الخميس ٢٨ شباط (فبراير) ٢٠٠٨

أبعاد الهوية وإشكالاتها

بقلم: عبدالعزيز بن محمد الخاطر

(1)

الهوية طبقات وليست طبقة واحدة، وحدها الظروف التي تفرض أولوية طبقة على أخرى. قد تكون الهوية الاثنيه هي الأولى في ظروف تنازع الأثنيات وتقاتلها. وقد تطفح الهوية الدينية لتحتل الصدارة مع بداية تشكل الدولة الدينية وغياب المواطنة وقد تأتي الهوية القومية مع ظهور الدولة - الأمة لتعتمد البعد الثقافي لتتجاوز بذلك الهوية الاثنيه والدينية ولكنها لا تتجاوز سلبيات ذلك إلا فيما نذر.

هذه الطبقات في أحسن حالاتها تكون ثنائية بمعنى أما أثنيه تقابل أثنيات أو دينية مقابل أديان أخرى أو قومية في مقابل قوميات أخرى. لكنها قد تحمل بذور صدامها مع أجزاءها بدرجة أكبر من صدامها مع الأخر المقابل أو المضاد. فيصبح واقع التجزئة الصغرى هو الفتنه الكبرى التي منها يفر الجميع. في أثناء الحروب والأزمات الأهلية يجرى البحث عن أجزاء الهوية وتتصدر هذه الأجزاء الأولوية على غيرها، وينقلب بالتالي الجزء على الكل فلا يجرى البحث عن المسلم مثلاً ولكن من أي طائفة هو ولا عن الاثنيه ولكن الى أي قبيلة ينتمىولا عن المواطن ولكن من أي منطقـــــــــــة ( جهويه ) يتحدر. وحدها الدولة المتخلفة التي تجزأ إنسانها بحيث يمكن أعادته الى صلصاله الأول ولا تعترف بنموه ولا بمدنية القوانين، فالإنسان فيها محكوم بتراتبية سابقة عليه لا يملك معها حولاً ولاقوه فعليه فقط أن يجاريها فالأمير أميًر والخفير خفير.

(2)

الخوف من غياب الهوية ليس خوفاً مدنيا وأنما خوفاً أولياً يشترك فيه الإنسان مع غيره من المخلوقات، الانقراض خوفاً يهدد الجميع ذهاب الهوية في أبعاده انقراض بلا موت. لماذا تحافظ المدن القديمة على شكلها وطابعها منذ قرون ؟ لماذا يتوافد أهل المدن الحديثة لزيارة المتاحف والقصور والمدن والأزقة القديمة بأعدادهم الهائلة ؟ للتاريخ عبقه ورائحته والإنسان كائن تاريخي يستمد بقاؤه أولاً من حكايات التاريخ السابق عليه.

المواطن الامريكي أو الاسترالي عندما تسأله يذكرك بأصله ومن أين جاء ولا يكتفي بكونه أمريكياً أو أسترالياً الهوية دائماً في الذاكرة. ولكن هناك فرق بين الهوية كمعول للقتل وبين الهوية كمرتكز للحياة. والهوية في عالمنا المتخلف أحياناً قاتله والجميع قد يعمل على إخفاءها وأن كان ليس كل الوقت ولكن لا يضمن أحد أن يأتي وقت لا يتحتم ذلك. انتشار النفاق أذاً في عالمنا ليس عملاً اعتباطياً ولكنه عملاً براجماتياً ونوع من أنواع تلون الحرباء وتغير لونها لكي تتأقلم مع الطبيعة التي تسكنها.

عندما ترتبط الهوية بإبعاد دينية تصبح بالتالي هذه الأبعاد هي المحرك لها عبر ا لتاريخ و تصبح درجة ما وصل إليه الدين من فهم حقيقي في نفوس أصحابه المؤمل الوحيد للتعامل معها. فإذا كان هذا الفهم إقصائياً كشعب الله المختار والفرقة الناجية أصبحت الهوية تتطلع الى بؤر محرقيه في الماضي تعمل على أعادتها فيصبح بالتالي المجتمع في أبعد حالاته عن الاتجاه نحو النضج والديمقراطية. بذور الشك تنتشر في جميع أرجاء مجتمع الهويات المجزاة وخطوط كثيرة وهمية قد تؤطر علاقات أصحابه وتفصلهم عن بعضهم البعض وتجعل من مفهوم الفتنة مرتعاً تحوم على أطرافه الأمة توشك أن تقع فيه مع أنه ليس قدراً مكتوباً عليها.

(3)

عندما نتناول هوياتنا الجزئية ونقاتل من أجلها، ننسى أن الهوية الإنسانية هي المخاطبة إلهيا حتى عبر هويات اصحاب كل دين على حده. فلا يذكر كتاب ديني هوية أصحابه إلا من خلال ربطها بالأبعاد الإنسانية مثل الخيرية وشروط تحققها فيهم. التكنولوجيا وحدها بصفتها الصماء اليوم تسعى لخلق هوية الإنسان العالمي الذى يتعامل مع معطياتها دون شروط مسبقة فلا تجعل للدين وزناً ولا للطائفة مقاماً ولكن أصحابها وملاكها في نفس الوقت منحازون للهوية بشكل طاغ فيما يتعلق باكتمال نمو وعقلانية من يستحق حيازتها. من تتصدر الهويات الدينية والطائفية والقومية أو الاثنيه جداول أعمالهم لا يستحقون حيازتها حتي يكتمل نموهم ويرتفع عن ذلك.

أعينهم اليوم على باكستان وسلاحها النووي فالهويات الناقصة تقترب من اقتناصها وتهديد العالم بها واعينهم كذلك على إيران في محاولة لاقصائهاعن التمكن من الحصول على التكنولوجيا النووية وإلباسها الثوب الديني الطائفي لتحملها صواريخ الحسين وفجر وغيرهما. عالمنا بحر من الهويات المتلاطمة ولكل حقبه زمنية هويتها الخاصة بها. المهزوم دائماً مهزوز الهوية ينزع بالتالي الىالهويات الأولى ليختفي بين جنباتها. لحظات القوة في تاريخنا قليلة لكنها خصبة يانعة سمت بالهوية بعيداً عن أزقتها الضيقة الى رحاب أوسع ففي لحظة تاريخية مليئة بالقوة أصبح عنترة بين شداد " العبد " رمز القوة والتضحية وفي مراحل لاحقه أصبح سلمان" الفارسي" من آل البيت وصهيب" الرومي" صحابياً جليلاً وقبلهم السموأل "اليهودي" شاعر الحكمة. ثمة علاقة وارتباط بين الهوية والقوة فالهوية في تجلياتها الإنسانية الكبرى قوة، والقوة عند امتلاكها تصبح هوية تفرض نفسها وإن كان بها خصاصة.

بقلم: عبدالعزيز بن محمد الخاطر

مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى