الثلاثاء ١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٢٠
بقلم مريم علي جبة

حوار مع الشاعرة السورية سمر تغلبي

مؤسساتنا الثقافية تحتاج إلى ثورة ثقافية تقضي على الروتين الذي هو عدوّ الإبداع

الشاعرة سمر تغلبي تحمل إجازة في العلوم وتعمل في التربية والتعليم ولها العديد من المشاركات والأمسيات الشعرية والنشاطات الأدبية وهي صاحبة فكرة ملتقى مكاشفات الشهري الذي يعقد في فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب في الثلاثاء الأول من كل شهر

ديوان العرب التقت الشاعرة تغلبي وكان هذا الحوار:

 من هي الشاعرة سمر تغلبي؟

امرأة طحنها الوجع فعجنته حروفاً تنطق بعمق المعاناة.

 العمل فِيْ سلك التعليم كَاْنَ لَهُ الأثر الأبرز فِيْ إنضاج تجربتك الشعرية، كَيْفَ استطعتِ التوفيق بَيْنَ العمل كمدرسة، وبين تطوير تجربتها الشعرية؟

التجربة الشعرية تغنيها التجربة الحياتية للشاعر عموماً، والتدريس يغني هذه التجربة الحياتية التي تنعكس بدورها على التجربة الشعرية. فالتجدد الذي يعيشه المدرس نتيجة تتابع الأجيال المختلفة تجعله أكثر انفتاحاً وهذا يشكل بيئة مناسبة لتوليد الأفكار الإبداعية.

 لا شك بأنكِ تأثرتِ بالعديد من الشعراء والكتاب من هُمُ أهم الشعراء الَّذِيْنَ كَاْنَ لَهُمْ دورٌ بارز فِيْ مسيرتك الشعرية؟

كثيرة هي الأسماء التي غرست حروفها في وجداني الأدبي لتنعكس على ما أكتب بشكل أو بآخر، تأثري الأكبر كان بكتابات العلامة الشهيد الدكتور البوطي رحمه الله سواء في كتاباته الفكرية التي يعرضها عموماً بأسلوب أدبي رشيق أو في كتاباته الأدبية شكلاً ومضموناً. إضافة إلى شعراء كثر من عصور مختلفة، كالمتنبي وأبي فراس الحمداني والخنساء وجرير وابن زيدون إضافة إلى جبران والمنفلوطي ونزار قباني ومحمود درويش والسياب وغيرهم من الأسماء الأدبية الكثيرة، وبالتالي فأنا لا أنتمي إلى مدرسة معينة في الكتابة نتيجة هذا التنوع في مصادر تغذية الموهبة على مر الزمن....

 لنتحدث عن باكورة أعمالك ديوان "باكورة إثم" كَيْفَ ولدت فكرة هذا الديوان وماهي أهم الصعوبات الّتي عانيتها ليستطيع هَذَا المولود الجديد أن يرى النور؟

"مخاض إثم" عنوان ديواني الأول، لكن قصائد الديوان ليست قصائدي الأولى.

لم أكن أفكر بالنشر نتيجة الكثير من العقبات، أهمها الكلفة المادية وليس آخرها طغيان الغثّ على السمين في مجال الطباعة والنشر، الأمر الذي يطفئ في داخلي الرغبة في الطباعة رغم تراكم غبار الزمن على المخطوطات في الأدراج. ورغم عزوفي عن النشر شاءت الأقدار وأمام إلحاح الكثير من الأصدقاء أن يخرج هذا الديوان للنور، وقد كان إصداره هدية بمناسبة عيد الأم إنما تأخر عن وقت المناسبة بسبب ظروف الحجر الصحي التي فرضتها جائحة كورونا.


 لتزمتِ فيْ قصائد الديوان الأول لكِ ببحور الخليل، فِيْ حِيْنَ يرى البعض عجز القصيدة العربية الملتزمة عَنِ مواكبة التطور والحداثة، مَاذَا تقول الشاعرة فِيْ ذَلِكَ؟

من يقول إن القصيدة العمودية لا يمكنها أن تواكب التطور والحداثة إنما يصف عجزه عنها. والعجز عنها ليس عيباً فلكلّ مبدع مجاله الذي يتألق به، وإنما المشكلة في محاولات إسقاط هذا العجز على الآخر من خلال الهجوم على القصيدة الموزونة وروادها، فالالتزام ببحور الخليل ليس قيداً كما يظن البعض، إنما هو إيقاع عشش في الوجدان لتخرج الكلمات نابضة به تلقائياً ودون أي جهد، الشاعر لا يرصف الكلمات قياساً على مسطرة كما يظنون، ولو كان ذلك لما سمي شعراً. ولن يصل إلى الأفئدة إن كان متكلَّفاً. إنما تنساب الكلمات كما قطرات الماء في شلال لا تغادر مسارها مع أنها حرة. وحين نتحدث عن التطور والحداثة فإن هذا يعني بناء الحديث على الأصيل وليس التفلّت منه، وإلا لما سمّي تطوراً. والشعر الموزون تطوَّرَ في الكثير من النصوص شكلاً ومضموناً عما نعرفه من العمود الخليلي القديم، فحداثة الصور والانزياحات واستخدام مصطلحات العصر الحديث إضافة إلى المعاني التي تعالجها النصوص الشعرية كلها تطوُّر في المضمون، أما التطوُّر في الشكل فيتجلى في الخروج عن شكل الشطرين سواء إلى التفعيلة أو إلى تعدد الأشطر الشعرية إلى ماهنالك من تغيير في الشكل لايخرج عن الإيقاع الذي يشكل أساس البناء الشعري، تماماً كما تشكل المقامات الموسيقية أساس أي لحن جديد.

 مَا هِيَ أهم الأفكار والمشكلات الّتي سلط الديوان الضوء عَلَيْهَا؟

الديوان رغم أن البعض رأوا فيه تجسيداً للهمّ الذاتي إلا أنني أرى في هذا التصنيف ظلماً للكثير من القصائد التي تبدو ذاتية إنما تعالج قضايا اجتماعية مختلفة كقصيدة "الحدود" مثلاً التي تعكس جانباً من معاناة المرأة الشرقية، وكذلك قصيدة "قيد" و "تقاسيم على عتبات الجرح". بينما هناك قصائد مزجت الذات بالوطن في وجدانٍ لم يستطع الفصل بينهما كقصيدة "اضطراب" وقصيدة "جنون". وبعضها ذو بعد فلسفي مثل قصيدة "سراب"، إضافة للقصائد الوجدانية التي تحاكي الحب والأمومة وغير ذلك من الدفقات الشعورية الأنثوية.

 تشرفين حالياً عَلَى منتدى [مكاشفات] الشهري، الَّذِيْ يقام فِيْ فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب الثلاثاء الأول مِنْ كُلِّ شهر، كَيْفَ تشكلت فكرة المنتدى؟ وَمَا هِيَ أهم أهدافه؟ وهل استطاع أن يحقق من خلال جلساته المقامة الأهداف المرجوة مِنْهُ؟

كانت فكرة مكاشفات تراودني منذ زمن ولكن قصرت في السعي لتحويلها إلى واقع، إلى أن دار حديث في فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب بوجود عدد من المثقفين حول الفعل الثقافي بشكل عام فأبدى الدكتور محمد الحوراني رئيس الفرع استعداده لتبني النشاطات التي تحمل فكراً مغايراً لتحقيق هدف الاتحاد في نشر ثقافة حقيقية التي هي ثقافة المجتمع، عرضت عليه فكرة الملتقى الحواري فرحب بالفكرة على أن أقدّم رؤية شاملة للملتقى وأهدافه وخطة عمل سنوية، وبعد مداولات تم اختيار العنوان "مكاشفات" الذي يعبر عن المضمون بشكل واضح، وقد تم طرح فكرة الملتقى على جمهور الفرع وتمت مناقشتها من خلال جلسة مكاشفات الأولى في شهر شباط الماضي. وكان الهدف الرئيس للملتقى هو التأسيس لثقافة حوار راقٍ يمارس النقد البنّاء الذي هو الخطوة الأولى في طريق التطوير، وحين يكون هذا الحوار مع النخب الثقافية فإنه يتيح لهذه النخب المشاركة في صنع القرار من خلال طرح الأفكار ومناقشتها مع أصحاب القرار بشكل مباشر.

أما هل حقق الملتقى أهدافه أم لا فأعتقد مازال الوقت مبكراً للحكم، وخاصة أن جائحة كورونا تسببت في توقف الملتقى عدداً من الأشهر فالجلسة القادمة هي جلستنا الرابعة بدل أن تكون الثامنة.

ومع ذلك يمكنني القول أن الحوار في مكاشفات يأخذ منحىً إيجابياً ويقدم الكثير من الأفكار التي أرجو أن نرى صداها على أرض الواقع.

 أقام المنتدى جلسة حوار مَعَ وزير الاقتصاد (سامر خليل)، هل واجهتِ صعوبات لإقامة هَذِهِ الجلسة الحوارية؟

أهم الصعوبات كانت في التواصل مع السيد الوزير لتحديد وقت الحوار، هذا التواصل الذي استغرق وقتاً أدى إلى تأخير موعد مكاشفات، إضافة إلى تأجيل الموعد الأول الذي حدده السيد الوزير قبل أقل من 24 ساعة ما حال دون وصول خبر التأجيل لبعض المدعوين. لكن الصعوبات تختفي حين يتم إنجاز العمل بنجاح.

 برأيك هل المؤسسات الثقافية أدت دورها المناط بها فِيْ تطوير المسيرة الشعرية والأدبية ؟

الحديث عن المؤسسات الثقافية وعملها حديث ذو شجون، فرغم الفعاليات الكثيرة والعمل الحثيث والأنشطة التي لا تتوقف، إلا أن كل ذلك يبقى محدود التأثير لأنه لايصل إلى الناس كما يجب. فالأنشطة الثقافية غير متابَعة بشكل جيد من الجمهور، فيما عدا بعض الأنشطة المحدودة فإن الجمهور عادة هو جمهور مجامِل، جمهور من الأصدقاء يجتمعون لحضور نشاط لأحدهم لممارسة التصفيق، وسواء كان هذا الصديق يستحق التصفيق أم لا فإن هذا الجمهور لا يُعتَدّ به، طبعاً لست هنا بصدد الولوج إلى عمق المشكلة وأسبابها فهذا يحتاج الكثير من التحليل والدراسة وصولاً إلى الحلول. وهذه ليست المشكلة الوحيدة، فهناك الكثير مما يطول الحديث عنه في هذا المجال. فهناك مشكلات في النشر ومشكلات في التسويق للمطبوعات الصادرة عن المؤسسات الثقافية إضافة إلى ضآلة مكافآت الكتّاب سواء مكافآت الكتب أو مكافآت المواد المنشورة في الدوريات الصادرة عن هذه المؤسسات، وأنا أرى أن مؤسساتنا الثقافية تحتاج إلى ثورة ثقافية تقضي على الروتين الذي هو عدوّ الإبداع لتعود إلى دورها الريادي في قيادة المجتمع نحو الانفتاح الفكري والعمق الجمالي.

 هل هناك مشاريع شعرية قادمة لـ سمر التغلبي؟

في الشعر هناك أكثر من مجموعة تحت الطبع منها :

"قبلة على جبين قاسيون" مجموعة قصائد للوطن
"قطرات حبر" مجموعة قصائد قصيرة جداً
وثلاث مجموعات أخرى لم تُعَنوَن بعد.

إضافة لمجموعة قصصية بعنوان "قوالب من ورق".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى