الخميس ٢٧ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٨
القدس يا خلق لي...!

القدس دائماً.. القدس إلى الأبد

بقلم: طلال حمّاد

إلى أم كامل الكرد في مصابيها الأليمين

سطو الغزاة المستوطنين الغرباء على بيتها
واستشهاد زوجها جرّاء ذلك

القدس ليست مدينة
هل القدس حقّاً مدينة؟
منذ بدء التاريخ، لم تكن القدس مجرّد مدينة
هل كانت شيئاً آخر غير أنّها ساحة المبتدأ.. وملعب الخبر؟
جملة كاملة، هي، في نهاية الأمر، منذ بداية الزمن، إلى نهاية المطاف.. حول كعبة الآلهة القديمة. هل لأنّنا، ربّما، اعترفنا بعد نحو خمسين سنة من النفي الأبديّ، والشتات(وهل انتهى؟) بغول حكايات الطفولة، كائناً، بشراً، حيّاً.. بغية أن يتأنسن فينا.. أو نتأقلم نحن مع الواقع الذي ينسجه.. لنفسه.. بنفسه.. من حولنا.. ومن خلالنا.. ومن فوقنا.. ومن تحتنا.. وهل فوقنا غيرالسماء العارية.. والقاذفات المعادية؟ وهل تحتنا.. وما تحتنا.. غير كلّ ما نخاف عليه، ولا نريد أن نفقده.. كينونتنا.. وأسّ كياننا.. على وجه هذه البسيطة.. وفي أحشائها الكامنة؟
لتكن كلّ نهايات القرون القديمة.. وكلّ بدايات القرون الجديدة.. لهم.. لغيرنا.. أمّا نحن.. فلنا هنا.. ولنا الآن.. ولنا من بعدهم البقاء والسناء.. والبهاء.. ولنا ما لنا.. أن نعيش لنحيى حياتنا.. كما نشاء.. ما دام لها الخلود.. وأن نموت لتحيى حياتها.. ما دام لها الأبد .

ألم تهدم القدس من قبل أكثر من مرّة؟
لقد هدمت القدس من قبل سبع مرّات.. وأعيد بناؤها في كلّ مرّة في أبهى ما تكون مدينة من قبلها.. ومدينة من بعدها.. وفي اليوم الثامن ـ إن لم أُضع الحساب.. أقصد في الخامس من حزيران ـ جاءها الخراب الأخير.. وما الذي بناه الغزاة بعد السادس.. والسابع.. والثامن من أيّام حزيران.. وتمّوز.. وآب.. وأيلول.. وتشرين.. وكانون.. وأيّار.. وشوّال.. وشعبان.. وذي القعدة.. والوقفة.. والحجّة.. و.. ألف شهر ممّا يعدّون.. ونعدّ.. وألف.. ألف شهريار.. من الملوك.. وألف ألف شهردار.. في المدار.. وألف ألف شهرنار؟

هل عرفت القدس.. في تاريخها.. عهداً استعادت فيه روحها.. فتسامحت.. وتآلفت.. وتآخت.. مثلما فعلت بعدما دخلها عمر ابن الخطّاب أوّل مرّة.. وصلاح الدّين ـ هل أقول ـ آخر مرّة؟

هل رأت القدس.. في حياتها.. لعنة الخراب الماثلة الآن؟
تُرى.. ما الذي يقدر أن يفعله من شُلّت أعضاؤه غير المعجزة؟
وهل يكفي القدس صبرها المعجز.. وقد أُغلقت دُروبها.. وحوصرت منافذها.. وطوّقت فضاءاتها.. واستوطن الحزن أجراسها.. والدّمار تحت جوامعها.. والخراب من حول بيوتها.. وشرّد الهواء عن هوائها.. والصباح عن مسائها.. وخيّم الليل البهيم.. والصقيع المريع.. والدّموع الأليمة في ضلوعها.. وانتصرت عليها ـ ولو إلى حين.. رحلة الفاجعة القامعة القاطعة المانعة.. وكأنّها بذرة حرام في رحم القابلة.. وهي المولودة الأكثر شرعيّة لتاريخها.. وتاريخنا أجمعين؟

ولأعترف.. أنا الضعيف أمامها.. واليتيم حيالها.. أنّني لا أستطيع (ولا أحد آخر غيري يستطيع).. أن أكتب لها تاريخاً غير تاريخها.. أو أدّعي.. أنا المتيّم في حبّها.. والقتيل ـ هل قلت القتيل؟ ـ في بُعدها.. ما لم يكن.. وما كان في حقيقة الأمر هو ما سيكون.. أنّ علينا انتشالها من خاتمة الحكاية.. كي لا تقع بين يدي مخرج.. لا يُدرك لغة حجارتها النبيّة.. فَيُسْقطَ منها علامة العمر الذي يبدأ من باب الحديد.. إلى باب العامود.. مروراً بسبعة أبوابها الخارجيّة.. شرقاً وغرباً.. وشمالاً وجنوباً.. لأحطّ الرحال في باب حطّة الأسير..(أم هل كان عليّ أن أقول أنّه الطليق في ضلوع المسغبة؟).. على حدّ سنجة غاز لا يسوؤه أنّه يغتصب حمامة.. ويهتك عشّها.. حمامة ترفّ روحها على حافّة المهزلة: القدس لي

القدس يا خلق لي
القدس لنا
القدس لا
.. القدس ليست لأحد
غيرها
فكيف يكذبون
على أطفالهم
وأطفالنا
أنّهم لها
وأنّها لهم
حتّى الأزل
منذ الأبد؟
ستنسج القدس ـ حتماً ـ
على منوالها
خيوط عنكبوتها
فلا مفرّ
من الوقوع ـ يوماً ـ
في أسرها
ولا مفرّ
أنّها
في آخر كلّ أمر
هي التي ستنتصر
على أعدائها
القدس ـ هل قلتُ..؟ـ
وما زلتُ
أنّها
في كلّ مرّة
نهاية كلّ بداية
وأنّها
!خلاصة كلّ حكاية

.. وما هي القدس.. إن لم تكن كلّ شيء تبقّى لنا.. من حطام الأزمنة.. في أضلاعنا
وكلّ ما تبقّى لنا ـ أيضاً ـ .. من ركام الأمكنة.. في أعصابنا؟
وهل تبقّى لنا.. سوى حرائق الغضب.. في أديم أجسادنا؟
وكيف لا نغضب.. وهي كلّ ما تبقّى.. من نسيج الذاكرة.. في الخارطة؟
أو.. لنقل إنّها كلّ ما تفعله بي الآن.. في هذه اللحظة من انتحار القصيدة في دمي: إنّها تُشْعلُ النيران في روحي.. وتقفز

فوق مائدة التفاوض العسيرة
فمن ينقذ دمي من لوثة القلم الأخيرة
قبل أن تنفجر
عبوّة قلبي الأسيرة
تحت عتبة بيتنا المصادر
في القدس التي
سماؤها فسيفساء ترصّع السماء
وأرضها التي ترابها
لأرواحنا التي
تهيم فيها
سماد؟
فكم تُرى ستنتظر
حتّى يعود
من قبره
يفكّ أسرها.. بحدّ سيفه
..صلاح الدّين
أو أن يجيئها
على بعيره ـ عمر
يعيد فتحها من جديد؟

* * * * *

.القدس إذن ليست مدينة لأحد
!القدس ليست مدينة لأحد.. في هذا الكون.. غيري
فليفعل غيري بنفسه من أجلها ما يشاء.. فإنّها لن تكون، ولن تصبح بعدي، لأحد يحبّها، مثلي!؟

بقلم: طلال حمّاد

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى