهمية قد لا تربط بين أسبابها ونتائجها علاقة منطقية أو متوقعة، مما يترتب على ذلك مفارقة تدعو سامعها إلى الاندهاش والضحك في آن واحد بسبب عنصري المفاجأة والمفارقة، المفاجأة في النتيجة غير المنتظرة من قبل السامع (المتلقي) للنتيجة أولا، والمفارقة التي تنطوي على غرابة العلاقة بين سبب الحادثة ونتيجتها ثانيا، وعنصرا المفاجأة والمفارقة يسببان حالة من الدهشة المقترنة بالمتعة التي يعبر عنها المتلقي بالضحك، وهو تأثير إيجابي.

النكتة في اللغة تعني الفائدة، وبما أننا نستمع إلى النكتة لنضحك أو نرويها لإضحاك الآخرين، فإننا نفيدهم بانشراح صدورهم وانفراج همومهم ولو مؤقتا.

النكتة تعبير لا يمكن التحكم في مصدر صناعته ولا ضبط إيقاعه ولا حتى إيقاف رواجه، كتعبير. ومن الملاحظ أن النكتة هي وسيلة التعبير الرئيسية ولسان حال عندما يعاني الشعب من الكبت والقهر السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وهنا تتخذ النكتة شكل محاولة قهر القهر.

النكتة في جوهرها

إنها عمل درامي مستقل بذاته، له تركيبة أدبية وجمالية مضغوطة ومكثفة، إنها إفراز لمشاعر ومواقف وأراء بطريقة لا تدل على شخص صاحبها وغالبا ما تنشط في حالات الضغط الاجتماعي أو الإحساس بالقهر، ولا يعرف كيف تكتب أصلا، ومن أين تأتي؟

إنها (النكتة) آلية من آليات الهزل والضحك وهي وسيلة للتنفيس والتعبير عن الإحساسات والأفكار المحرمة والمكبوتة، وبالتالي فهناك دوافع تؤدي إلى تأليفها وإبداعها، وتمتاز النكتة بالتكثيف وإصابة الهدف المتوخى منها بأقل عدد من الكلمات، وتأتي غالبا باللهجة الدارجة، ومن أهم دوافع تأليفهاهناك الدافع السياسي، كالقهر والتفاوتات الاجتماعية والقمع المادي والمعنوي المسلط على حريات التعبير والرأي.

للنكتة وظيفة وغاية وفوائد

تلعب النكتة عدة وظائف، منها التسلية والتواصل والنقد والمحافظة على التوازن الاجتماعي، كما يمكنها أن تجد مختلف التراتبات والصراعات الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تعيشها البلاد. علاوة على هذا وذاك، تكشف النكتة عن الوعي الشعبي المدرك للتصورات والمعتقدات، إنها مرآة للنسق الثقافي السائد، فالعالم من حولنا أضحى يتميز بالقبح والسوء، وغالبا ما يكون من الصعب الكشف عنهما جهارا وبحرية.

وللتعريف بهذا القبح وهذا السوء والإمساك بهما وعرضهما على الناس في واضحة النهار ودون خشية مساءلة أو متابعة.. ابتدع الإنسان قوة "خارقة" قادرة، وبسرعة مذهلة، على اختراق أوسع فئات الشعب للوصول إلى القبح والسوء، حيث صارت هذه القوة بمثابة مجهر كاشف وبوصلة تتجه نحو محاولة ملامسة حقيقة الأمور ومكامن الخلل.

إن الوظيفة الأولى للنكتة هي تبليغ رسالة للمتلقي، قبل إضحاك الناس والتنفيس عن معاناتهم جراء الكبت وصعوبة التعبير في الموضوع المعني بالأمر.

ومن وظائفها كذلك النقد الاجتماعي للنظام وتدبير الشأن العام وكفاءة وأهلية القائمين على أمورنا ورموز النظام. يتم ذلك من خلال قالب فكاهي يشير إلى مواطن الخلل ومواضع الاختلال، وبذلك اكتسبت النكتة وظيفة خلاقة، حيث لا يمكن السيطرة عليها، فهي تنتشر بسرعة فائقة، وأحيانا كثيرة يتعامل الكثير من القائمين على أمورنا مع النكتة كميزان حرارة (ترمومتر) لرصد المزاج الشعبي، ومعرفة مستوى وعيه وهنا تكمن الظرفية الخلاقة للنكتة.

إذا كانت النكتة في المغرب تقوم بدور صمام أمان ينفس به المواطن عن ضغوطه ومعاناته التي يتم أحيانا بلعها وهضمها بمساعدة نكتة أو اثنتين، فهي كذلك مؤشر لمعرفة القضايا التي تشغل باله وتفكيره وتعكر عليه أجواءه، وأحيانا، تكون وسيلة لجس نبضه، وهذا ما يفسر اهتمام الأجهزة المخابراتية ببعض النكت أحيانا، أو بما يجري ويدور منها في كنف المجتمع.

والشباب، نظرا لضيقه بالمشاكل المحيطة به من كل جانب، أضحى يشكل الفئة الأكثر حماسة لحفظ النكت وترديدها وهناك، إذ منهم من يساعده حفظه للنكت والتألق في روايتها على اكتساب احترام خاص بين أصدقائه، لاسيما إذا كان صوته غير مسموع بينهم، فتعطيه النكتة مكانة بينهم.

مواضيع النكتة وصلاحيتها

استخدم المغاربة سلاح النكتة خلال كل الظروف التي مرت به، وجعلوها متنفسا في أحلك الظروف وأشدها.

فكلما وقعت فاجعة أو واقعة أو انكشف أمر ما أو تورط مسؤول أو صدر ما يعد نشازا أو غريبا، في أقواله وأفعاله، انطلقت الألسن بعد أيام قليلة لتتناقل نكتة بهذا الخصوص.

تطرقت النكتة إلى مختلف المواضيع والمجالات، الفقر والفساد والتسلط وغياب الديمقراطية والكبت والجنس وضبابية المستقبل، وظلت النكتة سلاح الضعفاء في النقد خلال الأزمات وفترات الاستبداد.

من أبرز التصورات النمطية التي تعتمد عليها النكتة، الثنائية المرتكزة على عنصرين أو أكثر، كالتفرقة الجنسية بين الرجل والمرأة، والتفرقة الطبقية بين الغني والفقير، والتفرقة السلطوية بين الحاكم والمحكوم، والتفرقة البيئية والمجالية بين الحضري و"العربي"، والتفرقة الثقافية بين المتعلم والأمي، أو الذكي والبليد...

والنكتة، مثل الحليب الطازج، سرعان ما تنتهي صلاحيتها، لأنها تصبح قديمة أو "مستهلكة" بسرعة".

سوسيولوجيا النكتة

تنبع الأهمية السيوسيولوجية للنكتة بفعل أن معظم ما يتداول منها هو وليد البيئة الاجتماعية للمجتمع المغربي بمختلف شرائحه ومناطقه وأقاليمه وقبائله، حيث تقوم النكتة بفضح المستور مما يقدم للباحث مادة خصبة لفهم خفايا المجتمع وسبر أغوار مكبوتاته.
علما أن هناك نكتا تم توطينها بعد إجراء بعض التعديلات والإضافات لإلصاقها بشكل بارع بمجتمعنا، سواء تعلق الأمر بالمحيط الاجتماعي ـ الثقافي أو المحيط السياسي.

من شأن دراسة النكتة أن تكشف لنا عن أهم تطلعات المجتمع ورغباته وانتقاداته، ونوعية التفاعل والعلاقات التي تربط المواطن بذاته وبالآخرين وجملة الانتقادات الكاريكاتوية الموجهة لهما.
وأشارت دراسات عدة إلى فوائد النكتة في الحياة الاجتماعية، ويمكن تلخيصها فيما يلي: تقوية التعاون الاجتماعي وتنشيط العقل والإبداع والخيال وفهم مطالب الآخرين والتفاعل والتواصل مع الناس والتقرب إليهم ومقاومة الاكتئاب والقلق واحتواء الغضب، سيما وأن الضحك يزيد ضربات القلب وإفراز "الأدرينالين" الذي يعقبه استرخاء. وأجمع كل الأخصائيين على أهمية الضحك في حياة الإنسان، فالنكتة تجعلك تبتسم رغم كل الظروف الصعبة المحيطة بك.

وهناك نكت أفسدت العلاقات بين الدول وتطلبت احتجاجا واعتذارا رسميين، كما وقع بين مصر
وإسرائيل حينما دأبت الصحف المصرية على إطلاق "نتن يا هوه"، على رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، نتنياهو، ولم تعد تشير إليه إلا بهذا الاسم، مما دفع نتنياهو تقديم احتجاج رسمي للدولة المصرية.

لكن من الناحية القانونية، هل يعاقب القانون مخترع النكتة بتهمة القذف أو السب العلني؟
إذا كانت النكتة عامة أي مجرد نكتة، عادية ولا تطلق ضد شخص أو أشخاص معينين، فهي ليست مجرّمة قانونيا، أما إذا كانت تهدف إلى التجريح والتحقير في شأن شخص أو أشخاص معنيين، فهذا أمر يجرّمه القانون مبدئيا، وتعد سبا وقذفا.

تتغير النكتة مع تغير الجيل الذي يطلقها، فأصحاب نكت الاستقلال هرموا، وتلاهم جيل الستينات والسبعينات الذين شابوا وساروا نحو الشيخوخة وتوقفوا عن ابتكار النكتة، وتسلمت الأجيال الشابة الجديدة مقاليد النكتة مهمومة بالقضايا الداخلية والعالمية، إذ اخترقت العولمة وتداعياتها عالم النكتة.

النكتة.. الدين والعرب

إن المسلمين والعرب في مختلف عصورهم لم يهملوا النكتة والطرائف ونوادر الكلام تداولا وتأليفا، فالمكتبة العربية تزخر بالكثير من كتب التراث، مثل تصنيفات الجاحظ وكتابه الشهير "البخلاء"، كما وضع الإمام الجوزي مؤلفات في النوادر والطرائف، كما أن هناك مؤلفات اهتمت بنوادر جحا، ومن بين هذه المؤلفات "أخبار الحمقى والمغفلين" لأبي الفرج الجوزي.. وهذا يدل على إن الطرفة قديمة وليست مستحدثة، تحكي واقعا سياسيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا، ويقال أن هناك حكام وزعماء عرب يبدأون يومهم بالسماع أو الإطلاع على تقرير بخصوص النكت التي قيلت عنهم.

وتميز عدد من العلماء بالدعابة والحكمة في الرد على التساؤلات والتعامل مع بعض المواقف. ومما يذكر في هذا الصدد سؤال أحدهم للإمام الشعبي: "ماذا كانت تسمى زوجة إبليس؟ فكان رده: ذلك عرس لم نشهده".

فكيف يعرف شيخ الإسلام ابن تيمية النكت؟

"إنه شيء من قول أو فعل يقصد به غالبا الضحك وإدخال السرور على النفس، وينظر في حكمها إلى القصد منها وإلى أسلوبها، فإن كان المقصود بها استهزاء أو تحقير مثلا، كانت ممنوعة، وإلا فلا، وهي تلتقي مع المزاح في المعنى، وقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يمزح ولا يقول إلا حقا، ومن حوادثه أن رجلا "قال له: احملني على بعير، فقال: "بل نحملك على ابن البعير، فقال: ما أصنع به؟ إنه لا يحملني، فقال (صلى الله عليه وسلم): ما من بعير إلا وهو ابن بعير"، رواه أبو داود والترمدي وصححه.

وعلى عكس الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان عمر بن الخطاب يكره النكتة، وقد قال: "من كثر ضحكه قلت هبته، ومن مزح استخف به".

وكان الجاحظ كثير الدفاع عن الضحك، مبينا أثره في حياة الإنسان، وأنه جزء من طبيعته، وقال: "لو كان الضحك قبيحا من الضاحك، وقبيحا من المضحك لما قيل للزهرة، والحبرة، والحلي، والقصر المبني: كأنه يضحك ضحكا...".

وجاء في القرآن الكريم: "وأنه هو أضحك وأبكى وأنه أمات وأحيا"، وهذه الآية تضع الضحك بحذاء الحياة، وتضع البكاء بحذاء الموت.

دافع الجاحظ عن الضحك وبين قيمته، لكن اعتبر أن له حدودا لا ينبغي تجاوزها، إذ يقول: "للضحك موضع، وله مقدار، متى ما جاوزهما أحد، وقصر عنهما أحد صار الفاضل خطلا، والتقصير نقصا، فالناس لم يعيبوا الضحك إلا بقدر، ومتى أريد بالمزح النفع، وبالضحك الشيء الذي جعل له الضحك صار المزح جدا، والضحك وقارا".

فالضحك في نظر الجاحظ يحتاج إلى وجدانية الآخرين، لأن ضحك من كان وحده لا يكون على قدر مشاركة الأصحاب (كتاب البخلاء)، أي أن الضحك مشاركة جماعية، ومن ثم فالجاحظ سبق عالم الاجتماع "برجسون" في هذا الرأي الذي يرى أن الإنسان ما كان يمكن أن يقدر المواقف المضحكة، أو يتذوق النكتة الطيبة لو أنه كان يشعر بأنه يحيا في عزلة عن الناس، وذلك لأن الضحك بطبيعته في حاجة إلى يردد أصداءه، وينشر إشاعاته، فهو في صميمه ظاهرة اجتماعية.
الإنسان نادرا جدا ما يضحك منفردا، بل يضحك إذا تجاوب معه آخرون، وشاركوه في الإحساس بالشيء المضحك، حيث يقول علماء النفس: إن الضحك سلوك اجتماعي، يقوم به الإنسان، ويؤدي في حياة الأفراد والجماعات وظيفة نفسية هامة من وظائف الاتزان العاطفي، وهو السبيل إلى تحقيق ضرب من التكامل النفسي والاجتماعي.

لكن انتزاع الضحك الآن صعب للغاية، فالناس محتاجة للأكل والشغل قبل التفكير في الترفيه عن نفسها، والنكتة، قد تقوم بدور متنفس عابر يمكن، حتى الغارق، في الهموم، تفجير ضحكة.

النكتة وحرية التعبير

هناك علاقة طردية بين النكتة وحرية التعبير والرأي، إذ كلما ضاقت مساحة وحرية التعبير في المجتمع ازداد انتشار النكتة وتداولها، بل وزادت كمية السخرية في محتواها لتضحى كوميديا سوداء، إذ أن سياسة الدولة وقراراتها ورموزها تشكل موضوعات أساسية للنكتة، وهذا ما يذكرنا بوظائف النكتة السياسية المحضة على امتداد سنوات الجمر والرصاص، إذ راجت في عهد الملك الراحل الحسن الثاني "نكت سوداء" تضمنت كمية من السخرية القاسية، علما أن الاستبداد والبطش والقمع الشرس يدفع دفعا إلى ابتكار أساليب جديدة في التعبير يغلب عليها الطابع الرمزي، وربما الإغراق في الرمزية لدرجة الإبهام المفتعل للتحايل والإفلات من العقاب ولجعل الرسالة في متناول المواطن.

النكتة "ترمومتر"

كان العديد من زعماء العالم يتابعون النكتة، لاسيما السياسية منها، التي يرددها الشارع، فمنهم من يعتبرها كاستطلاع رأي لسياسته ومواقفه وتصرفاته وعاداته ونمط حياته، وآخرون اعتبروها مؤشر صعود أو هبوط شعبيتهم، فالجنرال "شارل ديغول" كان أكثر ما يزعجه هو أن النكتة السياسية أو الرسوم الكاريكاتورية لم تعد تعره أي اهتمام في أواخر حكمه، فقال: "لقد تدنت شعبيتي في فرنسا، فأنا لا أرى نفسي في الرسوم الكاريكاتورية ولا أسمع اسمي في النكتة التي تنتقدني".

وكذلك الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر الذي كانت تجمع له جميع النكت التي أبتلى بها بعد هزيمة 1967 بسيل من اللذعات الناقدة، حتى اضطر إلى إثارة ظاهرة النكتة في إحدى خطبه المشهورة، ولم يطلب من الشعب المصري أن يكف عن التنكيت، لأن هذا من قبيل المستحيل، بل ناشده أن يتقي الله في نفسه وأن يرشد النكتة بما لا تؤدي الشعور الوطني.

وكان الراحل ياسر عرفات يبدي اهتماما خاصا بالنكتة، التي كانت تزعجه في أحيان كثيرة.
ومنذ مدة باتت النكتة موضوعا للدراسات العلمية في العديد من المراكز البحثية، لأنها تعتبر قياسا لاتجاهات الرأي العام وإشارة لرؤيته للقضايا المتداولة على الساحة.

رأي في النكتة

يرى علماء الاجتماع وعلماء النفس أن النكتة تعتبر دليلا على حيوية الشعب واهتماماته ورغبته في تجاوز الأمر الواقع وعدم الاستسلام له.

وفسرت المدرسة الفرويدية النكتة، على أنها نوع من أنواع التعبير عن اللاشعور والأفكار غير المعلنة، وأن قوة النكتة تكمن في هدفها، وعادة تكون الأفكار غير المعلنة مؤلمة ومستفزة تؤدي إلى صراع نفسي كبير لدى الفرد، وتعبر النكتة عن نقد لواقع يصعب نقده بشكل مباشر وصريح، لذلك يلجأ الناس عادة إلى النقد عن طريق النكت.

عزيز البستاني، صاحب نكتة، لا يحضر جلسة، في المقهى أو مكان آخر إلا وافتتحه بنكتة، ضليع في هذا المجال ودائع الصيت بين معارفه، يحفظ العديد من النكت، بل لا يتردد في إبداع وابتكار بعضها أحيانا، يقول بخصوص النكتة:

"الجميل والظريف أن النكتة دائما ما تكون وليدة موقف عفوي نقوم به ونحن من يروي ذلك الموقف الآخرين، بهدف إسعادهم ولو لحظة، وإضحاكهم على ذلك الموقف، وبطريقة غير مباشرة نعمل على إضحاك الآخرين على أنفسنا وبطريقة عفوية، هذا لأن الإنسان بفطرته يسعى إلى المرح وبشتى الوسائل حتى ولو كان يضحك منه الغير.

وغالبا ما تحوي جلسات الأهل والأصدقاء حيزا مهما للنكتة، إذ تعد هذه الأخيرة سبيلا للألفة والمحبة والتقارب العفوي بين الأشخاص، تقارب بدون تخطيط مسبق، فنقول: نريد الجلوس مع فلان لأنه صاحب نكتة.. أو لم نضحك منذ جلوسنا مع فلان، ونسعى كلنا إلى الالتقاء بمن يوصفون بـ "خفيفي الدم" وذلك لكسر الروتين اليومي وتناسي معضلات ومشكلات الحياة المتراكمة في هذا الزمن الرديء، والغريب في الأمر أن الكثير من المغاربة، بعد جلسات الضحك المفرط، غالبا ما يقولون "الله يستر ويخرج هاذ الضحك على خير"، وكأن هناك ضريبة "ربما عكسية" لهذا الضحك ينتظر أداؤها متمثلة بالخوف من القادم، وهذا اعتقاد مازال سائدا عندنا.

النكتة والشخصية

تشتمل النكتة على ثلاثة مكونات هي المعرفي والوجداني والنزوعي، والشخصيات تصنف إلى نوعين، الأول يهتم بالعلاقة مع الآخرين، كونهم متمرسين على إلقاء "النص" بطريقة جذابة توضح جمالياته بشكل شيق وممتع، والنوع الآخر إنطوائيون يتجنبون هذه العلاقات، ومعظم الناس يقعون في منطقة وسطى مع ميل خاص إلى إحدى الفئتين، والشخصيات الاجتماعية تميل إلى التفاعل والاستمتاع بروح "النص" وسرعة الاستجابة له، والشخصيات الإنطوائية تميل إلى الهدوء والتحفظ وتبتعد عن المناسبات الاجتماعية.

ويتفاوت الناس في ميلهم إلى الضحك والنكات، وفي بعض حالات الفصام والتخلف العقلي يضحك الفرد على نحو مستمر، وفي حالات الإكتئاب الشديدة قد لا يضحك الفرد البتة.
ويستمتع الأشخاص الأكثر ميلاً إلى الاتزان الوجداني بالنكات أكثر من الانفعاليين، وهناك انطوائيون يستمتعون بالنكات أكثر، ويتدخل العمر في علاقة الشخصية بالنكتة، وتكون ذروة الميل إلى الضحك في سن المراهقة ويسمى "سن القهقهة"، حيث تجليات تكوين "النص" ذو المضمون الهش، وتميل الإناث إلى الضحك أكثر من الذكور.

وقد تكون النكتة تعبيراً عدوانياً عند اكتشاف ضعف الآخرين أو للاستمتاع بالتقليل من شأن الآخرين، وقد أثبتت دراسات عدة أن النكات السياسية الأكثر عدوانية "نصاً وفكرة" تكون أكثر إمتاعاً وطرافة من غيرها.

ويراها فرويد تعبيراً عن دوافع جنسية أو عدوانية مكبوتة، وضحكة المنتصر التي تصورها الحكايات التاريخية والأعمال الفنية هي أبرز مثال على ذلك الارتباط بين النكتة والعدوان.

وانتهت دراسات عدة إلى أن النكت ترتبط بالشخصية الإبداعية بدرجة كبيرة، بمنزلة الميسر للعملية الإبداعية تيسر إنتاج النكتة، فالإبداع والنكت كلاهما يقوم على أساس الخيال والمرونة العقلية والطلاقة في التعبير والأفكار والمواقف والعلاقات والجدة والتفرد.

النكت لها وظيفة اجتماعية للتواصل مع الناس ولتحقيق التفاعل بين الأفراد والجماعات، وللتحكم في سلوك الآخرين بالسخرية أو إزالة الخوف، ولمهاجمة السلطة السياسية والدينية والاجتماعية، وفي نقل المعلومات باتجاه تحذير الناس وتعزيز التماسك الاجتماعي، وتحديد أنماط السلوك المقبول عبر النقد والسخرية والكشف عن العيوب الاجتماعية، وتعديل القرارات الخاطئة وتحسين الظروف السيئة.

وكثيراً ما تجسد النكات العرقية القائمة على أساس الخصائص العرقية والدينية والقومية، وكذلك الصفات الخاصة بمناطق معينة أو جماعة معينة أو نوع معين (ذكر أو أنثى) أو عمر معين، وقد يتحيز ضد فئة من الفئات.

وتتسم النكات العرقية بالتبسيط والتحيز، كاعتبار شعب معين ذكياً أو ساذجاً وغبياً، ويغلب عليه التقليل من شأن الآخرين، وقد يصعب تفسير اتجاهات النكات العرقية وسبب تحيزها لشعب معين أو ضد شعب آخر، وربما يكون التفسير الرئيس لهذه النكات قائما على أساس المركز والأطراف، أو بين مطلقي النكت في المركز وهدفها أو ضحيتها عند الأطراف، أو المدن مقابل البوادي، أو طبقة الصفوة مقابل الطبقة العاملة، أو المهارة مقابل عدمها أو انخفاض مستواها، أو المنافسة مقابل الاحتكار.

يقول أحد الفنانين: "المفروض أن الكاريكاتير مضحك، نتصفح الجريدة أملاً في آخر نكتة،" لكن أشهر رسام كاريكاتير عربي "ناجي العلي" لم يكن يضحكنا، إذا اقترب من النكتة فإنه يقف عند حد السخرية وربما رسم على وجوهنا ابتسامة مرّة، وحين سألوه لماذا لا تُضحك؟ قال: "من يطلب النكتة في العالم العربي فعليه ألا ينظر إلى الكاريكاتير بل إلى الواقع السياسي العربي، لهذا تصبح موسيقى النظر لرسوم "العلي" كما تسمعون أغنية فرح لكنه فرح مؤجل كالحلم الفلسطيني المؤجل".

النكتة سلاح

لقد وجد أفراد الشعب في النكتة والتنكيت وسيلة وسلاحا فعالا للتعبير عن الآراء والمواقف التي لا يقوون على الجهر بها. ووجد المغاربة في النكتة وسيلة للتعبير عن المكبوت تجاه الحكم والتدبير السياسي والاقتصادي.

فأغلب النكت السياسية وذات "السخرية السوداء" موجهة ضد القائمين على أمورنا، من أعلى الهرم إلى قاعدته، حكام ووزراء وسفراء وجنرالات وشخصيات وازنة، وعبر النكت و"السخرية السوداء" يوجه لهم أفراد الشعب رسائل مشفرة ينفسون على أنفسهم من خلالها بوضعهم في إطار يثير الضحك.

إن النكتة سلاح الضعيف ضد القوي، سلاح الأقلية ضد الأغلبية، وغالبا ما تكون "قذفا بينا" يطلقه مجهول، ينتشر دون معرفة مصدره أو صاحبه.

وقد تنتقل من عصر إلى عصر لنفس الغاية وذات الأسباب، فهناك نكت أطلقت على الملك والمقربين منه، وعلى القادة العرب والحكام المستبدين، كما أن هناك نكتا أطلقت على هتلر وموسولوني وستالين، هي نفسها التي ظهرت في لغات أخرى بعد اقتباسها لجعل أبطالها من طغاة البلاد والمستبدين.

أكدت أكثر من دراسة علمية عن النكت أنه من الممكن معرفة تاريخ البلد عن طريق الاطلاع على النكت الرائجة فيه، سيما التي تخص قادته وشعبه وأحداثه.

ومن أهم الدراسات هناك دراسة أكاديمية عن النكت التي أطلقها الروس ضد ستالين، نشرت تحت عنوان "المنجل والمطرقة / تاريخ الشيوعية كما ترويه النكت"، رأى أصحابها أنه من خلالها يمكن التعرف على تاريخ روسيا بواسطة نكتها.

رأت الجمل لأول مرة في حياتها فقالت:"انظروا ماذا فعل ستالين بالحصان"، وكذلك نكتة تقول:"ارتفع سعر الدقيق لأنهم أدخلوه في صناعة الخبز" وأخرى تقول:"إن البوليس أمسك أحد المتردين فسألوه: من أمك؟ قال روسيا، ومن أبوك؟ قال ستالين.. وما هي أمنيتك؟ أن أكون يتيما"، وهذه مجرد عينة من النكت تم اقتباسها من طرف الشعوب العربية وتكييفها مع أجوائها ونمط عيشها مع الاحتفاظ بفحواها ودلالتها ومقصدها الرئيسي.

فكما دل هذا النموذج من النكت على الديكتاتورية الروسية، فإن النكتة دليل إلى أعماق كل النظم الشمولية، وقد اهتم المصريون مبكرا بأثر النكتة السياسية على الشعب، قبل غيرهم من العرب، حيث وضع الرئيس المصري جمال عبد الناصر فرقة مخابراتية مختصة في رصد النكت لتحديد اتجاهات تفكير الجماهير الشعبية.

كما أن المخابرات المغربية أضحت، منذ مدة تعنى هي كذلك بالنكت الرائجة بخصوص الملك والعائلة الملكية والشخصيات الوازنة والأحداث البارزة.

النكتة والحرب النفسية

قد تكون النكتة ضد الشعب حين تأخذ شكل الإشاعة وتكون مجالاً للشك وخلق الفتن، وهذه تقوم بصياغتها ونشرها جهات خارجية من اجل تحطيم ارادة الشعب وتفتيت وحدته وتشويه سلطته الوطنية العليا بما تختلق من افتراءات وتصورها على انها حقيقة واقعة، لتزداد الهوة اتساعًا ما بين السلطة والشعب وبين الحاكم والمحكوم ومن اجل تقويض اركان الثقة بينهما، وهي اسلوب عدواني يدخل في اطار الحرب الباردة، وقد استخدمت اسرائيل سلاح النكتة اكثر من مرة ضد الدول العربية، ونشرت ما تشاء من النكت العدائية، ومن ذلك ما فعلته بعد نكسة يونيو 1967 ومن الجدير بالذكر ان هناك (سفارات) داخل الدول تكرس اغلب وقتها لصياغة النكت كوسيلة من وسائل الحرب النفسية بأساليب عنصرية وطائفية من أجل بث روح الكراهية بين ابناء الوطن الواحد، ومن تلك السفارات (سفارات الولايات المتحدة الاميركية) التي يضم (مجلس نكتة) يعتمد على صياغة النكت ونشرها داخل المجتمع الذي تكون فيه، ولا يقتصر ابتكار النكت على السفارات فقط بل هناك احزاب ومنظمات مناوئة لحكومة البلد لها علاقات بأطراف خارجية تمارس العمل ذاته وتقوم ببثها في المجتمع من اجل مصالح واغراض لإصابة المواطنين بالاحباط وفقدان الثقة بالحكومة وتكريس الفتن.

النكتة و"البلوتوت"

بدأت طرافة النكتة وخفة ظلها مهددتين من طرف التكنولوجيا الحديثة التي اخترقت وجودها بشكل أو بآخر، سيما بواسطة "البلوتوت"، وهي تقنية الاتصال اللاسلكي الموجودة في الأجهزة الخلوية الحديثة والتي تتيح تناقل الملفات ضمن نطاق محدد.. هذه الملفات تكون عبارة عن صور مضحكة ومبتذلة أحيانا، وفي آن معا.

بدأت بعض العينات من الشباب لا تحفل بسماع نكتة جديدة، وإنما بما يحتويه الجهاز الخلوي من "البلوتات" المبتكرة و"الطازجة" أو التي "مازالت في ميكتها" كما يقال.

فكل ما على المرء فعله هو أن ينشط الاتصال اللاسلكي لتنهمر عليه الملفات من أجهزة الهواتف المحمولة المتوافقة مع جهازه، ورغم أن فحوى تلك الملفات المتناقلة طريفة إلى حد كبير، إلا أن البعض يرى أنها تحد من قدرة الشخص على الخيال والتصور، في حين إن النكتة المسموعة والآنية تنشط خيال المتلقي وتمكنه من رسم صورة معينة في مخيلته للشخوص والأحداث حسب السياق الكوميدي الذي تتحرك فيه.

في السخرية

السخرية نوع من أنواع الفكاهة الضاحكة، غير أنها ترتفع عن الفكاهة في موضوعها، فالسخرية أسلوب ضاحك لطيف، يتسلل إلى قلوب القراء أو السامعين أو المشاهدين (المتلقين)، كما يتسلل الطيف إلى ذاكرة الإنسان، وينتقل إلى نفوسهم كما تنتقل كلمات الحب لدى المرأة، إنه أسلوب يعتمد فكرة جادة يدور حولها، يناقشها، يحللها، وربما وصف سذاجة أصحابها أو شدة ذكائهم.

والسخرية، من وجهة نظر الأدباء، ظاهرة ترتفع بالنكتة عن أن تكون ضوءا كاشفا يقدحه الزناد في مهب عاصفة هوجاء لتكون بمثابة عمود إنارة يمتد نوره إلى المجتمع بكامله، ومن هنا كان لكبار الأدباء، والفنانين اهتمام بظاهرة السخرية، فالقارئ المتمعن لوليام شكسبير مثلا، يجده لا ينفك يرسل النكتة تلو الأخرى لا ليضحك بها الجمهور وحسب، بل ليجعلها أداة جادة يقتل بها، أحيانا كثيرة، ما لا يصلح أن يخالط الحياة، وهو ذات الأسلوب الذي حكم أعمال وإبداعات الفنان الفكاهي أحمد السنوسي (بزيز).

والسخرية بهذا الثوب تعد وظيفة تختبر بها القدرات، ولن يقدر على فهمها وتسييرها لخدمة الصالح العام، ونشر الأفكار من خلالها إلا مجرب ذو ثقافة عامة مهمة، العارف لهموم الناس، السابر لأغوار النفس البشرية ومعاناتها، والمهتدي إلى معرفة نزوات القلوب وكيفية إرادتها وتحريكها إلى الوجهة التي يريد.

وقد أضحى من المعروف الآن أن السخرية تكثر في المجتمع المقهور الذي يعاني ظلما سياسيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا أو ثقافيا، ولذلك نجد الشعب الفقير المحطم الضعيف من أقدر الشعوب على فهم السخرية والنكتة وأعرف بمرماها، وأعلم بما تتضمنه من معان ورسائل ثائرة وانتقادات إصلاحية. وعلى امتداد التاريخ ساهمت السخرية في فضح الواقع والقائمين عليه.

السخرية والأدب الضاحك

الفرق كبير بين الأدب الساخر والأدب الضاحك والمتمثل في النكات الشفوية، فغسان كنفاني وهو ممن كتبوا المقالات الساخرة التي كانت تصدر في ملحق الأنوار ضمن مجلة الصياد، يقول في تعريفه للكتابة الساخرة "إن السخرية ليست تنكيتاً ساذجاً على مظاهر الأشياء، ولكنها تشبه نوعا خاصاً من التحليل العميق. إن الفارق بين "النكتجي"(صاحب النكتة) والكاتب الساخر يشابه الفارق بين الحنطور (الكوتشي) والطائرة، وإذا لم يكن للكاتب الساخر نظرية فكرية فإنه يضحى مهرجاً".

في ظر الأدباء والصحفيين السخرية ليست هدفاً بقدر ما هي شكل من أشكال التعبير عن الآلام والأحلام والأحداث، وأمور الحياة اليومية.

يقدمونها على شكل ابتسامات ومفارقات، ربما لأن الانسان لا يستطيع العيش حزينا طوال الوقت، وفي عصرنا المتسارع هذا، نبحث دائما عن شيء ينسي الإنسان همومه ويصيّرها ألطف وأرق مما هي في الحقيقة. هؤلاء يكتبون ما لديهم بالدارجة حينا وبالفصحى حينا آخر، ولكل كاتب طريقته التي يمتاز بها عن غيره من الكُتاب، لكن ما يجتمع حوله كل هؤلاء هو حب الأرض والشعب ونبذ القهر والظلم والتقزز من المستغلين ومصاصي الدماء والطفيليين الانتهازيين والمنافقين لاعقي الأحذية.

الأدب الساخر تنطوي تحته أنواع: فهناك الشعر الساخر، القصة الساخرة والخاطرة والمقالة الصحفية الساخرة، وكلها طرائق متعددة لقول ما يشغل بال الكاتب في الحياة من حوله، ليتناول التناقضات في المجتمع، الممارسات السلبية، الأحداث والشخصيات السياسية، المشاكل الاجتماعية وحتى النفسية والمادية، وغيرها من المواضيع التي لا تعد ولا تحصى.

والسخرية السياسية أضحت الآن من أهم أشكال الإبداع، وقد برز كتاب وفنانون ساخرون على مدار التاريخ، أثروا في العالم بإبداعاتهم، وليس بعيدا عن الثقافة العربية، الجاحظ والمتنبي وأبو حيان التوحيدي وابن الرومي وابن المقفع وآخرون، وعن الثقافة العالمية سقراط وشكسبير وبريخت وغيرهم. ففي العصر الإسلامي الأموي اشتهر أناس بانشغالهم بالتماهي فيما بينهم حتى سموا بشعراء النقائض. وفي العصر العباسي اشتهر ابن الرومي بالسخرية من نفسه وشكله القبيح، ومثلت سخريته المرارة والحسرة، حيث وصفت بسخرية الرفض لكل ما يحفل به المجتمع من تناقضات ومفارقات.

وفي عصرنا الحديث تطورت السخرية السياسية بشكل كبير، من خلال وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، و"الافتراضية" التي جمعت بينهم، وقد استشهد ناجي العلي في سبيل هذه السخرية كما اعتقل ونفي آخرون بسببها، وبرامج "الكينيول" في الغرب باتت من أشهر البرامج التي تتابع على نطاق واسع واستهدفت كل القادة الغربيين، ولم يقم واحد منهم بمنع مثل هذه البرامج أو تكميم أفواه مبدعيها رغم أنها تجعل منهم أضحوكة أمام الصغير والكبير، غير أنه في العالم العربي، سبق لوزراء الإعلام العرب أن اتفقوا على الضرب بيد من حديد على كل من سولت له نفسه أن ينال من أي زعيم أو قائد أو وزير أو مسؤول عربي.

يقول الأديب الفرنسي "أناتول فرانس":"السخرية والرحمة هما مستشاران جيدان، إحداهما تجعل حياتنا محبوبة بواسطة الابتسامة، والثانية تجعل حياتنا مقدسة عن طريق الإبكاء"، تلك هي الحياة، مليئة بالمتناقضات، فتارة تضحكنا وأخرى تبكينا، الغث والسمين، الطيبون والخبيثون، الكاذبون والصادقون، المنافقون والمراؤون، وحاول البعض إسقاط هذه الأقنعة على الوجوه عن طريق السخرية، وهذه موهبة لا تتأتى إلا لقلة ممن أتوا عمقا في التفكير والتأمل، وسعة الخيال، ودقة الملاحظة، وإرهافا في الحس وقدرة على التقاط جوانب الضعف والخلل ومواطن التناقض.
وقد وصل ببعض المبدعين في فن السخرية إلى حد جعل الشخص الذي يستهدفونه كطير يرقص مذبوحا من الألم، إنه فن فيه مرارة دفينة تعرض في صورة دعابة.

الضحك في التراث العربي والإسلامي

يدعو الإسلام إلى الابتسام والمزاح الصادق والتودد للناس، وفي الحديث النبوي "تبسمك في وجه أخيك صدقة". وقال علي بن أبي طالب "روحوا القلوب فإنها تمل كما تمل الأبدان"، وقال أيضاً "من كانت فيه دعابة فقد برئ من الكبر".

ومن أهم مصادر الفكاهة والسخرية في التراث العربي ابن الرومي شاعر الهجاء والتهكم، والجاحظ مؤلف كتاب البخلاء المليء بالسخرية والتهكم والهزل، إذ يتحدث الجاحظ عن فلسفة الضحك وأهميته في الارتقاء بالخلق وتطييب النفوس. ومن هؤلاء أيضاً أبو الفرج ابن الجوزي مؤلف كتابي ( أخبار الحمقى والمغفلين) و( الأذكياء)، والتوحيدي الفيلسوف مؤلف (المقابسات) و(الإمتاع والمؤانسة) و(البصائر والذخائر) و(الهوامل والشوامل)، وله نظريات في تفسير الضحك على مستوى عال من العمق والذكاء، فهو يرى أنه قوة ناشئة عن تفاعل قوتي العقل والغريزة في الإنسان، والضحك حالة من أحوال النفس تنشأ عندما يرد إليها استطراف أي شيء طارئ يجعلها تتعجب، ويقول في (البصائر) "إياك أن تعاف سماع هذه الأشياء المضروبة بالهزل الجارية على السخف، فإنك لو أضربت عنها جملة لنقص فهمك وتبلد طبعك".

واشتهرت في التراث العربي مجموعة من الطرفاء والمضحكين. وفي كتابه "الفكاهة عند العرب" يورد أنيس فريحة أخبار كثير ممن احترف الفكاهة مثل جحا وأبو علقمة وأبو دلامة وأبو النجم وأبو الشمقمق وأشعب وبهلول.

أقدم نكتة مدونة

النكتة بدأت مع الإنسان، فلم تكن وليدة عصر معين، إنها موجودة حيث وجد الإنسان، ولها تاريخ طويل عريض، فأقدم نكتة مدونة تم العثور عليها على ورق بردي فرعوني، حيث يعود تاريخها إلى سنة 3200 قبل الميلاد (أي منذ 5208 سنة خلت)، وتقول هذه النكتة: كان أحد الكتبة يعمل في غرفة بمعبد "تحوت" فأزعجته الجلبة المنبعثة من الغرفتين اللتين تحيطان بغرفته، وكان يقيم في إحداهما نجار وفي الأخرى حداد، ولما أوشك أن يجن من الضوضاء قصد النجار ودفع إليه مبلغا من المال لكي يغادر غرفته إلى غرفة أخرى، ثم فعل ذلك مع الحداد، وقبل الرجلان،
وفي اليوم الموالي انتقل الحداد إلى غرفة النجار وانتقل النجار إلى غرفة الحداد وظل الوضع على ما هو عليه ولم يتغير شيء.

وعلى مدى العصور ظلت النكتة حاضرة تعيش مع الناس وتعبر عن ظروفهم الاجتماعية والسياسية، ومع توالي السنين وتعقد الحياة لعبت النكتة دورا فاعلا في حياة الإنسان، معبرة عن تفاعله مع الأحداث، فصار بحاجة إلى تطهير نفسه والتنفيس عن همومه التي تتكاثر من حيث يدري ولا يدري، لذلك يقال "شر البلية ما يضحك".

نماذج من النكتة المغربية

"ناري كون كنتي ملك" ( لو كنت ملكا)

شخص له رأس كبير، وكان كلما يراه أحد الأطفال يقول له:"ناري كون كنتي ملك.."، ودام على هذا الحال، كلما وأينما التقى به.

ذات يوم تملك صاحب الرأس الكبير من القبض على الطفل وقال له " أش غادي يطرا كون كنت ملك" فأجابه الطفل:"الدرهم غاتكون قد الصينية".

"المرود" يتقصون

بمناسبة الأحداث الأخيرة بمدينة سيدي إفني، طلع الدم للمرود ( القوات المساعدة وهو جهاز أمني تابع للداخلية في آخر سلم الأجهزة الأمنية المغربية) هما يدخلوا عند القايد وقالوا ليه:"كيفاش البوليس والمخابرات والدرك والبرلمان... كلهم داروا التقرير والمحضر ديالهم إلا حنا، خصنا نديرو خدمتنا"، فقال لهم القايد:" وخا غادي تمشيو لعين المكان وديرو حتى أنتما خدمتكم وفي خلال أسبوع رجعوا لعندي... دار الأسبوع الأول، الأسبوع الثاني والثالث والرابع.. داز شهر وهما يجيوا فقال لهم القايد:"فين غبرتوا؟ قالوا ليه: مشينا إلى عين الذئاب وعين السبع وعين أسردون وعين الشعير لكن مالقيناش هاذ عين المكان".

رشوة

شرطي يمارس عمله في "الرومبوان" (مفترق الطرق) كل يوم.. له ابنان كسولان.. في نهاية السنة كل واحد منهما أتى بالنتيجة والتي كانت رديئة جدا..

سلمها الأول لوالده وهو يسلخوا وجاء دور الثاني أعطاه ديالو، اطلع عليها الأب فقال له " اذهب الله يسامح هاذ المرة، أولمرة الجاية جيب نقط مزيانة، استغرب شقيقه للأمر، لأن نتائجه كانت أسوأ، فسأله "علاش ما سلخكش؟ فأجابه درت ليه في النتيجة ورقة ديال عشرين درهم.

الفساد

تم الإعلان عن جائزة 10 ملايين لمن له 10 أطفال، واحد كانوا عندو 9 أطفال، وهو يقول لمراتو راه كنت مزوج عليك وولدت ولد مع هاديك المرا، أنا غادي نقلب عليها باش نجيب الولد ونكملوا العشرة ونربحوا 10 ديال المليون.

ولما رجع ملقاش الأولاد التسعة، فسأل زوجته: فين الدراري فقالت: راه كل ولد جا داه أباه وخداه باش يكمل العشرة.

"راه السفارة المغربية هاديك" (إنها السفارة المغربية)

كان مغربيان وفرنسيان يتجاذبون أطراف الحديث، فقال الفرنسيان " عندكم ديور القزدير بزاف، فرد عليهما المغربيان " أنتم كذلك عندكم ديور القزدير، فنفى الفرنسيان الأمر قطعا، فقال المغربيان " نتحداوكم... مازال عندكم ديور القزدير".

فقال الفرنسيان: حنا غادي نكريو طيارة ونقلبوا من السما إلا بانت شي دار دالقزدير ديروا فينا ما بغيتو...

ركب الجميع في الطيارة، وكان مغربي من جهة والآخر من الجهة الموالية، واحد لوقيتا هو يبان لواحد المغربي دار ديال القزدير عيط لصاحبوا آجي راه لقيت دار نتاع القدزير، قال ليه لاخور فينا هيا؟ قال ليه صاحبو راها راها شفتيها، قاله ليه لاخور سكتنا أصاحبي واش بغيتي تفضحنا راه القنصلية المغربية هاديك.

الكره للمغرب

ذات مرة تسلل فرنسي واسباني ومغربي وسلتوا على متن طائرة.

حلقت الطائرة، فقالت المضيفة، الربان يقول إن هناك 3 أشخاص "زائدين" على طاقة تحمل الطائرة، إن لم يلقوا بنفسهم ستسقط الطائرة ويموت الجميع.

قال الفرنسي: عاشت فرنسا التي علمتنا التحليق في السماء وأخذ مظلة وألقى بنفسه في الهواء، وتبعه الاسباني تحيا اسبانيا التي علمتنا التحليق في السماء فأخذ مظلة وفعل ما فعله الفرنسي.
وجاء دور المغربي الذي قال عاش المغربي الذي علمنا رفع الأثقال ثم رفع عجوزا وألقى بها خارج الطائرة وجلس مكانها.

حرية التعبير
في السبعينات انتشرت نكتة بسيطة بين الطلبة لكنها ذات دلالة عميقة بخصوص حرية التعبير، تقول النكتة " ذات يوم ذهب كلب إلى "باب سبتة"، وأول ما فتح الشرطي الحاجز لمرور أحد السواح لمغادرة الأراضي المغربية، استغل الكلب الفرصة وجرى بأقصى سرعة فتبعه الشرطي وهو يصرخ ارجع أنت كلب محسوب على المغرب، فلماذا فعلت هذا، رد عليه الكلب، أنا ذاهب لكي أنبح "شويا" عندهم لأن هذا ممنوع عندنا".

وهذا في إشارة لانحسار حرية التعبير في ذلك الوقت.

من الغبي؟

أحد الوزراء، حديث الاستوزار في حكومة سابقة تربع على كرسي الوزارة بعد أن كان لا يهتم إلا بالفلاحة وضيعاته الشاسعة، كان في حديث مع أصدقائه بمكتبه الفاخر بالوزارة فقال له، عندي واحد الموظف لم أر أغبى منه في حياتي"، فرد عليه الصديق "وماذا فعل لتحكم عليه بهذا الشكل"؟ فقال الوزير، حديث الاستوزار آنذاك، "سوف لن أجيبك عن سؤالكم وإنما سأعطيك الدليل والحجة..

نادى الوزير على الموظف وأمره بالذهاب إلى بيته (أي بيت المتكلم) للاستفسار، هل هو موجود هناك" خرج الموظف، وبعد فترة رجع وقال للوزير:"آسف أسي الوزير غير موجود في البيت"، فالتفت الوزير إلى صديقه وقال "رأيت بأم عينك غباء هذا الرجل، كان من الممكن أن يوفر المشوار ويستعمل التلفون ويسأل مراتي عني".

"تعيش الحكومة"

نكتة شاعت بمناسبة الزيادات المتتالية في الأسعار، تقول: " اصطاد شخص سمكة... فسارع إلى زوجته طالبا منها أن تقليها... لكن الزوجة اعتذرت لعدم وجود زيت بالبيت.. فقال لها اسلقيها في الماء فاعتذرت الزوجة ثانية لعدم وجود قنينة غاز.. فطلب منها أن تشويها فصرحت الزوجة لا نلمك حطبا ولا فحما... فحمل الرجل السمكة وراح إلى البحر فألقاها فهتفت السمكة "تعيش الحكومة".

اعطيني النصيب ديالي (امنحني نصيبي)

قيل ذات مرة إن الملك محمد السادس شعر بالضيق، وقرر أن يتخلص من كل ما هو مرتبط بالبروتوكول الملكي، وفي هذا الباب قرر أن يستغني في خرجاته عن حرسه الخاص، آنذاك انتفضت الأسرة الملكية محتجة ضد هذا القرار، حيث رأت أن البروتوكول الملكي إرث توارثه الأحفاد عن الأجداد، والتفريط فيه تفريط في هوية النظام الملكي بالمغرب، ساعتها تدخل الملك قائلا " أنا بغيت نعيش بحال المواطنين، حتى أنا بغيت نمشي في الطوموبيل بسرعة كبيرة، إذن لا داعي للحرس يبرزطني، حيث كايشعروني بأني شخصية رسمية"، وأمام عناده اتفقت الأسرة الملكية على أن يخرج رفقة سائقه الخاص، سيما أنهم يدركون أن الملك يحب قيادة سيارته بسرعة قصوى، وهذا ما كان،حيث خرج الملك رفقة سائقه الخاص، إذ أن هذا الأخير كان يسوق بسرعة متوسطة في تجاه مدينة الجديدة، آنذاك شعر الملك بالضيق من سائقه الذي رأى فيه أنه يسوق "فكرون" وليس سيارة مرسيدس "زيبرا"، هنا تدخل الملك قائلا "شوف آشيفور رجع أنت اللور وأنا غادي نسوق"، آنذاك قال السائق "ولكن أمولاي راهم قالو ليا... (قاطعه الملك) " أنا للي كانقول ما شي هوما".

قبض الملك المقود وسار بسرعة خاطفة في اتجاه مدينة الجديدة، في هذه الأثناء كان دركيان قد أخذا استراحة تحت ظل شجرة، بحيث كانا معا يحتسيان الخمرة من "قرعة ديال الروج" وبينما هما يتسامران، مرت أمامها "المرسيديس زيبرا" بسرعة البرق فإذا بالدركي يأمر صديقه قائلا تبع هذا دابا.. راه كايبان ليا فيه الكاميلة وكايبان لباس عليه". سارع الدركي الثاني إلى اللحاق بالملك، على متن دراجته النارية وما هي إلا دقيقة حتى أدركه، ليأمره بالوقوف، وقف الملك.. وأخرج أوراق السيارة، لكن بمجرد ما اكتشف الدركي هوية الملك شعر بالخوف وأخذ يتمتم قائلا الله يبارك في ع.ع.ع. عمر سيدي، وتركه إلى حال سبيله، عاد الدركي عند زميله الذي يعانق "قرعة الروج"، فقال له هذا الأخير "عطيني النصيب ديالي كايبان ليا نتفت منو شي 300 درهم"، آنذاك أجابه صديقه، ببرود قائلا "حمد الله مللي ما قلتش ليه دبر علينا، عرفتي شكون هاذاك"، أجابه زميله "وشكون غادي يكون كاع لعنيكري"، قاطعه الدركي "وتافين يبان لعنيكري"، فسأله زميله " أوه غادي يكون زعما حسني بنسليمان"، فأجابه الآخر " وهذا راه فوق حسني بنسليمان"، انتفض زميله من مكانه وبعد أن عاد إلى رشده ليسأله "واش غادي يكون الملك زعما"، قاطعه الآخر " وراه الملك سايق بيه، ألي ما جايب لدنيا خبار".

بريسلي المغرب

يحكى أن عصبة مكناس تافيلالت لرياضة الكاراطي نظمت دورة لاختيار "بريسلي المغرب"، وبهذه المناسبة تم استدعاء ابن المنطقة وزير الداخلية شكيب بنموسى لتتويج "بريسلي المغرب" بالميدالية الذهبية وكذا التقاط صورة تذكارية للرجل رفقة بطل المغرب في الكاراطي، وبعد انتهاء حفل توزيع الجوائز، تقدمت صحفية من قناة رياضية إلى شكيب بنموسى قائلة: وصف لينا الإحساس ديالك وانت كاتقدم الجائزة لبطل المغرب"، آنذاك أجابها الوزير دون أن يخطئ في عباراته هذه المرة قائلا " مانقدرش نوصف الفرحة ديالي وأنا كانقدم هذه الجائزة الثمينة لـ "براسري دي ماروك" كان يقصد برسلي دي ماروك.

سيدي إفني بارد

في غمرة الزيادات المتتالية في الأسعار التي تشهدها المملكة، قيل إن المواطنين شغلتهم أخبار التنسيقيات والمظاهرات والوقفات الاحتجاجية التي تشهدها المدن المغربية، حيث أصبح شغلهم الشاغل هو الحديث عن عدد معطوبي الاحتجاجات والجرحى وكذا صياغة الشعارات المناوئة لهذه الموجة العالية في الأسعار، في هذا الباب قيل إن رجلا قضى أزيد من ست ساعات تحت الشمس وهو يندد بالخروقات التي تواطأت فيها السلطات المحلية بالأقاليم الجنوبية، إلى درجة أنه توجه نحو بقال قصد اقتناء قارورة ماء معدني بارد، وعوض أن يقول لصاحب الدكان "عطيني سيدي علي باردة، قال ليه عطيني أخويا شي سيدي إفني بارد، الله يرضي عليك".

مسجد آخر

شاهد أحد المواطنين رجلا يصلي في مسجد الحسن الثاني، ورجله اجتازات فضاء المسجد، لأنه كان مملوءا عن آخره، فإذا بالمواطن يقول للمصلي (دخل رجلك قبل ما يقولو لينا خاصنا نبنيو جامع آخر).

مخ من حذاء

ذات مرة تم عقد مؤتمر طبي في دولة أجنبية وعلى هامشه اجتمع أمريكي وفرنسي ومغربي، فشرع كل واحد منهم في الحديث والتنويه بإنجازات أطباء بلاده المرموقين.

فقال الأمريكي: كان لدينا مواطن أمريكي فقد بصره فخضع لعملية جراحية لزرع عينيي قط له والآن يرى جيدا حتى وراء الشمس، تلاه الفرنسي فقال: نحن زرعنا كبد قط لأحد الفرنسيين، وأصبح يهضم كل شيء يتناوله أكثر من السابق.

وجاء دور المغربي فقال: نحن بالمغرب كان عندنا مغربي مهبول لا عقل له فزرعنا له مكان مخه حذاء فأصبح رجلا أكثر من طبيعي.

سأله الفرنسي والأمريكي: وهل لا زال يحيا بحذاء بدل مخ، فرد المغربي إنه أصبح مسؤولا مهما جدا، فقد تم تنصيبه وزيرا.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى