الاثنين ١٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٦
(121) دور صندوق النقد الدولي
بقلم حسين سرمك حسن

في تخريب الاقتصاد "الربيع العربى"

(بينما يواصل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التحرك تحت غطاء من جهل الشعوب، فإن أيديهم توغل في زعزعة استقرار الدول دون أن يلاحظها أحد. وفي البلدان التي يسيطرون عليها من خلال الإرهاب الاقتصادي، يتضح تماماً مدى التأثير الذي تمارسه هاتان المؤسستان الشيطانيتان. ومع استمرار الثورات الوهمية التي تعصف بالشرق الأوسط، فإن صرخاتهم المتحمسة من أجل "الديمقراطية" تحفّز الأمم المتحدة وهيئات العولمة الأخرى على تقديم مساعدات تبدو "ودّية" في ظل التحولات الجارية).

الباحثة الاقتصادية

سوزان بوسيل

(وبالنظر إلى حقيقة أن الأردن كان يعاني من قيود اقتصادية قاسية، ونظم حماية اجتماعية متخلفة إلى حد كبير، فإن فرض حزمة تركز على التقشف من قبل صندوق النقد الدولي أدت إلى احتجاجات وأعمال شغب، كان أوسعها نطاقا في نوفمبر تشرين الثاني عام 2012. ونوبة تدابير التقشف من صندوق النقد الدولي وأعمال الشغب الناتجة عنها تذكرنا بتلك التي واجهها الأردن في وقت سابق من عامي 1989 و1996).

(ولكن الآثار الاجتماعية لبرامج الاستقرار في المغرب، كانت مضرة في بداية الثمانينات وفي النصف الثاني من التسعينات. الأرقام بشأن الفقر والبطالة الصادرة عن الدولة كانت مثيرة للجدل وقابل للنقاش للغاية لأنها كانت أقل بكثير من المعدلات "غير الرسمية" المعترف بها عموما. الآثار الاجتماعية لبرامج مؤسسات بريتون وودز التي أدخلت في بداية كانت صادمة لدرجة أن الحكومة المغربية أنهت اتفاقها مع صندوق النقد الدولي في عام 1993، لكنها استمرت في تنفيذ سياسات صندوق النقد الدولي بالرغم من ذلك. حتى البنك الدولي اعترف في وقت لاحق أنه كان متفائلا بشكل مفرط في تقييم المستقبل الاقتصادي للمغرب).

الباحث الاقتصادي

د. محمد مسلم

(تمهيد: دور تخريبي في المغرب والأردن ومخطط لاستغلال انتفاضات "الربيع العربي"- مقدمة: الإنتفاضات العربية رد على السياسات الفاشلة للصندوق والبنك الدولي- تأثير صندوق النقد الدولي على الدول العربية (من 1980 إلى منتصف عام 2000)- مقارنة بين سياسات صندوق النقد الدولي قبل وبعد 2011- ما قبل 2011: تحديد أخطاء نهج صندوق النقد الدولي في المنطقة العربية- ما بعد عام 2011: تغييرات صندوق النقد الدولي في البيانات؟- المغرب قبل 2011 - المغرب ما بعد عام 2011- الأردن قبل 2011- الأردن ما بعد عام 2011- هل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي بوتقة اختبار الدور المتغير لصندوق النقد الدولي؟- استنتاج- ملاحظة- رئيس البنك الدولي: انتفاضات الربيع العربي حسّنت التنمية !!!- الصندوق والبنك أدوات الإرهاب الاقتصادي- المخابرات الغربية تدير ثورات الربيع العربي- أخصائيون نفسيون وأساليب نفسية متطورة- مصادر هذه الحلقات)

تمهيد: دور تخريبي في المغرب والأردن ومخطط لاستغلال انتفاضات "الربيع العربي"

ضمن سلسلة حلقات هذه الموسوعة عن جرائم الولايات المتحدة الأمريكية، وفي القسم الخاص بكشف الدور التخريبي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في تدمير اقتصادات الدول النامية واستنزاف ثروات الشعوب الفقيرة وتحويل ثروات العالم الثالث إلى دول الشمال الغنية الاستغلالية، كنّا قد ترجمنا قسمين من دراسة الخبير الاقتصادي الدكتور "محمد مسلم" : "صندوق النقد الدولي والعالم العربي: دروس غير مستفادة" وهما القسم الخاص بتونس ضمن الحلقة (96) "كيف دمّر صندوق النقد والبنك الدولي اقتصاد تونس ونشر الفقر والبطالة وأشعل الاحتجاجات فيها"، والقسم الخاص بمصر ضمن الحلقة (98) "برامج صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تنشر البطالة والأمّية والمرض والجوع في مصر وتنقل ثرواتها إلى البنوك الغربية". في هذه الحلقة، وهي الأخيرة ضمن القسم الخاص بصندوق النقد اللدولي والبنك الدولي، نكمل ترجمة دراسة الدكتور محمد مسلم المهمة وهو يستعرض فيها الآثار السلبية الكبيرة التي خلفتها برامج التكييف الهيكلي وخطط تحرير التجارة والأسواق المالية في قطرين عربيين آخرين هما المغرب والأردن عبر مقارنة برامج وخطط صندوق النقد قبل عام 2011 وبعده (اي قبل الانتفاضات العربية أو ما سُمّي بالربيع العربي وبعدها) ليثبت أن ما أعلنته هيئة صندوق النقد الدولي من تغييرات في برامج الصندوق استجابة لما حصل في الأقطار العربية هو مجرد لعب كلامي وأن الأسس الاستغلالية التدميرية الغربية ثابتة لم تتغير. وسنختم هذه الحلقة بملحق مكمّل لباحثة أقتصادية غربية هي "سوزان بوسيل" عن "صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يستغلان الانتفاضات العربية لتوسيع سيطرتهما" لغرض استكمال الصورة عن الدور التخريبي لهاتين المؤسستين التدميريتين اللتين تسيطر عليهما الولايات المتحدة الأمريكية وتسخرهما لخدمة بنوكها وشركاتها العابرة للقوميات.

مقدمة: الإنتفاضات العربية رد على السياسات الفاشلة للصندوق والبنك الدولي

يقول الدكتور محمد مسلم: "لدى صندوق النقد الدولي سجل حافل في تنفيذ التحرير العنيف في التجارة والاستثمار جنبا إلى جنب مع سياسات انكماشية مثل تدابير التقشف والضرائب التنازلية مع الآثار السلبية على النمو والعمالة وعدم المساواة. ومع ذلك، فإن الوثائق الصادرة عن صندوق النقد الدولي منذ الأزمة المالية عام 2008 قد أشارت إلى أن المنظمة تقوم بمراجعة موقفها لتصوّر نفسها على أنها مؤسسة إقراض أكثر مرونة .أصبح هذا التحول في السياسة المزعومة أكثر وضوحا بعد الانتفاضات العربية عام 2011، والتي يُعزى الكثير منها إلى فشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي روجت لها المؤسسات المالية الدولية. بعد عام 2011، أبرزت الستراتيجيات الخاصة بكل بلد التي ينتجها صندوق النقد الدولي للدول العربية باستمرار قضايا أساسية أبرزها الاندماج الاجتماعي والاقتصادي كأولويات رئيسية لسياسة صندوق النقد الدولي، مما يشير إلى أنها قد تخلت عن الممارسات السابقة، وستضع المزيد من التركيز على السياسات التي تهدف إلى شمولية النمو.

وتقدم لحظة الانتفاضات العربية فرصة لتقييم التغيير المحتمل لسياسات صندوق النقد الدولي في الاستجابة للاتهامات عن مسؤوليته عن سلسلة الأزمات المالية التي يعاني منها الاقتصاد العالمي.

في مايو 2011، اجتمعت مجموعة من المؤسسات الدولية والحكومات تحت مظلة شراكة دوفيل وتعهدت بأن تقدم 40 مليار دولار في شكل قروض وغيرها من المساعدات نحو ما أسموه "الدول العربية التي تمر بمرحلة انتقالية" . بحلول عام 2012، كان صندوق النقد الدولي قد وقّع أربع اتفاقيات للقروض في المنطقة: حزمة قرض لمدة سنتين مع المغرب والأردن، خط ائتماني طارىء مع اليمن وترتيب تمويل وقائي مع تونس. وقد دخلت مصر جولتي مفاوضات مثيرة للجدل مع صندوق النقد الدولي على برنامج قرض محتمل، وكلتاهما لم توصل إلى قرض في نهاية المطاف.
يستكشف هذا التقرير تأثير صندوق النقد الدولي في دول ما بعد المد الثوري العربية من خلال توثيق تاريخ تدخلات صندوق النقد الدولي في المنطقة. ثم يتتبع التغيير في خطاب صندوق النقد الدولي وممارساته قبل وبعد عام 2011 في أربع دول عربية هي: تونس، المغرب، والأردن، ومصر. وقد تم اختيار هذه الدول على وجه الخصوص لأنها اعتمدت إصلاحات هيكلية واسعة تحت رعاية صندوق النقد الدولي وكثيرا ما وضعتها المؤسسات المالية الدولية في المقدمة كنماذج للإصلاح الناجح. وسوف يتبين أنه في الممارسة فإن تدخلات صندوق النقد الدولي بعد الانتفاضات العربية قد كرّرت نفس السياسات التي ثبت فشلها قبل عام 2011. وكما هو موضح في دراسات الحالة، تشمل هذه السياسات ما يلي: (أ) التركيز على التقشف المالي وخفض الدعم. (ب) الخصخصة القاسية وتحرير التجارة والاستثمار؛ و (ج) الفشل في تشجيع الاستثمار كثيف العمالة من خلال الاصرار على نموذج نمو الاقتصاد القائم على الصادرات.

في ضوء دراسات الحالة هذه، ستتم دراسة الآثار المترتبة على تجربة صندوق النقد الدولي في المنطقة".

تأثير صندوق النقد الدولي على الدول العربية (من 1980 إلى منتصف عام 2000)

الإصلاحات الاقتصادية الكلية التي وُضعت تحت إشراف مؤسسات بريتون وودز (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي)، تم تنفيذها في المنطقة العربية منذ الثمانينات. وقد ركزت هذه التدابير على عشرة مجالات رئيسية هي: الانضباط المالي، وأولويات الإنفاق العام، والإصلاحات الضريبية، والتحرير المالي، تعويم أسعار الصرف، تحرير التجارة، الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والخصخصة، ورفع القيود عن حق التملك. بين منتصف الثمانينات والتسعينات، اعتمدت معظم دول المنطقة العديد من سياسات إجماع واشنطن Washington Consensus. إجراءات لتحرير التجارة الخارجية، ورفع القيود المفروضة على الاستيراد، وتغيير الحماية الجمركية وإزالة القيود على الصادرات، فُرضت من قبل الحكومات في المنطقة العربية. تم أيضا تخفيض الإنفاق العام للحد من العجز في الميزانية في الاقتصادات العربية مع أواخر الثمانينات. وأدى هذا إلى أن تعطي الحكومات العربية الأولوية للقطاع الخاص، وذلك أساسا من خلال تحرير الاقتصاد ومن خلال خصخصة المؤسسات المملوكة من قبل الدولة.

تطبيق سياسات التكيف الهيكلي في المنطقة، التي تفرضها مؤسسات بريتون ودز، بدأت مع تباطؤ الاقتصاد العالمي في السبعينات وأزمة الديون العالمية في الثمانينات. وكانت المغرب الدولة العربية الأولى التي توقع على برنامج إقراض مع صندوق النقد الدولي في عام 1984، تبعتها تونس في عام 1986، والأردن في عام 1989 ومصر عام 1991. من خلال برامج الإقراض هذه وتلك التي تلتها، فرض صندوق النقد الدولي حزم التكيف الهيكلي القياسية (برامج التكيف الهيكلي structural adjustment programs) التي تركز على تحرير قوانين الملكية، لا سيما في قطاعات العقارات والمال والاتصالات السلكية واللاسلكية، والحد من دعم الغذاء والطاقة، الانفتاح على تدفقات الاستثمار الأجنبي، إعادة هيكلة الأنظمة الضريبية، تعميق الأسواق المالية؛ تحرير سوق العمل؛ وتخفيف القيود التجارية. تشير الأدلة التجريبية المتوفرة إلى أن الآثار الاجتماعية لهذا الإصلاح في العالم العربي من الثمانينات وحتى منتصف الألفينات كانت مخيبة للآمال . على الرغم من التحسن في مؤشرات الاقتصاد الكلي، فإن الأوضاع الاجتماعية تدهورت في كل بلد تم "إصلاحه". لم ترتفع البطالة والفقر فحسب، ولكن ساء عدم المساواة في الدخل أيضا بالنسبة لغالبية هذه الدول. وأشارت الدراسات إلى أن الآثار السلبية الاجتماعية للإصلاح كانت أكثر حدة في البلدان التي كانت تخضع لضغوط دولية نحو عولمة سريعة، والمعروفة باسم "التلاميذ الجيدون" لصندوق النقد الدولي مثل المغرب والأردن ومصر. في تلك الدول، كانت البطالة والفقر وعدم المساواة أسوأ بكثير في أواخر التسعينات (بعد الإصلاح) منه في بداية العقد.
في حين كان الهدف من وراء برامج التكيف الهيكلي جعل هذه الاقتصادات أكثر تنافسية من خلال تعزيز النمو الذي تقوده الصادرات، فإن عملية التحرير والانتقال إلى اقتصادات السوق الحرة لم تنجح في النهاية. وعلاوة على ذلك، فإن سياسات الخصخصة التي كان من المفترض أن تؤدي إلى زيادة الإنتاجية ركّزت - بدلا من ذلك – الثروة الاقتصادية في أيدي النخبة الحاكمة، وزادت الفساد وإفقار الطبقة العاملة والطبقات المتوسطة، وعمّقت عدم المساواة في المجتمعات العربية، مما ولّد شعورا عميقا بالظلم".

مقارنة بين سياسات صندوق النقد الدولي قبل وبعد 2011

"في أعقاب انتفاضات عام 2011، احتج السكان المُهمّشون والساخطون على سياسات صندوق النقد الدولي التي اعتُمدت من قبل الأنظمة العربية. في حين أن صندوق النقد الدولي قد أكد، في تقريره إلى قمة الثمانية في دوفيل، على أنه سيواصل وضع أولوية رئيسية لدعم "بيئة تمكينية تمكن القطاع الخاص من أن يزدهر، فإن الضغط الشعبي من القاعدة الشعبية طالب بعكس المذهب الاقتصادي الحالي. في مصر، دعت الاحتجاجات والإضرابات واعتصامات المصانع إلى إعادة تأميم المؤسسات التي تمت خصخصتها في ظل نظام مبارك، وزيادة مستويات الحد الأدنى للأجور، والتوسع في الدعم الاجتماعي للتعليم والصحة. مئات من الاضرابات في قطاع التعليم والنفط والطاقة والتعدين والموانئ والنقل حدثت أيضا في تونس، مع تركيز العمال بوجه خاص على مستويات الخصخصة والأجور. في عام 2012 أعلن رئيس الوزراء الأردني عن رفع أسعار الغاز وأنواع الوقود الأخرى، فأشعل أحدث جولة من المظاهرات والدعوات للإضرابات العامة في جميع أنحاء البلاد. وإضافة إلى ذلك، في المغرب، اضطرت الحكومة إلى زيادة مستويات الدعم للأغذية والوقود في مسعى لمنع تكرار الاضطرابات التي اشتعلت في جاراتها".

ما قبل 2011:

تحديد أخطاء نهج صندوق النقد الدولي في المنطقة العربية

قبل الانتفاضات العربية، وثقت العديد من الدراسات كيف كانت هيئة صندوق النقد الدولي تواجه صعوبة في تقييم تأثير سياسات صندوق النقد الدولي على ما سمّته "البعد الاجتماعي". ويشمل هذا البعد السياسات التي تؤثر على الفقر، والمساواة، والبطالة، وتوفير الخدمات الاجتماعية مثل الصحة والتعليم. وعلاوة على ذلك، قبل عام 2011، فإن مصطلح النمو الشامل كان غائبا تماما من اتصالات صندوق النقد الدولي مع الدول العربية. بدلا من ذلك، دعا الصندوق إلى نهج أبسط للنمو. تحليل لاتصالات صندوق النقد الدولي مع مصر والمغرب وتونس من 2006 حتى عام 2013 ، وجد أن صندوق النقد الدولي لم يضمّن صراحة الشمولية في استراتيجيته للنمو حتى بعد الانتفاضات العربية. على سبيل المثال، في عام 2006 و 2007، أكد نائبا مدير إدارة صندوق النقد الدولي السابقان "أوغستين كارستينز"،"موريلو برتغال" أن التحدي الرئيسي بالنسبة لتونس والدول المغاربية الأخرى هو زيادة النمو الاقتصادي، مبرّرين ذلك بأن النمو الاقتصادي من شأنه، بدوره، أن يحسّن مستويات المعيشة.

وعلاوة على ذلك، كانت هناك سمة رئيسية أخرى لحقبة ما قبل 2011 وهي أن تقارير صندوق النقد الدولي لم ترد فيها اي إشارة إلى أية توصيات لمعالجة عدم المساواة أو لتعزيز سياسة إعادة التوزيع. بدلا من ذلك، مالت هيئة صندوق النقد الدولي نحو تعزيز ضبط الأوضاع المالية العامة غير المؤهلة، من خلال تخفيضات في الإنفاق الاجتماعي وسياسات الرعاية الاجتماعية التي من المرجح أن تؤدي إلى تفاقم عدم المساواة، وكذلك الدعوة إلى قطاع عام أصغر لتوفير التكاليف الحكومية، ولكن هذا من شأنه أيضا أن يزيد معدلات البطالة. في 2006، نصح صندوق النقد الدولي الحكومة المغربية بـ "الاستفادة من البيئة الاقتصادية المواتية لتحقيق وتيرة أسرع من الاندماج المالي، الذي لا يزال هدفا رئيسيا لدعم نمو قوي ومستدام". هنا، نظر صندوق النقد الدولي إلى الإندماج والتوحيد غير المشروط كشرط أساسي ومسبق للنمو المستدام. وبالمثل في عام 2006، نصح صندوق النقد الدولي السلطات المصرية بأن "ضبط الأوضاع المالية العامة أمر أساسي لتحقيق أهداف النمو". الإصلاحات التي قُرّرت للأردن ضمن برامج التكيف الهيكلي قبل عام 2011 دارت حول سياسة مالية ونقدية استهدفت تجميد الرواتب والأجور في القطاع العام وقطع الدعم الحكومي.

وبالتالي، فمن السليم الاستنتاج بأن وصفات صندوق النقد الدولي ما قبل 2011 لم تكن معنية بشكل خاص بالنتائج الاجتماعية. علاوة على ذلك، كانت غير مبالية على قدم المساواة بتنمية رأس المال البشري وإدارة الطلب الكلي".

ما بعد عام 2011: تغييرات صندوق النقد الدولي في البيانات؟

في فبراير 2011، مسعود أحمد، مدير إدارة قسم الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، أوضح أن "الأحداث الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط قد دفعت إلى التركيز الشديد على ضرورات نمو أكثر شمولا". واعترف بأن درسا واضحا مستفادا لصندوق النقد الدولي هو أنه حتى النمو الاقتصادي السريع لا يمكن الحفاظ عليه إلا إذا كان شاملا، ويخلق فرص عمل للقوة العاملة النامية، وترافقه سياسات اجتماعية لأكثر القطاعات البشرية تأثرا. في الواقع، منذ عام 2011، اعتمد صندوق النقد الدولي منظورا مختلفا للنمو في العالم العربي في تصريحاته العلنية. يضمّن صندوق النقد الدولي الآن الشمولية وتحسين سبل المعيشة كميزات جوهرية لاستراتيجيات النمو في بياناته وتصريحاته.

الاستراتيجيات الخاصة بكل بلد التي ينتجها صندوق النقد الدولي والبنك في أعقاب الانتفاضات تبرز باستمرار قضايا الشمولية الاجتماعية والاقتصادية كأولويات رئيسية لسياسات المؤسسات المالية الدولية. في أبريل من عام 2011، أصدر صندوق النقد الدولي ورقة بعنوان "نحو آفاق جديدة : تحوّلات الاقتصاد العربي في ظل التغيرات السياسية". تناولت الورقة حالة الإلحاح على إطلاق إصلاحات في السياسات الاقتصادية خارج إدارة الاقتصاد الكلي على المدى القصير لدعم الاستقرار الاقتصادي، وخلق نمو اقتصادي وفرص عمل أقوى في الدول العربية التي تمر بمرحلة انتقالية مثل: مصر، الأردن، ليبيا، المغرب، تونس، واليمن. وكان أحد الدروس الأساسية السبعة في التقرير هي أن الإصلاحات المالية ينبغي أن تستهدف تعزيز النزاهة. وجاء في التقرير:
"ينبغي أن تتضمن الإصلاحات في جانب النفقات إعادة توجيه الحماية الاجتماعية من دعم مُكلف وغير فعال إلى تعزيزات تستهدف الفقراء والضعفاء بصورة أفضل. بعض الدول لديها أيضا مجال لزيادة ضريبة الدخل بصورة تصاعدية، وزيادة معدلات رسوم وضرائب الملكية، وإغلاق الإعفاءات والتهربات الضريبية. ومجتمعة، تعزّز هذه السياسات المساواة في حين تحرّر موارد نادرة لأولوية الإنفاق في الاستثمار في البنية التحتية، والصحة، والتعليم".

وعلاوة على ذلك، في عام 2011 بدأت هيئة صندوق النقد الدولي في النهاية بطرح توصيات صريحة لمعالجة عدم المساواة، وتعزيز سياسة إعادة التوزيع. في عام 2011، قال مسعود أحمد: "في رأينا، من الأهمية بمكان أن تساعد الحكومات الأسر الفقيرة، وخصوصا خلال الفترات الصعبة". وقال أحمد أيضا في تونس: "ستكون هناك حاجة إلى برامج لتعزيز خلق الوظائف والنمو الشامل، وتصميم شبكة أمان اجتماعي من شأنها أن تحمي الناس الأكثر احتياجا، وخاصة في الأوقات الصعبة".

وكما هو موضح في هذا القسم، هناك تغير واضح في لهجة صندوق النقد الدولي لاعادة النظر في أسلوبه في المنطقة العربية، وهو ما يقودنا إلى السؤال عمّا إذا كان هذا التغيير في اللهجة قد تم تفعيله إلى تحوّل فعلي في ممارسة صندوق النقد الدولي في المنطقة. موقف صندوق النقد الدولي في العالم العربي قبل 2011 يحمل الكثير من أوجه الشبه مع الوضع الذي وجد نفسه فيه في أعقاب الأزمة المالية لعام 2008. في الواقع، إن وصف التغيير في خطاب صندوق النقد الدولي في الرد على الأزمة المالية لعام 2008 يبدو مطابقا للتغيير في لهجة المؤسسة نفسها بعد 2011. بيانات صندوق النقد الدولي تشير إلى أنه في "مرحلة بحث عميقة عن الذات"حسب رأي بعض الباحثين الذين أوضحوا بأن "السرد العام أدى إلى خلق الانطباع بأن هذه المؤسسات المالية الدولية، التي تصرفت دائما كصوت ومنفّذ لأسلوب التنمية المهيمنة، هي على الطريق لتجديد نموذج من نوع ما ". لكن يبقى السؤال: هل كان هذا هو الحال فعلا في الممارسة؟ وهل تطابقت أفعال الصندوق على أقواله؟

ويهدف القسم التالي الرد على هذا السؤال من خلال التركيز على الكيفية التي عمل فيها صندوق النقد الدولي في أربع دول عربية قبل وبعد 2011.

[ولأننا كنا قد ترجمنا القسمين الخاصين بتونس ومصر في حلقات سابقة من هذه السلسلة (راجع الحلقتين 96 و98)، فسوف نقدم في هذه الحلقة ما طرحه الباحث محمد مسلم عن تعامل صندوق النقد الدولي مع الدولتين العربيتين الأخريين وهما : المغرب والأردن قبل وبعد عام 2011].

المغرب

قبل 2011

بحلول عام 1983، كانت المغرب قد استنفدت احتياطياتها من العملات تقريبا، مما اضطر الحكومة إلى اتخاذ تدابير طارئة لتقييد الواردات. في عام 1984 كان المغرب أحد البلدان الأولى في المنطقة التي اضطرت إلى اللجوء إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض. كانت مكونات حزمة السياسات الجديدة مألوفة: تخفيض معدل سعر الصرف الاسمي، تخفيض قيمة العملة، الانضباط في الميزانية، تخفيض التعريفات الجمركية، زيادة سعر الفائدة الحقيقي، والخصخصة. في وسط الأزمة الاقتصادية في بداية الثمانينات، أدخلت تدابير التقشف والإصلاح الهيكلي في المغرب تحت رعاية صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. ومع عام 1992، اعتبرت المغرب كحالة نموذجية ناجحة للإصلاح الاقتصادي . في جانب الاقتصاد الكلي، حققت الحكومة الاستقرار من خلال وسائل أرثوذكسية: سياسة مالية ونقدية انكماشية وتعويم الدرهم في عام 1985. عجز الميزانية، الذي تجاوز 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في أواخر السبعينات، انخفض بشكل مطرد إلى نحو اثنين في المائة. وكان التضخم قد هبط إلى نحو ثلاثة في المائة بحلول أواخر التسعينات.

ولكن الآثار الاجتماعية لبرامج الاستقرار في المغرب، كانت مضرة في بداية الثمانينات وفي النصف الثاني من التسعينات. الأرقام بشأن الفقر والبطالة الصادرة عن الدولة كانت مثيرة للجدل وقابل للنقاش للغاية لأنها كانت أقل بكثير من المعدلات "غير الرسمية" المعترف بها عموما. الآثار الاجتماعية لبرامج مؤسسات بريتون وودز التي أدخلت في بداية كانت صادمة لدرجة أن الحكومة المغربية أنهت اتفاقها مع صندوق النقد الدولي في عام 1993، لكنها استمرت في تنفيذ سياسات صندوق النقد الدولي بالرغم من ذلك. حتى البنك الدولي اعترف في وقت لاحق أنه كان متفائلا بشكل مفرط في تقييم المستقبل الاقتصادي للمغرب.

خلال التسعينات، أظهر قطاع الصناعات التحويلية والاقتصاد بشكل عام في المغرب أداءً ضعيفاً. بعد الطفرة الأولية في التسعينات ركد نمو الصادرات المصنعة، بسبب، من بين عوامل أخرى، اعتماد الوصفات الأرثوذكسية لصندوق النقد الدولي بشأن تحرير التجارة. واتباعاً لوصفات صندوق النقد الدولي انضم المغرب إلى منظمة التجارة العالمية في عام 1995 ودخل في اتفاقات للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي في عام 1996. وأدت هذه الانضمامات إلى تدابير سلبية مثل خفض الحواجز التجارية، خفض تغطية الحصص من الواردات من 66 في المائة إلى 15 في المائة، خفض مجموعة من الرسوم الجمركية على الواردات إلى حد كبير، وألغاء معظم الضرائب على الصادرات. وعلاوة على ذلك، وبعد مشورة صندوق النقد الدولي، تم تخفيض الضوابط على العملات الأجنبية مما تسبب في قابلية التحويل الكامل لحسابات العملة في أوائل عام 1993. رفعت ضوابط الأسعار عن العديد من السلع، وبعد بداية بطيئة، انطلق برنامج الخصخصة من عام 1993.
بين عامي 2000 و 2004، زاد نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 4.5 في المائة سنويا مع نمو قوي في قطاع الزراعة نظرا لملائمة الطقس وفي مجال التصنيع والخدمات والسياحة وتكنولوجيا المعلومات. ومع ذلك، كانت فرص التوظيف نتيجة لهذا النمو ليست عالية بما فيه الكفاية لخلق فارق فعال في الفقر أو حتى في مستويات البطالة. ومع ذلك، فإن قدرة المغرب على تحقيق نمو مستدام وشامل على المدى الطويل والحد من الفقر كان مشكوكا فيها في ضوء حقيقة أن الاقتصاد كان شديد الاعتماد على عوامل خارجية مثل التحويلات المالية والسياحة، جنبا إلى جنب مع نمو الطلب المحلي على الزراعة، التي أصبحت موجهة نحو التصدير كما نصح من قبل صندوق النقد الدولي.

وهذا يؤدي إلى استنتاج أن كلا من ضبط الأوضاع المالية العامة وتحرير التجارة، وهما اثنتين من التوصيات الرئيسية لصندوق النقد الدولي لتعزيز النمو القائم على الصادرات، لم تكن ناجحة في تمكين المغرب من تحقيق النمو الاقتصادي الشامل والمستدام. هذه السياسات لم تسمح للمغرب بتطوير قدراته في القطاعات التي كان يمكن أن تكون قادرة على المنافسة، مثل التصنيع، وبالتالي فإن سياسات التحرير كان ضررها اكثر من نفعها. وترافق هذا مع عدم كفاية برامج السلامة الاجتماعية لحماية الفئات الأكثر ضعفا. وظلت معظم مؤشرات الرعاية الاجتماعية في المغرب من الثمانينات وحتى منتصف عام 2000 بمستويات أقل من الدول ذات الدخل المتوسط المنخفض".

المغرب ما بعد عام 2011

"في تقرير المادة الرابعة لعام 2011 اعترفت هيئة صندوق النقد الدولي صراحة بالحاجة إلى نهج دقيق للتقشف وإلغاء الدعم من خلال تعزيز أولا سياسات إعادة التوزيع وتوفير انتقادات أكثر دقة للإعانات، التي تتعلق الآن بأمور أساسية مثل حماية الفقراء في المغرب. وأشار تقرير المادة الرابعة أيضا إلى أن "نظام دعم مستهدف بشكل جيد يكون أقل تكلفة وأفضل من ناحية دعم الفقراء . . . ويجب أن يتم استبدال الدعم الشامل بتحويلات مستهدفة، من شأنها أن تسمح لإنفاق اجتماعي أكثر فعالية، وتوفير مساحة أكبر للحماية الاجتماعية وللإنفاق على الصحة والتعليم.

وعلاوة على ذلك، يبدو أن صندوق النقد الدولي يعترف بأن الاندفاع نحو تحرير التجارة والصناعة دون أن نبنى أولا قدرة القطاعات المحلية على المنافسة هو وصفة للفشل. في الواقع، في ديسمبر 2012، قال موظف صندوق النقد الدولي "جان - فرانسوا دوفين" أن المغرب في حاجة إلى تدابير هيكلية لتعزيز الاستثمار في رأس المال البشري كجزء من استراتيجية لتحقيق نمو أعلى، وأكثر شمولا".

وفقا لذلك، في أغسطس 2012، عندما وافق صندوق النقد الدولي على خط الـ 24 شهرا التحوطي والسيولي، كانت هناك توقعات بنهج مختلف من حيث تقديم المشورة السياسية من صندوق النقد الدولي مقابل ما وصفه ما قبل عام 2011، وفي ضوء البيانات والتصريحات أعلاه. هذه الخطة التي تُقدر قيمتها بنحو 6.2 مليار دولار، والتي يمكن استخدامها في حالة اختلال التوازن الشديد في ميزان المدفوعات الناجم عن تدهور في الوضع الاقتصادي الدولي، تصادف أنها أداة سياسية تُطرح لأول مرة في صندوق النقد الدولي. استخدام تلك الأداة السياسية مع المغرب جعل هذا البلد حيوان اختبار لـ "عقلية جديدة" داخل صندوق النقد الدولي . وكان صندوق النقد الدولي حريصا على تأكيد حداثته، بحجة أن الشروط التي ترتبط بهذا المنتج ليست بالضرورة برامج رفع القيود "القياسية" التي عُرفت بها هذه المؤسسة ومن الجدير بالذكر أيضا أن خط ائتمان المغرب هو وقائي بطبيعته لأن المغرب لم يواجه مشكلة في ميزان المدفوعات في وقت الاتفاق على القرض، ولهذا في حالة المغرب، من المفترض أن يكون هذا بمثابة تأمين.
رغم ما تتمتع به هذه البدعة من "أصالة"، فقد جاءت مع مجموعتها الخاصة من الشروط. خطاب النوايا يتعهد بـ "ترشيد وكفاءة الإنفاق العام" من خلال إجراءات من بينها إصلاح نظام الدعم والتقاعد، مع انخفاض مستهدف بنسبة 1.6 في العجز المالي/الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 2011 و2013. شملت الإصلاحات الهيكلية الأخرى إزالة الحواجز أمام دخول الشركات وترشيد التعريفات ورفع القيود عن سوق العمل، وتهيئة بعض مؤسسات القطاع العام للخصخصة. وعلاوة على ذلك، فإن تقرير المادة الرابعة لصندوق النقد الدولي لعام 2011 سلط الضوء على الحاجة إلى تحسين "مناخ الأعمال" من أجل تعزيز دور القطاع الخاص في مشروعات القطاع العام. وتضمنت مشورة صندوق النقد الدولي "الإصلاحات الرامية إلى تقليل الحد الأدنى للأجور وتكاليف التوظيف"، التي يعتبرها الصندوق حاسمة في الحد من البطالة بين الشباب.

بالإضافة إلى ذلك، صعّد البنك الدولي دوره في سياسة الحكومة المغربية عن طريق الدفع نحو الإصلاحات الدستورية التي تتضمن التقشف المالي كمبدأ موجّه لعمليات الميزانية والتمويل في الحكومة. الدستور الجديد الذي اعتُمد في عام 2011 يحتوي على شرط مهم وهو أن "مالية الدولة" تكون "متوازنة" (المادة 77). هذا المطلب الدستوري جعل على المالية العامة دعم مشروع قانون الميزانية العضوية، الذي أُعد بمساعدة البنك الدولي، والذي هدفه الرئيسي هو الحد من الإنفاق الحكومي على الأجور والإعانات. بعض التدابير التي يتعين القيام بها من قبل الحكومة للتماشي مع خط هذه الإصلاحات تشمل زيادة في أسعار الوقود والبنزين والديزل، والسيطرة على الأجور الحكومية، وتخفيض بنسبة ستة في المائة من دعم القمح (الخبز).

لذلك، وخلافا لمزاعم تغيير النهج، فإن هذه الشروط والإصلاحات الهيكلية تذكّرنا بوضوح بالنصائح السابقة التي قدمها صندوق النقد الدولي إلى الحكومة المغربية والتي ركزت على ضبط أوضاع المالية العامة وإصلاح نظام الدعم، والانتقال إلى نظام نقد وسعر صرف أكثر مرونة، مع التركيز على سياسة نقدية تستهداف التضخم مع قليل من التركيز على تطوير نظم حماية اجتماعية أقوى. وفي حين أن المغرب لم تكن في حاجة بالضرورة للتمويل الخارجي، فإنه لا يزال ملتزما بمجال الاقتصاد الكلي والتغيرات الهيكلية في الاقتصاد نتيجة لهذه الترتيبات.

مثال آخر على تكرار سياسات صندوق النقد الدولي قبل2011 هو الاتجاه نحو التوصية بتحرير التجارة الذي تاريخيا يتكرر باستمرار ويتعزز في تقارير صندوق النقد الدولي، على سبيل المثال في عام 2007 و2008. وكان هذا هو الحال مرة أخرى في تقرير المادة الرابعة للصندوق لعام 2011 الخاص بالمغرب، الذي كان واحدا من أهم التوصيات فيه ضرورة تعزيز "تحرير التجارة في إطار اتفاقيات الشراكة الأوروبية المتوسطية... لأنها لا تزال غير مكتملة، مع وجود العديد من الحواجز التي لا تزال تعرقل الوصول إلى الأسواق، وخاصة في الزراعة وقطاعات الخدمات". وبناء على ذلك، شرع المغرب بمفاوضات مع الاتحاد الأوروبي لتوسيع اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب لتغطي الخدمات، وحماية الاستثمار، وسياسة المنافسة، والمشتريات الحكومية، جنبا إلى جنب مع قواعد الملكية الفكرية الموسعة في عام 2013. كما لاحظ أحد الباحثين في تحليله لتجربة المغرب مع صندوق النقد الدولي، الاتجاه المكثف لتحرير التجارة من خلال تفكيك التعريفة في المغرب المتداخل مع الاتجاه لخفض مساهمة الصناعة التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي، والتي انخفضت من نحو 16 في المائة في عام 2000 إلى أقل من 14 في المائة في 2008.

ومن الواضح أن دور صندوق النقد الدولي في المغرب يمثل استمرارا لنهج الصندوق نفسه قبل عام 2011 الساعي نحو تعزيز النمو القائم على الصادرات وتحرير التجارة العنيف على حساب تعزيز قدرة الصناعات المحلية. هذا على الرغم من حقيقة أن التحسن الاقتصادي وانخفاض في مستويات الفقر التي يعاني منها المغرب خلال الفترة من 2000-2004، كان يعتمد على زيادة الطلب المحلي وليس التركيز على الصادرات.

وأخيرا، على الرغم من أن تقارير صندوق النقد الدولي كثيرا ما تعترف بأن الصدمات الرئيسية للاقتصاد المغربي تأتي من مصادر خارجية، مثل الصادرات وعائدات السياحة وتحويلات المغتربين والاستثمار الأجنبي المباشر، وكذلك من فوائض الاقتصادات الأوروبية، فإن صندوق النقد الدولي لا يزال مستمرا على التوصيات التي من شأنها تعميق تبعية الاقتصاد المغربي لهذه العوامل، مما يزيد من ضعفه . على سبيل المثال، أشار تقرير خبراء صندوق النقد الدولي حول المغرب لعام 2012 إلى أنه من المتوقع أن يزداد نموه المحتملة نتيجة لتنفيذ مجموعة من السياسات، بما في ذلك "إزالة الحواجز أمام دخول الأعمال"؛ "تبسيط البيئة التنظيمية لممارسة الأعمال التجارية "، و "تعزيز الإصلاح الجاري للسياسة التجارية [...] وترشيد التعريفة ". وعلاوة على ذلك، وعلى الرغم من أن صندوق النقد الدولي أقر بأن تطوير نظام رعاية اجتماعية أكثر فعالية هو أولوية بالنسبة للمغرب في فترة ما بعد عام 2011، فإن صندوق النقد الدولي وضع تركيزاً أقل من ذلك بكثير على تنفيذ خطط حماية اجتماعية جديدة في حزمة سياسته لما بعد عام 2011 ، وعلى عكس الطريقة التي رصد فيها السيطرة على العجز المالي على سبيل المثال، لم يضع أي معايير لتحقيق هذا الهدف".

الأردن

قبل 2011

فساد رسمي منظم وواسع النطاق، سوء إدارة الاقتصاد الكلي، تحول غير مواتٍ في البيئة الخارجية؛ وتقديم مشورة سيئة من المؤسسات المالية الدولية، كانت كلها عوامل رئيسية في أزمة الأردن النقدية والمصرفية في عام 1989. وفورا عقب اندلاع الأزمة، وافقت الحكومة الأردنية على أول برامج التكيف الهيكلي والتوطيد المالي من خلال قرض الأعمال الصغيرة الأمريكي في عام 1989. وكانت هذه هي بداية ما أصبح يمثل الماراثون من هذه البرامج التي استمرت لأكثر من 15 عاما، حتى عام 2005. برامج التكيف الهيكلي هذه مثلت خط الشروع لسلسلة من الإصلاحات تهدف إلى مساعدة الأردن على الخروج من أزماتها، لكنها لم تستطع أن تكون بداية مثمرة. على سبيل المثال، فإن صندوق النقد الدولي ضغط على الفور على الحكومة الأردنية لتحرير أسعار الفائدة. وقد أدى ذلك إلى سلسلة من ردود الفعل التي فاقمت تبعات الركود. أولا، أدى هذا التحرير إلى زيادة حادة في معدلات الفائدة بين العديد من البنوك الأردنية المحلية، وهو ما تسبب بمنافسة حادة وزيادة كبيرة في القروض المتعثرة . اضطرت الحكومة إلى ضخ ملايين الدولارات لتلبية الضغط على القطاع المصرفي.

وعلى مدى 15 عاما من الشروط من عام 1989 حتى عام 2004، نفّذت المؤسسات المالية الدولية مجموعة من سياسات التكيف الهيكلي بما في ذلك: خصخصة الشركات المملوكة للدولة. إلغاء أو الحد من الإعانات المختلفة. تقليص القطاع العام؛ وأنواع أخرى من الإصلاحات المتعلقة بالتجارة والضرائب والعملة. تنفيذ تدابير التقشف المالي الشديدة على الاقتصاد الذي يعاني أصلا من الأنشطة الاقتصادية التعاقدية، ومستوى عالٍ من الديون الخارجية، والتضخم، أدى بالتالي إلى انهيار الدينار الأردني، الذي خسر تقريبا50 في المائة من قيمته في أوائل عام 1989. وعلاوة على ذلك، أصر صندوق النقد الدولي على خفض النفقات في بلد كانت النفقات فيه محدّدة أيضا، تاركا نطاقا محدودا لتحقيق وفورات في النفقات. ولان الأردن كان غير قادر على خفض مدفوعات فوائد الديون أو النفقات العسكرية، فإن تدابير التقشف أثرت بشكل غير متناسب على الفقراء. تدابير التقشف خفضت دعم الغذاء والطاقة، وجمدت العمالة والأجور في القطاع العام؛ وأدخلت رسوم استرداد التكاليف الجديدة على المواطنين في التعليم والصحة. وعلاوة على ذلك، فقد ترافقت التخفيضات الفورية في إعانات الغذاء مع التدابير التي رفعت تدريجيا دعم الطاقة ومع زيادة أسعار الفائدة.

وبطبيعة الحال، إدخال مثل هذه التدابير التقشفية الشديدة جاء في ظل الظروف التي تواجهها الحكومة مع الفقر الخطير ومشاكل البطالة. ووفقا للبنك الدولي، فإن نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر قفزت من 3 في المائة في عام 1987 إلى أكثر من 14 في المائة في عام 1992، قبل أن تنخفض إلى أقل من 12 في المائة في نهاية التسعينات. وقد لوحظت اتجاهات مماثلة أيضا فيما يتعلق بالبطالة. ومع ذلك، وكما هو الحال مع المغرب، فإن هذه الأرقام تبقى مثيرة للجدل. فقد قدّرت مصادر أخرى عدد الأردنيين الذين يعيشون تحت خط الفقر بنسبة الثلثين بين عامي 1987 و 1991، لتصل إلى 19.8 في المائة. كانت الحكومة الأردنية نفسها أقل تفاؤلا من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، مشيرة إلى أنه اعتمادا على التعاريف المستخدمة، ففي أي مكان يقع من خمسة عشر إلى أكثر من ثلاثين في المائة من السكان تحت عتبة الفقر، مضيفة أن الأمر نفسه ينطبق على البطالة.

خلال فترة التقشف التي فرضها صندوق النقد الدولي، عندما كانت الإعانات منخفضة إلى حد كبير، ظلت شبكة الأمان الاجتماعي في الأردن ضعيفة. في ذلك الوقت، كان صندوق المعونة الوطنية في الأردن أكثر شبكة أمان اجتماعي شمولا والوحيدة التي تمولها الدولة للفقراء والشرائح الأكثر ضعفا من المجتمع الأردني. وعلى الرغم من دور هذا الصندوق الذي يجري بما يتفق مع رؤية صندوق النقد الدولي، فإن مسؤولي صندوق النقد الدولي اعترفوا في نهاية المطاف بأن صندوق المعونة الوطنية كان يعاني من قصور كبير في التغطية. الحكومة الأردنية نفسها اعترفت أيضا أن نسبة الأفراد الفقراء الذين يتلقون المساعدات النقدية المتكررة من الصندوق لا تتجاوز 40 في المائة من مجموع الفقراء في أفضل الظروف.

بعد مرحلة استقرار الإصلاح، شهد الأردن اثنين من طفرات النمو الاقتصادي: بين 1992-1995، عندما سجل النمو متوسطا سنويا قدره 8.6 في المائة، وبين 2000-2004، عندما بلغ المتوسط 4.8 في المائة. ومع ذلك، بدلا من النمو المستدام الناجم عن زيادات الإنتاجية، شهد النمو في الأردن تحت برامج التكيف الهيكلي نموا غير قابل للاستمرار، ناجما عن تراكم العوامل. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الكثير من النمو كان في القطاعات غير القابلة للتداول. والأهم من ذلك، بحلول عام 2002، وبعد أكثر من عقد من الاصلاحات الموجهة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ارتفع الفقر إلى حد كبير متجاوزا مستوياته في عام 1987 بثلاثة في المائة. وبالإضافة إلى ذلك، ارتفع معدل البطالة خلال فترة الإصلاح من ثمانية في المائة في عام 1987 إلى 15.3 في المائة في 2002.

ويمكن القول أن الزيادة في الفقر والبطالة في الأردن من التسعينات وحتى عام 2005 كانت إلى حد كبير نتيجة لتدابير الإصلاح التي فرضت تحت ضغط من المؤسسات المالية الدولية. أدى التقشف المالي تحت صندوق النقد الدولي إلى خفض الإنفاق الحكومي على الرعاية الاجتماعية، وتخفيض العمالة في القطاع العام؛ وتجميد أجور ورواتب الخدمة المدنية، فضلا عن تخفيضات في الدعم. إصلاحات البنك الدولي مثل الخصخصة وتحرير التجارة أدّت إلى البطالة، في حين أن رفع الدعم عن تكاليف الإنتاج الزراعي، أدى إلى زيادة الفقر في المناطق الريفية.

الأردن ما بعد عام 2011

الأردن، الذي تخرّج رسميا من دعم صندوق النقد الدولي في عام 2005، عاد إلى المؤسسة الدولية بعد سبع سنوات في تموز عام 2012. خلال هذا العام، وقعت الأردن على قرض آخر بقيمة 2 مليار دولار، وُصف بأنه ردّ على المشاكل الاقتصادية المتجددة في الأردن، والتي شملت التعرض لضربة ارتفاع أسعار النفط وتأثرت بأنشطة التربح غير المستدام في الاقتصاد وكذلك مستويات عالية من الفساد الرسمي.

اتفاق قرض صندوق النقد الدولي مع الأردن هو اتفاق قروض إدارة الأعمال الصغيرة لمعالجة التحديات الخارجية والمالية الناجمة إلى حد كبير من صدمات خارجية. القرض، الذي تمت الموافقة عليه في 3 أغسطس 2012، كان استجابة لمشكلات في ميزان المدفوعات. وتشمل أهداف هذه القروض توفير السيولة على مدى ثلاث سنوات، مما يساعد على تصحيح الاختلالات المالية والخارجية، وتعزيز نمو عالٍ وشامل. ويركز البرنامج على ضبط أوضاع المالية العامة القصير والمتوسط الأجل، مدعوما بتخفيض الدعم والنفقات وإصلاح الضرائب. مجموعة من الإصلاحات في قطاع الكهرباء بالتعاون مع البنك الدولي؛ والإصلاحات الهيكلية الرامية إلى تحسين في "بيئة الأعمال"، وتعزيز الشفافية، وتحرير التجارة.

وبالنظر إلى حقيقة أن الأردن كان يعاني من قيود اقتصادية قاسية، ونظم حماية اجتماعية متخلفة إلى حد كبير، فإن فرض حزمة تركز على التقشف من قبل صندوق النقد الدولي أدت إلى احتجاجات وأعمال شغب، كان أوسعها نطاقا في نوفمبر تشرين الثاني عام 2012. ونوبة تدابير التقشف من صندوق النقد الدولي وأعمال الشغب الناتجة عنها تذكرنا بتلك التي واجهها الأردن في وقت سابق من عامي 1989 و1996.

ومن الجدير بالذكر أن تقرير صندوق النقد الدولي عن الأردن عام 2012 اقترح أن استراتيجية نمو شاملة فعالة يجب أن تركز على خلق فرص العمل، والحد من عدم المساواة، وتوفير الفرص المتساوية. ومع ذلك، واصل صندوق النقد الدولي تعزيز تحرير التجارة غير المشروط كاستراتيجية رئيسية لتحقيق الأهداف سالفة الذكر. أشاد صندوق النقد الدولي بالأردن لتفاوضه على عدة اتفاقيات للتجارة الحرة في السنوات الأخيرة، وأكد أن المفاوضات مع دول الاتحاد الأوروبي ودول ميركوسور (مجموعة من دول أمريكا اللاتينية) ستحقق زيادة التبادل التجاري والتكامل الاقتصادي. هذه الخطوات كانت، كما كان الحال قبل عام 2011، تمثل سياسات تركز على النمو والعمالة . علاوة على ذلك، فإن تنفيذ السياسات الهيكلية الرامية إلى تحسين مناخ الأعمال، وتسوية ميدان اللعب لجميع الشركات، وتعزيز التجارة والقدرة التنافسية قُدّمت كخطوات للمساعدة في تسهيل التكيف الخارجي ومعالجة العجز في الحساب الجاري.

ونتيجة لذلك، يمكننا أن نستنتج مرة أخرى أن صندوق النقد الدولي تجاهل الدروس المستفادة من تجربته في الأردن أو في العالم العربي عموما في ما قبل 2011 من خلال تجنب إعادة تقييم الآثار المترتبة على الاقتصاد الكلي بفعل أجندة تحرير التجارة المتعجّل. وبطبيعة الحال، إذا استخلصت الدروس فإن صندوق النقد الدولي سوف يناقش أهمية تسلسل الانفتاح التجاري والربط بينه وبين قدرات قطاعات التصدير الأردنية. بدلا من ذلك، ومن خلال فرض تحرير التجارة نفسه، وسياسة الاستثمار وتدابير التقشف، دون معالجة التحديات الهيكلية التي تواجه الاقتصاد الأردني، فإن سياسات صندوق النقد الدولي سوف تؤدي في النهاية فقط إلى نفس الصورة السلبية الاقتصادية والاجتماعية التي حصلت في الماضي".

هل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي بوتقة اختبار الدور المتغير لصندوق النقد الدولي؟

"منذ السبعينات، وصندوق النقد الدولي يتعرض لانتقادات شديدة لكونه غير حساس لتنوع الظروف المحلية والتزامه الجامد بوجهة نظر محافظة للتنمية الاقتصادية وفق إجماع واشنطن. ويعتقد أن صندوق النقد الدولي حاليا يواجه أزمة وجود، لأنه منذ إنشائه ارتبط بالعديد من الأزمات التي تهدّد بجعل صندوق النقد الدولي غير ذي صلة. الباحث نجير وودز (2015) يروي النكسات التي واجهها صندوق النقد الدولي على مر السنين وفي البداية تم جعله تقريبا زائدا عن الحاجة في السبعينات، عندما قامت الولايات المتحدة بتعويم الدولار، فقط ليتم حفظه في عام 1982 من قبل أزمة الدين المكسيكي، والتي دفعته إلى دور "حارس المالي العالمي". بعد عقد من الزمان في وقت لاحق يتذكر وودز كيف أن أهمية صندوق النقد الدولي بدت في طريقها الى الزوال مرة أخرى، ولكن تم احياؤها بسبب دوره في تحويل الاقتصادات السوفيتية السابقة. ثم جاء دوره سيء الطالع في الأزمة الشرق آسيوية، التي بعدها صار عملاؤه السابقون "يفعلون كل ما في وسعهم ليتجنبوا التوجّه إليه". وأخيرا، فإن مشاركة صندوق النقد الدولي في أزمة منطقة اليورو أعطت الاقتصادات الناشئة سببا آخر لتشيح بعيدا عن صندوق النقد الدولي.

بعد أزمة عام 2008، صار صندوق النقد الدولي بحاجة إلى تقديم تنازلات خطيرة في المواقف السياسية ليظل وثيق الصلة بمناخ الاقتصاد العالمي الذي يتناقض بشكل صارخ مع مواقفه السياسية وجوهره النظري. وفقا لذلك فإن بعض أوراق سياساته تشير إلى أن صندوق النقد الدولي يظهر تحولات نحو خط فكري أكثر كينزية (نسببة إلى المفكر الاقتصادي البريطاني جون مينارد كينز). هذه التغييرات شملت تنازله وإقراره بأنه كان على خطأ حول التقشف واعترافه بأن خفض الانفاق يمكن أن يخنق النمو، وكذلك خطأه في تأكيده على أن "النظم الضريبية الأكثر تقدمية" يمكن أن تسهم في تحقيق النمو الشامل. في الواقع، يدعي صندوق النقد الدولي الآن بأنه داعم قوي لشبكات الأمان الاجتماعي باعتبارها واحدة من الأدوات الضروري في صندوق الأدوات التحفيزية. وقد أوضح بعض الباحثين أن االحالة لم تكن تغيرا جذريا كما قد تبدو، ولكنها تكاد تكون "انفصام الشخصية" لتوصيف نهج صندوق النقد الدولي بين البحث السياسي من جانب والممارسة السياسية في جانب آخر.

وفّرت المنطقة العربية بعد ثورات 2011 فرصة لا تعوّض لصندوق النقد الدولي لترجمة التحول في تصريحاتها العلنية إلى طريقة لتصميم برامج القروض وإخضاعها للرقابة. وعلى الرغم من ارتباط صندوق النقد الدولي بتركة من السياسات الاقتصادية الفاشلة والآثار الاجتماعية الكارثية، فإن الأنظمة العربية ما زالت حريصة على اعادة التواصل مع صندوق النقد الدولي، وبالتالي توفير فرصة له لفعل الأشياء بشكل مختلف هذه المرة. ومثلما يتضح في التحليل في هذه الورقة فإن صندوق النقد الدولي لم يكن إيجابيا، مع الاعتراف بأخطائه في المنطقة ما قبل عام 2011، وتعهده لتبنّي نهج مختلف لتعزيز النمو الشامل، مما أدى إلى توقعات بأن تدخّله في العالم العربي سيكون بمثابة بوتقة اختبار لدوره المتغير في العالم النامي والاقتصادات الناشئة.
وللأسف، حتى الآن يبدو أنها ستكون فرصة أخرى ضائعة حيث يواصل صندوق النقد الدولي العمل بطريقة ما بعد 2011؛ والتي تظهر انقساما كبيرا بين تصريحاته العلنية والشروط المرتبطة بسياساته في المنطقة. حيث أن كل من الحالات الأربع التي لدينا تكشف أن هناك تغييرا طفيفا في نهج صندوق النقد الدولي في العالم العربي عن حقبة ما قبل 2011. فكل وثائق استراتيجيات صندوق النقد الدولي الكبرى واتفاقيات القروض ما تزال مدعومة بأولويات نمو يقوده القطاع الخاص، وتقشف مالي يركز بشكل خاص على إلغاء الدعم، وتحرير الأسواق والصناعات والتجارة. في الحقيقة أثبت هذا التقرير أن اتفاقات صندوق النقد الدولي مع تونس والمغرب والأردن تعتمد بشكل كبير على مشاورات المادة الرابعة قبل عام 2011. وحتى في حالة مصر، وهي البلد الوحيد الذي لم يوقّع أي حزم جديدة مع صندوق النقد الدولي، فإن خطط الإصلاح الاقتصادي منذ عام 2011 تتفق عموما مع توصيات المادة الرابعة التي وُضعت قبل عام 2011.
وأخيرا، يمكننا أن نستنتج أن استجابة صندوق النقد الدولي لفرصة إعادة تشكيل صورته في العالم العربي يمثل ما وصفه أحد الباحثين بأنه "التنافر المنتج". حيث يعني هذا المصطلح، الذي أزاح "تماسك الليبرالية الجديدة" في العقود الماضية، "انتشار التضارب وحتى الاستراتيجيات والتصريحات المتناقضة من قبل صندوق النقد الدولي والتي حتى الآن لم تتحول إلى أي نوع من نظام محكم جديد".

استنتاج

"تدخّل صندوق النقد الدولي في المنطقة العربية بعد الانتفاضات التي حصلت استند في البداية إلى ضرورة "تحقيق استقرار" اقتصادات المنطقة، ولكن كان الأهم هو معالجة تفاقم الفقر وعدم المساواة، وكذلك إنعاش الحاجات المحلية وتحفيز القدرات الإنتاجية. ولكن كما ذُكر سابقا في هذا التقرير، كان تدخل صندوق النقد الدولي في المنطقة قد اعتُبر بوتقة اختبار من أجل التغيير في سياسة صندوق النقد الدولي وفرصة ليصبح أكثر ملاءمة للاقتصادات النامية والناشئة في العالم.

بدلا من ذلك، فإن مسح اتجاهات الإنفاق العام في المنطقة يكشف معدل ثلاثة تدابير تقشف في الدولة الواحدة خلال الفترة 2010-2013، وأغلبها تكييفات لقانون الأجور، وبرامج الدعم والأنظمة الضريبية. ووفقا لتقرير "عصر التقشف" الذي كتبه الباحثان أورتيز والكمون (2013)، الذي يتناول أحدث مشروعات الإنفاق الحكومي التي فرضها صندوق النقد الدولي على 181 دولة: تخفيض أو إلغاء الدعم هو التدبير الأكثر شيوعا الذي اعتُمد في المنطقة العربية من2010-2013 . وعلاوة على ذلك، فإن سياسات الدمج الأخرى التي يُعتمد عليها في المنطقة هي زيادة الضرائب على الاستهلاك من خلال سياسات الضريبية التنازلية مثل ضريبة القيمة المضافة العالية، وكذلك تحتوي على فاتورة أجور القطاع العام وخفض تكاليف تشغيل المؤسسات العامة. مثل هذا الإصرار والثبات ومواصلة السعي وراء سياسات ثبت تاريخيا نقصها وعدم كفايتها وتجاهل القضايا الملحة التي تواجه المجتمعات والاقتصادات العربية اثار أسئلة جوهرية حول دور صندوق النقد الدولي في المجالات الاقتصادية والتحولات التنموية المطلوبة في الدول العربية.

على الرغم من بيانات صندوق النقد الدولي الآن حول معالجة النمو الشامل، وعدم المساواة، وأنظمة الضمان الاجتماعي، والإنفاق على الصحة والتعليم، فإن نصائحه حول تحسين هذه الأبعاد الاجتماعية لا تزال غامضة مقارنة بنصائحه بشأن موضوعات أخرى مثل الجوانب المالية والنقدية. غالبا ما يحدد صندوق النقد الدولي أهدافا محددة لإدارة التضخم وخفض العجز. ولكنه لا يحدد أهدافا أخرى محدّدة لتحقيق شمولية النمو، وتحسين النتائج الصحية والتعليمية، والحد من عدم المساواة. كما أنها لا تقيّم أداء الحكومات في هذه المجالات ضد المعايير. هذه التناقضات تضع الكثير من الشك حول التزام صندوق النقد الدولي بتحسين الجوانب الاجتماعية للسياسة الاقتصادية وكم هو جاد وحقيقي في تغيير نهجه الفاشل في الماضي.

ملاحظة

بالرغم من كل التحليلات الاقتصادية العلمية التي يقدمها الخبراء الاقتصاديون حول نهج وسياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الاقتصادية التي يطبقانها على الدول النامية والفقيرة فإن الإستنتناج الحقيقي والدقيق الذي يجب طرحه بلا تردّد عن سلوك وخطط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي هو أنهما منظمتان تآمريتان بيد البنوك والشركات الغربية العابرة للقوميات تقوم بتنفيذ مخطط تدميري لاستنزاف ثروات الدول النامية بإشراف الولايات المتحدة الأمريكية وتحت غطاء مخططات تلعب بالمصطلحات الاقتصادية وبدعم وتنفيذ من قبل الساسة والاقتصاديين الفاسدين في الدول النامية.

رئيس البنك الدولي: انتفاضات الربيع العربي حسّنت التنمية !!!

تقول الباحثة "سوزان بوسيل" في مقالتها :

The IMF and World Bank Use Arab Uprisings to Expand Control Over Nations - By Susanne Posel – ACTIVIST POST- May 15, 2013
“تعهدت العديد من الدول المنتجة للنفط مثل السعودية، وكذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان والكويت بتقديم 165 مليون دولار لتمويل مبادرة للبنك الدولي يزعم أنها لدعم البلدان التي تأثرت بانتفاضات "الربيع" العربي المصطنعة. جنبا إلى جنب مع موافقة من الأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي (IMF) والبنك الدولي والبنك الإسلامي للتنمية وصندوق الأوبك للتنمية الدولية لدعم الشراكة. في اجتماع عُقد في طوكيو، ركز صندوق النقد الدولي والبنك الدولي محادثاتهما حول الشرق الأوسط واقتصاداته التي مهّدت ثورات الربيع العربي مؤخرا الطريق لتأثير العولمة في المنطقة. كيم يونغ - ييم، رئيس البنك الدولي المعيّن حديثا لاحظ أن هذه الثورات قد سمحت للمجتمع الدولي بتحسين التنمية في هذه المناطق.

في الأمم الناشئة ، يقوم البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تقليديا بتقديم قروض للحكومات يكون من المستحيل عليها سدادها. في المقابل، تتعرّض سيادة تلك الدول للخطر لأن البنك الدولي يطالب بسدادها بالموارد الطبيعية لتلك البلدان. سيطرة الشركات متعددة الجنسيات في تلك البلدان هي دليل على مؤامرة وخديعة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي جنبا إلى جنب مع مؤسسات التمويل الدولية التي تُجبر حكومات تلك البلدان على انخفاض خطير في الإنفاق الحكومي مع بدء برامج التقشف ضد شعوب تلك الدول.

يعرف البنك الدولي "المجتمع المدني"، بما يجري تحويله عن طريق الفرص المثالية المتاحة لتحقيق الاستقرار في اقتصاد دولة من خلال تقديمها لأهواء المجتمع الدولي عن طريق القروض غير القابل للتلاعب في إطار وضع ثوري مضطرب.

في اجتماع عقد في عام 2011، ناقش البنك الدولي الكيفية "التي يمكن للمؤسسات المالية الدولية أن تسهّل سيطرة المواطن" عن طريق الانتفاضات المصنعة. فمن خلال استخدام الجيوش المدنية المحتجة ضد حكوماتها ، يرى البنك الدولي فرصا لمشاريع كبرى حيث يمكن للبنك والمؤسسات المالية خداع تلك الجيوش المحتجة من خلال تطوير وتنفيذ سياسات عامة تناسب تحقيق أجندتهم بالإكراه.

الصندوق والبنك أدوات الإرهاب الاقتصادي

بينما يواصل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التحرك تحت غطاء من جهل الشعوب ، فإن أيديهم توغل في زعزعة استقرار الدول دون أن يلاحظها أحد. وفي البلدان التي يسيطرون عليها من خلال الإرهاب الاقتصادي، يتضح تماماً مدى التأثير الذي تمارسه هاتان المؤسستان الشيطانيتان. ومع استمرار الثورات الوهمية التي تعصف بالشرق الأوسط، فإن صرخاتهم المتحمسة من أجل "الديمقراطية" تحفّز الأمم المتحدة وهيئات العولمة الأخرى على تقديم مساعدات تبدو "ودّية" في ظل التحولات الجارية .

في عام 2011، أكد رئيس الوزراء الكندي "ستيفن هاربر" أنه ينبغي تقديم المساعدات المالية لبلدان مرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي من خلال البنوك المركزية في تلك البلدان، وأعلن في قمة الثمانية الكبار إن كندا لن تقوم بتقديم "مساعدة مالية" مباشرة لتلك الدول التي تأثرت بانتفاضات الربيع العربي.

ويعتقد العولميون أن الريع العربي هو "المعقل الوحيد ضد التطرف في العالم العربي". ويركز البنك الدولي على السيطرة على تنمية القطاع الخاص في تلك الدول بمجرد أن تعصف بها الثورات الداخلية. وبمجرد أن يتمركز في مواقع السلطة في تلك الدول، يمكن للمجتمع الدولي تقييم الكيفية التي تجعل دولة ما قادرة على إخفاء ثرواتها باستخدام التفويض الدولي لاسترداد الموجودات في حسابات خارجية قابلة للسحب أو تحت وصاية الشركات.

المنتدى العربي المعني باسترداد الموجودات الذي عقد يوم 11 سبتمبر – 13 من عام 2015 ، ضم تكتل شركاء دوفيل في إطار قامت بتنظيمه قطر وترأسته الولايات المتحدة من خلال رئاستها للدول الثمان.

ومن خلال اجتماعات داخلية تعقد في فترات زمنية محددة، يتم تحديد أصول الدول التي في حاجة إلى الانتعاش بناء على معلومات استخباراتية قدمتها شراكة دوفيل بالتزامن مع البلدان العربية التي تمر بالمرحلة الانتقالية.

في مايو في كامب ديفيد، اعترفت قمة الثمانية بضرورة التعامل مع دول الشرق الأوسط التي تعاني من ثورات الربيع العربي، والتزامها بالحفاظ على السيطرة على انتقالها إلى حكومات "ديمقراطية" بحيث لا تنهار قبضتها على الموارد الطبيعية تحت غطاء بناء الأمة.

جعل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ثورات الربيع العربي على رأس أولوياته، ودعا إلى تسخير موارد المجتمع الدولي لنقل هذه الدول "نحو الديمقراطية". وقال بان إنه يشجع جيل الشباب على الانتفاض ضد حكوماتهم وأعرب عن خيبة أمله في حركة احتلوا Occupy Movement (فرع من حركة احتلوا وول ستريت التي بدأت في مدينة نيويورك الأمريكية في 17 سبتمبر 2011 ثم أصبحت حركة عالمية) لكونها لم تكن بنفس فاعلية الثورات المُصنّعة الأخرى.

المخابرات الغربية تدير ثورات الربيع العربي

وبناء على برنامج مكافحة التجسس (COINTELPRO)، استطاع مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) التسلل، ومسح، وتشويه سمعة وتعطيل المؤسسات السياسية المحلية.

بعض الجماعات التي استهدفها برنامج مكافحة التجسس هي:

• مؤتمر القيادة المسيحية الجنوبية
• الرابطة الوطنية لإسناد الشعوب الملونة
• المؤتمر من أجل المساواة العرقية
• حركة الهنود الأمريكيين
• طلاب من أجل مجتمع ديمقراطي
• نقابة المحامين الوطنية
• الفهود السود
• وغيرها ....

وهناك أيضا تاريخ طويل من الاضطرابات الاجتماعية المتعمدة التي يتم تصنيعها من قبل الحكومات للسيطرة على تصاعد "الجهود الشعبية" والانخراط في العمليات النفسية ضد الجمهور العام.
حركة احتلوا وول ستريت The Occupy Wall Street Movement بدأت مسيرتها بعد انتهاء حكومة الولايات المتحدة من إشعال ثورات الربيع العربي التي أطاحت بالحكومات في مصر ودول أخرى في الشرق الأوسط .

أخصائيون نفسيون وأساليب نفسية متطورة

للتأكد من أن حركة احتلوا وول ستريت كانت ناجحة، استوردت وكالة المخابرات المركزية "إيفان ماروفيتش Ivan Marovic الذي كان عنصرا أساسيا في إنشاء وتنظيم المواطنين المصريين ضد حكومتهم. وضع ماروفيتش في مدينة نيويورك لتوفير الإسناد لحركة احتلوا وول ستريت الناشئة وتوفير التوجيه لها.

الدليل على ذلك يمكن العثور عليه في رمزية حركة احتلوا وول ستريت. فعلى الفور، تم اعتماد رمز القبضة، التي كانت رمزا مفضلا لماروفيتش لما له من أثر على نفسية المتظاهرين وتأجيج حماسهم. أسلوب آخر من ماروفيتش هي حيلة "المايكرفون البشري mic check أو Human microphone وهي من حيل السيطرة على العقل ، وهي وسيلة لإلقاء خطاب إلى مجموعة كبيرة من الناس، حيث يقوم الأشخاص الذين يحيطون بالمتحدث بتكرار ما يقوله المتكلم، وبالتالي "تضخيم" صوت المتكلم دون الحاجة إلى معدات التضخيم. وتنتقل الموجة إلى باقي دوائر الحشد مما يؤدي إلى إثارة الحماس وتصاعد زخم الحشد.

في أحدث نقاش عام في الأمم المتحدة، ناشد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الأمم المتحدة إلى الإبقاء على دعمها لحركات الربيع العربي والإستمرار فيه ، لأنه يوفّر مزيداً من الوقت، لكي يتم تثبيت تعريف مناصري العولمة للديمقراطية. وفي موقف داعم لكاميرون، أوضح رئيس المجلس الأوروبي "هيرمان فان رومبوي" أن "تحقيق التغيير الدائم يستغرق وقتا".

مصادر هذه الحلقات

أدناه مصادر هذه السلسلة من الحلقات عن الدور التخريبي التآمري لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي:

# نهب الفقراء (الشركات عابرة القومية واستنزاف موارد البلاد النامية) – جون ميدلي – ترجمة بدر الرفاعي – الهيئة المصرية العامة للكتاب – المشروع القومي للترجمة - القاهرة – 2011 .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى