السبت ١٣ نيسان (أبريل) ٢٠٢٤

العبور إليَّ

محمد هشام مصطفى محمد

(1)
سرتُ إليَّ بغير سلاح؟!
كيف لي
وأنا أتربصُ بي
ورموشي سهامٌ من النار
وجهتُها نحو صدري؟!
لديَّ الشجاعةُ؟
لا
لست أملكُ غير مشاعر موؤودةٍ
لا تؤهلني لأواجهني
أنا وأنا خائفان
كلانا يُهوِّشُ
نحن أسيرا أكاذيبنا
لو أجرِّبُ أن نتصافى
أعانقني
وأذوبُ
كما الشحم فوق اللهيب
كلانا يُجرِّبُ
لكننا
نتراجع في اللحظات الأخيرة
قبل الصدام
وقبل الدموع التي تتحجر في كل عينين
من قسوة القيد في كل جفنين!
تلك ألاعيبُنا
نحن لسنا قرينيْن
لكننا
صَنمان تآكل أنْفاهُما

(2)
لم يكن لي سوايَ
أنا والحنين
ضلوعي شباكٌ
وأعضائي البحرُ
لو أستطيع:
لأمسكتُ كل المياه
وخلّصتُها من مُلوحتها
ومنحتُ دمي ما يريد
لكي يتجلّى شفيفًا
يُصلي له الخوفُ
يمنحه الوقتُ أعصابه
لا تُشاغله شهوةٌ
لا يجوعُ
ولا يتضرع للنوم
لا يتورّمُ
لكنني
لم يكن لي سواي
وضعتُ يديَّ عليَّ وسمّيتُ
باسمكَ يا ربّ أدخل بئري العميقةَ
بعد جفاف سنين
وأُلقي بعينين داميتين
خرابي وسُخطي
علَيّ
عليكم
على ما تجذّر في الأرض
أو ما تبَخّر في الجو
هذا أوان العواصف
تنزع عن كل فردٍ لباسَ الوداعة
كي يتجلى الخواء
أنا هادئٌ
وخجولٌ
ولا أتمرّغُ في الأرض مثل الذبيحةِ
لو تتمسّكُ بي يا أنا..
ثم تُغرقني في وُحولِكَ أكثر
مرّ زمانٌ
ولم نتلاقَ
ولم أتشمّم روائح قتلِكَ لي
مُذ رأتني عيناك:
أركضُ
أمرحُ
أخلقُ نارًا وأُطفئها
وأسافر عبر المسامّ
وأُزهِرُ في القُبلات
ولم تحتضِنِّي
رمتني يداكَ بنصلٍ
وأحييْتَني بين جلدِكَ
هيكلِ عظمِكَ
حوَّلتني مارقًا
ووليَّا

(3)
مرَرتُ عليكَ كثيرًا
وسلّمتُ
طاب الحديثُ
أتذكرُ؟
أذكرُ أنَكَ أعطيتني كوبَ ماءٍ
وأسقطتَ فيه قليلا من الدم
فاحمرَّ مثل النبيذ
وحين شربتُ
توعَّكْتُ
ثم انطلقتُ
كمُهرٍ يشق السباقَ
كعَبْدٍ يقاتل في حلبةٍ
ليؤجل أو ليزيح اسمه
من قوائم من يُشنقون!
تذكرتُ أنكَ لم ترضَ لي
أن أكون ندًى في الحقول البعيدةِ!
أيُّ عداءٍ تراكم ما بيننا؟
وتريدُ لي الآن أن أتبختر
مثل الأمير
وأزهو بما صنعته يداكَ!
وأمي وأمكَ في الريفِ
يلدغها عقربُ الرعب
تبكي علينا ولا تتوقف
منذ انزلقنا معًا من حشاها
أتذكرُ؟
لم نكن اثنين ساعتها
كنتُ في فطرتي واحدًا
ملكًا
ونحيفًا
تنَمَّرَ كلُّ ابنِ امرأةٍ بي
جُرِحْتُ
تخطَّفني كاهنٌ لسنين
وعلّمني كيف أحمل في الجيب آيًا من الله
لكنني قد فرَرتُ
وألفيتَني
بحواسٍ مُدببةٍ
وفمٍ يشبه العشبَ
أغويتني بعذابكَ
حتى انجذبتُ رويدا
رويدًا
توحّدتُ فيكَ
ولكننا نتمهّل قبل العناق
وقبل الصدام المثير
أتذكرُ حين فرشتُ لك اسمي
وجسميَ
مثل المُلاءة
تمتدُّ
يجلس كل حبيبٍ
ويرقدُ كل عدوٍّ
وتمتدُّ
تمتدُّ
تمتدُّ؟! ..
تلك طبيعةُ جلدي!

(4)
اشتعلتَ أخيرًا؟
ويَعرق جسمُكَ من كل زاويةٍ؟
يتساقطُ ماؤكَ في الأرض
يُغرقها
 ها هو الآن يدنو من رُكبتيْكَ-
ستُلقي بحبْلِكَ لي؟
أم سأخرقُ بطنَكَ
حتى أطلَّ برأسي عليَّ من الخارج؟
ابْكِ عليكَ ولو كالتماسيح

عيناكَ مثل الزجاج المُسرطن
سوف أكسّرهُ
لأرى كل شيء
-ولو غامضًا-
لأرى صاحبًا أوْحشتْني قساوته
لا يحبُّ الورودَ
ولكنه لا يمل انتظاري
سيزرعني نبتةً في حديقته
أو سينصبُني شاهدًا فوق جثته
وسيجعلني أكرهُ الخوفَ
ثم أحبّ البساطة
لو تتقيّأُني!
لاغتسلتُ
وصلّيتُ من أجلنا
لا أريد لكَ الاحتراق
ونحنُ جهنَّمُ أجسادِنا
أين منشارُكَ الحادُّ؟
هذي وسيلتنا للتفرق
للانقسام
ولو صُدفةً جمعتنا الشوارعُ
لن أتنكَّرَ
سوفَ أمدُّ الخطى نحو صَدرِكَ
أو رُبما أستعير يديْكَ
ورجليْكَ
رأسَكَ
أحبالَكَ العصبيةَ
حين أريد مواجهتي
فأنا مثلَ قطٍّ يهيمُ بخنَّاقه!
نفدَ الوقتُ
لا ضحكٌ سيرنّ كما كانَ
لا نفَسٌ سوف ينهجُ فوق الأسرّةِ
جِسْمُكَ يعرقُ
ماؤكَ يسقط في الأرض
يعلو
ويصطَكُّ في هرم الأنفِ
ما هي إلا ثوانٍ
وأعبُرُ منكَ إليّ!

محمد هشام مصطفى محمد

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى