الثلاثاء ١٠ آب (أغسطس) ٢٠١٠
بهاء طاهر والجامعة الأمريكية
بقلم أحمد الخميسي

إلى متى ينهبون الأدباء؟

أنشأ محمد على مطبعة بولاق عام 1820، وعلى مدى نحو مائتي عام من الطباعة والنشر كان ومازال إبداع الكاتب المصري وسهره الليالي وعصارة فكره مادة للنهب والاستغلال الذي لم يتوقف يوما. وفي اللوحة التذكارية التي ثبتت إلي جدار المطبعة عند افتتاحها جاءت العبارة التالية: "إن دار الطباعة هي مصدر الفن الصحيح"، ومن يومها وحتى الآن، أثبت أصحاب دور النشر والمطابع أن الفن الصحيح الوحيد الذي يتقنونه هو فن نهب عمل الأديب المصري وتحويل خيالاته ومواهبه إلي أموال يكتنزونها متشدقين بدورهم «الثقافي»! بينما لا ينال المبدع سوى ملاليم معدودة إن جادوا بها عليه. وقد شكا توفيق الحكيم من نهب كتبه، واحتج المازني ساخرا على استغلال أعماله، ورحل العقاد وليس تحت وسادته سوى ربع الجنيه، ومات أدباء آخرون من شدة الفاقة. وقد استعبد أصحاب دور النشر - الصغار والعظام – الروح الإبداعية المصرية الحية لا لشيء سوى أنه كان لديهم رأس مال أولي لبدء مشروع "ثقافي"! ولهذا يظل يلوح خلف الوجه العظيم الإنساني لإنجازات الثقافة المصرية وجه آخر من تدوير الأدباء والمفكرين في طواحين الناشرين مجانا. وبينما يتمكن الأديب في أوروبا من العيش بفضل دخله فإن الأديب عندنا يعيش بالرغم من دخله!. والأزمة التي نشبت مؤخرا بين كاتبنا الكبير العزيز بهاء طاهر وقسم النشر بالجامعة الأمريكية كشفت لنا جانبا آخر من اللوحة المؤسفة، إذ تبين أن الأديب الذي كان مادة للنهب القومي بلغته العربية صار مادة للنهب العالمي بكل اللغات. والحديث هنا يدور عن عقود الترجمة التي تبرمها الجامعة مع كتابنا وشروطها التي وصفها الروائي الكبير صنع الله إبراهيم من قبل بأنها "مجحفة". وكان بهاء طاهر قد وقع عقدين مع الجامعة الأمريكية لترجمة رواية "الحب في المنفى" و" قالت ضحى"، ثم اكتشف أن إحدى دور النشر بلندن أعادت نشر الروايتين من دون موافقته أو علمه وبالطبع من دون حصوله على أي عائد مادي. ولهذا توجه كاتبنا الكبير لاتحاد الناشرين المصريين بل وقرر مقاضاة الجامعة الأمريكية للنظر في قانونية تلك العقود التي يشير إليها البعض باعتبارها "عقود إذعان" يتم توقيعها مع الجامعة لأنها الناشر الوحيد في السوق المصري المهتم بترجمة الأدب إلي الانجليزية . أيضا فإن تلك العقود مكتوبة باللغة الانجليزية فقط، مع أن الطرف الثاني الذي يوقعها مصري يكتب ويقرأ بالعربية، ولا تحدد العقود تاريخا لإنتهاء التعاقد، فهي مفتوحة أبدية تمكن الناشر من استغلال العمل الأدبي إلي ماشاء الله، كما أنها ضمنا تبيح للجامعة الأمريكية حق بيع نشر الترجمة إلي أي طرف ثالث دون أن يتقاضي المؤلف شيئا أي شيء وهو ما حدث مع بهاء طاهر!

وقد لا يتسع المجال هنا لمناقشة طبيعة دور الجامعة الأمريكية الذي يضعه البعض مثل د. ليلى البيومي في إطار: "رصد الظواهر الحياتية للمجتمع المصري خدمة لصانع القرار الأمريكي"، أو: "تدعيم سياسة القوة الناعمة بنشر النموذج الأمريكي داخل الثقافات المختلفة فلا تكون هناك حاجة لاستخدام القوة العسكرية"، لكني أود أن أتوقف فقط هنا مسألة تثير دهشتي: فالجامعة الأمريكية تعلم بطبيعة الحال أنه ما من عقد قانوني إلا وينص على تاريخ انتهائه وإلا أصبح عقد "احتكار" وليس "نشر"، كما أنها تعلم أيضا أنه لا يمكن أن توجد لا في أمريكا ولا في أوروبا مثل تلك العقود المجحفة التي توقعها مع أدبائنا. فلماذا تستحل الجامعة جهد أدبائنا وتقوم عندنا بما لاتستطيع القيام به في أمريكا ؟!. الواضح حسب فهمي أن سعي الجامعة لنشر النموذج الأمريكي في الثقافة ينتهي عندما يتعلق الأمر بحقوق كتابنا، ويحل محله النموذج المصري التاريخي الأقرب لعاداتنا ومعتقداتنا وتقاليدنا والقائم على النهب والفهلوة. ومن قبل عرفنا أنه " لا كرامة لكاتب في وطنه "الآن تضيف الجامعة الأمريكية إلي معلوماتنا أنه "لا كرامة لكاتب لا في وطنه ولا حتى خارج وطنه". أعتقد أن الموضوع لا يخص فقط اتحاد الناشرين المصريين بل واتحاد الكتاب ودوره حماية حقوق الكتاب. تحية لبهاء طاهر وموقفه، لأن القضية لا تتعلق بالعائد المادي بل بكرامة الكاتب المصري الذي أبدع الثقافة المصرية كلها لوجه الله. 

تعليق

هذا التعاقد غير المنصف أو الخادع منتشر هنا في أمريكا، فالشركات الكبيرة معظمها توظف محامييها لمعرفة كيفية استغلال الناس وسلبهم أموالهم، فعندما توقع عقدا مع شركة هنا مثلا تقرأ في العقد وبأحرف كبيرة الشروط العادية غير المهمة وفي خط صغير جدا لا تكاد تقرأه تكتب الاشتراطات المجحفة، ولكي ينطلي الأمر على المواطن يتم إطالة العقد ليكون عشر صفحات مثلا ليمل المواطن من كثرة القراءة ويوافق بدون نقاش.

عادل سالم


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى