الأحد ١٤ شباط (فبراير) ٢٠١٠
بقلم سها جلال جودت

عدنان فرزات كاتب يخالف مسار العنوان

يلجأ بعض الكتاب إلى استعمال عناوين شعرية تحمل دلالات هامة تشير إلى مضامين جديدة ورؤى جديدة يختارها الكاتب من خلال عرض مضمونه عن الحب وأقانيم العشق، وعن الحزن وآلامه وأتون دمعه، كما يسعى بعض الكتاب إلى الخيال وإلى الكتابة فيما وراء الطبيعة "الميتافيزيق" ليثيروا فينا الدهشة وتلقي الغرابة من خلال مسردوهم الحكائي، أو من خلال اختلاق عناصر الدهشة في التساؤل وفي تصنيف هذه الأسئلة كلعبة فنية تشدنا إلى قراءة النص، وإلى تأمل هذه المفاتيح وما جاء فيها من غرابة ودهشة وصنعة مكينة في استيراد القارئ للتحكم به ، ما يعني استمرار القارئ في قراءة النص سواء أكان هذا الأمر على صعيد الرواية أو القصة أو الخاطرة أ والقصيدة الحداثوية -النثر أو النثيرة كما يحب بعضهم تسميتها- ولعلي هنا لا أبالغ وأنا أعبر من خلال ما قرأت للكاتب الأديب والصحفي عدنان فرزات عما تخلقه عناوين مواضيعه من استفزاز ليتلقف القارئ مضمون ما أراد الكتابة عنه هذا الكاتب..

وفي هذا المجال لا يمكن لكل كاتب أن يمارس هواية اصطناع عناوين مثيرة دون استعراض مضمون يتلاقى به معه، أو ينافيه تماماً إلا إذا كان ذلك الكاتب صاحب حرفة في اقتناص اللحظات الهامة من الكتابة، وكان على دراية وعلم بخطوط الرسم على سطور حرفة الكتابة ..

وتعتبر الكتابة في هكذا نوع من المقالات قفزة نوعية تعتمد على الإبحار بإيجاز سريع في تفاصيل واقعة ما، أو حدث ما..

فوقائع الحياة الاجتماعية محاصيل تمنحنا إياها التجربة ، وهي نتاج اختمار علائق اجتماعية أو أدبية أو فنية أو سياسية أ واقتصادية على الأصعدة كافة..

ولدى قراءتنا لمقال حمل عنوان عصمة 2009 بيد "الحريم" المنشور في صحيفة القبس الكويتية، نجد ما يثير في داخلنا الشك والتساؤل حول محور هذا الشك..!! لأن كلمة "الحريم" متداولة على الصعيد المحلي العامي، وإذا أردنا معرفة كلمة الحُرْمَةُ نجد معناها: المهابة وهي اسم من الاحترام وما لا يحلُّ انتهاكه من ذمِّة أو حقٍّ أو صحبة، جمعها حُرَماتٌ، وحُرَمُ الرجل : نساؤه وعياله ومن يحمي، وهم حرَمُهُ.

للوهلة الأولى يخال المرء أنه سوف يقرأ تهتكاً وانتقاصاً بحقوق المرأة ، لأن أمر وجود العصمة بيد المرأة وارد شرعاً لكنه غير مستحب لأمور لا مجال لذكرها الآن..

وقبل أن نقرأ مضمون ما كتب عنه ، نسأل أنفسنا هل ما تزال المرأة هذا المخلوق الإنساني عرضة للسخرية حتى بعد تجاوزها لمحن الظلم والحبس في البيت وحرمانها من حقها في العلم وكسب المعرفة، ليؤدي هذا الأخير دوره في البقاء على أميتها وجهلها! وإلى أي مدى يريد الوصول من خلال فتح جبهات مع المرأة التي هي الأم والأخت والصديقة والبنت، ومن خلالهم ظهرت العاملة والموظفة والأديبة والمحامية والقاضية والطبيبة والفيلسوفة والوزيرة وعضوات في البرلمان إلى آخره من إنجازات استطاعت المرأة أن تثبت جدارتها وقوتها وتمكنها من أداء العمل بما – ربما- يفوق قدرات الرجل ..

لكن المفاجأة تكمن في براعة هذا الكاتب حين تجده يشرح تفاصيل فوز المرأة في الكويت بدخول أربع نساء إلى مجلس الأمة ، يقول فرزات :" لذلك حظيت المرأة في الكويت بمساحة إعلامية وحقوقية واسعة خلال 2009، سواء عبر أحكام صدرت لمصلحتها في المحكمة الدستورية، كما في قضية حجاب النائبتين في مجلس الأمة رولا دشتي وأسيل العوضي، أو في قضية السماح باستخراجها جواز سفر من دون موافقة الزوج.. "

"وقالت المحكمة الدستورية في حيثيات حكمها: «إن حرية التنقل بما تشتمل عليه من حق كل شخص في الانتقال من مكان إلى آخر والخروج من البلاد والعودة إليها، تعتبر فرعا من الحرية الشخصية». ويعتبر هذا القرار سابقة اجتماعية قبل أن يكون سابقة قانونية" المصدر مقال الكاتب

من الملاحظ من المقتبسين أعلاه أنه لا يثير ضجة إعلامية حول شخصه بإثارة الفتنة بين الرجل والمرأة، بل على العكس تماماً هو يريد أن يشير إلى كفاح ونضال المرأة من أجل كسب حقوقها في مجال العمل بهذه الحياة، وهي صرخة تحد انتصرت من خلالها المرأة أيما انتصار، لأن القارئ للعنوان قد ينحاز إلى قضية اجتماعية هامة وهي كلمة (العصمة) فيقول في نفسه أو تقول في نفسها : لقد بدأنا في خوض معركة جديدة مع الرجل، ونحن لا نريد لأنفسنا هكذا معارك لأننا لا نريد غير احترام حرياتنا في التعبير وحق التعلم وحق العمل الذي فرضته علينا الوقائع للسوق الاقتصادية العالمية ، فالمرأة من خلال عملها تسعى إلى تحسين أدوات المعيشة بالتعاون مع الرجل / الزوج لتنشئة جيل سليم معافى ، خال من العقد الاجتماعية والأمراض ..

ومما يحقق قراءتنا لموضوع المقال كلامه عن النائبات اللاتي وفي البداية رفض مجلس الأمة الإسلاميين الموافقة على نائبات ووزيرات إلى مجلس الأمة من دون حجاب، لكنهن بإصرارهن على الدخول، وافقت المحكمة الدستورية:" ولكن المحكمة الدستورية ثبتت عضوية النائبتين ورفضت طعنا تقدم به نائب لإبطال هذه العضوية" المصدر مقال الكاتب..

لقد نظرت المحكمة الدستورية العليا بمنظور العقل والحكمة حين اتخذت هذا القرار ، لأن مسألة الحجاب مسألة شخصية، وعدم وجود حجاب على رأس المرأة لا يعني عدم قدرتها على العمل وإحراز التميز في عملها، ولا يعني إطلاقاً عدم مراعاتها للقواعد الأخلاقية العامة التي يعمل بها المجتمع العربي المسلم، لأنها أولا وأخيراً هي بنت هذه البيئة وهي متشبعة بأخلاق الدين الإسلامي وما جاء فيه على يد نبينا محمد خير الصلاة والتسليم عليه أبدا...

فعدنان فرزات كاتب يعرف ما يكتب، ولمن ؟ ولماذا ؟ وهي لعبة الذكاء في جلب القارئ ولفت انتباهه، ليعترف القارئ له بمكنته ودربته على اجتهاده في عمله على مخالفة مسار المضمون للمقال عن مسار العنوان والعكس صحيح..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى