الثلاثاء ٢٣ نيسان (أبريل) ٢٠٢٤

ارْتِبَاكٌ وأَيَادٍ تَرْتعِشُ

سيد أحمد السيد

في الصَّباحِ
تتفَجَّرُ رائحِةُ الوَقُودِ والضَّوْضَاءِ، وَكَذَلِكَ
رائحَةُ كلبٍ نافقٍ منذُ ثلاثَةِ أيَّامٍ تحتَ شُرفَتِي
بينمَا أحْمِلُ مشاعرَ مضطربَةً، خائفةً
أمشِي بينَ لا نهائيةِ السَّعيِ وعدمِ الوُصُولِ
أتعَبُ في الطَّوافِ بين المطبخِ
والشُّرفةِ وغرفةِ النَّومِ والمكتبِ
لِأَنَ جميعَهم في خطٍّ واحدٍ
عدا الحمّامِ، يحتاجُ جهدًا أكبرَ
ورحلاتٍ مخصصةً ..
في الصَّباحِ
صديقةٌ تنعِي أباها للمرةِ الألفِ
سبعةُ أيامٍ مُتواصلةٌ
وهو أقلُّ مما يبدُو عليْها.
خائفًا، وحزينًا؛ لِأنها تبكِي ..
في الصَّباحِ
موتٌ يُغيبُ شاعرًا فذًا
تُوُفِّيَ فجأةً أو بنهشِ المرضِ وبؤسِ النقابةِ
هوانُ الكلمةِ في البلدِ الحرامِ
والمشهدُ الحرامِ، والدَّمعُ الحرامِ
قريبٌ/ بعيدٌ في الوقت نفسِه
وأخافُ، فأبكِي ..
وإذِ الموتُ
ينبشُ عميقًا هذه الأيام
فيغيبُ أحبّاءٌ لم نعرفْ قدرَهم إلا ساعةَ الرحيلِ
وإذْ نرتعدُ خائفينَ على الأحياءِ
كنا نتمنَّى أن ينتهيَ ذلك كلُّه
في طرفةِ عينٍ ..
في الصَّباحِ
حتمًا ستبدأُ عندَ صوتٍ ما
ربَّما عاملُ شَرِكَةِ الغازِ
يودُّ تحصيلَ غرامةٍ أخْرى
ربّما أمي قائلةً:
أين الحياةُ يا ولدُ؟
لماذا تظلُّ وحيدًا هكذا؟
لماذا لم تغنِّ معي؟!
في الصّباحِ
أجلسُ مطمئنًّا
على بلاطِ غرفتِي
ذاتَ القبلتين
بين المطبخِ/ الأكلِ: متعةُ الحياةِ الأُولى
والشُّرفةُ/ الشارعُ: الاتِّكاءُ على الحوادثِ من بعيدٍ
كأنَّها تخصُّ الآخَرينَ وحدَهم
كأنَّنِي خارجُ المشهدِ ..
وإذْ يقولُ إعلانٌ تعسٌ أنَّ قضاءَ العطلةِ بالساحلِ
للحقيقيِّين وحدُهم
فقد عَرَفتُ وقتَها
أنا بحساباتِهم لم نأتِ
لم يرَنَا أحدٌ، ولن يُسمعَ بموتِنا منَ الجوعِ
أو ضرْبِ شهوةِ الكلامِ
في مقتلٍ ..
بينَ السَّماءِ والأرضِ
الشمسُ والقمرُ
غرفةُ النومِ والشرفةِ
ثمةَ نهرٌ كبيرٌ
وتماسيحٌ فتَّاكةٌ ..
خوف وليد يُطلُّ مبتهِجًا
بزواجِ الابنةِ الصُّغرى
من صديقِنا الأكبر ..
مفارقةٌ، أليسَ كذلك؟!
في المساءِ
شاهدتُ فيلمًا إيطاليًّا
يموتُ فيهِ الأبُ "بشياكة"
وتأمل البطلة التعافي
من صمتها المطبق
بسقيا زرعةِ الصبرِ لدى الطبيبِ ..
في المساءِ
رأيتُ في المنامِ صديقةً
تجلسُ على مقعدٍ بحديقةٍ عامَّةٍ
تستمعُ بلهفةٍ وانتصارٍ
موسيقى الأوكورديون القديمِ
وتضحكُ عاليًا بوجهِها الفاتنِ ..
مُتسَائلًا أيَّ الفريقيْنِ نحنُ؟!
لا نملكُ الضَّحكَ
ولا الحديقةُ تملكُ المِقعدَ ..
في المساءِ
تقلبني على الجانبين
رغبةٌ حميميةٌ في اتقاءِ الأيامِ
بجسدٍ ما
تأكلُه الشهوةُ، أو تأكله النارُ
لتهدأَ بماءِ كلينا ..
في المساءِ
أقضي السَّهرةَ أنا وأمِّي
نسترجعُ معًا ذكرياتِها الطفوليةَ
لأغنياتِ مطربٍ ما
في الحقيقةِ كان تذكارُه بالتلفازِ
من بابِ تأبينِهِ
تظاهرْتُ بالجهلِ
كيْ ننسى لبعضِ الوقتِ
الأيامَ وهيَ تتسَرَّبُ كالماءِ
من بينِ يديْنَا
خفتُ من عجلةِ الزمنِ التي دارتْ فجأةً
فأكلَتْ طفولتَنا
وتركتْنا عرايَا منَ الأيَّامِ ..
في الصَّباحِ
أحجيةٌ وكلماتُ
أعضاءٍ مقدسةٌ
ومشاعرٌ يأكلُها الخوفُ
منَ الفقدِ ..
في المساءِ
لم أنتظرْ سوى
انتهاءَ المهزلةِ ..

سيد أحمد السيد

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى