الجمعة ١٨ أيار (مايو) ٢٠٠٧
بقلم إدريس ولد القابلة

محاكمات الإرهاب بالمغرب ـ الحلقة الثانية

كان أول خيط مسك به المحققون هو الانتحاري الناجي (محمد العمري) من انفجار فندق فرح يوم الجمعة 16 مايو 2003. و هو الذي كشف هوية خلايا الانتحاريين و المخططين للعمليات الانتحارية.

في البداية توجه رجال الأمن إلى منزل بحي المسيرة بالدار البيضاء, و هنا عثروا على عبوة ناسفة و بقايا مواد تستعمل في تصنيع المتفجرات و القنابل اليدوية. و بعد ذلك تم إلقاء القبض على شخص حاصل على الإجازة في الفيزياء كان قد ساعد الانتحاريين في صنع المتفجرات باستعمال البارود. و تلت ذلك اعتقالات واسعة في صفوف عناصر جماعة السلفية الجهادية و جماعة الصراط المستقيم و جماعة الهجرة و التكفير, لاسيما في مدينتي الدار البيضاء و المحمدية المجاورتين.

آنذاك حضر إلى المغرب, للمساهمة في التحقيقات أربعة عشر – 14 - من الشرطة القضائية الأمنية الفرنسية و الفرقة الوطنية الفرنسية لمحاربة الإرهاب, وكذلك ستة-6- عناصر من مصلحة الاستعلامات الاسبانية.

و قد كشف التحقيق على معلومات تفيد أن عمليات إرهابية أخرى كانت بصدد التخضير لضرب مدينة مراكش. و هكذا بدأت أسماء تتساقط, حيث أعلنت مصالح الأمن في البداية عن أسماء تسعة أشخاص. و خلال وقت وجيز سقط أغلب المبحوث عنهم في قبضة رجال الأمن في القنيطرة و فاس و الرباط و وجدة و طنجة. و تم عرض أول مجموعة على قاضي التحقيق يوم 26 مايو 2003, أي بعد عشرة أيام من وقوع أحداث الدار البيضاء الدامية.

و في يوم 25 مايو 2003 تمكنت عناصر الشرطة من اعتقال المدعو – مول السباط- الذي يعتبر القائم على تفجيرات 16 مايو 2003 بمدينة فاس بعد تطويق الحي الذي يقطنه و اقتحام منزله. و كان – مول السباط- هذا هو المصدر الذي أصدر أوامر التنفيذ للانتحاريين الذين فجروا أنفسهم.

و توالت بعد ذلك الاعتقالات و اكتشفت مصالح الأمن مركزا للتدريب بضواحي مدينة فاس و مركزا للتكوين الإيديولوجي – مركز تقوية الإيمان- في ضيعة بنواحي نفس المدينة و قاعة لممارسة الرياضة محتكرة من طرف عناصر أصولية و دارا للضيافة كانت مخصصة للزوار القادمين من المدن و المناطق المختلفة من المغرب.
و في يوم 19 مايو 2003 ضبطت مصالح الأمن بأحد المنازل بالدار البيضاء موادا كيماوية قابلة للانفجار محشوة في قنينات من حجم لتر واحد. و تشابكت المعلومات التي أسفرت عنها التحقيقات لتؤدي إلى بروز شخص أجنبي فرنسي الجنسية – روبير أنطوان ريشارد – إذ ورد اسمه في البداية على لسان أحد المعتقلين من عناصر السلفية الجهادية بمدينة فاس. كما بينت التحقيقات أن الفرنسي المذكور عقد عدة لقاءات بالعاصمة العلمية للمغرب – فاس- و تمكن من لف حوله مجموعة من الأتباع. كما تبين أنه التقى بأبي حفص, و كان في كل اجتماع يطلب من أتباعه أن يستعدوا نفسيا للجهاد.

و في ليلة الاثنين ثاني يونيو 2003 تمكنت مصالح الأمن من القاء القبض على روبير ريشارد أنطوان بغابة بنواحي مدينة طنجة بعد مطاردته. و كشفت التحريات ضلوعه في تشكيل خلايا لتيارات التكفير و الهجرة و السلفية الجهادية و ربطها بخلايا الإرهاب الدولي. و هذا في إطار التهييء لتنفيذ عمليات لضرب مراكز سياحية بشمال المغرب.

كما كشفت التحريات أنه تم التخطيط في صيف 2002 لعمليات استهدفت مراكز سياحية بالمغرب, إلا أنها أرجئت بعد اعتقال العديد من عناصر السلفية الجهادية التي كان من المفروض أن تقوم بتنفيذها.

و بحر نفس الأسبوع الذي تم فيه وضع اليد على الفرنسي روبير تمكنت مصالح الأمن من إلقاء القبض على خمسة مغاربة كلهم متهمين باقتراف عمليات إجرامية و سرقات و عمليات سطو يعتقد أن عائداتها كانت توجه لتمويل العمليات الإرهابية المخطط لها.
و قد استطاعت الشرطة الاسبانية من إلقاء القبض على المغربي المدعو عبد العزيز بنيعيش بالجزيرة الخضراء, و التي استقر بها منذ بضعة أشهر بعد أن حلق لحيته بمجرد علمه بظهور صورته على شاشة التلفزة المغربية و نشرها على الصحف ضمن صور المبحوث عنهم.

و كشفت التحقيقات عن ارتباط خلية طنجة بخلية قاس, إذ كانت عناصر كلا الخليتين تخوض تداريب شبه عسكرية تحت إشراف الفرنسي روبير أنطوان الذي سبق له أن تلقى تداريب عسكرية بمعسكر خلدن بأفغانستان, فيما تولى منظرو السلفية الجهادية التأطير النظري و العقائدي.

و أفادت الأبحاث أن عناصر خلية مدينة القنيطرة كانت تربطهم علاقة بخلايا الدار البيضاء التي نفذت انفجارات 16 مايو بها. و كان أمير هذه الخلية – المدعو أحمد ماطو- على علاقة بمحمد الفزازي و حسن الكتاني و أبي حفص منظري السلفية الجهادية.
و علاوة على الحلقات التكوينية التي تحث على التكفير و التطرف و استعمال العنف لتغيير المنكر, كانت خلية القنيطرة تقوم بتداريب شبه عسكرية بإحدى الغابات المجاورة للمدينة.

و تبعا للتحريات التي قامت بها مصالح الأمن من درك ملكي و شرطة و مخابرات تم تنظيم حملة منسقة و خطة تمشيطية باستعمال طائرة مروحية و الكلاب المدربة, حيث تم اقتحام جملة من المنازل بقرية سيدي الطيبي بناحية مدينة القنيطرة, و تمكنت مصالح الأمن من اعتقال ثلة من الأشخاص من بينهم أمين مال فرع حزب العدالة و التنمية بالمنطقة.

كما قامت مصالح الأمن بمحاصرة مقر المكتب الوطني للكهرباء بالناحية, ثم توجه 12 فردا من رجال الشرطة بالزى المدني إلى أحد المكاتب لاعتقال أحد المستخدمين و اقتياده إلى المخفر.
و من جهة أخرى كشفت التحريات أن المتفجرات المستخدمة كانت من صنع محلي استعملت فيها مواد قابلة للانفجار و المعروفة بتركيبتها السريعة الاشتعال. حيث تم خلطها بمادة كيميائية تدعى – سانتيكس- و هي المادة المشهورة بالبلاستيك ذات قوة تدميرية كبيرة.

و أفادت المعلومات المتوصل إليها عبر التحقيق و التحري أن أمراء الخلايا كانوا يعقدون لقاءات منتظمة منتظمة انتهت إلى تقسيم الأماكن المستهدفة بحيث تكلفت خلية مول السبط بتنفيذ عمليات الدار البيضاء. كما كانت تستعد للقيام بتفجيرات أخرى بمراكش و الصويرة و أكادير. في حين كانت خلية روبير أنطوان تستعد للقيام بعمليات بكل من طنجة و فاس و مناطق أخرى بشمال البلاد و منها مضيق جبل طارق.

و بفضل تحرياتها تمكنت مصالح الأمن الوطني من إلقاء القبض على عبد الوهاب الرباع – أحد أقطاب التطرف- بمدينة مكناس عندما كان رفقة خمسة عناصر أخرى بأحد المنازل. و تم اعتقاله بعد مواجهات بينه و بين قوات الأمن التي اضطرت إلى استعمال الأسلحة النارية مما أدى إلى إصابته قبل استسلامه. و قد أفاد التحقيق معه أنه سبق أن أدين في قضية سرقة الأسلحة من الثكنة العسكرية لمدينة تازة و حكم عليه غيابيا بعشرين سنة حبسا نافذا.

و لقد أوضح مصدر بأن مجموعة من الأشخاص كانوا يخططون للقيام بعمليات انتحارية في مدينة فاس قبل عمليات الدار البيضاء و لكن الحصار الأمني المفروض على المدينة من جراء الأحداث التي قامت بها عناصر السلفية الجهادية بها في صيف 2000 حالت دون ذلك. و بذلك تم إرجاء العمليات المخططة لما بعد أحداث الدار البيضاء.

و بخصوص انتحاريي الدار البيضاء أفاد البحث أنهم قاموا بعدة تجارب لصنع المتفجرات استعانة بالمعلومات المستقاة من شبكة الأنترنيت إلى أن تمكنوا من صنعها.

و في اجتماع ضم أمراء الخلايا الأربعة للدار البيضاء قام مول السباط بإخبارهم بضرورة الاستعداد للقيام بعمل جهادي, و بعد اللقاء تكلف عبد الفتاح بوليقضان بتحضير و تصنيع المتفجرات إذ قام باقتناء 88 علبة من مادة متفجرة و ثلاجة متوسطة الحجم بعد حصوله على التمويل من الأمير مول السباط الذي أمده بمبلغ 18800 درهم (1880 دولار) على فترات.

آنذاك ازدادت و وتيرة الاجتماعات بين الإرهابيين أكثر من السابق, و عقد مول السباط اجتماعا آخر مع أمراء الخلايا الأربعة لإخبارهم بوقوع الاختيار على أربعة أهداف و هي فندق فرح و مقهى و مطعم دار اسبانيا و مطعم في ملكية يهودي و مقر الرابطة اليهودية و هذا كان يعني مجموعة عبد الفتاح بوليقضان, أما مجموعات عبد الصمد الولد و خالد مراسل و ياسين لحنش فقد أخبرهم الأمير مول السباط بأنهم سيقومون بعمليات انتحارية في فترة لاحقة بعد ثلاثة أشهر من انفجارات الدار البيضاء و ذلك بمدينة الصويرة و مراكش و أكادير. و فعلا تم الاتفاق على القيام بالعمليات يوم 9 مايو 2003 إلا أنه تم تأجيل الموعد بسبب عدم التمكن تهييء المتفجرات و كل الانتحاريين في الموعد, و هكذا كان الارجاء إلى 16 مايو.
و في يوم 14 مايو اجتمع كل من حسن الطاوسي و عبد الفتاح بوليقضان و محمد العمري بمنزل هذا الأخير و استمعوا جميعا لشريط – الرحلة إلى الديار الآخرة- للمدعو المرعي. ثم أعدوا اللمسات الأخيرة لاستكمال تحضير المتفجرات.

و مساء يوم الخميس الموالي التحق بمنزل محمد العمري كل من محمد العروسي و التائب و كوثري و عبد الرحيم بالقايد و رشيد خليل. و بعد تناولهم العشاء أخبرهم عبد الفتاح بأن سعيد عبيد قد أنهى مهمة معاينة و تحديد الأماكن المستهدفة.

و في صباح يوم الجمعة 16 مايو التحق بهم محمد حسونة و محمد غرباوي فتناولوا الفطور جميعا و اغتسلوا الواحد تلو الآخر. و بعد ذلك شاهدوا شريطا يتمحور موضوعه حول الموت و أهوال القبور. و بأمر من عبد الفتاح بوليقضان لم يغادر أحد المنزل, ماعدا محمد العمري صاحب المنزل الذي أدى صلاة الجمعة بمسجد بأمر من الأمير مول السباط. و بعد عودته في حدود الساعة الثانية و النصف تابع مع باقي الانتحاريين مشاهدة شريط عشاق الشهادة و شريط جحيم الروس قبل أن يخرج ثانية لإحضار الحليب و التمر, إذ كان عدد منهم صائما ذلك اليوم كما اقتنى شاندويشات للجميع.

قام الجميع بأداء صلاة المغرب و العشاء جمعا, و بعد ذلك قام خالد بنموسى بحلق ذقون الانتحاريين, و تولى عبد الفتاح بوليقضان ضبط الساعات اليدوية على الساعة العاشرة ليلا, فيما قام محمد مهني بإيصال الخيوط الكهربائية بمفتاح تشغيل الكهرباء المرتبط بالبطاريات ثم وزع الولاعات و الحقائب على الحاضرين بعد تقسيمهم على أربع مجموعات و هو يحثهم على ضرورة استعمال السلاح الأبيض ضد أي حارس أو أي شخص يمنعهم من الاقتراب من الأهداف أو الولوج إليها. و في حالة المقاومة أرشدهم إلى استعمال القنابل اليدوية. ثم و دعوا بعضهم البعض مرددين موعدنا في الجنة إن شاء الله و اتجهوا إلى أهدافهم في غفلة من الجميع.

و هكذا توجهت مجموعة خالد بنموسى الى دار اسبانيا و كانت تضم لعروسي, الغرباوي و حسونة. و اتجهت مجموعة سعيد عبيد إلى مطعم بوزيطانو و كانت تضم عادل الطايع و يوسف كوثري. و اتجهت مجموعة محمد مهني إلى مقر الرابطة اليهودية و كانت تضم خالد الثائب و عبد الرحيم ولد دوار الغالية و رشيد خليل. و اتجهت مجموعة عبد الفتاح بوليقضان إلى فندق فرح و كانت تضم حسن الطاوسي و محمد العمري و حسن اسمير.

و كان القاسم المشترك بين أفراد مختلف الخلايا, مع اختلاف المهمات و الأدوار, هو التخطيط للقيام بأعمال ارهابية استهدفت مناطق حساسة بالمغرب و رصد نقل الأموال للسطو عليها لاستعمالها في العمليات الإرهابية.

الاستعداد لليوم المعلوم

لقد خطط الإرهابيون لاستهداف جملة من المدن المغربية، و وفق تنظيم محكم يرمي بادئ الأمر إلى استقطاب المؤهلين ليكونوا انتحاريين و قنابل بشرية، و دالك عبر مراحل مدروسة ضمن مخطط عام.
و كانت أول خطوة هي تحديد الشرائح الاجتماعية و المواقع الجغرافية المناسبة للاستقطاب. و هكذا وقع الاختيار على قاطني الأحياء المهمشة من الشباب محدودي الثقافة و التكوين و التجربة في الحياة.

و من المعروف إن مثل هده الأحياء تتميز بانتشار الأمية و استفحال البطالة و شبه انعدام الأمن بين دروب و مسالك المساكن القصديرية.

و في أحد الأحياء "كاريان طوما" بحي سيدي مومن بالعاصمة الاقتصادية للمملكة المغربية –مدينة الدار البيضاء- شرعت العناصر الأولى من الإرهابيين في عقد اللقاءات و الاجتماعات لا سيما في دكان عبد الرزاق الرتيوي الذي خصص حيزا من محله التجاري كمقر لالتقاء تلك العناصر و ملتقى للإرهابيين في غفلة من العيون.

و اقتصرت الاجتماعات في بداية الأمر على حفظ القرآن الكريم و الأحاديث النبوية و إقامة صلاة الجماعة في أوقاتها بانتظام و كان المستقطبون يتلقون دروسا يلقيها عليهم كل من عبد اللطيف أمرين و محمد مهني، كما كانوا يتبادلون الكتب و الأشرطة فيما بينهم.

و قد بدا الأمر عاديا و طبيعيا بين سكان الحي، شبان ملتزمون دينيا يجتمعون لحفظ كتاب الله و التفقه في الدين و هدا ما استحسنته أغلبيتهم.

و مما سهل تنفيذ خطة الإرهابيين أن علاقة الجوار كانت تجمع بين الأغلبية الساحقة للمستقطبين، و هدا ما ساهم في توفير الشروط المواتية لتشكيل خلايا بدت لدى سكان الحي مجرد علاقة جوار والتزام ديني بريء.

و كان العقل المدبر للخطة، مول السباط، لا يتردد على الحي طيلة المرحلة الأولى حفاظا على سرية النواة الأولى لمشروع الانتحاريين
لقد كان أغلب الانتحاريين الدين فجروا أنفسهم يوم الجمعة 16 مايو 2003 بالدار البيضاء يجتمعون بدكان عبد الرزاق الرتيوي، لاسيما بين صلاة المغرب و صلاة العشاء مرتين في الاسبوع على الأقل.
و كانت عملية استقطاب الشبان جارية في "كاريان طوما" بحي سيدي مومن بالدار البيضاء سارية على قدم و ساق، مستغلين توافدهم مسجد الحي. و لم تمضي أسابيع قليلة حتى وصل عدد المستقطبين 16 شابا في مقتبل العمر، تم تقسيمهم إلى أربع مجموعات تجتمع كل واحدة على حدة، و ضمت كل مجموعة خمسة أفراد في ربيع عمرهم و قد عثرت مصالح الأمن على مخطوط يحمل أكثر من ثلاثين اسما و من ضمنهم أسماء و ألقاب كل الانتحاريين المشاركين في أحداث الدار البيضاء الدامية.

و بعد هده المرحلة تطورت اجتماعات و لقاءات الإرهابيين، حيث بدأوا يستعملون الأشرطة السمعية و أشرطة الفيديو لبث ايديولوجية الموت و الدمار و الأفكار الإرهابية في صفوف المستقطبين و منها على وجه الخصوص "جحيم الروس" و شريط "عشاق الشهادة".

و هكذا يتبين أن الخطة تأسست مند البداية على استدراج المستقطبين لكمين الإرهاب من حيث لا يدرون و لا يشعرون.

فبالنسبة لانتحاري الدار البيضاء لم يكن أحد منهم يعلم بالرأس المدبر للتنظيم و أهدافه و من يرسم و يقرر و يعطي التوجيهات و من يمول الأنشطة، فكل ما كانوا يعلمونه أن يوسف الكوثري و عبد اللطيف أمرين كانا هما الشخصيتين البارزتين اللتان اضطلعتا بالتنسيق بين المجموعات. كما أن اسم السلفية الجهادية ظل مبهما و غامضا لديهم لم يسمعوا عنه إطلاقا رغم أنهم كانوا يعتبرون أعضاء نشيطين فيه.

و في مرحلة موالية بدأ استدعاء شيوخ السلفية الجهادية لإلقاء الدروس قصد تأكيد و تأصيل القناعات. و لمزيد من الاحتياطيات كانت تقام مناسبات، ظلت في غالب الأحيان وهمية أو مفتعلة، كحفلات الزفاف و العقيقة، لتغطية دعوة هؤلاء الشيوخ لنشر إيديولوجية الموت و الدمار تحت اسم الجهاد و تغيير المنكر. و طبعا كان الانتحاريون على الدوام من المدعوين الأوائل من حيث لا يدرون و هكذا توافد على الحي محمد الفيزازي و كدالك عبد الكريم الشادلي و عمر الحدوشي.

و بعد التشبع بأفكار المتطرفة و بأفكار التفكير على يد الشيوخ انتقل التنظيم في الخطوة الموالية إلى الاستعداد البدني ة الجسماني و هكذا كانوا يتوجهون إلى مناطق نائية، و بعيدة عن الأنظار، و يعتكفون لأيام بها قد تصل إلى شهر لخوض التداريب الرياضية التي تكلف بالسهر عليها رشد خليل، لا سيما تدريبهم على فنون الحرب و الدفاع عن النفس.
و بعد دلك بدأ الاستعداد الفعلي و النهائي في آخر لمساته للقيام بالعمليات الإرهابية.

و كان لابد من الحصول على المتفجرات، لدلك دأب محمد مهني و عاطل الطايع على التردد كثيرا على نوادي و مقاهي الانترنيت للبحث و التنقيب في مواقع الشبكة العنكبوتية للويب عن مواضيع و معلومات ذات علاقة بصنع المتفجرات و إعدادها. كما عملا على نسخ كل المعلومات المحصل عليها على قرص مغناطيسي مدمج لاستخراج منه ما يحتاجان من المعطيات لاحقا. و فعلا استخرجا منه المعلومات المطلوبة و كانت برمتها باللغة الإنجليزية و تكلف عبد اللطيف بويقضان بترجمتها إتقانه للإنجليزية. إلا أن المجموعة لو توفق في استيعاب مضامينها، لا سيما فيما يخص طبيعة المواد اللازمة لصنع المتفجرات و الداخلة في تركيبتها و بعد اتضاح فشلهم في هدا الصدد اتصل عبد اللطيف بويقضان بأمير الجماعة عبد الحق بنتاصر "مول السباط" و اقترح عليه باستعمال قنينة غاز من الحجم الصغير فارغة يتم فتح مدخلها لإدخال سلكين كهربائيين ملحمين بمصباح صغير ثم إعادة تلحيم القنينة و ملئها بالغاز، و عند إيصال السلكين سيقع انفجار.

إلا انه لم تعتمد هده الطريقة، لن الانتحاريين توصلوا إلى صنع قنابل و متفجرات باستعمال مواد كيماوية متداولة في الأسواق المغربية و منتشرة الاستعمال في جملة من الحرف و القطاعات.
و مهما يكن من أمر، إن ما وقع بالدار البيضاء ليلة الجمعة 16 مايو 2003 اعتبر تحديا بالنسبة لكافة المغاربة و للنخبة المثقفة و الواعية. انه تحد سافر من طرف الجماعات الظلامية.
و قد صرح وزير العدل المغربي أن المسؤولين عن تنفيذ اعتداءات الدار البيضاء كانوا يهدفون إلى المس بأمن و سلامة المغرب معتبرا أن العامل الاقتصادي و الاجتماعي لا يمكن أن يكون مبررا للقيام بمثل هذه الأعمال. و قد وصف الاعتداءات بأنها تشكل أبهى صور الإرهاب بالكيفية التي نفذت بها.

و قد اتفق المغاربة قاطبة أن الهدف الأساسي من الأعمال الإجرامية التي شكلت الدار البيضاء مسرحا لها يوم الجمعة 16 مايو 2003 و التي كانت ستتبعها أخرى, هو المس بالسلم و الاستقرار و زعزعة الاختيارات المجمعية المبنية على الحداثة و الانفتاح على الثقافات و الحضارات و لزعزعة الصورة التي يحظى بها المغرب على الصعيد العالمي, علما أنها اختيارات و أنه مشروع مجتمعي لا رجعة فيه.

الانتحاريون

إن منفذي عمليات ليلة الجمعة 16 مايو 2003 بالدار البيضاء كلهم مغاربة, 14 مغربي, أغلبهم من سكان دور الصفيح و أحياء مهمشة بحي سيدي مومن بالعاصمة الاقتصادية للمملكة المغربية. و كلهم في مقتبل الشباب, ما بين 19 و 25 سنة. و كلهم كانوا ينتمون لأوساط فقيرة, عاطلين أو يزاولون مهنا هامشية بسيطة جدا. كما أنهم – كلهم – تركوا الدراسة مبكرا في السنوات الأولى من مشوارهم التعليمي, و لم يتعد تكوينهم السنوات الأولى من التعليم الإعدادي.

و يعتبر عبد الحق بنتاصر الملقب بمول السباط – الذي توفى مباشرة بعد اعتقاله – أمير الانتحاريين و الرأس المدبر و صاحب الأمر في تنفيذ الاعتداءات الإرهابية التي عصفت بالسكينة التي كانت تعرفها مدينة الدار البيضاء, أكبر مدن المغرب على الإطلاق.
كان الانتحاريون الأربعة عشر يحملون معهم المتفجرات و قنينات احتياطية معبأة بمادة شديدة الانفجار أمروا باستعمالها في حالة ما ادا تعذر عليهم تفجير أنفسهم في الوقت المحدد, و التي كانت موضوعة في حقائب متشابهة يحملونها على أكتافهم.
و محمد العمري هو أحد هؤلاء الإرهابيين, و هو الذي شكل الخيط الرابط الأول لكشف أخطبوط التنظيمات الإرهابية بالمغرب. لقد كان من المقرر أن يفجر نفسه في فندق فرح بالدار البيضاء, إلا أنه ألقي عليه القبض بعد تراجعه عن التضحية بنفسه و محاولة الفرار من موقع الحادث.

و رشيد خليل, هو كذلك من الانتحاريين تراجع عن تفجير نفسه في مقر الرابطة اليهودية بالدار البيضاء و فضل الفرار. أما ياسين الحنش, فكان من المقرر أن يشارك في تنفيذ عمليات إرهابية خارج مدينة الدار البيضاء بمدن أخرى كأكادير و مراكش و الصويرة و طنجة و هي مدن تعرف رواجا سياحيا و يعمها أجانب على امتداد السنة.

محمد العمري/ من مواليد الدار البيضاء بحي سيدي مومن, كان هو الخيط الرابط و المنسق الأساسي للمجموعات الانتحارية. و قد صرح أن زميله عبد الفتاح بوليقضان هو الذي سهر على تحضير المتفجرات من خلال استعمال الماء القاطع و الأوكسجين و مادة أخرى قام بمزجها بباقي المواد. كما أنه هو الذي مد الانتحاريين بآخر التعليمات و ظل معهم دون مفارقتهم إلى أن حانت ساعة اقتراف الجرائم الرهيبة.

عبد الفتاح بوليقضان/ بالغ من العمر 28 سنة شاب خجول و انطوائي بشهادة جميع من كانوا يعرفونه, متزوج و أب لطفل وحيد هجرته زوجته بسبب جفائه لها. كان من شبان حي سيدي مومن بالدار البيضاء, الأوائل الدين طوقتهم إيديولوجية الموت الرخيص من حيث لا يدرون و لا يشعرون. و هو الذي ترأس المجموعة الانتحارية التي قسمها إلى عدة خلايا و عين كل من أحمد مهني و خالد بنموسى على رأسها. و ضمت هده الخلايا محمد الصائع و سعيد عبيد و محمد حسونة و رشيد خليل و كوثري و يوسف و خالد الثائب و أحمد العروسي.

أحمد العروسي/ كان يراوده حلم – الحريك – أي العبور إلى الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط قبل أن يطلق العنان للحيته و يبتعد على أبناء الحي و تتسع المسافة بينهم.

انه شاب متوسط الطول في السادسة و العشرين من العمر تابع دراسته إلى مستوى الرابعة أعدادي ثم توجه إلى التكوين المهني حيث حاز على الشهادة في الدباغة, إلا أن الدبلوم لم يفتح أمامه أبواب العمل.

أحمد مهني/ يبلغ من العمر 25 سنة, كان ذكيا بين أقرانه. فرغم فقر أسرته تفوق في دراسته و حصل على شهادة الباكالوريا و التحق بالجامعة, إلا أنه توقف في منتصف المشوار. لكن ظل مبعث فخر عائلته التي عقدت عليه آمالا عريضة.

قبل اعتناقه لايديولوجية الموت اشتهر بين أقرانه بمعاكسة للفتيات, لاسيما مطاردة الهاربات من منازلهن عله يفوز بصيد ثمين يفاخر به بين أبناء الحي. لكنه في يوم من الأيام و على حين غرة أطلق العنان للحيته و ارتدى جلبابا قصيرا و أصبح كثير المحاججة في أمور الكفر و التكفير و المنكر و ضرورة التصدي إليه بأي ثمن مهما كان الأمر.

خالد الثائب/ يبلغ من العمر 22 سنة, انقطع عن الدراسة مبكرا. لكنه أثار انتباه الجميع في تفننه في لعبة كرة القدم بملعب الحي الذي كان يعتبر نجمه بدون منازع. و قد توقع أقرانه أن يصبح لاعبا لامعا في إحدى فرق مدينة الدار البيضاء, لاسيما فريق الرجاء البيضاوي أو الوداد البيضاوي ليحلق في عالم التألق و النجومية و الشهرة. لكنه عندما أطلق العنان للحيته هجر لعبة كرة القدم و غاب نهائيا عن ملعب الحي و لم يعد يجالس أحدا من أبناء الحي.

لقد كان معارفه, على اختلاف سنهم, يتوقعون أن يفجر خالد مواهبه على أرضية ملاعب كرة القدم لكنه اختار تفجير نفسه هباء منثورا بعد أن حصدته إيديولوجية الموت و جيشه الإرهابيون في صفوفهم.

سعيد عبيد/ كان معروفا بلقب ولد المسيرة لأن والدته لبت نداء المسيرة الخضراء التي توجهت إلى الصحراء في منتصف سبعينات القرن الماضي, و تقدمت صفوف النساء المشاركات فيها, حاملة المصحف و العلم الوطني و في أحشائها بدرة مواطن و ابن بار لوطنه و عاشق لبلده و غيور عليه.

كان سعيد متفوقا في دراسته و برع في الرياضيات و علم الأعداد و الأرقام. توقف عن متابعة تعليمه بسبب ضيق ذات الأسرة و عمل كمحاسب و برع كذلك في شغله الذي انتشله من الفقر رفقة عائلته و ظهرت آثار النعمة عليه. كان أنيق الملبس يحافظ على تنظيف سيارته الخاصة يوميا. لكنه عندما انقطع عن حلق ذقنه تخلى عن ثيابه العصرية و عن البذلة و ربطة العنق ليرتدي جلبابا قصيرا و يلازم ملتحي الحي إلى أن قرر تفجير نفسه فضاع هو و ضيع معه عائلته.

خالد بنموسى/ كان يبلغ من العمر إحدى و عشرين سنه, قائم على تجارة صغيرة من أجل تدبير مصاريف عيش العائلة. لم تكن رغبته قوية في الدراسة التي لم يمض فيها إلا ست سنوات فقط.

بعد انقطاعه عن المدرسة أخذته والدته لحلاق قصد تعلم حرفة الحلاقة’ و قضى عنده عدة سنوات إلى أن أصبح يداعب المقص و الموسى بيده و يتقن المهنة اتقانا. لكنه بمجرد التقائه بمروجي إيديولوجية الموت انقطع عن التعاطي لمهنة الحلاقة بدعوى أن حلق الذقون كفر. و لم يصبح مداوما على الصلاة إلا بضعة شهور قليلة جدا قبل تفجير نفسه.

يوسف كوثري/ من مواليد 1972, كان يحرص دوما على الظهور أنيقا بين أقرانه. لكن في شهر رمضان سنة 2002 أطلق العنان للحيته و حلق شاربه و أصبح يداوم ارتداء جلباب قصير.

اشتعل لمدة أربع سنوات في مصنع تابع للقطاع الخاص لكنه تعرض لحادثة شغل فتنكر له صاحب المعمل. و رغم توجهه إلى القضاء لم يحصل على تعويض و لم تنصفه العدالة. و كانت النتيجة طرده من العمل أد أن رب المعمل لم يستسغ لجوء يوسف للعدالة للمطالبة بحقه الأكيد.

و ظل عاطلا إلى أن قدم على تفجير نفسه بعد أن أحاطت به خيوط إيديولوجية الموت وجيشه القائمون على ترويجها بالمغرب.
عادل الصائع/ عمره 23 سنة, أقبل على دراسته بتهم شديد إلا أنه سرعان ما اعتراه الفتور, فاتجه إلى التكوين المهني لاختزال الوقت و المجهود قصد التمكن من الحصول على عمل يساعد به عائلته و يساهم في إعالتها. حصل فعلا على الشهادة لكنه لم يفلح في وجود أي عمل. و عندما طوقته ايديولوجية الموت تجنب أقرانه و رفقاء الدراسة و أبناء الحي و اختلى بأخيه في الرضاعة خالد بنموسى ليصنعا من نفسيهما قنبلتين بشريتين انفجرتا ليلة الجمعة 16 مايو 2003 بدينة الدار البيضاء.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى