الأحد ٣١ أيار (مايو) ٢٠٢٠
الشاعر شوقي بغدادي لديوان العرب:
بقلم مريم علي جبة

كورونا يدافع عن الطبيعة، والأرض ويقف في وجه البشر الذين أفسدوها.

ولد الشاعر شوقي بغدادي عام 1928 في مدينة بانياس على الساحل السوري، وعاش طفولته ما بين اللاذقية ودمشق، كتب الشعر والقصة والرواية، ففي الشعر صدر له نحو (15 ) مجموعة شعرية نذكر منها: أكثر من قلب واحد – لكل حب قصة – ليلى بلا عشاق – من كل بستان – شيء يخص الروح – البحث عن دمشق – حدائق قديمة – ديوان الفرح..وغيرها، إضافة إلى أناشيد وقصص شعرية للأطفال بعنوان: عصفور الجنة، والقمر فوق السطوح.

أول ديوان شعري له صدر بخط يده بعنوان «البراعم» وكان عمره حينها 14 سنة.
أما في القصة القصيرة فقد صدر له المجموعات القصصية التالية: درب إلى القمة، حيّنا يبصق دماً، بيتها في سفح الجبل، مهنة اسمها الحلم، فتاة عادية.

وفي مجال الرواية كتب شوقي رواية واحدة بعنوان: «المسافرة». وله العديد من المقالات والخواطر والدراسات.

هو من مؤسسي اتحاد الكتاب العرب في سورية عندما كان اسمه في مرحلته الأولى: رابطة الكتاب السوريين، وشغل منصب رئيس الرابطة في مرحلة من المراحل.

شوقي بغدادي وقد تجاوز التسعين من العمر وما زال على قيد الكتابة والإبداع وما زال الشعر لديه هو المهم والأهم بالنسبة له.

ديوان العرب زارت الشاعر بغدادي في منزله في منطقة المزة بدمشق وكان هذا الحوار معه:

يقال أن بداياتك في الشعر كانت مختلفة، وخاصة وأنك نظمت الشعر وأنت لا تزال في بداية المرحلة الإعدادية، حبذا لو تحدثنا عن هذه المرحلة الاستثنائية من حياتك

 ولدت لأسرة كان والدي موظفاً وكان عمله يتطلب منه التنقل ما بين المدن السورية فعشت في اللاذقية مرحلة الطفولة ودرست في مدارسها، وكان الاستعمار الفرنسي في تلك المرحلة يحتل سورية، وكنت في السادسة من عمري كنت أشاهد الكتابة ثم أقلدها وأطلب من والدتي أن تقرأها لي، بعد ذلك تعلمت في المدرسة القراءة والكتابة بشغف، وكنت أحب درس اللغة العربية، أحبه حباً لا يعادله حب، حتى أني كنت أحصل على علامات عالية في مادة اللغة العربية في حين كنت في المواد الأخرى ضعيفاً، وبدأت أكتب الشعر،وأذكر حادثة حصلت معي وأنا في سن الثانية عشرة عندما كنت أتنزه أنا وزميل لي في المدرسة من عائلة عرنوق قال لي: أصحيح أنك تستطيع أن تكتب الشعر؟ ها نحن في نزهة فهل تستطيع أن تصف لي هذه النزهة شعراً؟ فقلت له: يا وردة نبتت بأرض الشام..

وهنا رأيت نفسي أنظم الشعر على وزن البحر الطويل: متفاعلن متفاعلن متفاعلن.. فقال لي زميلي: من علمك العروض؟.

كانت شهرتي كشاعر فقط على مستوى المدرسة، وعندما علم الأستاذ أنني أكتب الشعر نقل هذه المعلومة للمدير الذي دعاني وطلب مني أن أقول الشعر، وبعد أن أسمعته شعري قال لي: من كتب لك هذا الشعر؟ فقلت له إنه شِعري.. ومنذ تلك الجلسة مع مدير المدرسة تم اختياري لإلقاء كلمة في كل مرة يرفع العلم فيها في المدرسة.

لمن كنت تقرأ من الشعراء في تلك المرحلة؟

 كنت أحفظ وأهتم لكل القصائد التي كانوا يدرسونها لنا في المدرسة، ولم أكن أكتفي بقصائد الكتاب المدرسي بل كنت أخذ مصروفي من والدي وأذهب لأبحث عن مجلات تنشر فيها قصائد لشعراء مثل: أحمد شوقي وحافظ ابراهيم وغيرهم.

هناك معلومة تقول أنك أصدرت مجلة وأنت في المرحلة الإعدادية؟

 نعم فقد أصدرت وزميلي محمد سيف ديب مجلة أسميناها: "التلميذ" أصدرناها بالقلم والحبر والألوان نكتبها أنا ومحمد ونجلدها ونوزعها على الطلاب الذين يودون الاطلاع عليها بمبلغ عشرة قروش لمدة نصف نهار وكانت تحتوي على القصة والشعر والمقال وكان فيها خمس صفحات باللغة الفرنسية.. وكنت أنا أكتب الشعر بالفرنسية أيضاً حيث كان التعليم في المدارس في تلك المرحلة باللغة الفرنسية حصراً ولم يكن للعربية نصيب إلا حصة اللغة العربية، وهنا لا بد من ذكر معلومة أنه كان يحظر علينا التحدث إلا باللغة الفرنسية ومن يخطئ ويتحدث باللغة العربية فكان يُعاقب بحمل ما يسمى بــ (سينيان) وهي عبارة عن قطعة خشب يبقى الطالب المخطئ يحملها حتى يسمع أحد من زملائه يتحدث كلمة عربية فيرميها عليه، وبالنسبة لي أنا لم أخطئ أبداً فلم تُرمى علي هذه القطعة أبداً وكنت أتحدث اللغة الفرنسية بطلاقة.

بعد خروج الفرنسيين من سورية انتقلت إلى دمشق، ماذا تحكي لنا عن هذه المرحلة؟

 عام 1945 وبانتهاء الحرب العالمية الثانية خرجت فرنسا من سورية، فعادت سورية موحدة، فانتقلت إلى دمشق وكان عمري 16 عاماً ودرست في مدرسة التجهيز الأولى للبنين بنظام داخلي، وبدأنا الدراسة باللغة العربية لكافة المواد وأضيفت اللغة الانجليزية للمنهاج وصار التركيز بعد الاستقلال على اللغة العربية. وفي المدرسة أصدرت مجلة أسميتها "التجهيز" ونشرت فيها قصيدتي وأذكر منها هذا البيت:

ولي همّة شماء يشعلها الدهر
فلا هو يطفيها ولا البر والبحر

وعندما علم المدرسون والمدراء في المدرسة أنني أكتب الشعر زاد اهتمامهم بي وأذكر أن مدير مدرسة التجهيز في تلك المرحلة عندما دعاني ليسمع شعري قال لي: أنت كتبت هذا الشعر أم أن أحداً كتبه لك؟ فأجبته" أنا لست أكذب أنا شاعر حقٌ.

لا شك أنك شاعر معروف على مستوى العالم العربي أيضاً، ولك تجربة حياة في الجزائر الشقيقة، هل لنا بوصف لتلك المرحلة التي استمرت حسب معلوماتنا الخمس سنوات؟

في الحقيقة أنا من طلبت من وزير المعارف أن يرسلني إلى الجزائر حيث كانت الجزائر تتحدث الفرنسية فقط وبعد الاستقلال كان لا بد من حملة للتعريب وسافرت للقيام بهذه المهمة أنا وزملاء، وهنا يحضرني حالة عاطفية وإنسانية حيث تعرفت على عائلة جزائرية وكنت سأرتبط بابنتهم وكان شرط والدها أن أعيش في الجزائر بشكل دائم ولكن والدتي عندما أخبرتها رفضت أن أبقى بعيدا عنها وعن دمشق فاعتذرت من عائلة الفتاة الجزائرية ولم يتم الزواج.

وأنا في الجزائر تسنى لي أيضاً القيام برحلة إلى إسبانيا وكان شغفي أن أزور قصر الحمراء وأن أرى أمامي 800 عام جلستها العرب على هذه الأرض.

وعندما عدت إلى دمشق واستأنفت عملي كمدرّس لمادة الأدب العربي في مدرسة جودت الهاشمي، وفي سن التاسعة والثلاثين تزوجت لأنني اقتنعت أنه لا بد من تأسيس عائلة وبهذا أكون قد وصلت إلى ترتيب حياة اجتماعية جيدة.

انت ترى وتلحظ أننا في زمن صعب، زمن الحروب والأزمات والأوبئة، كيف يتجلى دوركم أنتم كشعراء وأدباء وكتاب؟

سأختصر لكِ جوابي بقصيدة كتبتها عن "كورونا"، قصيدة ضمن ديواني وهو قيد الطباعة وقد عنونته: قبل فوات الأوان

والقصيدة عنوانها: غناء الوباء

أقول فيها:

عندما أستطيب الوباء وأهمس في أذنه
أن يصاحبني نحو منفايا في آخر الكون
يسخر مني ويرفضني أنني لست خصمه
عندما أستريح أقول له: أنت تجهلني وأنا لا أطيق وجودك قربي
فكٌثَّ بلاءك عن بلدي وخذ الأغنياء
دع الفقراء إذن يا قبيح
يصفق عندئذ ويقهقه
وهو يغمغم: يا للغبي الجهول
أتحسبهم أغبياء إذا ما تعفف واحدهم وهو دوماً جريح
يداري الدماء ويغسلها قبل أن يتشوه منظره
وهو مثل المسيح فقير نحيف كأن الهزال يزيته
والسقام يلونه وخصومي سواه فكيف تصير الثري الكسيح
جميع الذي في يديك وبيتك بعض من الكلمات اللطيفة
انهض فما تسمونه الشعر والنثر
انهض تعالى إلى الزهر والعشب والماء والخضرة النامية
تعالى إلى فسحة للهواء النقي وغابات أرض مهدد بالخراب
وطير يحلق أنأى فأنأى فأعلى مخافة أن يستباح
وأن الرياح تداعب خديه والبحر يصفو لمرآة تقفز مثل الطيور إليه
فكل الفضاء لكم وجميع السماء وما من وباء.

في قصيدتي هذه أصور أن فيروس كورونا يدافع عن الطبيعة ويدافع عن الأرض ويقف في وجه البشر الذين أفسدوا هذه الأرض.

كلمة أخيرة من شوقي بغدادي؟

أريد أن أوجه هذه الكلمة لمجلة ديوان العرب، أقول: لأنكم موجودون وتحملون شعار احترام اللغة العربية وحب اللغة العربية أنا أنحني لكم وأبجّل الجهود التي تبذلونها للدفاع عن اللغة العربية وعن العروبة ليس بالسلاح وإنما بالثقافة، تحية لكم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى