الخميس ١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٥
لعبة الكراسي الصدئة
بقلم محمد فاضل رضوان

أهم أولويات أجندة الإصلاح بجامعة الدول العربية

قد يبدو من الطبيعي أن يتم التداول في الأوساط الديبلوماسية العربية لقضايا تهم إصلاح شؤون الجامعة العربية, بالنظر لطبيعة الوضعية التي أصبحت عليها هياكلها و تنظيماتها و التي جعلتها على هامش مختلف القضايا الحيوية التي تشغل الفضاء السياسي العربي, إلى درجة اكتسب معها السؤال حول جدوائيتها شرعية حقيقية فحتى مواقف التنديد و الإدانة التي طالما ارتبطت بردود أفعالها تجاه الاندحارات المتوالية للوضع السياسي العربي أصبحت أكثر احتشاما. و الواقع أن شروطا كثيرة تظافرت لتحد من هامش الفعالية في تحركات الجامعة على المستويين العربي و الدولي فقد تشكلت هذه الهيأة في نهاية الأربعينيات بشكل مواز لمنظمة الأمم المتحدة و ذلك في سياق المناخ السياسي الذي أفرزه انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية و بجهود مجموعة من الناشطين العرب آنذاك و على رأسهم عبد الرحمن عزام أبرز مؤسسيها و أول أمين عام له و كان الغاية من تأسيسها استثمار المد القومي الذي اجتاح العالم العربي في توفير منبر عربي لتجميع الرؤية العربية و مواصلة مسيرة تحقيق استقلال مجموعة من الدول العربية التي كانت لا تزال ترزح تحت نير الاحتلال, إلا أن ظروف ما بعد الحرب العالمية الثانية التي قسمت العالم إلى معسكرين شرقي و غربي إضافة إلى تكتلات كانت ذات قيمة في وقتها كدول عدم الانحياز حدت من فاعلية هذا الإطار العربي و فرقت ولاءات منخرطيه ما بين المعسكرين و التنظيمات الأخرى في هذا الإطار نذكر التحرك الفاعل لمصر جمال عبد الناصر في مجموعة عدم الانحياز ذات البعد الثالثي. و على امتداد مسيرتها كانت جامعة الدول العربية انعكاسا لطبيعة العلاقات السائدة بين الأشقاء العرب لتدخل تنظيماتها في حالة من الجمود لم تتمكن القمم العربية الباردة من أن تبعث فيها بعضا من الدفء.

اليوم و بعد التحييد شبه المطلق لجامعة الدول العربية من مسار الصراع العربي الإسرائيلي سواء تعلق الأمر بسياق المقاومة أم بمسلسل التسوية, و الغياب التام عن مجريات الأمور بالعراق رغم القمم الأخيرة التي كرست الفرقة العربية و كشفت المستور في طريقة تعاطي الدول العربية لخلافاتها الثنائية(العراق/الكويت في قمة البحرين العربية السعودية/ليبيا في قمة مصر) , تتعالى من جديد دعوات الإصلاح , غير أن المتأمل في برامج الإصلاح المتداولة هذه السنة لا يملك إلا أن يقف مندهشا أمام الأولويات المطروحة على أجندة الإصلاح فقد راج في كواليس الجامعة السنة الجارية مطلبين أساسيين يتعلق الأول بالتفكير في إنشاء برلمان عربي أما الثاني فيرتبط بمطلب تدوير منصب الأمين العام المرتبط بدولة المقربين مختلف الدول العربية.

الواقع أن الفكرة الأولى المتأثرة بالجيران الشماليون تحمل في طياتها الكثير من الطوباوية و التسرع فالبرلمان الأوروبي جاء تتويج لمسيرة اندماج متمرحل تكامل فيه الاقتصادي بالسياسي بالاجتماعي ما بين دول ديمقراطية تتوفر على مؤسسات تشريعية حقيقية منبثقة من إرادة الشعب من جهة و ذات صلاحيات حقيقية مؤثرة في سير الحياة السياسية, هكذا فإن استحضار حالة الوضع العربي الراهن يجعل من العبث تبني هذه الفكرة في الوقت الذي لا زالت الحياة التشريعية مغيبة في عدد من الدول العربية التي لا تجرى فيها انتخابات برلمانية أو جماعية ناهيك عن الرئاسية و هو ما يدعو للتساؤل عن طبيعة تمثيلية هذه الدول في البرلمان العربي المرتقب الذي من المفترض أن ينبثق من برلمانات الدول العربية نفسها, أما الدول ذات البرلمانات فإن الأمر لا يتعلق سوى بواجهات تجميلية للصورة الديمقراطية المروجة عبر أجهزة الإعلام الرسمي مادامت هذه الأجهزة غير ذات تأثير في الحياة السياسية في بلدانها, من هنا يحمل هذا التوجه الكثير من التهافت غير المدروس و الذي من شأنه الالتفاف على منتظرات جهاز يجمع أكثر من عشرين بلدا.

من جهة أخرى يبدو مطلب تدوير منصب الأمين العام للجامعة الذي سبق تبنيه من طرف ممثلي الجزائر محاولة من الخارجية الجزائرية لتكسير الهيمنة المصرية على المراكز الحساسة على مستوى الوطن العربي و استرجاع الدور الفاعل للديبلوماسية الجزائرية في الساحتين العربية و الإفريقية و هو أمر غير مستغرب في ظل حكم دينامو الديبلوماسية الجزائرية في فترة الستينيات و السبعينيات عبد العزيز بوتفليقة, هذا المطلب يعيد إلى الأذهان لعبة التراشق حول الكراسي الصدئة التي ميزت مسيرة الأمة العربية على المستويات المحلية أم الإقليمية فضيعت جهود التنمية على موائد التناحر , في هذا السياق المرتبط بكرسي الأمين العام للجامعة العربية يكتسي المثل العربي القديم : ما أحلى الإمارة و لو على الحجارة دلالة حرفية, فالوضع السياسي العربي الراهن و محدودية هامش التحرك العربي الفردي أو الجماعي إضافة إلى الشلل الكلي الذي لحق بتنظيمات الجامعة يحصر هذا المنصب في كرسي صدئ يباشر الجالس عليه الإمارة على كومة من الحجارة التي لا منطق واضح لدورها أو فعلها .

إن الأفكار المتداولة داخل دهاليز الإصلاح بجامعة الدول العربية في ظل الوضع العربي الراهن الشديد القتامة على كافة المستويات تبدو أقرب إلى الهذيان, ما دامت لا تعكس بأي حال منتظرات الشعوب العربية من مؤسسة تمول من مالها الخاص و تقدم كممثلة لها .إلا أنها تسير في انسجام تام مع طابع التخبط و التضارب الذي يطبع الحياة السياسية العربية في شموليتها فمن غير المعقول أن تنتج مؤسسة منبثقة من دواوين الأجهزة الحاكمة في هذه البلدان صورة مختلفة عن مسار الأمور بها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى