السبت ١٠ شباط (فبراير) ٢٠٠٧
بقلم محمد السموري

الـزّا غ والـزّرزور ( مقال نقدي ساخر)

يقول مثل جزراوي- نسبة إلى الجزيرة السورية :( أفلستُ من الزاغة والزرزور ) ويلفظ بوقوع الإبدال (الزاقة والزرزوق ) فالزاغ غراب صغير ريش ظهره وبطنه أبيض، ومنه نوع أسمه الزاغ الجيفي- يأكل الجيف- كما يعرف فرخ البط الأسود بالزاغ أيضا، أما الزرزور فصيد مفيد، وهما يعيشان في جزيرة تنّيس بالبحرين، إلى جانب مائة ونيف وثلاثون صنفا من الطيور، و يضرب بهما المثل لتناقض فائدتهما بالصيد، ويضرب بمن عاد صفر اليدين من غث وثمين الصيد، فينطوي بين خفايا هذا المثل ويتستر خلف مفهومه شيئا من التهكّم المزدوج، والندم على فعلة لم يجن ِصاحبها منها سوى الخيبة، والحسرة، فالصيّاد هو الذي ينطق بالمثل لا لمواساة نفسه بل للومها، وهو ضرب من جلد الذات، واعتراف بالندم والخسارة.

وليس للمصادفة أن يعيش هذان الطائران في جزيرة تنّيس، وأسم تنّيس يتوافق مع أسم تنّيس ملك صيدا/ 354-344/ ق.م الذي أحرق نفسه مع أهل مدينته فهلك منهم أربعون ألفا فأفلس من الزاغة والزرزور،

ومن أمثالها فعلة نيرون بن كلوديوس بالتبنّي الذي أحرق روما وقتل امرأته وأمّه وانتحر، وأفلس من الزاغة والزرزور.
أو كما فعل أوديب ملك طيبة الذي قتل أباه وتزوج أمّه (بوكاست )وهو يجهلها، وما إن عرف الحقيقة حتى فقأ عينيه بأسا، فترك طيبة وأفلس من الزاغة والزرزور.

وعلى ذكر طيبة فقد شهدت حربا أسطورية في الصراع على عرشها، بين الأخوين (أتيوكل وبولينيس) أسفرت عن مصرع الشقيقين معا، فأفلسا من الزاغة والزرزور.

وفي تراثنا العربي ما يعرف بندامة الكسعي، واسمه محارب بن قيس رجل من بني الكسع بطن من حمير ،ربّى نبعة حتى أخذ منها قوسا فرمى الوحش عنها ليلا فأصاب وظن أنه أخطأ فكسر القوس فلما أصبح رأى ما أصمى من الصيد فندم وقال الشاعر:
ندمت ندامة الكسعي لمّا
رأت عيناه ما صنعت يداه

يعترف أنه أفلس من الزاغة والزرزور من الصيد.

ولمّا طلّق الفرزدق امرأته نوار أنشد معترفا بنفس الإفلاس.

ندمت ندامة الكسعي لمّا
مضت مني مطلّقة نوار

أما المفلسون المعاصرون من الزاغة ونقيضها الزرزور، فهم كثر ولا يمكن جردهم وتنظيم قوائم بهم، غير أن أنماطهم السلوكية، ومنظوماتهم القيمية تشير إليهم بالبنان، والبرهان، فواحدة من هذه المنظومات تضمّ جمهرة الفاسدين، والمنحرفين، واللصوص، ومبيضي الأموال، والمرتشين، ومزوري العملات، والمعاملات، والمتنفذين، ومعتنقي مذهب حلال على الشاطر، وكل أمثالهم وأشباههم، ومنظومة أخرى تحوي من أمثال :المدراء والمسؤولين البيروقراطيين، والروتينيين، والتسويفيين، والمتسربين، والكذّابين، والاتكاليين، واللامبالين الذين يتمسكون بعربة الحياة لعلها ترجع إلى الوراء،وقطار الزمن لعلة يتوقف ، ويشدّون المستقبل باتجاه الماضي

وأكثر من هتيك إيلاما هؤلاء الخبثاء، حُسافة الناس، الذين يضمرون لأوطانهم الكراهية، ولشعبهم الحقد، الذين يتسكعون في العواصم بألقاب مختلفة، ما انفكوا دائبين على القوادة السياسية، لجلب الشر، والاستعمار، والدمار لبلدانهم، بقصد إشباع هاجس السلطة لديهم، فتراهم يمثلون مصالح العدو في أقوالهم وأفعالهم وثقافتهم، وعندما يستهلكهم أسيادهم تماما، يجدون مصيرهم كالعلكة التي تنضب حلاوتها فتقذف وتقذف خلفها بقايا المضمضة، ولو سألته ماذا جنيت ؟ لأجابك وهو متحسر، مطأطئ هامته أفلست من الزاغة والزرزور،..... ويا حسافة !!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى