الثلاثاء ١ آذار (مارس) ٢٠٠٥
بقلم أشرف شهاب

العوانس والعزاب.. قنبلة موقوتة فى المجتمع المصري

أظهرت إحصائية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فى مصر أن هناك حوالي 7 ملايين فتاة تجاوزت أعمارهن الخامسة والثلاثين عاما، دون أن يتزوجن. وكان الرقم الرسمي السابق قد وصل إلى خمسة ملايين فتاة فى عام 1998 مما يعني أن عدد الفتيات اللواتي نطلق عليهن فى المجتمع المصري تعبير "عانس" قد زاد مليونين خلال أقل من سبع سنوات. هذه الظاهرة دفعت مراسلنا في القاهرة أشرف شهاب لكتابة التحقيق التالي:

قبل سنوات قليلة مضت كان المجتمع المصرى ينظر إلى الفتاة التى تصل إلى سن بين السادسة عشرة والعشرين على أنها فى مرحلة خطر، إلى حد اعتبارها عانسا. ومع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التى شهدها المجتمع المصرى فى السنوات الأخيرة ارتفع معدل سن الزواج.. ولم يعد المجتمع يرى أى عيب فى أن تصل الفتاة إلى سن الخامسة والعشرين أو حتى سن الثلاثين دون أن تتزوج. وتدريحيا، أصبحت سن الخامسة والثلاثين هى المعيار الرسمى للسن الذى يمكن أن تصل إليه الفتاة دون أن تتزوج، حتى تكتسب صفة "عانس".

وإذا كان هذا الرقم مخيفا بالنسبة للفتيات فلا بد أن هناك عدد آخر سواء كان أقل أو أكثر من ذلك بقليل من الشباب غير المتزوج أيضا، مما يعنى أن المجتمع المصرى يمر بظروف صعبة أدت إلى نشأة هذه الأوضاع الغريبة.

وبالطبع، يمكننا أن نلقى الكثير من التهم على الظروف الاقتصادية والاجتماعية التى يمر بها المجتمع المصرى فى السنوات الأخيرة، والتى أدت إلى عزوف الشباب والفتيات سواء بإرادتهم أو رغما عنهم عن الزواج، لكننا لا نملك إحصائيات بهذا الشأن.

ويمكننا أن ندرك حجم المشكلة أكثر إذا عرفنا أن العديد من الشباب والفتيات يلجأون إلى حلول حديثة للزواج منها الزواج العرفى، وزواج الدم، وزواج فريند، وغيرها من الحلول التى يحاولون بها التغلب على ظروفهم، وإيجاد مخرج من الأزمات التى تطالهم إذا أرادوا اللجوء إلى الطريقة التقليدية للزواج.

فعلى سبيل المثال، يكون الشاب المصرى مطالبا بتوفير مسكن الزوجية، وتجهيزه بمشاركة عائلة الفتاة.. لكن عملية توفير المسكن وتأثيثه ليست بالأمر السهل خصوصا إذا عرفنا أن ذلك يتطلب مبالغ هائلة لا يستطيع معظم الشباب توفيرها فى السن الذى يسبق سن الخامسة والثلاثين. فعملية البحث عن فرصة عمل بعد الحصول على الشهادة الدراسية، وتوفير مبالغ مالية من المرتبات الشهرية الضئيلة أصلا تتحول إلى عبء ثقيل على قلب كل شاب مصرى، حتى لو كانت فتاته موظفة وتساعده فى التوفير والتدبير حتى يصلا سويا إلى بر الأمان.

كما ينفرد المجتمع المصرى بظاهرة غريبة حيث يبقى الإبن والبنت بحاجة لمساعدة الأهل حتى بعد الحصول على الوظيفة من أجل توفير الشقة وتأثيث مسكن الزوجية. وبهذا يبقى الإبن مادا يديه لوالديه حتى وهو مقبل على تأسيس أسرة جديدة، وأحيانا يستمر فى حاجة لمساعدة الأهل حتى بعد الزواج لأنه إما بحاجة إلى سداد أقساط الشقة، أو بحاجة لسداد أقساط الأجهزة الكهربائية، والأثاث الذى اشتراه ليستطيع الزاوج من فتاته، أو لتحمل عبء الأطفال ومصاريفهم.

وعلى سبيل المثال يقول "عادل إبراهيم" (موظف 34 سنة) إنه اتخذ قرارا بعدم الزواج لأسباب خاصة، فهو على حد قوله مرتاح فى حياة العزوبية. ولا يريد أن يتحمل مسئولية الزواج والإنجاب وما يترتب عليهما من "مشاكل" على حد قوله.. لأنه مبسوط بحياته الحالية.. رغم أنه يعيش مع والديه فى منزل الأسرة. وحول ما إذا كان لقراره هذا علاقة بعدم العثور على الفتاة المناسبة يقول "عادل إبراهيم" إن هذا أحد الأسباب وليس السبب الوحيد لقراره.. فهو يؤكد أنه لم يعد يثق فى الفتيات، ومن واقع تجاربه وخبراته يجد أن العثور على الفتاة المناسبة الخلوقة يعتبر من أصعب الأمور لأنه لا توجد تلك الفتاة التى يمكن أن يحدث بينه وبينها توافق فى الطباع والمفاهيم.. وبالتالى "سأغرق فى مشاكل.. ومسئوليات.. وضغوط لتوفير مستوى معين يليق بالفتاة التى سأتزوجها.. وإذا أنجبنا أولادا فسأدخل فى متاهة أخرى.. فى حين أن مرتبى لا يتعدى الخمسمائة جنيه شهريا".

وإذا كانت الخمسمائة جنيه كراتب شهرى لا تكفى حسب "عادل إبراهيم" لإتخاذ قرار بالدخول إلى "القفص" الذهبى، فإن الأكيد أن هناك الآلاف من الشباب المصرى الذين يحصلون على مثل هذا الراتب أو أقل أو أكثر، ويتخذون نفس القرار بسبب ضعف الدخل. لكن "عادل إبراهيم" يضيف إلى مشكلة المادة مشكلة أخرى هى عدم الثقة فى أخلاق العديد من الفتيات. وفقدان الثقة هذا نابع من خبراته وتجاربه أو مغامراته مع العديد من الفتيات. وهى ظاهرة أخرى أشد خطورة لأننى سمعتها من عشرات الشباب الذين تحاورت معهم وسألتهم مرات ومرات عن أسباب عدم زواجهم.

ورغم ذلك، فإن هذا لا ينفى حقيقة أن مثل هذه النظرة الأخلاقية رغم خطورتها إلا أنها غير صالحة للتعميم على البنات المصريات، ولا تعنى أنهن منحرفات أخلاقيا. فعلى سبيل المثال كيف يسمح الشاب المصرى لنفسه بالخروج والتعارف والتنزه مع عشرات الفتيات بل ويتباهى أمام أصدقائه كلما زاد عدد الفتيات اللواتى يعرفهن.. ويرفض نفس المبدأ بالنسبة للفتاة.. ويعتبرها ذات ماض، ويرفض الزواج منها عندما تتخذ الأمور شكلها الجاد؟

ورغم أن خروج الفتاة مع شاب لا يعنى فى حد ذاته حدوث شىء مخل بينهما.. إلا أن هذا يتحول لمصدر فخر للشاب، ومصدر تعاسة للفتاة التى يمكن أن تكون حسنة النية، وقبلت بالخروج مع الشاب الغريب على إعتبار التعارف بهدف الزواج.

أما "منى البحر" (36 عاما)، فتؤكد من خلال حوار معها فى إحدى غرف المحادثة على شبكة الإنترنت أنها اتخذت قرار "الإضراب" لعدم ثقتها هى الأخرى فى الشباب. وتقول إن السبب الأساسى أنها لم تجد حتى هذه اللحظة الشخص المناسب، وأنها لا يمكن أن تقبل بالزواج من أى شخص غير مناسب لمجرد أنها تخشى من فوات قطار الزواج. موضحة أن كلمة "عانس" أهون بالنسبة لها من أن تصبح زوجة تعيسة، أو أن تتحول إلى ضحية حياة زوجية غير سعيدة مع شخص غير مناسب. وترى "منى" أن معظم الشباب يريدون الخروج مع الفتيات وقضاء أوقات معهن قبل إتخاذ أى خطوات جادة.. وهو ما ترفضه لأنها تربت على مجموعة من القيم والمبادىء التى لا تسمح لها بالخروج مع أى شاب خارج إطار شرعى. وبالتالى بدأ زملاؤها سواء فى أيام الدراسة أو فى العمل فى الإبتعاد عنها رغم أنها على حد قولها متفتحة وتقبل بالتعارف فى حدود، ولا ترفض الصداقة العاقلة مع الشباب. وتتهم "منى" معظم الشباب بالسطحية، وعدم الإكتراث بمشاعر الفتيات، وأنهم لا يريدون سوى إشباع رغباتهم فقط. وحول نظرة المجتمع المحيط بها لها بعد أن وصلت لهذا السن بدون زواج.. فهى تقول: "المشكلة الأكبر ليست فى نظرة المجتمع لى، ولكن فى داخلى كإنسانة أحمل مشاعر كثيرة، وعندى حلم بالأمومة، وأتمنى أن يكون لى بيتى وأسرتى وأطفالى، وهذا ما يؤرقنى لكننى أعوض ذلك من خلال أبناء أختى الصغار، وأى أطفال أشاهدهم". وتقول: "قبل كل شىء الجواز قسمة ونصيب. وأنا لست حزينة إذا كان ربنا قد قدر لى هذا.. وبقائى بدون زواج أفضل من أن أعيش حياة تعيسة مع شخص لا أحبه أو لا تكون بيننا مودة ولا رحمة".

أشرف فرحات المحامى يرى من جانبه أن ظاهرة الزواج المبكر تراجعت كثيرا حتى فى الريف، بسبب رغبة الفتيات والأهل فى توفير أكبر قدر من التعليم للبنات، مما ساهم فى رفع سن الزاوج. كمأ أن ارتفاع مستوى التعليم يرفع من مستوى المعيشة، ويغير من نظرة الفتاة للشاب، والمواضفات المطلوبة فيه، وبالتالى يؤثر على اختيارها، وعملية الانتقاء هذه تساهم أيضا فى تأجيل قرار البنت بالزواج حتى تجد الشخص المناسب لها، وهكذا يرتفع معدل سن الزواج مرة أخرى.. وهناك أسباب أخرى منها مثلا مغالاة الأهل فى مطالبهم من العريس بشكل يمكن أن يجعله عاجزا عن تلبية تلك المطالب، فيفشل مشروع الزاوج.. وإذا أضفنا إلى ذلك تزايد معدلات البطالة لأدركنا أن عددا كبيرا من الشباب يرغبون فى الزواج فعلا ولكنهم لا يستطيعون تلبية المتطلبات اللازمة له.. وهنا يتحول الشاب والفتاة إلى ضحايا للمجتمع الذى يعيشون فيه. وفى بعض الأحيان يكون السبب فى تفشى ظاهرة العنوسة تحكم الأهل فى قرار الزواج دون استشارة البنت فى شريك حياتها.. وأيضا رغبة أكثرية الشباب فى الزواج من فتيات أصغر سنا يقلل من فرص الزواج للفتيات الأكبر سنا.

ويحذر أشرف فرحات من تزايد معدلات العنوسة مؤكدا أن المشكلة لا تكمن فى تعطيل جزء كبير من طاقات المجتمع وحرمان أبنائه وبناته من الحياة بشكل طبيعى.. فالأخطر من ذلك أن هؤلاء "العوانس" أو حتى "العزاب" يتحولون إلى قنابل موقوتة لأنهم يعانون من فقدان لإحساس غريزى إنسانى بالأمومة أو الأبوة.. وافتقاد هذه المشاعر، والحرمان منها يؤدى إلى ظهور أمراض اجتماعية قد يكون من بينها الأنواع المختلفة للزواج غير المستقر، أو قد تؤدى للانحراف الخلقى، أو لظهور أمراض نفسية واجتماعية كالكبت والاكتئاب. ولهذا يجب أن يتعاون جميع أفراد المجتمع فى توفير فرص الزواج المناسب وعدم المغالاة فى شروط الزاوج، مع الحرص على تربية النشء بشكل أخلاقى سليم، وتدريبهم على تحمل المسئولية، وعدم النظر إلى الزواج على أنه مجموعة من القيود، وعلى الآباء الحرص على عدم التشاجر مع الزوجة أمام الأولاد أو ترديد عبارات سيئة عن الزواج مثل "أنا مستمر معاكى بس علشان الأولاد، ولولاهم كنت طلقتك".


مشاركة منتدى

  • السلام عليكم ان العنوسيه الان اصبحت شئ طبيعي اي ان الفتاه لا تخجل اذا سئلها احد هل انتي متزوجه لان مع كثره الغير متزوجات و هذا افضل من كلمه عنوسه اصبحت كبيره جدا و طبعا يرجع الي الظروف الاقتصاديه و لكن هناك حلول بسيطه و هي التعاون بين الطرفين و عدم المغالاه في المهر و متطلبات الاهل من اثاث و عدد معين من الغرف ان الحياه الزوجيه ليس كل هذا و انا احب ان اقول ان سني الان الثلاثون عاما و لست مرتبطه و لست حزينه و ان عدم زواجي الي الان لا يسببلي اي حرج و انا اعتبر انه قسمه و من عند الله و اذا لم اتجوز احاول ان اقنع نفسي بان هناك اشياء في الحياه غير الزواج مثل العمل و علاقاتي الجيده مع الاخرين و توثيق الصله بالاصدقاء و عمل اس شي مفيد في هذه الدنيا
    اما من ناحيه الاطفال و كيفه اشباع غريزه الامومه فهناك اطفال بدون امهات في حاجه الي ام و لماذا لا تكون من لم تتجوز هي الام

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى