الخميس ٢٠ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٢
مجتمع الفضائح وبؤس
بقلم مهند النابلسي

الحياة في السجون الاسرائيلية!

شاهدت قبل يومين فيلما يتحدث عن مهووس الكترونيات يزرع مئات الكاميرات في شقق برج سكني ضخم (يمتلكه!)، ويربطها بغرفة تحكم مركزي، حيث يستطيع عن طريق شاشات التلفزة الموصولة بالكاميرات معرفة كل أسرار وخفايا السكان وكذلك فضائحهم، بل أنه قادر تقنيا حتى على حفظ نسخ من الأصوات الحقيقية الصادرة عن هذه الشقق وعلى مدار الساعة...ولكنه يفاجىء بفتاة ذكية تفضح فعلته وتقول: انت تحاول أن تلعب دور الاله وانا اريد أن اعيش حياتي بطريقة عادية! هكذا يصنع المجتمع الرأسمالي المتطور مبررات انهياره بقدرته الهائلة على كشف الأسرار ونشر الفضائح والتشهير، بينما يحافظ الاسلام على الفضيلة بواسطة تعميق الاحساس الداخلي بها، وعدم نشر الفضائح والموبقات بحجة الشفافية واللعب على حب الطبيعة البشرية للفضول ومعرفة خفايا حياة الاخرين، كما أنه يدعو للستر في حالة البلية، ويعزز قوة الضمير الأخلاقي الداخلي كرادع أول واخير، فالله يطلع على النوايا والدخائل! ولكنهم يفعلون كل شيء باسم الحرية الشخصية،ويخلطون احيانا بينها وبين الابداع الذي نقمعه بضراوة أحيانا اذا كان سيؤثر على حياتنا الراكدة ونمط انجازاتنا المتواضعة، بالمقابل فهم يشجعون الابداع لأقصى الحدود، ويملكون حسا راقيا بالنقد الذاتي البناء الجريء نفتقده نحن تماما، بل ونحاربه بلا هوادة: فشريط "باسم الأب " (الحاصل على سبعة اوسكارات)، يتحدث عن بريء ايرلندي يسجن ظلما في السجون البريطانية بسبب تهمة تفجير لم يقم بها!

أثارني موضوع هذا الفيلم الطليعي فدفعني لقراءة تجربة عباس بيضون " أسابيع في سجن اسرائيلي "، حيث يتحدث المقال بصراحة عن بؤس الحياة في السجون الاسرائيلية، وبالرغم من الاضرابات المكررة الشاملة في الضفة والقطاع التي حدثت تضامنا مع المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الاسرائيلي الغاشم، الا اني ما زلت اشعر بمرارة لأنه لم يكن بوسع العرب تقديم فيلم سينمائي واحد جريء يتحدث عن المعاناة الحقيقية للمعتقلين والمساجين العرب في المعتقلات الاسرائيلية " سيئة الذكر"! فهل ينتظر السينمائيون العرب (والفلسطينيون واللبنانيون) بشكل خاص دعما "فرنسيا-اوروبيا " مسموما (وبشروط متحيزة لاسرائيل) لكي ينجزوا فيلما حول هذا الموضوع الفائق الأهمية، الذي قد يفضح ممارسات الاحتلال الصهيوني ويكشف عوراته للعالم ويدعم قضية فلسطين (التي ما زالوا يدعون انها قضية العرب الاولى!)، و التي كادت ان تصبح منسية في غمرة التركيز على تداعيات ما يسمى " الربيع العربي "، وفي خضم الأكاذيب الاعلامية المضللة وحالات الاصطفاف المخزية!
عندما أعلم عن بعض المشاركات العربية بمهرجانات السينما العالمية أشعر بالاحباط لهبوط المستوى الفني ولافتقادها لتناول مواضيع حقيقية تهم الانسان العربي المسحوق، فمواضيع معظم المشاركات ما زالت تدور في حقول الاقتباس و التفاهة والسطحية والمبالغات وقصص المراة والجنس، وكأنهم يستدرون عطف لجان التحكيم لكي ينالوا جائزة هنا وهناك في ظل غياب شبه تام للنقد السينمائي الجاد، وقداصبحت بعض هذه المهرجانات وسيلة للسفر والتكسب والظهور والادعاء لا غير ! وما حفزني للكتابة عن هذا الموضوع الابداعات اللافتة والحضور القوي لكل من السينما الايرانية والسينما التركية في المهرجانات العالمية أولا، ومن ثم الحلقة الأخيرة من برنامج "كلمة حرة" بتلفزيون "الميادين" حيث تطرق لموضوع "المعتقلين العرب في سجون الاحتلال الاسرائيلي " بطريقة غير مسبوقة!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى