الأحد ١ حزيران (يونيو) ٢٠٠٣
تأملات في البيت
بقلم حنان الهوني

(دور العجزة)

يعتقد البعض أن وجود دور المسنين والعجزة في بلد ما هو دليل على التحضر والتقدم إذا ما قورن بتلك الدول التي لا تتوفر فيها هذه المراكز ولابأس في هذا الإعتقاد إن كان الغرض من إيواء المسنين هو توفير الملجأ لهم عند فقد الأسرة أو الأقارب، أما أن يرمى بهما إلى الدار بدافع الازدراء والضيق منهم فإن الاعتقاد هنا
يحولها من مراكز مضيئة إلى بؤر سوداء تشير إلى تصدع في النظام الاجتماعي كما أن عدم وجود الدور في الأرياف والمدن الصغيرة لا يعني العكس بل ربما تكون الطامة
أعظم لأن المسن يظل كالكرة تتقاذفه الأهواء والأمزجة والظروف من بيت لبيت وهو
في أمس الحاجة إلى الاستقرار والراحة .

قال المأمون : لم أر أحدا أبرّ من الفضل بن يحيى بأبيه بلغ من برّه له أنه كان لا
يتوضأ إلا بماء سخن فمنعهم السجان من الوقود في ليلة باردة فلما أخذ يحيى مضجعه قام الفضل إلى قمقم من نحاس فملأه ماء وأدناه من المصباح فلم يزل قائماً وهو في يده إلى الصباح، حتى استيقظ يحيى من منامه.

وقال رجل لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: إن لي أماً بلغ منها الكبر أنها لا تقضي حاجتها إلا وظهري لها مطية، فهل أديت حقها، قال: لا لأنها كانت تصنع بك ذلك وهي تتمنى بقاءك، وأنت تصنعه وتتمنى فراقها.

شاهد القول هنا أن الهوة تبدو جد بعيدة بين ذلك الزمن وزمننا هذا الذي يتخلى الابن فيه عن كامل واجباته تجاه والديه بدءاً من ترك الزيارت وسوء المعاملة إلى قطع النفقة، والمسن في أمس الحاجة في هذا العمر إلى الرعاية النفسية قبل
الرعاية الصحية غير أنه لا يظفر بكليهما فيظل في ركن الدار كم مهمل وإن ضاق به
الحال وشعر بالملل من طول التقلب على فراشه وطالب بشيء من الترفيه قمعت رغباته واستهتر بمطلبه.

والنتيجة في كل الأحوال ليست في صالح المسن فإما أن يدفع به إلى تلك الدور أو
إلى قريب يجبره الوزع الديني وتهزه الشفقة إلى إيواء هذا المنبوذ المحطم نفسياً
وصحياً جراء أفعال ابنه العاق ولسان حاله يقول:

أأفجع بالشباب ولا أعزى لقد غفل المعزي عن مصابي
ابن الرومي


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى