الأربعاء ٢٩ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٤
فی کتابه تاريخ الأدب العربي
بقلم فرهاد ديو سالار

دراسة المنهج التأريخي لحنا الفاخوري

الموجز

إنّ موضوع مناهج البحث العلمي له أهميّة كبرى في عصرنا الحاضر؛ وذلك للكشف عن الخطوط العريضة التي تنظم البحث العلمي وما تتّسم به من أصالة وموضوعية.

جدیر بالذکر أنّ دراسة أيّ علم من العلوم لاتكتمل إلا بدراسة مناهج البحث فيه، ولكلّ علم مناهج البحث الخاصة به التي تتلاءم مع الخصائص النوعية التي تميّز موضوعاته. إنّ البحث العلمي يعتبر من ضروريات هذا العصر، فهو المحرّك لكل تقدّم في كافّة المجالات. وعلم المناهج يهتمّ بتحديد الشكل العام لكل علم وبتحديد الطريقة التي يتشكل ويتكون بها أي علم من العلوم؛ فعلم المناهج إذاً هو العلم الذي يبحث في مناهج البحث العلمي والطرق العلمية التي يكتشفها ويستخدمها العلماء والباحثون من أجل الوصول إلى الحقيقة، والمناهج عديدة وسننتطرق في عرضنا هذا إلى المنهج التاريخي المستخدم فی کتاب تاریخ الأدب العربی للأدیب اللبنانی حنّا الفاخوری.

يستخدم العلماء والباحثون في العلوم المختلفة المنهج التاريخي، عند دراستهم للتغير الذي يطرأ على العلاقات، والتحول في المفاهيم المختلفة،كذلك عند دراستهم لأصول الثقافات والآداب وتطورها وأثرها فی الأدب، بل إن معرفة الحوادث التاريخیة وفاعلیتها للمجتمع ضرورية لفهم واقعه. ونظراً لأهمية المنهج التاريخي في مثل هذه الدراسات ولاسیّما الأدب، یهدف هذا المقال العلمی التحلیلی في هذه العجالة إلی التعرف على خصائص وأهمية وخطوات هذا المنهج وکیفیّة استخدامه عند حنا الفاخوری من خلال بحثنا هذا. فنستعرض نبذة عن أهم الوقائع والحوادث التاریخیة فی التاریخ السیاسی للعرب ذات صلة قویة بالأدب العربی ومؤثرة فیه وقد نُسیت بین دفّتی کتاب تاریخ الأدب العربی.

الکلمات الدلیلیّة: حنّا الفاخوری، تاریخ الأدب العربی، المنهج التاریخی، مناهج البحث، علم المناهج

المقدمة

يُعدّ منهج البحث عنصراً رئيساً من عناصر البحث؛ نظراً لأنه يفيد في تحديد الحالات التي يستخدم فيها منهج البحث، كما يفيد في تحديد الطريقة التي يسلكها الباحث في جمع البيانات وتحليلها ومناقشتها، ويفيد أيضاً في الحكم على جودة البحث. والمتأمل للكتابات ذات الصلة بموضوع مناهج البحث، يجد مسمّيات عديدة لمناهج البحث، كما يجد عرضاً مختلفاً من حيث الترتيب لهذه المناهج.

يستخدم المنهج التاريخي في دراسة الظواهر والأحداث والمواقف التي مضي عليها زمن قصير أو طويل فهو مرتبط بدراسة الماضي وأحداثه. فهو مستمدّ من خلال دراسة التاريخ حيث يحاول الباحث فهم الحاضر والتنبؤ بالمستقبل منه خلال دراسته للأحداث الماضية والتغيرات التي مرّت عليه. وليس الهدف من دراسة هذا المنهج هو فهم الماضي فقط؛ ولكن للوقوف علي أحداث الماضي للاستفادة في فهم الحاضر والتخطيط للمستقبل حتي يتمكّن للفرد من تطوير حياته وأساليبها. وقبل الخوض في الموضوع، علينا أن نتکلم حول المنهج والمنهج التاریخی.
بعد ما تقدّم في هذه العجالة حول أهمیّة مناهج البحث والمنهج التاریخی، سنتناول في عرضنا،کیفیّة استخدام المنهج التاریخی فی کتاب تاریخ الأدب العربی لحنّا الفاخوری؛ حيث نستعرض في البداية المنهج في اللغة وفي أدبيات البحث، ومفهوم المنهج التاریخی وعلاقته بالتاریخ، ثم نستعرض نبذة عن فصول الکتاب وتدوینه وأهم الوقائع والحوادث التاریخیة ذات صلة قویة بالأدب ومؤثرة فیه وقد نُسیت فی طیّات الکتاب.

المنهج في اللغة والاصطلاح

المنهج لغة:

جاء في المنجد فی اللغة: النَّهْج: الطريق الواضح، والجمع نُهُوج و نُهُج، والمَنْهَج، والجمع مَناهج وهو الطريق الواضح. المنهج في لغة العرب مأخوذ من مادة [نَـهَجَ]. ]]لویس معلوف، 1382 [1]سعيد علي، لاتا،5 [2]سورة المائدة، الآیة 48 [3]تفسير ابن كثير، ج 3، 129 [4]1963، 82 ومابعدها [5]1978، 12 [6]مقدمة الکتاب، ص3 [7]مقدمة، 3 [8]ص37 [9]ص41 [10]مقدمة، 4 [11]نیکلسون،1937، 191 [12]1992،ج1،ص61 [13]بطرس البستانی،1997، ج1، 282 [14]نفس المرجع، 384 [15]نفس المرجع، ج2،9 [16]ص210-211 [17]ص268 [18]ص670 [19]ص333 [20]ص473 [21]ص 885 [22]ص335 [23]ص703 [24]ص590 [25]ص670 [26]ص354 [27]ص860 [28]مقدمه،ص4[[
وإن کان الأمر کذلک، وطبعا هذا هو، کان من المتوقع من أدیب مثل حنا الفاخوری أن یدقّق ویمحّص فی الأمر أکثر من هذا. وقصاری القول إن القارئ یجد فی هذا الأثر کنزا متنوع الثروات ومصادر ومراجع لا تُعدّ ولاتُحصی وإن کانت الإحالات والإرجاعات فی الهوامش غیر موجودة فلا یعرف القارئ من أین أتی بهذه العبارات والنصوص؟ وهل هی منقولة ومقتبسة أو لا؟

النتیجة
ومن خلال ما سبق، يتّضح لنا أن العناية بالمناهج كانت كبيرة؛ لأنها وسيلة التثبت والتحقق في طلب العلم وبدون المنهج السليم من البحث يحلق الذهن بعيدا وربّما تتحكم فيه الأهواء وبالتالي يمیل عن طريقه الصحيح. کما أن البحوث العلمیة تعتمد مناهج خاصة تتلاءم مع الخصائص النوعية التي تميز موضوعاته كالمنهج التاريخي وغيره من المناهج. ولا يعتبر الإنسان عالما ما لم يسلك منهجا علميا صحیحاً يحقق به موضوعاته، وإضافة إلی استمتاع الباحث بعقل سليم، علیه أن یعرف كيف یستخدمه استخداما سليما أیضاً.
قُسّم کتاب تاریخ الأدب العربی تقسیماً تاریخیاً ولا تقسیماً أدبیاً وربط بین الأدب والسیاسة. ولکن لم یضع الجانب السیاسی المحور والأساس والأدب تابعاً له ولم یشر إلی أثر الأدیب فی السیاسة؛ درس أثر السیاسة فی الأدب فقط؛ وبناء دراسته الأدبیة طبعا یکون علی أساس زمنی وأهمل العامل المکانی.
وکذلک لم یهتمّ بالمنهج التاریخی الذی ادعاه فی مقدمة کتابه تاریخ الأدب العربی؛ حیث إنه نسی أو تناسی کثیرا من هذه الحوادث التاریخیة المؤثره فی الأدب العربی.

قائمة المصادر والمراجع

  1. القرآن الکریم
  2. بدوی، عبدالرحمان، مناهج البحث العلمی، القاهرة دار النهضة، المطبعة العالمیة 1963 م.
  3. البستانی، بطرس، أدباء العرب، دار الجیل- بیروت، 1997م.
  4. زیدان، جرجی، تاریج آداب اللغة العربیة، منشورات دارمکتبة الحیاة، بیروت-لبنان، 1992م.
  5. ضیف، شوقی، البحث الأدبی طبیعته، مناهجه، أصوله، مصادره، دارالمعارف بمصر، لاتا.
  6. د . عبد الحميد، محمد، بحوث الصحافة، ط1 القاهرة : عالم الكتب، 1992 م.
  7. د. عوض صابر، فاطمة، وعلى خفاجة، ميرفت، أسس و مبادئ البحث العلمي، ط1، الإسكندرية القاهرة، مطبعة الإشعاع، 2002 م.
  8. الفاخوری، حنّا، تاریخ الأدب العربی، لاتا، لاط.
  9. فیصل، شکری، منهج الدراسة الأدبیة، بیروت، دار العلم للملایین، ط4، 1978م.
  10. د. محمد حسين، سمير، تحليل المضمون: تعريفاته – مفاهيمه – محدداته و استخداماته الأساسية، ط2 القاهرة : عالم الكتب، 1996م.
  11. معلوف، لویس، المنجد فی اللغة، مؤسسه انتشارات قدس قم، ط1، 1382هـ.
  12. نیکلسون، تاریخ العرب الأدبی، ترجمة محمد حبشی، 1937م.

[1وعلى هذا فالمنهج في اللغة، الطريق الواضح البيّن الذي لا لبس فيه. کما جاء ذكر المنهج في القرآن الكريم بلفظه فی سورة المائدة الآیة 48 ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً﴾. كذلک جاء التعبير عن المنهج في القرآن بألفاظ متقاربة كالطريق، والسبيل والصراط المستقيم، وقد جمعت هذه الألفاظ المتقاربة في آية واحدة فی سورة الأنعام الآیة 153﴿وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾

[2وردت الإشارة إليه في موضع واحد عند حديث القرآن عن الكتب السابقة وموقف القرآن منها، وموقف الرسول صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب، حيث يقول تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾.

[3يقول ابن عباس رضي الله عنه: "شرعة ومنهاجا أي سبيلا وسنة، فالمنهاج هو السبيل أي الطريق الواضح، والشرعة والشريعة بمعنى واحد.)

[4واصطلاحا: هو الطريق المؤدّي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامة تهيمن على سائر العقل وتحدّد عملياته الفكرية حتى يصل إلى نتيجة معلومة.

والمنهج المقصود هنا هو المنهج التاریخی أو الاستردادی وهو الأسلوب والطريق المؤدّي لمعرفة الحقائق أو الغرض المطلوب،كذلك نطلق عليه الوسيلة المؤدية إلى اكتشاف الحقائق والمعرفة العلمية.

مفهوم المنهج التاريخي

المنهج التاريخي وهو الذي یقوم فيه الدارس باسترداد الماضي تبعاً لما تركه من آثار أيّا كان نوع هذه الآثار، وهو المنهج المستخدم في العلوم التاريخية والأخلاقية والاجتماعیة والأدبیة، ويعتمد في الأساس على استرداد ما كان في الماضي ليتحقق الباحث من مجرى الأحداث، ولتحليل القوى والمشكلات التي صاغت الحاضر، وسمّي كذلك بالمنهج الاستردادي؛ لأنه عملية استرداد وعملية إسترجاع للماضي، وهو منهج علمي مرتبط بمختلف العلوم الأخرى، حيث يساعد الباحث عند دراسته للتغيرات التي تطرأ على المجتمع والأدب في التعرف على ماضي الظاهرة وتحليلها وتفسيرها علميا، في ضوء الزمان والمكان الذي حدثت فيه، ومدى ارتباطها بظواهر أخرى ومدى تأثيرها في الظاهرة الحالية محلّ الدراسة ومن ثمّ الوصول إلى تعميمات والتنبؤ بالمستقبل.

فمنهج البحث التاريخي هو مجموعة الطرق والتقنيات التي يتبعها الباحث والمؤرخ للوصول إلى الحقيقة التاريخية، وإعادة بناء الماضي بكلّ وقائعه وزواياه، ويجمع تفاعلات الحياة فيه، وهذه الطرق دائماً قابلة للتطور والتكامل مع تطور جموع المعرفة الإنسانية وتكاملها ومنهج اكتسابها.

قبل التطرّق إلى تعريف المنهج التاريخي، من الواجب علينا أن نعرف أنّ التاريخ كعلم قائم بحدّ ذاته، هو السجلّ المكتوب للماضي أو للأحداث والوقائع المنصرمة، أو وصف الحوادث أو الحقائق الماضية وكتابتها بروح البحث الناقد عن الحقيقة الكاملة. لذا لايمكن لأيّ باحث أن يستغني عنه لما له من أهمية ولإنجازاته دور في تزويد وتوجيه الباحث لما يحتاج إليه.

تعريف المنهج التاريخي

إن منهج البحث التاريخي هو أداة علم التاريخ في تحقيق ذاته، كما أن المنهج التاريخي هو أداته في الوصول إلى القوانين والتعميمات التي تفيدنا في الدراسات المستقبلية. فالمنهج التاريخي هو الطريق الذي يتبعه الباحث في جمع معلوماته الأحداث والحقائق الماضية وفي نقدها وتحليلها والتأكّد من صحتها واستخلاص التعميمات والنتائج العامة منها والتي لاتقف فائدتها على فهم أحداث الماضي فحسب، بل تتعداه إلى المساعدة في تفسير الأحداث والمشاكل.

يعتبر المنهج التاريخي كمنهج من مناهج البحث العلمي و له عدة تعريفات عامة وخاصة منها التعريف العام الذي يقرر الهواري بأنه الطريقة التاريخية التي تعمل على تحليل وتفسير الحوادث التاريخية الماضية كأساس لفهم المشاكل المعاصرة و التنبؤ بما سيكون عليه المستقبل.

يقصد بالمنهج التاريخي، إعادة للماضي بواسطة جمع الأدلة وتقويمها، ومن ثم تمحيصها وأخيراً تأليفها؛ ليتمّ عرض الحقائق أولاً عرضاً صحيحاً في مدلولاتها وفي تأليفها، فيتمّ التوصل حينئذٍ إلى استنتاج مجموعة من النتائج ذات البراهين العلمية الواضحة. كما يعرف، بأنه المنهج المعني بوصف الأحداث التي وقعت في الماضي وصفاً كيفياً، يتناول رصد عناصرها وتحليلها ومناقشتها وتفسيرها، والاستناد على ذلك الوصف في استيعاب الواقع الحالي، وتوقّع اتجاهاتها المستقبلية القريبة والبعيدة.

من التعاريف التي تتمتّع بالدقة والشمولية في حصر عناصر ومراحل المنهج التاريخي الذي يقرر بأنه يمكن تعريف المنهج التاريخي هو مجموعة الطرائق والتقنيات التي يتبعها الباحث التاريخي والمؤرخ للوصول إلى الحقيقة التاريخية وإعادة بناء الماضي بكل دقائقه وزواياه بما كان عليه في زمانه ومكانه وبجميع تفاعلات الحياة فيه.
ویری عبد الرحمن بدوی أن المنهج التاریخی أو الاستردادی هو الذی نقوم فیه باسترداد الماضی تبعا لما ترکه من آثار

[5أما أهمّ الفائدة من دراسة التاریخ واستخدام المنهج التاریخی، فهی المساعدة في التعرّف على البحوث السابقة ومعرفة تطور المشاكل وحلولها السابقة، ودراسة سلبيات وإيجابيات هذه الحلول، التعرف علی تاريخ و تطور النظم وعلاقتها بالنظم الأخرى والبيئة التي نشأت فيها، حل مشاكل معاصرة على ضوء خبرات الماضي. وأخیرا جدیر بالذکر أن الدکتور شکری فیصل سمّی المناهج التی عالجها فی کتابه "نظریات" علی سبیل المثال المنهج التاریخی أو النظریة المدرسیة.

[6نبذة عن الکتاب

کتاب تاریخ الأدب العربی للأدیب حنا الفاخوری هدیة منه إلی کلّ من یرید أن یتعرّف علی الأدب العربی والعصور الأدبیة من الجاهلیة حتی قُبیل خمسینیات القرن العشرین. وقد اهتمّ الکاتب فی هذا الموجز، بحقائق تاریخیة وتحلیلات أدبیة وتقصّیات فکریة دقیقة بأسلوب سهل وموضوعی. إضافة إلی ذلک، عند الحاجة استشهد فی کتاباته بآراء الآخرین من العرب والمستشرقین.

یتابع الکاتب بحثه فی الفصول المختلفة من الکتاب عن بیئة الأدب سیاسیّاً واجتماعیاً وثقافیاً وفکریاً، ثمّ یحاول أن یناقش هذه الحقول واحداً واحداً ویذکر أبرز ممثّلیها. قسّم الکتاب إلی خمسة أقسام فیما یلی: العهد الجاهلی، والعهد الراشدی والأموی، والعهد العباسی، والعهد الترکی وأخیراً عهد النهضة.

اختار المؤلف الشخصیات التی تمثّل أغراضا معیّنة وتیّارات خاصة وقد ألحّ علی الشعراء المعروفین والکتّاب المشهورین وخصّص قسما کبیرا من الکتاب بأشخاص کثیرین؛ طبعا لیسوا بأفضل من الذین غابوا. وذلک لایبرّر غیاب بعض الأسماء المشهورین فی سماء الأدب العربی من الجاهلیة حتی زمن تألیف الأثر ولا سیّما فی أدب الشیعة، وفی الصعالیک، وفی الأندلس، وفترة بعد سقوط بغداد وخاصة فی أبحاثه حول عصر النهضة والإیرانیین الذین لهم الأثر البلیغ فی نشأة العلوم العربیة وتطور العقل العربی.

کما یبدو أن المبرّر فی اختیار الشعراء والکتّاب القلیلین هو ضیق المجال واتّساع المادة ومن الطبیعیّ أن الإحاطة بموضوع الأدب لوفرة الأسماء والشخصیّات صعب جّدا؛ ولکن لایبرّر جهله أو تجاهله بمعظم شخصیات إیرانیة وشیعیة کبیرة؛ خاصة أنه ادّعی بـ"أن هیّأنا موادّه فی نحو عشر سنین وکنّا دائبین فیها علی الرجوع إلی أمّهات المصادر وإلی تحلیل والمقارنة ... حرصاً علی استیفاء الموضوع وعلی الدراسة العمیقة التی لاتکتفی بالأحکام العامّة والأقوال السطحیة."

[7جعل الکاتب أن یصبغ فکره بصبغة الموسوعیة ویحاول أن یجعله مرجعا للأدیب والمتأدّب وللعالم والمتعلّم کما اجتهد أن تکون أفکاره وآراؤه فی هذه المجموعة، صورة للأدب العربی منذ فجره فی العصر الجاهلی إلی زهاء الخمسینیات من هذا القرن صورة تحلیلیة صادقة وظهر فیها باحثاً محققاً ومؤرخاً مدقّقاً وأدیباً متذوقاً متمسکاً بجانب الإیجاز الدقیق، جاعلاً التراکیب والمعانی فی قوالبها التعبیریة، بأسلوب سهل وسلس.

قد عُنی الکاتب بالأدب العربی فی هذا الأثر بعد أن کان له جولة واسعة فی الآداب و الفلسفات العالمیة کما کان له دراسة للأدبین الأغریقی واللاتینی؛ فلا غرو أنّ الکاتب قد انطبع بطابع الأدب الیونانی والفکر الکلاسیکی وغلب علی فکرته التیّار الکلاسیکی؛ لهذا نری النظام والاتّساق والانسجام فی کتاباته دون الفوضی؛ کما نری فی کتاباته الوضوح والصراحة دون الغموض والإبهام. ولکنّ الإشکالیة فی البحث رغم هذا التیّار علی فکره الذی یبحث أن إنسانیة الإنسان وذاتیته والتوازن الإنسانی الکامل فی میادین شتّی، تطرح سؤالات وهی: ألم یجده فی عصر صدر الإسلام فی المجتمع الإسلامی؟ وألم یلاحظ أثر الإسلام فی المجتمع البشری؟ وألم یشعر أنّ الإنسان قد بلغ کماله الحیاتی والذاتی فی هذا العصر؟ ولم یستقرّ فی ذاته ومجتمعه استقرار المصیر الذی أراده؟ وألم یجد الحضارة الإسلامیة حضارة مهتمة بإنسانیة الإنسان؟ حضارة ازدهرت فیها القوی الإنسانیة توازن تحرکها وتناغمت حرکاتها؟ وهو من خلال أبحاثه التاریخیة والأدبیة ألم یشعر أنّ الأدب فی احتضان هذه الحضارة أدب نور الهدایة وإشعاع الکمال؟

هذا ولاشک أنّ الحضارة الإسلامیة بصورة عامة ومذهب الشیعة وکذلک الأدب الفارسی المتأثر بحضارة الإسلام وغناه الذاتی، مورد عذب من موارد الفکر، ومنهل ثریّ من مناهل الوحی الجمالی. ومن جرّاء هذه الحضارة الخصبة الغنیة، ظهرت أمة متعددة الأعراق وانتشرت علی ألسنتها لغة العرب التی کانت لغة الدین الإسلامی وتمتّع الإنسان بکامل إنسانیته فی جوّ من الصفاء الذاتی والاجتماعی، بعیدا عن الانطواعیة والانعزالیة حیث نری فی جوّ المجتمع رقیّا حضاریا واعتلاء الروح الإنسانیة.

رغم هذا کله، إن الکاتب مع الأسف الشدید، قد نسی أثر الإسلام والشیعة والحضارة الإسلامیة فی المجتمعات والآداب خاصة المجتمع العربی والأدب العربی.

المتتابع فی الأدب العربی فی أصوله الإسلامیة، إذا یدرس ویطالع فی الأدب ویلاحظه من خارج النطاق، لا یکاد یجد أیّ أثر فی الحضارة الإسلامیة الفنیة فی الأدب؛ حیث أنه لایری شیئا یستحق الذکر فی أدب صدر الاسلام. ویری فی العصر الأموی الحیاة العربیة دائماً فی الصراعات السیاسیة والعصبیة ویعتقد أن الأدب فی العصر الإسلامی قد تأثر بهذه الحضارة الضخمة قلیلاً وهناک بعض النواحی الدنیا فی تلک الحیاة العربیة الظاهرة وظلّ الأدب عصوراً طویلة فارغ المضمون حتّی عصر النهضة الحدیثة، حیث اندفقت فیها الحیاة علی الأدب.

کما أن الحضارة الإیرانیة وثقافتها کانت قلیلة الأثر فی هذا الأدب. ونعلم أنّ الإیرانیین ذوو تاریخ عریق وذوو ذائقة أدبیة خاصة ولهم أدب راقٍ وأدب تطوّر فکری وحضاریّ وإنسانی، حتّی فی تقلیده الخلاّق ولکن لم یکن یرسف فی قیود التقلید الذی کان فی أکثره محاکاة ومجاراة فخلفوا أدباً خالداً من الآثار ذات القیمة وأدب الغنی الفکری والفنی.
أما من أهم الاشیاء التی نسِی الکاتب ذکره فی هذا الأثر، فهو التاریخ الذی أراد أن یکون إطارا للأدب وعاملا من أهم عوامله حتی تکون المعالجة للأدب تحلیلا وتعلیلا وأسلوبا وروحا. صحیح بأن کلمة التاریخ فی هذا کلّه، لاتعنی التاریخ فی ذاته؛ بل یقصد من التاریخ عاملا من أهمّ العوامل.

أما منهجه فی هذا الأثر کما یقول الکاتب نفسه: فـ"هی قائمة علی مزج التاریخ الثابت بالتحلیل الواسع، وتبویب الأدب بالنظر إلی فنونه العالمیة، ودراسته بالنظر إلی القواعد الحدیثة، وإلی القیم الإنسانیة الرفیعة."

[8کما یری أن کتب تاریخ الأدب تجمع عادة بین علم التاریخ والفن التحلیلی، وقد جرینا نحن أیضاً علی هذا الأسلوب.

[9ویعرّف التاریخ بأنه العلم الذی یُحیی الماضی، ویربط حوادثه بعضها ببعض، ویظهر المجاری العامة فی تطوّر البشر، یستطیع منه المؤرخ أن یُهذّب العقول مفسّراً الحاضر بالماضی ومستخلصاً من الماضی بعض ما یُخفِی المستقبل.

[10وها نحن نحاول عبر هذه النافذة تقدیم إطلالة سریعة عن بعض الحوادث والوقائع التاریخیة الهامّة المنسیّة ذات أثر کبیر ومباشر فی الأدب العربی؛ خاصة أن الکاتب یعتقد بـ"أننا توخّینا الدقّة فی کلّ قول، فلم نرسل کلاماً لا یُفهم مؤداه، ولا یقوم علی البراهین الثابتة."

[11وبدایة لابدّ أن نشیر إلی العصر الجاهلی.

الحوادث التاریخیة قبل الإسلام

تکلم الأدیب عن الجاهلیة والأدب الجاهلی، دون أن یناقش المؤثرات التاریخیة الهامّة فیه فیذکر بعض الأشیاء فقط دون الدراسة والتحلیل. وکلّ ما یری هو الاحتکاک بین العدنانیین والقحطانیین. ومن هذه العوامل والمؤثرات:
أیام العرب الجاهلی، الأسواق الجاهلیة ودورها فی الحالة السیاسیة والاقتصادیة، التجارة فی جزیرة العرب ومعاملات العرب التجاریة قبل الإسلام، حضور الصعالیک وأهدافهم ودورهم فی الأدب العربی فی العصر الجاهلی، مکانة المرأة فی الجاهلیة وبعدها، معارف العرب الجاهلی، العلاقات السیاسیة بین الجاهلیین والأمم الأخری خاصة الفرس والروم، المناذرة والغساسنة ودورهم فی التاریخ السیاسی للعرب فی العصر الجاهلی والشعراء المخضرمون.

یحیل الرواة تاریخ ظهور الشعر فی العصر الجاهلی، إلی عهد المهلهل وإمرئ القیس ویسمّون هذا العهد هو عهد ازدهار الشعر واستقرار الأسلوب التقلیدی علی سبیل المثال یری نیکلسون أنّ فجر العصر الذهبی للشعر هو السنوات العشر الأولی من القرن العشرین، بعد اشتداد حرب البسوس واهتمام الشعراء بذکر أیامها

[12. ولکنّ جرجی زیدان یراه فی استقلال عرب الحجاز عن الیمن فی أواخر القرن الخامس وما تلیه من حروب وغزوات کحرب البسوس وحرب داحس وغبراء وعام الفیل وحرب الفجار

[13. وهناک حروب أخری مثل ذی قار بین الفرس والعرب والحروب بین الأوس والخزرج، مقتل عمرو بن هند وما أعقب من وقائع بین تغلب والمناذرة ومقتل النعمان بن منذر، الحروب بین قبیلتی بکر وتغلب وبین الغساسنة والمناذرة من الحوادث الهامة ذات أثر کبیر فی الأدب الجاهلی الذی لم یهتم بها الکاتب.

کانت هذه القضایا من العوامل الهامة فی إیجاد الشعر السیاسی فی العصر الجاهلی الذی أکثر الشعراء منه وقد شغل حیزاً کبیراً فی دواوین الشعراء بصوره المختلفة کالحماسة، والهجاء، ومدح الملوک والسادات والمدح الدینی؛ حیث ذکر الکاتب أشیاء طفیفة جداً عن بعضها.

أحداث التاریخ الإسلامی

أهم الأحداث فی تاریخ صدر الإسلام من رؤیة تاریخیة هو العداء القدیم بین بنی أمیة وبنی هاشم وحرب عوان بینهما، ظهور الرسول وولادته وبعثته وعزلته فی غار حراء ونزول الوحی علیه ودور خدیجة الرئیسی فی هذا المنطلق، ومسارعتها إلی قبول دعوته ثم بعدها ابن عمّه علی بن أبی طالب، وموقف قریش من الرسول وموقف أهل یثرب وخاصّة قبیلتی الأوس والخزرج وتسمیتهم بالأنصار وتسمیة الذین هاجروا مع النبیّ بالمهاجرین وبعد ذلک سمّیت یثرب مدینة الرسول، وأهمّ من ذلک تبدیل التاریخ، بالتاریخ الهجری. ولکن لم یکن لهذه الأحداث والوقایع الهامّة أیّ أثر فی کتاب تاریخ الأدب العربی کلمحة تاریخیة. وبعد ذلک ابتدأت الغزوات والسرایا للرسول، یتبع بعضها بعضا وکان النصر فی أکثرها حلیف المسلمین فغزا النبی مکة بعشرة آلاف مقاتل فافتتحها سلماً ثم دخل الکعبة وأباد کلّ ما بها من أصنام وأوثان وصور وتماثیل و بعد ذلک وفاته بالمدینة.

بعد ذلک اختلاف الصحابة من المهاجرین والأنصار لیبایعوا شخصا بالخلافة والشوری فیها، وبویع أخیرا الإمام علی بعد أبی بکر وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفّان وحدثت واقعة الجمل؛ لأنّ طلحة وزبیر بعد أن بایعا الإمام، رجعا من مبایعتهما وانضمّا إلی زوجة النبی عایشة.

کما أن معاویة ألّف حزب العثمانیة وجاهر بمخالفة الإمام وعدائه لیطالب بدم الخلیفة الشهید والمظلوم حسب رأیه وجعل قاعدة حکمه دمشق بدلا من المدینة؛ لأنّ أنصاره کانوا فی الشام وهناک تمکّن بسیاسته من توطید دعائم ملکه وتقویة رکائز حکمه وحدثت واقعة صفین وانتهت بالتحکیم بین أبی موسی الأشعری وعمروبن العاص کحکمین من قبل الإمام علی ومعاویة. ولکن رفضه أشخاص کثیرون بذریعة أن علیاً ومعاویة کافران فخرجوا عن الدین وسمّوا بالخوارج ومن جرّاء ذلک حدثت معرکة نهروان.

ظهور الرسول وأجداده الذین کانوا کلهم من الحنفاء، البعثة النبویة والغزوات والسرایا، حلف الفضول، عام الفیل، الهجرة، حجة الوداع و وفاة الرسول، لیلة المبیت، سقیة بنی ساعدة ودورها فی خلافة الرسول، النظام السیاسی والإداری والقضائی والحربی والمالی فی عهد الرسول وبعد ذلک، حرکة التوسع والفتح والفتوحات الإسلامیة فی عصرالخلفاء الراشدین، فتح فارس والشام وفلسطین ومصر، النزاع بین العباسیین والبیزینطیین، نکبة البرامکة، تکوین النحل والثورات الدینیة فی االعصر العباسی، تدخل النساء فی سیاسة القصر، سیطرة الأتراک علی الحکم فی العصر العباسی، ظهور حریة الفکر فی البحث والجدل والمناظرة، ترفیة الفنون الجمیلة، ظهور الدویلات وسلطة الولاة الفارسیة وغیرها ودورها فی الأدب العربی مثل الطاهریین، والصفاریین، والسامانیین، والبویهیین، والسلاجقة، والحمدانیین، والطولونیین، والإخشیدییین، والفاطمییین، والأیوبیین، والممالیک و...إلخ من الحکومات وفیما یتعلق بالتاریخ السیاسی والعلاقات الخارجیة ونظم الحکم والحالة الاقتصادیة والحالة الاجتماعیة والثقافیة.

والأهم من هذا کله، الحروب الصلیبیة ودورها فی التاریخ السیاسی للعرب وللعالم بأجمعه والغزو المغولی فی تیّاراته الثلاثة جنکیزخان، هولاکو وأخیرا تیمور لنک والدویلات التابعة لهم وأهم من ذلک دور الأیوبیین والممالیک أمام هؤلاء وإفشالهم وإخراجهم من الأراضی الإسلامیة، ومقاومتهم مقاومة عنیفة وفتح البلاد الأوروبیة فی العصر الذی یسمی بالانحطاط هذه التسمیة المشؤومة الجائرة علی هذا العصر.

کما ظهرت من جرّاء حریّة الفکر فی هذا العصر، النهضة العقائدیّة والکلامیّة من المانویة والزرادشتیة والأشعریة والاعتزالیة وإخوان الصفا. ولهذه الحرکة أثر کبیر فی الأدب بنوعیه الشعر والنثر.
تطوّر الشعر و تکاثر عدد الشعراء فی العصر الإسلامی بتأثیر هذه الأسباب التاریخیة والسیاسیة و الاجتماعیة فظهرت فنون جدیدة و قویت خاصة الشعر السیاسی. وقد کثر المدح والتفاخر والهجاء المقذع فی شعر الإسلامیین لعلاقة هذه الأغراض بالأحزاب السیاسیة.

[14کما أن القرآن کأثر أدبی له تأثیر کبیر فی النثر الإسلامی وله فضل عظیم علی اللغة العربیة فهو الذی هذّب عبارتها ووحّد لهجاتها ونشرها شرقا وغربا بانتشار الدین الإسلامی

[15یناقش الحالة السیاسیة فی العهد الترکی، بأنه یقسم إلی قسمین: أولهما الطور المغولی من سنة 656- 922 ویبدأ بسقوط بغداد فی حوزة هولاکو وینتهی باستیلاء سلیم الفاتح علی الشام ومصر؛
وثانیهما: الطور العثمانی من سنة 922-1213هـ الذی ینتهی بحملة نابلیون علی مصر. ویذکر کلّ ما یتعلق بهذا العصرمن الناحیة السیاسیة فی الصفحتین ولا یعبأ به کأنه یجهل التاریخ عن هذا الصر أو یتجاهل بکلّ ما حدث فی هذا العصر من صفحة 859 إلی 880 حوالی 21 صفحة هذا وأن هذا العصر تاریخیاً یستغرق حوالی سبعة قرون أی من سنة 648 استیلاء الممالیک علی الحکم حتی سنة 1213 وهذا عجیب جدا!!!

أحداث التاریخ الشیعی

کان لنشأة الأحزاب السیاسیة، دور رئیسی هامّ فی إضعاف حکم الأمویین من قیام الزبیریین فی الحجاز، والخوارج فی الجزیرة والشعوبیة لإحقاق حقهم الحقة وأخیرا الشیعیین فی العراق. فإن هذه الأحزاب کما یعتقد صاحب کتاب أدباء العرب علی اختلافها فی المذاهب والعقائد، کانت تسعی جمیعا لقلب العرش الأموی. فاجتمع علی ذلک الخارجی، والزبیری، والعلوی، والعباسی والشعوبی.

[16والشیعة عبر أدبهم العقائدی الملتزم، نشروا أفکارهم وعقائدهم النضالیة ضدّ الأعداء من الأمویین والعباسیین وثاروا علی الأوضاع القائمة التی سادت الفساد الاجتماعی والسیاسی والفکری وأودعوا ثورتهم العاطفیة والفکریة فی أشعارهم ودوّنوا أفکارهم وعقائدهم فی مدوّانتهم. وأطلقوا أصواتهم ینادون بتحرّر الإنسان والمجتمع الإنسانی من عوامل الانحطاط فی کافّة أنحائها وأهمّ ما یتمیّز به شعرهم، الدقة فی بیان العواطف الإنسانیة فی الغضب والسخط والثأر. ومنظومتهم الفکریة قائمة علی أساس القرآن والسنة وسبر أغوار النفس الإنسانیة والتأمل لما اعتری العصر من هزّات سیاسیّة واجتماعیة عنیفة. ولکنّ الروح الحضاریّة الإسلامیة أثّرت فی فاعلیّها وموضوع شعرهم المدح ومناقب أهل البیت.

وشعراء الشیعة قد اشتهروا بنقد الأوضاع السیاسیة والاجتماعیة أحیانا بلغة ساخرة لاذعة. وثاروا علی الوضع الاجتماعی والسیاسی والأدبی فی عصرهم فقدّموا للأدب عالماً جدیداً فی الشکل والمضمون. استلهموا أفکارهم من القرآن والسنة النبویة الشریفة والأئمة الأطهار. وکما نری التأثیر الإکلیرکی القوی للشیعة فی الأدب حیث یشع إشعاعاً جدیداً.
وأکبر الشعراء وکتّابهم أکثر جهاداً وأشدّ کفاحاً فی سبیل الحریة و إذا ذُکِر الأدباء العظام، ذُکِر معهم الجهاد السیاسی العنیف والنفی والعیش بعیدا عن الوطن مع التماس أسباب العیش بشقّ الأنفس. وهم برعوا فی رثاء الحسین وشهداء کربلاء. ولکن أهمّ الوقائع التاریخیّة التی لم یُناقش فی هذا الکتاب فیما یلی:

انتخاب الإمام علی فی غدیر خمّ، قضیة التحکیم وظهور الخوارج ودورهم فی التاریخ السیاسی للعرب، مقتل الإمام، ثورة الإمام الحسین، قضیة کربلاء وعاشوراء وهدف الإمام، العلویون ودورهم فی العصر العباسی، اضطهاد الشیعة العلویّة وخاصة بالنفوذ الترکیّ فی العصر العباسی، عوامل ضعف الدعوة العلویّة بالنسبة إلی الدعوة العباسیّة، دور الإمام زین العابدین والإمام محمد الباقر والإمام جعفر الصادق وکذلک ولایة عهدیة الإمام علی بن موسی الرضا زمن المأمون وأخیرا غیبة الإمام مهدی علیهم السلام أجمعین ودورهم فی التاریخ السیاسی للعرب وبالتالی فی القضایا الأخری ومنها الأدب.
بعدما استخلُف یزید (جعل معاویة الخلافة وراثة بعد أن کانت شوری فی انتخاب الخلفاء الراشدین) بایع العلوین الإمام الحسین واستشهد فی کربلاء وازداد الشیعیون حماسة وتعصبا للإمام علی وأبنائه ونقمة علی بنی أمیة وبعد ذلک علی بنی العباس، فظهرت ثورات العلویین ونفور العرب منهم ومن أهمّها: ظهور التوّابین وثورة مختار الثقفی ودور الفرس فیها، ثورة النفس الزکیّة، ثورة الأدارسة فی المغرب الأقصی، دولة الفاطمیین بالقیروان ثمّ فی مصر، والدولة الحمدانیة والدولة البویهیة.

کأنه لایعرف عن الشیعة إلا أنّ مذهب الشیعة حزب سیاسی وأصحابها وأئمتها أشخاص ثائرون منتقمون لایفکّرون بشیء إلا الثورة والانتقام والثأر ضد أعدائهم. وکذلک لایفرق بین شیعة کیسانیة، وشیعة زیدیة، وشیعة إسماعیلیة وشیعة إمامیة.
تکلم عن الإمام علی تحت عنوان الانقلاب الدینی والسیاسی فی العصر الأموی، بأن وقع خلاف سیاسی شدید فی شأن الخلافة بعد أن بایعه الناس قام معاویة فی وجهه وانقسم العرب أحزاباً وبعد قتله بایع أنصاره ابنه الحسن فرأی هذا أن قبل له بمحاربة معاویة فتنازل له عن الخلافة حقنا للدماء وأصبح معاویة بذلک خلیفة المسلمین.

[17ومن جرّاء ذلک، قام شعراء الشیعة بتعییر العرب الأموی الفاشیّة وبنی العباس ونشر مثالبهم وإفحاش القول فی خلفائهم. وأشعارهم الهجائیّة فی الخلفاء الأمویین والعباسیین وکرههم لهم أصدق شاهد علی تشیّعهم. کما ظهر نوع من الفنون الشعریّة المسماة بالأدب المأتمی ومن أشهر شعراء أنصار الإمام علی وأنصار العلویین والهاشمیین: النعمان بن بشیر الأنصاری، وابن مفرغ الحمیری، وأبوالأسود الدوئلی، والفرزدق، والکمیت بن زید الأسدی وهاشمیّاته، وکثیّر عزّة، وأیمن بن خریم الأسدی حیث کان شدید التشیع لعلی، والسید الحمیری، ودعبل، والشریف الرضی وشیعیّاته وأخوه الشریف المرتضی ودیک الجنّ. ولهؤلاء مدائح ومراثی کثیرة فی أهل البیت وخصائلهم ومناقبهم. وهناک أشعار کثیرة فی الغدیر المسمّاة بالغدیریّات وعاشوراء ومقتل الأئمة وغیبة إمام العصر ومعراج الرسول لیلة الاسراء ولکن مع الأسف الشدید لم یناقشها حنا الفاخوری فی أثره هذا إلا قلیلاً من الکمیت ودعبل والشریف الرضی.

ومع الأسف الشدید لایفرق بین الخلافة والإمامة أو الولایة حیث یقول فی الشعر السیاسی عن الشیعة: "سخط الشیعیّون علی المغتصبین وحزنوا لما ألمّ بهم من أحداث فکان شعرهم شعر السخط والحزن ... ویرمی إلی الجهاد فی سبیل الخلافة العلویة."

[18عندما یذکر شعراء الشیعة یحذف کلّ ما یتعلق بعقیدتهم وتشیّعهم. علی سبیل المثال تکلّم عن الشریف الرضی وناقش شعره کالحجازیّات، والشیعیّات، والرثائیّات، والفخریّات ثم یتکلم عن حجازیاته ورثائیاته وفخریاته وأنه شاعر المدح والوصف تارکاً شیعیاته. ویقسم رثائه إلی ثلاثة أقسام: رثاء الأهل والأصدقاء، رثاء الملوک والعظماء ورثاء صریع کربلاء ولایتکلم عن الأخیر الذی یقع فی خمس قصائد طوال.

[19حوادث التاریخ الإیرانی

تطلعنا قراءة التاریخ علی العدید من الحروب التی خاضتها إمبراطوریة الفرس علی مدی أزمان طویلة داخلیاً وخارجیاً. بعد الفتح العربی، بدأت فارس استقلالها قرابة القرن العاشر للمیلادی حیث تعاونت اللغة والأدب علی النهوض بالفکر والحریة وقد تأکّد استقلال إیران بعد ضعف الخلافة العباسیة. اعتماد اللغة الفارسیة علی الثقافة العربیة الإسلامیة جعلها تقتبس تعابیر هذه الثقافة ومصطلحاتها.

استغرق نهوض الأدب بعد سبات طویل، وقتا غیر قصیر فی تاریخ الفرس حوالی قرنین وقد نجحت محاولات الأدباء والشعراء فی نهضة الشعر والأدب. الفرس أمة قدیمة لها حضارة عظیمة، وتراث الفرس الأدبی کما هو واضح شعری فی المقام الأول وأثر الأدب العربی فیه عظیم إلی أبعد الحدود.

لاشک بأن الشعر هویة التعریف بحضارات الأمم والبلدان المختلفة علی مرّ العصور؛ لأنه یقتضب فی طیّاته الجهود والأحاسیس الوجدانیة لأبناء البشر علی اختلاف مراحلهم. ونظراً لانفتاح الإیرانیین علی رسالة الإسلام السماویة وتفاعلهم مع السنة الشریفة للرسول ومدرسة الأئمة الکرام من آل بیت الرسول، فقد امتزج البعد الإیمانی، المحمدی العلوی بتفاصیل الأدب الفارسی، وهذا هو الذی شجّع الإیرانیین علی سکب إبداعاتهم الشعریة فی قوالب خاصة نحو المعرفة الحقة لخالق الکون والحیاة، بحیث ترجم الشعر الفارسی إلی لغات عالمیة عدیدة لتمتّعه بالمعانی الفلسفیة والروحانی العمیقة. وهذا الأدب دلیل حیّ علی ما حققّته بالمعانی اللطیفة الجمیلة من إنجازات إنسانیة فکریة وأدبیة وعلمیّة طوال التاریخ؛ حیث أغنی الفرس الحضارة الإنسانیة من طریقها فی جوانب متعددة.

بعد أن سیطر العرب علی الفرس واعتبروهم دونهم دماً ولغة وأدباً وخُلقاً وافتخروا بعروبتهم ودولتهم الغالبة؛ فأخذوا علی العرب خروجهم علی أصول الإسلام الداعی إلی المساواة فتولد فی نفسهم تیّار عکسی ضد العرب، وفخروا بمجدهم وحضارتهم الغنیة ونقموا علی العرب تدریجیاً الدین واللغة والجنس والأدب وجاهدوا فی إرجاع الدولة الفارسیة. وقد اشتهر شعراؤها بالعمل علی إحیاء القومیة الفارسیة التی کانت خمدت بعد الفتح العربی، خاصّة بعد أن قامت الدولة السامانیة، ساندت الروح الفارسی الإسلامی فکانت الحرکة العلمیة والأدبیة باللغة الفارسیة الإسلامیة.
ناهیک من القول بأن أذکر أنّ بنیان العرش العباسی کان للفرس عموما ولأبی مسلم الخراسانی خصوصاً واصطبغت الحکومة العباسیة باللون الفارسی فغلب عنصرهم علی العنصر العربی فی شتّی المجالات. وکما یری المؤلف نفسه بأن النظام کان فارسیاً واللغة کانت فارسیة فی دواوین العراق وفارس.

[20عنایة بهذا الأمر، کثیر من الحوادث التاریخیة والسیاسیة المؤثرة من العصر الجاهلی حتی العصر الإسلامی منسیّة من قبل الکاتب فی هذا المدوّن. نذکر بعضها بالاقتضاب: دور الموالی والشعوبیة فی العصر الأموی والعباسی، أبو مسلم الخراسانی ودوره الرئیسی فی إیجاد الخلافة العباسیة، الحرب بین الفرس والروم وأثرها فی التاریخ السیاسی للعرب ومن جرّاء ذلک فی القضایا الأخری وخاصة فی الأدب، دور الإیرانیین فی الحوادث الکبری التی وقعت فی العهد العباسی کإسقاط العرب وإیثار الفرس علیهم، ثم تشجیع الترک علی الفرس والعرب، دور البرامکة وآل فضل فی العصر العباسی. وهناک کثیر من الشعراء لهم صلة قویة بهذه الحوادث ولم یذکرهم المؤلف فی کتابه مثل:
شعراء البرامکة: أبان بن عبدالحمید، ابن مناذر، والمرقاشی، وأشجع السلمی. ومن شعراء الموالی: إسماعیل بن یسار ویزید بن ضبّة.

وأخیراً فی عصر النهضة، ناقش احتکاک الشرق بالغرب ولکن لم یتکلّم عن القضایا التاریخیّة الهامّة المؤثّرة علی الأدب العربی فی هذا العهد. علی سبیل المثال: الحرب العالمیة الأولی والثانیة، قضیّة النفط، قضیة فلسطین ودورها فی المنطقة وأثرها فی الأدب العربی، الشعر الحر وقضایاه، معطیات الغرب والمستشرقین کالإلحاد، والعلمانیة، والسکولاریزم، والمادیة الشیوعیّة والاشتراکیّة، والرأسمالیة وغیرها.
ولکن المشکلة الکبری أنه یذکر بعض هذه الأحداث التاریخیة والسیاسیة ولایتفوّه بها بکلام. نذکر بعضها علی سبیل المثال:

سهل بن هارون فارسی الأصل اتصل بالمأمون الذی أُعجِب به وبنزعته الشعوبیة. کان شعوبیّ المذهب شدید العصبیة علی العرب وقد اشتهر بالحکمة حتی لقّب بزرجمهر الإسلام.

[21ولکن من هو بزرجمهر وما هی الشعوبیة؟ فلا یناقش الموضوع.

انطوی الشرق العربی علی نفسه بعد الحروب الصلیبیة زمناً طویلاً، وأغلق علی نفسه إغلاقاً یکاد یکون شاملاً فلم یجد فی ذاته إلا فقراً وإعداماً معنویاً

[22ما هی الحروب الصلیبیة؟ لم یناقشها.
عندما اندلعت نیران الثورة الخراسانیة وتقدمت جیوش أبی مسلم وقُتل مروان قُبض علی کاتبه عبد الحمید الذی مکث علی ولائه لسیّده وقُتل.

[23ولکن من هو أبومسلم وکیف کانت الثورة الخراسانیّة؟ فلم یناقشها.
یتکلم عن ابن فارض قائلا: لما عاد إلی مصر استُقبل کرجل بارّ، وکان الأیوبیون هناک شدیدی العنایة بفتح المدارس وبعث الروح الدینیة کما کان للصوفیة مکانة فریدة بسبب عنایتها الکبری بریاضة الروح.

[24ولکن لم یتکم عن الأیوبیین ودورهم فی الحروب الصلیبیة وفتح قلعة عکا وتحریر القدس الشریفة، کما لم یتکلم عن المدارس بصورة عامة والمدارس الدینیة بصورة خاصة زمن الأیوبیین والممالیک، وأیضاً لایتکلم عن الصوفیة، ومدارسها، ودعاتها، وأتباعا، وأدبها ومیزاته و... .

قام بنوبویه فی بغداد، والإخشیدیون فی مصر وسوریة، والفاطمیون فی إفریقیة، والأمویون فی إسبانیة، والقرامطة فی البحرین، والدیلم فی جرجان، والبریدی فی البصرة وواسط، والحمدانیون فی موصل وحلب. وکثرت الفتن وکثر الثائرون من العلویین والمتذرعین بالدعوة العلویة کوسیلة إلی المجد والسلطان. قویت دعوة الشیعة فی المشرق وعظمت آمالهم بنهوض الدولة الشیعیة الکبیرة دولة الفاطمیین.

[25ولکن من هم بنوبویه والإخشیدیون والفاطمیون والقرامطة والدیلم والبریدی والحمدانیون؟ وما هو دورهم فی إیجاد الدولة الإسلامیة؟ وما القصد وراء ذلک؟ لا نعرف شیئا عنهم؛ لأن الکاتب لم یهتمّ بهم فی هذا الأثر، مع أن لهم دوراً بارزاً فی الأدب العربی ولهم کتّاب وشعراء وکثیر من خلفائهم وأمرائهم أهل الأدب ولهم اهتمام کبیر بالأدب العربی.
تکلم عن العلوم الدینیة وأقسامها وفروعها مثل الحدیث، والکلام، والتفسیر، والفقه وکذلک علوم اللغة فی بضع صفحات قلیلا جداً. ولکنه لایتحدث عن الشیعة ودورها ونشاطاتها فی نضج هذه العلوم. کأنه یحصر العلوم الدینیة والإسلامیة عند أهل السنة ولا الشیعة ولایعتبرهم من المسلمین!!!.

تکلّم عن الشریف الرضی وناقش شعره کالحجازیّات، والشیعیّات، الرثائیات ویقسم رثائه إلی ثلاثة أقسام: رثاء الأهل والأصدقاء، رثاء الملوک والعظماء ورثاء صریع کربلاء

[26ولکن أین کربلاء؟ ومن هو صریع کربلاء؟ لانعرف؛ بما أنه لایشیر إلیه. هذا وأن الموضوع حدث تاریخی هامّ فی تاریخ الإسلام والشیعة؛ وظهر من جرّاء ذلک الأدب المأتمی فی الأدب العربی.

کان للمانویة أثر کبیر فی العراق خصوصا، کما کان لها أثرکبیر فی من انضمّوا حدیثاً إلی الإسلام.

[27ولکنه لم یذکر شیئا عن "مانی" ومذهبه المانویة.

بعد أن یتکلم عن تیمورلنک واکتساح جیشه آسیة الصغری یقول: فأضحت المدن العامرة خرابا والمکاتب طعمة للنار. ولبثت مصر فی حکم الممالیک وکذلک الشام بعد نزوح تیمورلنک عنها.

[28ولکن من هم الممالیک؟ کیف حکموا مصر والشام؟ من أین جاؤوا؟ قبیل ذلک أشار أن هذا العصر یُقسم إلی الطور المغولی والطور العثمانی.
هذا وأن الممالیک البحریة والبرجیة لهم دور بارز فی التاریخ الإسلامی فی العصر المغولی والحروب الصلیبیة. ولولم یکن الممالیک لأزیلت الممالک الإسلامیة تحت وطأة المغول والتتر والصلیبیین.
کان من المتوقع أن یذکر بعض الأشیاء عن هذه القضایا لیستوفی الموضوع المدروس ولتکون الدراسة عمیقة ونُنهی الکلام کما یقول نفسه: "فنضع هذا الکتاب بعدأنّ درّسنا الأدب العربی زمناً طویلاً، وبعد أنّ هیّأنا موادّه فی نحو عشر سنین کنّا دائبین فیها علی الرجوع إلی أمهات المصادر، وإلی التحلیل والمقارنة، مستفیدین ممّا تُقدّمه أحدث المکتشفات والدراسات العلمیة، حرصاً علی استیفاء الموضوع وعلی الدراسة العمیقة التی لاتکتفی بالأحکام العاّمّة والأقوال السطحیة، وعلی تراثنا الأدبی العربی وعلی إظهار ما فیه من قیم إنسانیة وروائع فنّیة سامیة، وجُلّ غایتنا أن نقدّم مادّة من شأنها أنّ تغذّی عقل الطالب، وتملأ قلبه ونفسه، ..."


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى