الجمعة ١٩ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٨

إشكالية توظيف التراث العربي في مسرح الطفل

بقلم: علاء الجابر

يعتمد التراث العربي الشعبي في أساسه على المخزون الثقافي الذي خلفته الأجيال السابقة من حكايات، أشعار، أساطير، فنون، ألعاب، حرف، أغاني وأحاجي وعدد من الطقوس والاحتفالات.

وليس هناك حقبة محدودة يمكن لنا أن نتابعها لتحديد تاريخ هذا التراث أو حتى مصدره، بل يصل الأمر أحياناً إلى صعوبة تحديد الموقع الجغرافي الذي شكل أول مكان لظهوره.

ويؤكد على ما سبق، التشابه الكبير في الكثير من الحكايات والألعاب والأحاجي في عدد من الدول على اختلاف ملامحها، والتنازع الواضح أحياناً حول شخصية من شخصيات هذا التراث، خذ على سبيل المثال شخصية جحا التي يتنازع عليها العرب والأتراك والعجم كل ينسبها وينسب حكاياتها إليه، رغم ما تتسم به من سذاجة كبيرة، وغباء لا تحسد عليه!

وفي المسرح، يعد التراث الشعبي رافداً مهماً استفاد منه العديد من الكتاب والمخرجين العاملين في هذا المجال منهم من قدمه بصورته الأصلية ومنهم من حذف أو أضاف عليه، ومنهم من استل منه قيمة معينة وطورها بحيث أصبحت مواكبة للعصر الذي قدمت فيه.

لكن النقاد والمهتمين بالتراث بختلفون حول منطق الأصالة والمعاصرة التي استلهم بها التراث الشعبي، ما بين تأكيد البعض من الملتزمين بضرورة أخذ مادة التراث بكل معطياتها دون تحريف، من منطلق عدم أحقيتنا في التلاعب بسماتها أو تفريغها من روحها وحق المتلقي في التعرف عليها بماهيتها الأصلية، أو من نظرة الفريق الثاني الذي يرى أن الأصل لا يمكنه إلا أن يكون معاصراً ولا يمكننا أن نتصوره منفصلاً عن الواقع، ولذا فإن من حق الجميع أن يـُخرجوا هذا التراث من حالة سكونه بقالبه الثابت إلى آخر متحرك بأطر متغيرة بتغير العصر.

وكما في المسرح الموجه للكبار فإن مسرح الأطفال جعل من التراث الشعبي أحد المصادر التي استقى منها مؤلفي ومخرجي مسرح الطفل في العالم العربي مادتهم المسرحية، ولعلنا نستغرب حين نرى تكرار كثير من الحكايات الشعبية أو الشخوص التراثية في عدد من مسارح الأطفال في الوطن العربي، نذكر على سبيل المثال لا الحصر السندباد، الشاطر حسن، جحا، علاء الدين، فتلك الحكايات تكاد تشكل عنصراً أساسياً يندر أن يتجاهله مسرح من مسارح الأطفال لدينا.

وبالطبع فإننا لا نزيد هنا معلومة حين نقول أن أغلب الحكايات المستقاة في المسرح مصدرها حكايات ألف ليلة وليلة التي تعتبر المنبع لعشرات المؤلفين والمخرجين في مادتهم المسرحية سواء أكانت مقدمة للكبار أم الصغار ونخص منهم توفيق الحكيم، سعد الله ونوس، الفرد فرج، عز الدين المدني، جماعة المسرح الاحتفالي في المغرب، جماعة السرادق والفوانيس في مصر وجماعة الحكوايتي في لبنان وغيرهم كثير.

وتقديم الحكايات المستلهمة من التراث الشعبي للأطفال من خلال المسرح يعد من قبيل التعريف بهذا التراث والدعوة إلى التمسك بالتاريخ والأصالة وبث العديد من القيم والسلوكيات التي نود إيصالها لأطفالنا وهذا مالا يختلف عليه أحد، فالحكايات الشعبية عالم ساحر يمتزج فيه الواقع بالخيال فيسلب عقل الطفل ويخلق له آفاقـًا رحبة ويوسع مداركه ويضيف إلى خياله الكثير من الصور والرؤى، كما أن الرجوع إلى أزمان غابرة يتيح للطفل التعرف على أشكال الحياة في تلك العصور من أفكار ومعتقدات وأزياء وديكورات وأساليب حياة فيشحن قدراته ويزيد من معارفه ومعلوماته.
كل ذلك أمر لا خلاف عليه...

إذن ما مصدر الخطورة في الرجوع إلى التراث الشعبي وتناول موارده وتقديمها من خلال مسرح الطفل ؟

الخطورة من وجهة نظري تكمن من خلال عنصرين، العنصر الأول: الوسيط الذي يتـولى تقديم هذه المادة سواء أكان مؤلفاً أم مخرجاً، والعنصر الثاني: طبيعة المادة نفسها.

فحين يختار هذا المؤلف أو ذلك المخرج حكاية شعبية ويقدمها للأطفال ويكون على غير وعي أو إدراك بمادته تلك، فإنه كما نقول في الأمثال يخلط الشامي بالمغربي، حين يختار ما لا يتناسب مع القيم التي يجب أن تقدم للأطفال أو يقدم مادته دون تنقيتها من شوائبها السلبية، أو ينحو بها بما لا ينفع الطفل أو يخلط بين ما يجب أن يقدم لهم او مايقدم عنهم وهذا ما يشكل مصدراً للخطورة.

أما العنصر أو الخطر الثاني وهو الأهم بنظري فيتعلق بالحكاية نفسها وتعالوا معي لنغوص قليلاً في بطون تلك الحكايات. ونختار بعضها ونحكم سوياً على مدى مناسبتها للأطفال!

1- شهرزاد وشهريار: القيمة الأساسية في هذه القصة تقوم على عنصري الخيانة الزوجية، والسادية المتمثلة بالقتل اليومي، فهل تناسب هذه الحكاية الطفل؟!

2- علي بابا: الأربعون حرامي يسرقون من الأثرياء وعلي بابا يسرق من اللصوص، فالسرقة هي أساس الحكاية، إضافة لخيانة الأخ لأخيه، فهل تناسب هذه الحكاية الطفل؟

3- علاء الدين والمصباح السحري: تقوم أساس الحكاية على علاقة القرابة التي تقوم على الشر والاستغلال (العم لابن أخيه)، والسحر كوسيلة لحل جميع المشاكل والوصول إلى الثراء والحبيبة، فما أهمية تلك القيم للأطفال؟

4- جحا: شخصية تتسم بالغباء ومن خلال الغباء يتفجر الضحك والسخرية، فهل هي الشخصية التي نتمنى لأطفالنا أن يحذو حذوها؟!

5- الشاطر حسن: الأمير الظالم الذي يستبدل بشخص مغفل؟! فيتولى دوره ويصلح حال الرعية، فهل نحن بحاجة لحاكم مغفل، وعمل يؤكد على التركيز على دور الفرد بدلا عن الجماعة في صنع المستقبل وإشاعة العدل؟!

أننا لا نريد أن نخرج من تلك الأمثلة بأن التراث مصدر خطير أو شيء لا يستحق أن نأخذ منه او نتناوله في مسرح الطفل.

لكننا نؤكد على أهمية التصدي للتراث من منطلق واع وجرئ ومتفهم لماهية هذا التراث وكيفية الاستفادة من عناصره في إشعال فتيل الحكاية وأخذ منها ما يتناسب والأطفال وحذف ما هو غير مناسب، ولا بأس من الاستعانة بلب الحكاية في تقديم عمل يقترب منها عندما يصبح الاقتراب ذو فائدة ويبتعد عنها عندما يصبح الابتعاد درًءا لمفسدة.

خاصة حين نعلم مدى أثر ذلك على أطفالنا من خلال الاستعانة الكبيرة بالتراث الشعبي، ففي دراسة عن واقع مسرح الأطفال في الوطن العربي أجراها المجلس العربي للطفولة والتنمية عام 88 تبين أن 3 دول، هي مصر والأردن وقطر تستعين بالتراث بنسبة 33.3% وتستعين في دول أخرى لم تحددها الدراسة بنسبة 14.5% من مادة التراث الشعبي.

وفي دراسة توثيقية أجريتها ضمن كتابي المعنون "مسرح الطفل في الكويت" والصادر عام 2004 على 171 مسرحية، هي مجموع المسرحيات التي تم إنتاجها لمسرح الطفل في الكويت منذ إقامته عام 1987، تبين أن 18 مسرحية استلهمت مواضيعها من التراث، أي بمعدل 12% من مجمل المسرحيات، فنجد أننا نستطيع رصد علاقة مسرح الطفل في الكويت بالتراث الشعبي من خلال المسرحيات التي قدمت فيه منذ نشأته عام 1987 الى مطلع عام 2003 وهي كالتالي:

اولا- 9 مسرحيات استندت على الثيمة الأساسية للحكاية الشعبية مع اجراء بعض التعديلات الهامشية في بعضها، في حين كانت في بعضها الاخر معبرة عنها بصورة كبيرة، وتشمل هذه المجموعة مسرحيات: السندباد البحري، البساط السحري، الشاطر حسن، محاكمة علي بابا، شمس الشموس، فرسان بني هلال، علاء الدين، أولاد علي بابا والعصابة، مرجانة والعصابة.

ثانيا- 3 مسرحيات استفادت من الحكاية الأساسية، لكنها طورتها بشكل كبير كما في: العفريت، علاء الدين 92، نعنوعة.

ثالثا- 4 مسرحيات أخذت اسم الشخصية التراثية فقط، وأدخلته في حكاية ليس لها علاقة بالتراث اطلاقا، كنوع من استثمار الاسم لا أكثر، مثل مسرحيات: عودة السندباد، الغوريلا والسندباد، عودة الشاطر حسن، السندباد.

أما الملاحظة الأخرى فهي أن أغلب المسرحيات حاولت أن تأخذ من التراث ماهو مناسب والطفل عدا بعض المسرحيات مثل: شمس الشموس، محاكمة علي بابا، أولاد علي بابا والعصابة.

ولكوني أحد العاملين في مجال مسرح الطفل في الكويت منذ عشرين عاماً فقد استفدت من التراث العالمي والعربي في بعض أعمالي المسرحية، منها مثلاً مسرحية علاء الدين 92، التي قدمت على مسارح الكويت عام 1992، والتي تقوم حكايتها على الشاب علاء الدين الذي يعيش في عصرنا الحالي ويعشق العلم والمعرفة، ويقع بيده مصباح سحري قديم يبتاعه من أحد بائعي التحف القديمة.

يظهر مارد المصباح لعلاء الدين وشقيقته شروق ويبدي استعداده لتنفيذ كل طلباتهم. يسخر الإخوان من قدرات المارد ويجدانها متواضعة أمام إنجازات العلم الحديث فيشعر المارد بالضعف والانسحاق والخجل أمام هذين الطفلين، ويرغب بمعرفة نوع السحر الذي فاق سحره، وأوصل الحياة إلى كل هذا التقدم ويكتشف أن العلم والمعرفة التي وصل إليها الإنسان جعلته يتجاوز في قدراته قدرة السحر فيطلب من علاء الدين وأخته التحول إلى عصرهما والدخول في المدرسة التي تمنح الإنسان كل هذه العلوم والمعارف التي تفوق ما لديه.

وهناك العديد من التجارب المسرحية في الكويت، التي قدمت التراث بصور متعددة، قدمتها ضمن دراسة احصائية في كتابي سالف الذكر.

بقي أن نقول أن أهمية توظيف التراث تتمثل في تحديد جانبيه الايجابي والسلبي، من خلال استيعاب أبعاده من قبل الوسيط القائم على استلهام هذه الحكاية أو تلك خاصة حين يكون الاستلهام مقدم للأطفال الذين يستمدون الكثير من مخزونهم وقيمهم من مادة يبدو أنها كالسكين باستطاعتنا أن نستفيد منها أو نحولها لأداة عنف مدمرة...!

بقلم: علاء الجابر

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى