الاثنين ٢٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨
حسين درويش في حوار مع محمد الحمامصي:

البساطة تحتاج إلى لغة بسيطة لا ساذجة

السفير اللبنانية

في ديوانه الجديد (شامة ليل) الصادر عن دار رياض الريس أخيرا يؤكد الشاعر السوري حسين درويش خصوصية رؤيته ونسيجه ومفردات عالمه وقدرته على التطوير وتجاوز ما أضافته تجاربه السابقة في دواوين «حديقة الغرباء»، و«خزانة الأهل.. سيرة الجدران»، و«قبل الحرب.. بعد الحرب»،ففي هذا الديوان يتجلي واضحا نسيجه المنحاز للبساطة والتلقائية أو ما نطلق عليه السهل الممتنع. وقد كانت انطلاقة حسين درويش مع قصيدة النثرعندما أعلن عن فوزه بجائزة «يوسف الخال» الشعرية في العام 1992 مع مجموعته الأولى «قبل الحرب.. بعد الحرب». وفي هذا الحوار معه نتعرف الى علامات تجربته ورؤيته.
 ما هي طبيعة الإيجابيات والسلبيات هذه التي ورثتموها عن الجيل الأسبق؟
 نستطيع أن نقول إننا بامتياز إن لم نكن نحمل جيل الآباء ما وصلنا إليه في هذه المرحلة ونقول إن الجيل جيل الآباء كانت لديه أوهام تربينا عليها وكبرنا عليها، أوهام في الوحدة، في الحرية، أوهام أيديولوجية وأوهام عقائدية، وجميعها لم تنطبق على أرض الواقع وبالتالي كأننا كنا نحارب بسيوف من خشب، أو كأننا كنا نمورا من ورق. هذا الانتقاد ليس بحق التجربة الجيلية فقط وإنما ينطبق أيضا على التجربة السياسية والاجتماعية، وبالتالي هذه الأخطاء أو السلبيات لا تظهر مباشرة. هي أخطاء وسلبيات بدأت من الستينيات وصولا إلى السبعينيات وربما قبل ولكن لا تظهر عادة أخطاء بهذا الحجم خلال أربع أو خمس سنوات تحتاج إلى الأقل الى عشر وعشرين سنة وهذا ما حدث فعلا، أنا أظن أنه كان من الإيجابيات أن المنطقة كانت ذات حراك فكري وسياسي وكنا نحن ننخرط في هذا الحراك الذي بدأه الآباء، وأتحدث عن (الآباء كمفهوم الأكبر سنا وليس مفهوم الآباء بالمعنى البيولوجي)، كانت لهم تجارب متميزة في الشعر، في سوريا جيل الشعراء المجددين الذين بدأوا في الستينيات كانت لهم أياد بيضاء على الشعر في سوريا وفي المنطقة العربية عموما، وهو ما تأثرنا به تأثرا مباشرا. البعض طور في هذه التجربة، البعض اندمج فيها كليا، البعص قلدها، وربما كانت هي طريقة أو وسيلة للتعبير وإثبات الحضور إذا اعتبرنا أن إحدى طرق التعلم هي التقليد والمحاكاة.
الطفل
 ألا ترى أن تجربتك تأخرت في الظهور حيث لم يعلن عن وجودها إلا عند فوز ديوانك الأول «قبل الحرب.. بعد الحرب» بجائزة «يوسف الخال» الشعرية في العام 1992؟
 في الواقع طباعة الكتاب في مطلع التسعينيات جاءت إثر فوزي بتلك الجائزة، جائزة يوسف الخال للشعر التي كانت تمنحها دار رياض الريس للكتب في لندن، إلا أنه لديّ الكثير من القصائد التي كانت منشورة في صحف متفرقة ولم يكن متاحا طباعة كتاب حيث إن طباعة الكتاب كانت مكلفة كما لم تكن هناك دور نشر تتبنى مشاريع بأبعاد مبتكرة وجديدة، ربما لأن دور النشر لا تغامر تجاه أسماء جديدة، هي تريد الأسماء اللامعة والمكرسة، أسماء النجومية، وبالتالي هذا ليس اثر فقط على تأخر تجربتي أنا فقط في الظهور لكن أثر على معظم أبناء جيلي الذين بدأت أعمالهم، بعضها أو معظمها، الظهور فعليا خارج سوريا نتيجة توفر دور النشر والإمكانات التي كانت متاحة جغرافيا في لبنان أو خارج الوطن العربي حيث طبعت مجموعة من كتب جيل الثمانينيات في سوريا وتم تداولها وبالتالي أعلن فعليا عن ولادة هذه التجربة، ويمكن القول إذا أفترضنا بدأها في مطلع الثمانينيات، إنه بعد مرور عشر سنوات أي في مطلع التسعينيات بدأت تترسخ هذه الأسماء وتحضر شعريا وإعلاميا في الشارع الثقافي العربي.

 التزمت تجربتك منذ الديوان الأول (قبل الحرب.. بعد الحرب) ومرورا بديوان (حديقة الغرباء) وانتهاء بديوان (شامة ليل) نسيجا لغويا مركبا وبسيطا في آن، مع اتكاء واضح على صور ومفردات الحياة في علاقتها بالهم العام.. كيف تسنى لك تطوير تجربتك مع الحفاظ على هذا النسيج؟
 أود الإشارة إلى أن مخزون الذاكرة الذي أكتب منه هو مخزون كبير، ذاكرة الطفل الذي كنته أثرت كثيرا في بقاء خصوبة وحيوية لمفردات المكان والبيت وتفاصيل صغيرة مهملة ومتروكة في الجوار، لكنها كانت حاضرة في الذاكرة، كثيرا ما استعنت بتلك الذاكرة لأحفظ لي توازني أو لأستعيد بشكل أكبر أشياء افتقدتها وأنا طفل، فكانت تحضر في شعري مفردات المدرسة، البيت، العلية، الدرج، الجدران، البساطة، الأشياء التي كنت أقوم بمسحها بصريا كل صباح ويقع عليها ناظري، عندما ابتعدت عنها زمنيا وجدت كم كانت تلك الأشياء وتلك المرحلة جميلة وعذبة ونقية، الأمر الذي ساعدني على أن أعيد إنتاجها فنيا وتقديمها في شكل شعري تمثل في ديوان من (قبل الحرب بعد الحرب)، ولكن مع ديوان (حديقة الغرباء) الذي ظهر في مطلع الألفية الثالثة ترسخت هذه الفكرة، فكرة الزمن الماضي الجميل العذب لطفل يفتقد براءة وعذوبة حياة عاشها في أرياف أوفي مدن بسيطة، وها هو يعيد إنتاجها بشكل شعري ترك صداه لدى القارئ.

 إذن أنت تنطلق في جملتك الشعرية من المفردة البسيطة أو التركيب اللغوي البسيط أو التفاصيل البسيطة عن قناعة، ما رأيك فيما يتردد لدى بعض الشعراء من تفجير اللغة وتشظيها وغيرها؟
 لن أقول إنني لست من المؤمنين بموضوع تشظي اللغة وتفجيرها والإتيان بلغة جديدة، لأني أميل إلى البساطة، البساطة في الكتابة تحتاج أيضا إلى لغة بسيطة، طبعا هنا لا تعني المسألة أن تكون لغة ساذجة، لكن تعني أن تكون لغة السهل الممتنع، لا يمكن أن أتحدث عن طفولتي بلغة نحتية، أو لغة أفجرها من مفردات أو مصطلحات مركبة، هذه لن تكون طفولة، هذا زمن مستقبلي أتحدث عنه لاحقا، أنا أتحدث عن طفولتي التي تحمل أشياء محددة وبسيطة، ولا أتعامل مع تلك الأشياء إلا من خلال لغة الطفل التي تضيء معالم الطريق، فلا أميل كثيرا لاستعمال مفردات غير متداولة أو ذات بعد نحتي أو اصطلاحي، ليس لعدم إيماني بهذه الطريقة. البعض يستخدمها، ولا شك في أن لكل طريقته، ولكني ميال إلى البساطة وإلى العذوبة، وأعتقد أنه كلما كانت اللغة بسيطة وسهلة كلما كانت أقرب إلى قلب القارئ.
خصوصية روحية

 بعيدا عن خصوصية المفردة الشعرية والتركيب والصورة هناك في أعمالك خصوصية روحية مكانية إذا جازت التسمية، فهل مرد ذلك لحالة الغربة التي تعيشها منذ سنوات طويلة؟
 أريد أن أجيب عن هذا السؤال بشيء مقارب. مثلا، ما زلت أجد صعوبة في تقبل الأمكنة الجديدة ذات البعد المابعد حداثي، فمثلا إلى الآن لا أستطيع أن أستوعب أن هناك بيتا من زجاج، وهو ينطبق على الأبنية الشاهقة والطرقات العريضة، لأنني تربيت وتعلمت وأشتاق إلى بيت من حجر، له شبابيك من خشب، ودرج بسيط يؤدي إلى العلية، وهناك حديقة داخل البيت، أو أصص للريحان والياسمين وأحواض للزهر، هذا مفهومي للبيت الطفولي أو المكان، لذلك كان هناك وأنا أعيش خارج سوريا مثلا في الإمارات نوع من عدم المصادقة أو عدم التقبل للمكان الجديد، لذلك لم يحضر في مفردتي الشعرية مع أني كتبت كثيرا من النصوص في المكان الجديد، ولكن لم يحضر هذا المكان إلا نادرا وكان حضورا عابرا وليس مؤثرا.
 في سياق تجربتك أين يقف ديوانك الجديد (شامة ليل)؟
 ديوان شامة ليل فيه نضج أكثر من الناحية التقنية الفنية، على الأقل اني تجاوزت بعض ما أراه من الناحية الفنية في دواويني السابقة (قبل الحرب بعد الحرب)، و(خزانة االأهل سيرة الجدران) و(حديقة الغرباء). هناك تجاوز فني لبعض ما أراه الآن سقطات فنية كان يمكن أن أتلافاها، لكن التجربة ساعدتني الآن على أن أقدم نصا له يحمل تجربة فنية إن لم أقل مكتملة فهي شبه مكتملة.

في هذا الديوان أيضا لدي تلك المقاربات في الذاكرة ولدي نصوص ببعدها الوجداني المتعلق بالمرأة الافتراضية التي يتم وصفها عبر الذاكرة المتداخلة التي تقوم بعملية كولاج بين الماضي والحاضر، فتفترض أنثى وتعطيها الملامح وتحولها إلى حبيبة، وهذا كثيرا ما يحدث في الشعر وتحديدا في الكثير من نصوصي، لذلك كان ديوان شامة ليل له هذا الحضور المؤثر في عملية الكولاج بين زمنين مختلفين فنتج نص شعري فيه قوة الحاضر وعذوبة الماضي، ويستطيع القارئ أن يتلمس بعض هذه الأفكار لدى قراءته الكتابة بما يمثل لي مرحلة متقدمة في مشروعي الشعري، والحقيقة أن ما أبحث عنه الآن هو الناحية الفنية التي بدأت تشكل هاجسا بالنسبة لي كون البعد الفني في الشعر يأخذ في الوقت الحاضر الكثير على حساب البعد الفكري، وإذا افترضنا أن الأفكار هي عبر الزمان لا تتغير كثيرا خاصة في ما يتعلق بالوجدانيات والعواطف والحنين، فإن العلاقات اللغوية فنيا: جدة الاستعمال للمفردات البسيطة، حسن توظيفها في المكان المناسب، دقة خيار الصورة وتحريكها باتجاهات مختلفة، هي جانب وهاجس فني اشتغلت عليه في ديوان (شامة ليل).

السفير اللبنانية

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى